قصة قصيرة

قصة قصيرة ، بقلم د.ريم أحمد محمود نسيان في هذه الأثناء ، كان يوقع على كتابه الجديد

قصة قصيرة

قصة قصيرة ،
بقلم د.ريم أحمد محمود
                
      
                    نسيان


     
      في هذه الأثناء ، كان يوقع على كتابه الجديد الذي وسمه (صوب النسيان و التحليق ) عندما تقدمت منه صحفية شقراء ، نحيلة حد المرض.
- سيدي ، هل النسيان فعل اختياري؟
لم يتردد و هو يهبها إجابة على سؤال ظنه تافها.
- نعم.
فاجأته بسؤال آخر ، أكثر إزعاجا للذاكرة.
- و هل نسيت حقا؟!
صمت قليلا ليفكر. فباغتته بنظرات متشككة، أو ربما متحدية!  
- سيدي، تقدم في كتابك نصائح لسلخ الذاكرة و العبور إلى النسيان ....لابد أنك اختبرت ذلك.. فهل نجح الأمر؟!
كان مذهولا. . ربما مرتبكا أيضا، فكر( من أين جاءت هذه المتحاذقة؟ ! ).
لازالت تحملق فيه، تتربص به، كانت جاهزة للإنقضاض على أية إجابة يدلي بها.
تشكك (أ هي صحفية حقا؟! ).
    في هذا البلد، لم يكن مطالبا بشيء بعد نجاحه في الحصول على حق اللجوء، حرا صار ... وجد ما يحفزه ليتفرغ كلية للكتابة. ..ليس ملاحقا من أحد بعد الآن .
في أعماق عقله، يدوي صوت صفعة قوية جاءته من الظلام حتى كسرت سنه. كان معصوب العينين، مقيد اليدين و القدمين إلى الخلف على كرسي حديدي ، هو كل أثاث الغرفة التي قضى فيها نحو 72 ساعة من الخوف و القلق.
       جاءه صوت جهور كالصاعقة
- ها ! لابد أن إحراق بيتك في حادثة عابرة، تافهة ...لا يكفي؟!
   شد أحدهم رأسه من الخلف بقوة.
- ها ! ...لا نزال رحماء معك، لا تجبرنا على أذيتك. ..
ضحك، قهقه . تابع
- لا نحب ذلك ! . ثم أضاف
- كما أن وفاة زوجتك و ابنك في حادث مروري مروع ، يجعلنا نتعطف عليك، لا تجعلنا أكثر قسوة.
    صمت الصوت قليلا ، لم يعد يسمع إلا أنفاسه و دقات قلبه.
   بدأ الماء يقطر فوق رأسه،كان باردا و كان ظامئ حد الفناء ؛ لم يذق الماء ل 24 ساعة كاملة . حرك رأسه إلى الأعلى فاغرا فمه؛ ليدخل بعض الماء البارد إلى جوفه المتصحر. ..ينجح في تصيد القليل متتبعا مصدر تساقط القطرات المتهادي من الأعلى...يبتلع ريقه ، ما زال يريد مزيدا من الماء ... يفغر فمه مرة أخرى ، يتلقف قطرات الماء البارد، فإذا به يتحول فجأة إلى ماء حار يغلي، يحرق فمه و حلقه و بعض وجهه، فيتلوى صارخا ..
جاءه صوت من خلفه، أكثر حدة هذه المرة .
- ها ! ألا زلت مصرا على الصمت؟! ...
يصفر قرب أذنه صوت تلويح بشيء ما ، ربما لوح معدن أو ربما لوح خشب ! . و فجأة من عمق الظلام ، تسقطه على الأرض صفعة قوية حتى تطن أذنه...سجنه الطنين لبعض وقت كأنه سنوات! ..تحسس الندبة العظيمة على خده الأيمن.
- سيدي ! ..سيدي!
أخرجه صوت الصحفية من دوار الطنين ذاك.
- سيدي ، متى نعرف أننا قد نسينا الماضي ؟!!
نظر إليها مذهولا !
- لن ننساه ، أقصد ليس علينا أن ننساه ...و لكن نستطيع أن نتذكره بلا ألم ...نعم ، تماما بلا ألم .
انحنى ليوقع نسخة أخرى من كتابه و قدمها إليها .