خارج المتاهة/ محمد عتيق خرائطنا السياسية المُمَزَّقَة
خارج المتاهة/ محمد عتيق
خرائطنا السياسية المُمَزَّقَة
______________________________
*فظيعٌ جهلُ ما يجري*
*وأفظعُ منه أن تدري*
(عبدالله البردوني)
ما الذي يحدث ولماذا يحدث ؟ تنتصب الأسئلة بحجم المتناقضات التي تتكَوَّن وتمضي أمامنا ..
الذي يجري حولنا وفي واقعنا هو تفاوض بين بعض المدنيين (المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير) وما بين العسكريين (قيادة انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١) على تأسيس سلطة مدنية كاملة ومجلس دفاع أعلى للعسكريين تحت إمرة تلك السلطة المدنية ويكون مسؤولاً عن عزل وتعيين الوزراء العسكريين في الحكومة ..
التفاوض في حقيقته يجري على ميثاقٍ سياسيٍّ لتأسيس شراكةٍ بينهما ، وقد بدأت المناقشات حول هذا الميثاق بعد الإعلان عن وثيقة دستورية/أو دستور مؤقت قيل أنها صدرت عن اللجنة التسييرية لنقابة المحامين كمقترح ، الوثيقة التي تم إخفاءها/أو تأجيل الإعلان عنها لحين صياغة إعلان سياسي والاتفاق عليه لتكون تلك الوثيقة بناءاً عليه .. وكل ذلك تحت رعاية وإشراف الآلية الثلاثية ،ثم آلية رباعية فرضت نفسها ..
هنا نلاحظ : يهدفون إلى تأسيس سلطة مدنية خالصة وفي نفس الوقت سيكون هنالك وزراء عسكريون يتولى عزلهم وتعيينهم مجلس الدفاع الأعلى التابع لرئيس الوزراء !!
***
طرفي التفاوض ، الأول : قوى الحرية والتغيير التي تتكون من بعض القوى "الأقلية" التي أسست تلك الجبهة ، وبين ممثلي تلك القوى في التفاوض من تحوم حوله أسئلةٌ حائرة .. الطرف الآخر ، العسكري : يتكون من كبار قادة القوات النظامية الذين سبق وأن دبَّروا قصة :"انحياز الجيش للشعب" وأصبحوا بحكم الواقع "المفروض" جزءاً من المرحلة الإنتقالية.. ولأسباب منها الضعف العام بين القوى السياسية عموماً ، وامتلاك الطرف العسكري للقوة المسلحة و(خبرة ثلاثين عاماً في الحكم - عسكرياً واسلاموياً - أو الإحتكاك بأروقته) ، لتلك الأسباب الرئيسية وغيرها فَرَضَ الطرف العسكري نفسه في الرئاسة ثم في احتكار أهم الملفات في الاقتصاد والسلام والعلاقات الخارجية ..
( خاطب الفريق البرهان إحدى الوحدات العسكرية مُحَذِّرَاً ، وكما ورد في الأخبار : *"البرهان يحذر الأحزاب السياسية من (التدخل) في أنشطة القوات المسلحة قائلاً : إن كل من يحاول التدخل في الجيش (عدوٌّ لنا) ..*
أما تدخل القائد العسكري في شؤون المدنيين (النشاط السياسي) فهو صداقةٌ لهم ، ولا تثريب !!
***
الميثاق السياسي يحتوي على رؤى ومفاهيم تُشَكِّل المبادئ التي تتفصل عليها الوثيقة الدستورية (الدستور الإنتقالي) .. والوثيقة الدستورية المعنية هنا هي الدستور الذي قيل أنه مقترحٌ من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ، والإشارة هنا للمقترح بأنه "قيل" تأتي انسجاماً مع البيان الصادر عن الأستاذ يحيى الحسين ، عضو لجنة التسيير لنقابة المحامين ، والذي قال فيه أن اللجنة تسييرية ذات هدف محدد وبالتالي لا يحق لها إصدار دستور ولو اقتراحاً ، وأنها أصلاً لم تجتمع وتناقش الأمر ، وأن جهات خارجية هي التي صاغت ذلك المقترح (الدستور الانتقالي) وأخرجته الآلية الثلاثية باسم المحامين السودانيين ، ثم استقال من لجنة التسيير على ضوء ذلك ... واعتماد حديث الاستاذ يحيى نابعٌ من أنه رجل يمتاز بكل صفات السياسي المستقيم في الجدية والصدق والنزاهة والشجاعة ، والمهم أنه لا أحد (فرداً كان أو جهةً) أصدر بياناً أنكر فيه قول الأستاذ يحيى خاصةً اللجنة التسييرية لنقابة المحامين التي رمى بعض أعضائها بتهمٍ غليظة ..
بعد انقلاب البرهان/حميدتي في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ أصدرت اللجنة الاعلامية لقوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي بياناً جاء فيه : *".... إننا في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير نؤكد على موقفنا الواضح والمعلن مسبقاً ، لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين ، وإن جريمة تقويض نظام الحكم الشرعي والانقلاب على الدستور وقتل الثائرات والثوار السلميين والإخفاء القسري والقمع المفرط وغيرها من الجرائم الموثقة تقتضي تقديم قادة الإنقلاب والانتهازيين وفلول النظام البائد المشكلين لهذه السلطة إلى المحاكمات الفورية..."*
(في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١)
***
"الانقلابي" و "الانقلابيون" أصبحوا الآن "المكون العسكري" كما كان عشية الوثيقة الدستورية الأولى في ٢٠١٩ !! ، و "المفاوضات" إلى "تفاهمات" وهي في النهاية "اتفاقيات" ، سَمِّهَا كما تشاء ، هي تجري تحت إشراف الآلية الثلاثية (إتحاد أفريقي - أمم متحدة - ايقاد) ثم آلية أخرى رباعية (عَيَّنَتْ نفسها) تقوم بنفس الدور (وأنشط) تتكون من : أمريكا ، بريطانيا ، السعودية ، الإمارات ، والسؤال هو : هل لأي طرف من تلك الأطراف مصلحة في صعود ثورة ديسمبر٢٠١٨ السودانية نحو أهدافها ؟؟ ..
أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة تمرُّ عبر مرحلةٍ انتقالية يتم فيها مواجهة التمكين الذي رَسَّخَهُ "اسلامويو" النظام الساقط في كل القطاعات المدنية والعسكرية ، وتحقيق السلام الشامل بمعالجة جذور الأزمة ونتائجها ، ووضع الأسس للإصلاح الاقتصادي والمعاشي على قاعدة عودة المؤسسات الحكومية ومفاهيم الرعاية الإجتماعية وإعادة بناء المؤسسات العسكرية والعدلية والأمنية على أسس وطنية وعقد المحاكمات العادلة لكل جرائم النظام الساقط وجريمة فض الاعتصام واغتيال اعداد ضخمة من شباب المقاومة لانقلاب ٢٥ اكتوبر٢٠٢١ على طريق الصعود بالثورة .. فترة انتقالية تُكمل كل تلك المهام وتنتهي بعقد مؤتمر دستوري لتقرير كيف يُحكم السودان وصياغة دستور له ثم قانون للانتخابات العامة لتجري على أساسه إيذاناً بانتهاء سلطة الشرعية الثورية ...
أليست تلك هي الخطوط الأساسية لأهداف ثورة ديسمبر الجبارة ؟ ، هل لأيٍّ من تلك الأطراف الخارجية (الثلاثية والرباعية) مصلحة في تحقيق ولو جزءٍ منها ؟؟
***
نتحدث ليلاً ونهاراً عن ضرورة وحدة قوى الثورة ، وعن أوسع جبهة لها ، وفي نفس الوقت نمارس التفاوض مع نفس القوى التي نقضت العهد وانقلبت علينا !! ، وبما أن (الانقلابيين) قد حَوَّلْنَاهُم إلى(المكون العسكري) فسيتم اعفاءهم رويداً رويداً من كافة الجرائم بحق الثورة والثوار عن طريق منح أعضائها حصانةً من تلك الجرائم والمساءلات الجنائية ...
كل ذلك وبلادنا تعيش أسوأ فترات حياتها : تدهوراً مريعاً في الأمن وفي البيئة ، ندرةًفي السلع مع الغلاء المتصاعد يومياً في أسعارها توقفاً تاماً في الدولة وأنشطتها مع إرتفاع كبير في نسبة العطالة .. بينما أطراف في الحركات المسلحة تعتقد أن السودان كله مسؤول عما أصاب دارفور وأنه حان وقت الحساب ، فاشتركت في انقلاب البرهان/حميدتي وتمسَّكت بالوزارات الاقتصادية لتسخير كل الموارد لمصلحة دارفور - ولما كانت الموارد شحيحةٌ معدومة - اعتمدت تماماً على المواطنين وجيوبهم الخاوية لتتحول الدولة إلى دولة جبايات (فاقت دولة النظام الساقط) يتلَوُّونَ تحت وطأتها ..
كل ذلك يجري وقوى الثورة - أحزابها وتنظيماتها - تتحدث (ويا للمفارقة) عن ضرورة التوحُّد والاصطفاف في أوسع جبهة شعبية لمقاومة الانقلاب !!
ما الذي يمنع القوى السياسية أن تلتقي ، تجتمع وتتعاون من أجل الوطن الذي تأسست بإسمه ، ولمصلحة مواطنيه ؟؟ ما المانع ؟
- هل هي الرغبة (الدفينة) للعودة إلى مقاعد السلطة والنفوذ ؟
- ألهذه الدرجة تتقاذفنا أمراض الأنانية والمظهرية ؟
20.11.2022