كلام صريح

كلام صريح لقد أصابني كورونا على صفحتي بالفيس بوك كتبتُ قبل يومين: من منكم على يقين أنَّهُ سينجو من هذا الڤايروس الوحشي؟ وكانت

كلام صريح

كلام صريح
لقد أصابني كورونا

 


على صفحتي بالفيس بوك كتبتُ قبل يومين: من منكم على يقين أنَّهُ سينجو من هذا الڤايروس الوحشي؟ وكانت ردود الأفعال قليلة جداً؛ في الواقع لقد تجنَّبوا سؤالي الاستفزازي، في حين ازداد يقيني أنَّ لا أحداً بوسعهِ الجزم أنَّهُ سيكون بعيداً عن شرور هذا الڤايروس اللعين الذي لا يفرّق بين الملك والفقير. البشرية بأسرها باتت تحت نفوذه ويمكن أنْ يتسلل إلى تجويف أنفك في لحظة سهو لا تتعدى الثانية الواحدة؛ وهذا ما حدث لي؛ لكن المفارقة لم أكن أعرف مطلقاً أنَّ ارتفاع درجة الحرارة والرشح وصعوبة التنفس كانت بسبب هذا الڤايروس الماكر، لقد انتقلت العدوى إليَّ من ابنتي (عليا) التي جاءت بالڤايروس من صديقتها؛ والتي تعافت خلال يومين بعد تناولها لحبوب البندول وشراب السعال، لكن الحمى لازمتني لمدة أسبوع؛ لم أكن متحمساً  بالذهاب إلى المشفى، لأنهم سيقولون أنت مصاب بڤايروس وما عليك سوى تناول المضادات الحيوية والراحة، فطيلة سنوات إقامتي في أستراليا لم أزرق بحقنة واحدة، ولم أر مريضاً يتلقى جرعات الدواء عن طريق الإبرة؛ ولذا اخترت البقاء في المنزل مع تناول أقراص من البراستيول والڤيتامينات. هذه الوعكة حدثت في منتصف شهر شباط؛ وأشيع في حينها أنَّ ڤايروساً مجهولاً انتشر في مدينة بيرث حيث أقيم. وحين وصلت إلى العراق مطلع شهر آذار، بدأ ڤايروس كورونا يتردد بإلحاح في نشرات الأخبار العالمية؛ وخضعتُ لفحص قياس درجة الحرارة من قبل كادر صحي في مطار النجف، أثبت أني بعافية لا غبار عليها، وهنا خلال مدة الحجر في البيوت والتي مازالت قائمة حتى الآن، بدأتُ استرجع مراحل المرض الذي أصابني هناك، مع متابعتي مثلكم لأعراض هذا الڤايروس الخطير، لقد تذكَّرت أني فقدت حاسة الشم قبل أنْ يبدأ أنفي بالرشح وتغزوني الحمّى، حتى أني ذهبتُ إلى صيدلية قريبة من المنزل وعرضت حالتي على صيدلي دمث الأخلاق، فجاء لي بمادة رائحتها حريفة وطلب مني الاستنشاق بقوة، وبعد محاولات عدة عادت لي حاسة الشم، لكن ما أنْ وصلت إلى البيت حتى فقدت القدرة على شم الروائح من جديد، أذكر أني هاتفتُ صديقي القاص علي حسين عبيد وأخبرتهُ عن فقداني لحاسة الشم، ظل صامتاً للحظات كمن فوجئ بالنبأ؛ ثم أخبرني أنَّه فقد حاسة الشم منذ سنتين ولم تعد لهُ مطلقاً، وأوصاني بتدارك الأمر حتى لا أفقد حاسة الشم إلى الأبد؛ قلقتُ جداً؛ فعدتُ إلى الصيدلي الذي أخبرني أنها بداية نزلة برد، بعد عودتي داهمني الصداع وبدأ أنفي يسيل واجتاحت الحمى جسدي بالكامل، بعد يومين تدهورت حالتي الصحية وفقدت الشهية إلى الطعام وشعرتُ بإرهاقٍ وتعبٍ شديد، كنت أتناول المضادات الحيوية وفق اجتهادي وقراءة المعلومات عن نزلة البرد في غوغول، لجأت إلى شرب السوائل الدافئة مع عصير الليمون واليانسون والبابونج وضاعفتُ من جرعات أقراص البراستيول مع مضادات ضد الالتهابات؛ بالوقت الذي نصحتني زوجتي التوقف عن هذا العبث ونقلي إلى المشفى؛ لكني رفضت طلبها بإصرار، وكدتُ أتناول النبيذ لولا اعتراضها الحاسم، كانت حالتي تزداد سوءاً ولم أعد أقوى على النهوض من السرير، في اليوم السادس عند الفجر ارتعدت أوصالي وغرق جسدي بعرق غزير، كاد قلبي يتوقف وضاقت أنفاسي، هببتُ من السرير مفزوعاً، العائلة كانت نائمة، في المطبخ نجحتُ بإعداد كوب من الماء الدافىء مع عصير الليمون، كنتُ أرتجف بقسوة، وفجأةً غادرني الألم واسترخت أعضائي وشعرتُ براحة قصوى، عادت أنفاسي إلى هدوئها وطغى الأمان على هواجسي، كانت خطواتي واثقة وأنا أذهب إلى الاستحمام، وحين انتهيت كان كل ذلك العناء قد انتهى أيضاً، هل كنتُ مصاباً بڤايروس الكورونا دون علمي؟ وقد برأتُ منهُ بجدارة وصبر وعناد. لقد تعرضت إلى نزلات برد كثيرة في حياتي وخلال سنوات الحرب في الجبهات، لكن الإصابة الأخيرة كانت مختلفة تماما، لقد التقطت زوجتي صورة لي خلال المرض، شاهدها صديقي القاص علي حسين وانتابه الرعب من حالتي المزرية؛ السؤال الذي أطرحهُ على نفسي الآن، لو كنت أعرف أنَّ الڤايروس الذي هاجمني كان كورونا، هل كنتُ سأقاومهُ وهل كنتُ أتنفس الهواء الآن؟ أعتقدُ أنَّ سبب موت كل هؤلاء الأبرياء في العالم هو الخوف.لا تخافوا وتعاملوا معهُ كنزلة برد وستنتصرون على هذا الڤايروس اللعين.

 

 


حسن النوَّاب
hassanalnawwab@yahoo.com