فقط الإنسان
فقط الإنسان حميد الرقيمي- اليمن الإنسان هو طريقي الوحيد إلى الكتابة، لا أكتب إلا ما يخالجه وما يصارعه وما يعيشه من معارك في هذه الحياة، هذه مهمتي الوحيدة، منذ فترة طويلة وأنا لا أجدني خارج هذه الدائرة
فقط الإنسان
حميد الرقيمي- اليمن
الإنسان هو طريقي الوحيد إلى الكتابة، لا أكتب إلا ما يخالجه وما يصارعه وما يعيشه من معارك في هذه الحياة، هذه مهمتي الوحيدة، منذ فترة طويلة وأنا لا أجدني خارج هذه الدائرة، أعتكف في عيني المارة طويلاً، أتعلّق بنبرة صوتٍ حزينة سمعتها وأنا على الحافلة مع جمع من الغرباء، أتسلق حكاية مؤلمة عاشها شابٌ في غمار بحثه عن الحياة، أطارد شبح الجوع الذي يطاردني ويأكلني، أتلقى رصاصات الحرب بقلب ممزق لم يعد يعرف نفسه إلا في عمق الوجع، أبحث عن ذلك الأمل المفقود في لعبة طفل يثيره فضولي العابر ويسعده، أنام على رصيف المنفي الذي تعصفه رياح البلدان دون أن يجد مستقره الأخير، أبكي نفسي، ذلك الشايب المنسي، ذاك الشاب المجهول، هذه البلدان التي لم تعرف يوماً نعمة الوجود وقيمة البقاء، أحدقُ كالأبله في تجاعيد النسوة المكافحات، أتلّمس سنوات عمرهن وهن في حالة الشرود الطويل، أحشر نفسي في أحشاء ذلك المتسول مبتور الحياة دون أن يدري، أصارع أوهامي التي هربت من ذهنية ذلك المجنون الطيب، أقيم في كوخ الصياد الأعمى، ألاعب نزق الرياح التاهئة الجامحة الغاضبة؛ فقط لأنني أخشى على الإنسان في الجانب الآخر من سقوط منزله الهش، أواسي ذلك المثقف المظلوم الذي يحاكم نفسه كل لحظة دون ذنب اقترفه، أضع قلبي على أعين الطفولة المرمية في الشوارع حتى لا تشاهد مستقبلها الأكثر بؤساً، وأنا أين من هذا كله، لا أعرف، لم أجد إجابة حتميمة، لكنني بين كل تلك التفاصيل أموت رويداً، أشنق نفسي هنيئاً بإنسانية تتسرب من أحشاء الإنسان على وقع المشاهد الدامية، لهذا لا أكتب إلا الإنسان، ولم يعد هناك خانة أخرى تحفل بقدومي؛ فقد غرقت في هذه الزوايا منذ قرون عديدة.