لــــــمـــــــــاذا الـــــكتــــــــابــــة

لــــــمـــــــــاذا الـــــكتــــــــابــــة لمياء شمت الكتابة عُري فاصهل على صهوة الريح يا عارياً كالحقيقة ..

لــــــمـــــــــاذا الـــــكتــــــــابــــة

لــــــمـــــــــاذا الـــــكتــــــــابــــة
لمياء شمت

 

 

 


الكتابة عُري
فاصهل على صهوة الريح
يا عارياً كالحقيقة ..
      ....
والكتابة حلم
أريد شظاياي.. كل شظاياي
أعجنها.. أنثرها مثلما شئت
     ....
أغنية لا تبيد
       ...
والكتابة موت سعيد
تركض فيك الحرائق مهما تضيء
      ....
والكتابة عمر
يموت المغني ويبقى النشيد
       مصطفى مراد


كلما طُرح سؤال لماذا الكتابة، تبدو الإجابات وكأنها تتباين عبر الجغرافيا والتاريخ، لكنها تتضام بروح واحدة لتعلن بلغات وتعابير مختلفة بأن الكتابة محض ترحال جميل وعبور ظافر، وتحقق نبيل وانغراس دائم في رحم الوجود.

 

 

 ففي محاولة الرد على السؤال بدا أن الكل قد أنهمك في توصيف لحظة خاصة يحس فيها الجميع بأنهم يغتسلون، ويعمدون أرواحهم هناك عند نقطة الأصل، يبطلون بها فخاخ القبح والغياب واللاجدوى، يرفون الثقوب الخطيرة، لينفلتوا من ربقة طاحونة العدم، ويشقوا روافدهم الهادرة إلى النهر العظيم.

لماذا الكتابة؟! هو سؤال كبير بحق فقد جعل بورخيس يتملل طويلاً وهو يحاول تعريف ذاك الشيء الذي ينبع من مكمن عميق "وراء الذكاء أمام الحكمة"، كما هي كلماته. وهو أيضاً ما فاض به ابن عربي  وهو يجلس القرفصاء ليدون أحوال تلك الآصرة العجيبة، حيث الحروف "أمة من الأمم، تهم بها وتهم بك، يغشاك اللون الأسود فتنحل في بقعة الضوء".

 

 

 أما همنغواي فيصمت طويلاً قبل أن يقول بأنه قد تعرف اليها مصادفة، لكنه وجد فيها نضال صادق لتخطي جهامة الواقع وعبثيته. ويوافقه الرأي مجيد طوبيا، الذي يكتب ليؤنس وحشة الكون، وليشق مسربه الخاص لتفريغ شحنات نفسية ووجدانية كثيفة. ولا يختلف الأمر كثيراً عند بسيسو الذي يكتب في محاولة مستميتة لأنسنة وجود عاق.

 

 

ويلتقط الخيط إدوار الخراط ليؤكد أنه يكتب مدفوعاً برغبة جارفة لإعادة صياغةالوجود وتشكيله. ويحملنا ذلك من فورنا إلى عوالم أدونيس الذي يكتب ويكتب ليعطي الوجود حياة كما يرى ويشاء. ولا تختلف رؤية حسين مناتي الذي يكدح بالكتابة لترميم اهتراءات العالم المتفاقمة.

 

 

 وهناك أيضاً كافكا الذي هز رأسه مستخفاً بالسؤال، ليعلن "أكتب ببساطة لأنها صلاتي". ويبدو ريلكه متحمسا للإجابة، فالكتابة عنده محاولة دائمة لفتح ثغرة في أفق مسدود.
ولا يبخل مظفر النواب بتعريفه الخاص للكتابة التي يجد فيها حضناً آمناً يلوذ به إن تاهت به الدروب أو أغمت المساءات. وتطل مستغانمي لتعلن باحتدام بأن الهارب الأبدي لا ملاذ له سوى البياض. وتضيف إننا نكتب بلا شك لأننا آوذينا لحد اقتراف الكتابة.

 

 

 أما الشاعرة والناقدة أسماء الزهراني فالكتابة عندها  هطول رحيم، أو عصف مدمر، لكنها على كل حال نبع للسقيا والتطهر. ويتماس عبد الغني كرم الله مع ذات المعنى إذ أن الكتابة في وعيه هي زخات تغسل الروح، وسراج حدس للتوغل في دغل الوجود، ومعراج للذات توقده غريزة بقاء خفية تبحث عن سر الروح.

وبلغة نابضة تقول نوال السعداو ي أن الأمر يشبه كثيراً امتلاك أجنحة فضية تنطلق بها إلى قلب الفضاء الواسع. ويرمي قنديل سلامات بدلوه، فهو لطالما أحدس بأن الكتابة هي محاولة مخلصة للإجابة عن أسئلة الوجود والكينونة الكبرى.

 

 

ويرفع أسامة الخواض صوته صادحاً بإجابته الرازمة: "نردم بالكتابة فجوة الغياب، نصنع من قوة الكتابة وهم الحضور". وهو ما يدلف بنا إلى عوالم درويش وهو يشرع صوته متحشرجاً بحزنه: "أكتب لأني أقف هناك، حيث لا حب ..لا حرية.. لا وطن ..ولا هوية".

 

 

ويتصدى للإجابة كذلك أمادو ليقول ببساطة: أكتب لأوثر فيهم ما أستطعت إلى ذلك سبيلا. وهو معنى قريب الصلة بإجابة التشيكي ياروسلاف حيث يؤكد "أكتب لأخلق أثراً ورائي يدل علي". وذلك غير بعيد أيضاً من رؤية محفوظ بشرى وهو يجيب بأناقة بأن الكتابة قد تكون "رغبة غامضة في الخلق، في صنع شيء يكون هو الشفرة التي تدل عليك وسط كل هذا الصخب المسمى بالحياة، أو ربما في احتمال ثالث ما هي سوى رغبتنا في فعل يدلنا على أننا نحيا ونتحرك وسط هذا الحيز الضيق الذي نشغله ضمن الحركة الكلية للحيزات المتشابكة التي تشكل ما يسمى بالحياة الإنسانية".

 

 

أما مامون التلب فيجد في الكتابة "احتفاء بالشغفِ الأرضيِّ، ورعشة الحياة ورعشة الموت، وبغتة اللطمة، والزمجرة الطَّرُوب والقرعِ الساخط المستنـزف المستعر العاوي على كل باب مفتوح لا يؤدي ولا يَستحقّ. كتابةٌ منحازة لحرية المحاولة والاختيار والاختلاف وقوة الممكن، كتابةٌ منحازة للبشري ضالاً في ظلمات غريزته وفي ظلمات عقله، سائراً على الأرض تحت أعراس الخيال والفيزياء تهديه مساقط الممكن تحت جلده إلى بشريته. لا يعد بأقلِّ منها ولا يقبل أقَلَّ منها؛ تهديه إلى جذوته وحشيةً ومستأنسة".

 

 

وهناك أيضاً الشاعر المغربي الكنتاوي الذي يعلن بأنه يكتب قصيدته ليرميها على قارعة الطريق فيلتقطها عابر ويصرخ في وجهه الغائب: تباً لهذا الشاعر، لقد كتبني.. لقد كتبني!

وأخيراً يتبسم  الشاعر اليمني مروان عقوري بطمأنينة مريبة ليهمس: أكتب كل يوم لأراقب الكون بتمامه وهو يتضاءل لينحشر في قناة قلمي.