رفاعيات 7
رفاعيات 7 بقلم د. نعمات كرم الله حامد وإذا الطمأنينة سئلت .. في مقابل طبيعة البشر نتناول في هذا المقال الرؤية التي يقدمها الكاتب علي الرفاعي عن طبيعة البشر وحدود تهيئتها وملاءمتها للامتثال لخطابات الترهيب التي تستهدف المثل العليا.
رفاعيات 7
بقلم د. نعمات كرم الله حامد
وإذا الطمأنينة سئلت .. في مقابل طبيعة البشر
نتناول في هذا المقال الرؤية التي يقدمها الكاتب علي الرفاعي عن طبيعة البشر وحدود تهيئتها وملاءمتها للامتثال لخطابات الترهيب التي تستهدف المثل العليا. والمضامين الرئيسة التي يرمي إليها الكاتب هي ضرورة تغيير هذه الخطابات بفهم طبيعة النفس البشرية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الشخصية في المقام الأول. ولتحقيق محمولاته الفكرية، من خلال تحليلنا لكيفية تشابك الخطابات داخل منجزه الإبداعي، ركز الرفاعي بشكل أساسي على خطاب الوعظ والإرشاد والنصح وما يجب أن تكون عليه مناهجه وطرائق توصيله آخذاً في الاعتبار طبيعة الإنسان التي جُبلت على حب نفسها وأنانيتها. نبدأ أولا بعرض سلوك وتصرفات أهل قوزقرافي في مواضع مختلفة لعكس رؤية الكاتب التي نتناولها بالدراسة.
نقرأ في رواية (النيل يعبر إلى الضفة الأخرى: ص38) تصرف (صالح) مع إبنه (يوسف) وبعد غريةٍ طويلةٍ من العمل خارج قوزقرافي عاد الوالد (صالح) للبلد يبحث عن حقه الذي رعاه وأشرف عليه ابنه وأحبّ الارض والزرع ولم يبرح مكانه " ..بارك الله فیك یاولدي..عمرت الأرض، وأنا عافي لك أَكلـك الفـات منهـا. لاكین من النهار دا الطین طیني والنخل نخلي."
وهو نموذج لطبيعة البشر في أنانيتها وتفكيرها في نفسها دون أي مراعاة، فالإبن (صالح) لم يصدق أذنيه، يحسب ما عكسه لنا الراوي "هذه أسوأ عبارة بمكن ليوسف أن بتوقع سماعها من أبيه الذي تقاعد الآن".
ونأخذ نموذجاً ثانياً يصف المأمون في رواية (الطاحونة: ص16) " أَمــا شخــصیة المعلــم المــامون فقد كانت معتدلة نسبياً، بحكم أنّه أستاذ وعــضو فــي مجلــس إدارة المــشروع الزراعــي الحكــومي ولجنــة دكــان التعـاون ـ وسكرتـیر لجنـة البئـر الإرتـوازیة؛ فوضـعه الاجتماعـي یفــرض علیه قـدراً من الاتزان، وإن كان لا يصلي إلا الجمعة دعماُ لمركزه في القرية."
ونتبين من خلاله صفةٌ أخرى للنفس البشرية وهي تاثرها بمكانتها في المجتمع وبما يوحيه العرف الاجتماعي فالإنسان يحب أن يكون مشهوراً ومحترماً وله مكانة بين الناس تخدم مصالحه الشخصية.
واخترنا النموذج الثالث من رواية (الشمس تغيب إلى أعلى: ص49-50) " المطـر لـم ینـزل فـي البادية..الأخضر يبس والجلود نشفت على العظام؛ فتـدافع الأَعـراب إلى النيل أو (البحر) كما يطلفون عليه. هــذا الأَعرابــي كــان أَحــد هــذه الأَفواج.. تجمهر حواه خلق كثير، سأله بعضهم من أي الأعراب هو؟ آخرون سألوه عن حال البادية، وكنت ضـمن الذين جذبهم حب الإستطلاع. نظرت إلى وجهه اليابس كالصحراء..وجهه كان يابساً كضفدعة يابسة منذ أشهر، والضفادع مثل هذا الأعرابي تستهويها المياه والأنهار، وتعيش أيضاً على الحافات والصحاري. َّ بالطبع لم یكن یعني الأَعرابي ما یعني الخلق المتجمهرين حوله..كان يفكر في شيئٍ مختلفٍ تماماً..كان يفكر في الجسر. وقد ترجم أفكاره هذه حين طلب منهم أن يدعوا -على حد قوله- النيل يسرح، فهو لن يضرهم ويفيد أهل البادية التي لم تر النطر لستوات عدة...".
وهنا نجد تجسيدا لصفةٍ أخرى وهي الأنانية فالإنسان مجبول بالفطرة على حب نفسه دون الاكتراث لغيره
فالذي يحكمه هو طمعه وتكالبه.
ونجد النموذج الرابع في رواية (الطاحونة: ص15) حيث يعكس حب النفس البشرية بطبيعتها لملذات الدنيا ومغرياتها التي تفسد على صاحبها صلاته وتوبته وتذهب بعقله وتخلب بصره:
"كـان الأَمـربالنسبة لود الـصایم یعنـي الكثیـر؛ فهـو الوحیـد بیـنهم الـذي ولـغ الزمان في كوبه . لقد كان یحفظ كتاب الله ویدیم تلاوته وترتیله ، َّ لكنـه یبـدو الآن نحیلا َّكالسیف طویلا كصاري َ المركب، له أَسنان ِ كأَسنان سمكة هرمـة.. لقد أَكلـت الخمـر أَسـنانه وایمانـه .. َ افتقـر بعـد تـرف وحـزن بعـد فـرح .. َطلـق الزوجة ورهن الأَرض. وقد توهم أَنه وجد المال والزوجـة والأَرض فـي زجاجـة العرقي، التي كـان یـستدینها فـي كـل لیلـة مـن إحـدى صـانعات الخمـر. ولما تراكمت علیه الدیون توقفت المرأَة عن مده ببنت الـسلاف ؛ فلـم یجـد بداً أَن یـصنع العرِقـي بنفـسه ولنفـسه؛ حتـى هـزل وبانـت كـلاه. ثـم أَعلـن توبتـه عـن الخمـر وأَشهد علیها شیخنا ود جكـوم، وصـار مؤذنا للجامع. ثم انتكس وصار یشرب في الخفاء، فیختلف إلى الجامع والى مجالس الشر ب التي كان یدعوه إلیها أَصفیاؤه؛ بعد أَن أَوقف تقطیر العرقي في بیته."