خارج المتاهة / محمد عتيق*  لإنقاذ الوطن ، *بعيداً عن الظنٍّ والتعنُّت*

خارج المتاهة / محمد عتيق*  لإنقاذ الوطن ، *بعيداً عن الظنٍّ والتعنُّت*

*خارج المتاهة / محمد عتيق*
 لإنقاذ الوطن ، *بعيداً عن الظنٍّ والتعنُّت*
_______________________________
                    (١)
  عند الحديث عن الراهن السياسي لا بد من التعرُّض لمشروع التسوية/الاتفاق الذي يجري بين المكون العسكري وبين قوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي .. 
المكون العسكري هو بعض من اللجنة الأمنية للنظام الساقط وكبار جنرالاته وقيادة الجنجويد ، يمثلون المؤتمر الوطني المحلول ، ولكنهم حريصون أكثر على سلامتهم من المساءلات عن جرائم دارفور وفض الاعتصام ومليونيات الرفض لانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ . والمجلس المركزي هو بعض البعض من الأحزاب والتنظيمات التي أسست قوى الحرية والتغيير وقامت بإذاعة إعلانها في الأول من يناير ٢٠١٩ .. وذلك بإشراف دولي متنوع : آلية دولية تتكون من الاتحاد الافريقي ، الايقاد ، البعثة الأممية . وآلية رباعية تتكون من دول أمريكا ، بريطانيا ، السعودية والإمارات.. 
  بالمقابل نجد كتلتين : الأولى تنادي بأن يكون الحوار سودانياً سودانياً وأن لا يتجاوز دور الآلية الثلاثية دور التسهيل ، مرتكزاً على بنود واضحة تنص على دمج كافة الحركات المسلحة في الجيش على طريق تأسيس قوات مسلحة سودانية مهنية واحدة ، وايلولة كل الشركات والمؤسسات  الاقتصادية التي تمتلكها تلك الجيوش لوزارة المالية ، مع مراجعة اتفاقية سلام جوبا ، وإصلاح المنظومة العدلية مع المحاكمات اللازمة في مختلف الجرائم ، وتفكيك التمكين "الاسلاموي" ...الخ
والثانية : ضد كل تفاوض مع العسكريين والتمسُّك بشعارات الشارع (لا شراكة ، لا تفاوض ، لا شرعية)... وهكذا .
   كل هذه الكتل والمكونات  تتغنى بالدولة الديمقراطية المدنية والإصلاح العدلي والعسكري وإجراء المحاكمات وتحقيق السلام وعقد المؤتمر الدستوري ..الخ.. وفي نفس الوقت هي كتل متصارعة ، بينها ما صنع الحداد ، كل جهودها وقدراتها موظَّفة لتبخيس الآخر ومحاكمة نواياه بالظن وبالتعنًّت ..
                    (٢)
         نحن في لحظةٍ فارقةٍ من عمر وطننا السودان ، لحظة تتهدده فيها مخاطر جمة ، مخاطر من خارجه لها قواعد في الداخل (بيننا) للمساعدة و"تجهيز المسرح" ليصبح الخطر مخاطر .. هي لحظةٌ كثُرت فيها الدعوات القَبَلية والجهوية والطائفية ، واشرابّت إلى عنان السماء لتكون الأعلى صوتاً والأكثر لمعاناً وجاذبيةً .. وهي لحظةٌ كثُرت فيها المساعي الخارجية (الإقليمية والدولية) لتحقيق الجماعية والفردية لتصبح المساعي سيوفاً للبتر والتقسيم لتحقيق تلك الاطماع في دويلات يسهل بلعها والسيطرة عليها ..
  فإذا كانت القَبَلية والعنصرية والطائفية هي الأسلحة الرئيسية في تحقيق تلك المخاطر فإنها (تلك الأسلحة) تتغذى على الجهل والأمِّيَّة في انتشارها الذي يطغى على كل دعوةٍ أو مسعىً للتنوير والإدراك والإلتزام....
      كل الأفراد والجماعات التي تقود هذه المكونات والكتل(المدنية والعسكرية)، جميعهم ، وبالتجربة الحياتية ، هم أبناء الثلاثين عاماً الماضية ، الأعوام التي ساد فيها "الاسلامويون" ليجعلوا من المساجد والتنظيمات والجمعيات الإسلامية وتسمياتها من أسماء الشركات إلى أسماء المدارس وحتى متاجر الأعمال والمهن البسيطة ، ليجعلوا منها دروعاً يختفي خلفها فسادهم واستبدادهم،  وتختبيء انانيتهم فتصبح السرقة والنهب - مع الزمن - هي الشطارة ، والتبجيل لصاحبها - ممارسها- وتكون الاستقامة والأمانة(عباطةً) تزدري صاحبها .. هذه الرؤى والممارسات مع تطاول عهدها أصبحت هي القيم في القناعات لتكون ثقافةً في المجتمع الذي أصبح أفراده يرددون عبارات وهمهمات دينية في كل المواقف والظروف دون تدَبُّرٍ أو عملٍ بتلك العبارات ..
    ومع رحيل القيادات الأكبر عمراً وأكثر وعياً واستنارةً أصبحت القيادات السياسية الحالية أكثر تعبيراً عن تلك الثقافة وذلك المجتمع عن المجتمع والواقع الذي تسعى تلك القوى الوطنية لتحقيقه ارتقاءاً بالوطن وبالمواطن ، لتصبح هي "أي القيادات السائدة" هي العلة الجوهرية التي تواجه الوطن ...
 ولكن ؛ هل ننتظر الحل الذي نقول ونؤمن به : صعود المنتمين أو الذين سينتمون للأحزاب الوطنية من شابات وشباب لجان المقاومة (أصحاب اليوم والمستقل) ، صعودهم إلى قيادة تلك الأحزاب ليبدأ عهدٌ وطنيٌّ جديدٌ في بلادنا ، عهد (الحزبية الإيجابية) التي تتأسس على حب الوطن والشعب ، وعلى موضوعية العلاقات والتفاعل والمواقف حكومةً ومعارضة...الخ..الخ؟ بالتأكيد لن ننتظر ذلك الحين والمخاطر تتزايد من حولنا وتطوقنا.. 
                  (٣)
   هنالك ايجابيات وسلبيات في مواقف ودعوات تلك الكتل المختلفة ، فلنجعل من إيجابياتها برنامجاً نلتفُّ حوله ، نُصيغ لبنوده إجراءات عملية محدَّدة للتنفيذ ، ونستخلص منها ما يدعم المشروع الوطني الذي يصبح انجيلاً ثابتاً وتكون تفاصيله هي الخلافات التي نصطرع عليها كبرامج انتخابية ، كل حزبٍ يستمد منها مبررات وجوده ، والجميع معنى التعددية الحزبية .. 
   الإيجابيات المشتركة أو الشعارات التي ينبغي أن نُدير على أساسها حوارنا الوطني الراهن يمكن تلخيصها في : 
١/ أن يكون الحوار جماعياً تشترك فيه كل قوى الثورة إذ لا كتلة أو جماعة وصِيَّة على الآخرين في التفاوض وعقد الاتفاقات .
٢/ أن يكون سودانياً بحتاً ، بين سودانيين من أجل وطنهم وشعبهم ، بإدارةٍ سودانيةٍ في تحديد البنود والإشراف.. اللجنة الثلاثية -الآلية الأممية- (الايقاد ، الاتحاد الافريقي ، الأمم المتحدة) تكون فقط لجنةً للتسهيل وإزالة العقبات ..
٣/ الاتفاق على برنامج للفترة الانتقالية (اقتصادي ، تعليمي ، عدلي ، نظامي..الخ) ، ومفوضيات على رأسها تفكيك التمكين واسترداد الأموال المنهوبة.. مع الإتفاق على زمنٍ كافٍ لعمر الفترة الانتقالية (٥ أعوام مثلاً) ... 
وأن يكون واضحاً أن مصدر العمل الوطني خلال الفترة الإنتقالية يستمد سلطته من الشرعية الثورية التي تقصي المؤتمر الوطني تماماً ، وتحظر على حلفائه ومن كانوا معه حتى سقوطه من المشاركة في الفترة الإنتقالية..
٤/ أن تقوم - ضمن مفوضيات الفترة الانتقالية - لجنة للمؤتمر الدستوري تعمل على الاعداد له وعقده في ختام الفترة الانتقالية ، على أن يتمثل فيه الجميع ، ومن أهم واجباته :
- صياغة دستور دائم للبلاد يقوم على الإتفاق حول : كيف يُحكم السودان ..
- صياغة قانون للانتخابات ، قوام عملها لجان فنية محترفة للإحصاء السكاني وضبط الجنسية السودانية ومراجعتها ، وتقسيم الدوائر  ... الخ ..
٥- مراجعة اتفاقية السلام بحيث تكون بين قوى الثورة (مدنيين وحركات مسلحة) ومحصورة فقط في دارفور والمنطقتين ، مهتمة عملياً باللاجئين والنازحين وإعادة الحقوق والممتلكات لأصحابها ، تعويض المتضررين مادياً مع منح تلك المناطق أفضلية في خطط التنمية ...الخ ، ثم دمج وتسريح العسكريين وإنهاء كافة المظاهر المسلحة في البلاد وإقامة قوات مسلحة واحدة وأخرى للشرطة وأن يلتزم الجميع بمهامهم المحددة المعروفة..

     ذلك بدلاً عن المطالبة (نظرياً) بوحدة قوى الثورة وإضاعة الوقت في الندوات والمؤتمرات ذات المضامين المكرورة ، إذ لا يكفي أن تدخل المعتقلات وتمارس عليك السلطة عسفها ، ولا أن تكون لبقاً وجذاباً في الحديث ، المهم أن يكون الإخلاص وأن تكون الجدية والنزعة العملية ...
على هذا الطريق هل نطمع...؟
  30.10.2022