توزع دم الشعر على قبائل الأجناس الأدبية ،وغير الأدبية 

الشاعر الجزائري ناصر بكرية توزع دم الشعر على قبائل الأجناس الأدبية ،وغير الأدبية  - الشعر هو الإنسان الذي انطوى فيه العالم الأكبر - الساحة الشعرية الجزائرية تتعايش فيها كل أشكال القصيدة - سياسة التعريب الاستعجالية جنت على الشخصية الجزائرية الجزائر - محمد نجيب محمد علي 

توزع دم الشعر على قبائل الأجناس الأدبية ،وغير الأدبية 

الشاعر الجزائري ناصر بكرية
توزع دم الشعر على قبائل الأجناس الأدبية ،وغير الأدبية 

- الشعر هو الإنسان الذي انطوى فيه العالم الأكبر
- الساحة الشعرية الجزائرية تتعايش فيها كل أشكال القصيدة
- سياسة التعريب الاستعجالية جنت على الشخصية الجزائرية

الجزائر - محمد نجيب محمد علي 


يعد الدكتور ناصر بكرية من أقوي الأصوات الشعرية الجديدة  في الجزائر، وهو  شاعر وكاتب إعلامي صدرت له  ثلاثة دواوين شعرية ،وكتاب عن  الحداثة في النص الشعري الجزائري ،و يشتغل الآن  صحفيا بالاذاعة الجزائرية وأستاذا للأدب المغاربي بجامعة الجزائر  ،وجاءت  اطروحتة للدكتوراة حول الشعر المغاربي المعاصر . في ملتقي ربيع الشعر العربي في البليدة  بالجزائر كان الحوار حول تجربته الشعرية وأسئلة الراهن الثقافي وإشكالات القصيدة المعاصرة 


-الشعر الحديث وإشكاليات التلقي واللغة 
عندما نقول الشعر الحديث، فنحن بالضرورة نتحدث عن الحركة الشعرية المصبوغة بصبغة حداثية، والحداثة تستعصي في كثير من الأحيان على الذائقة العربية الكسولة، التي مازالت تتكيء على المعايير القديمة... من مقاربة في التشبيه، وملاءمة اللفظ للمعنى، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، وغيرها من قواعد عمود الشعر التي سنها المرزوقي ومن سبقه من المحافظين في التراث العربي، بينما يقوم الشعر في جوهره على طبيعة قلقة لا تتغذى إلاّ على الخرق والتجاوز والعدول والانزياح عن كل ما هو مألوف فالشعر في أحد تعريفاته هو أن تقول الأشياء العادية بطريقة غير عادية أو هو بتعبير الشاعر الجزائري عمار مرياش " اكتشاف العادي"، وحين نطرح إشكالية التلقي للشعر فنحن نتحدث عن قضية في غاية التعقيد يتداخل فيها السياسي بالثقافي والجمالي بالإيديولوجي، والمحلي بالكوني والعالمي، لأن ما يصنع الذائقة هو السائد اجتماعيا وبيئيا كما تساهم فيها المنظومة التعليمية والثقافية التي تشكل الوعي فالتلقي والتذوق يتشكل من خلال تراكمات تمتد من القيم المحلية إلى القيم التسويقية المعولمة، فهي قضية شائكة رغم أننا نتعامل معها بكثير من التبسيط والاختزال.. وإشكالية التلقي ليست جديدة وليست طارئة فأبو تمام حين عاتبه أحدهم "لماذا لا تقول ما يفهم" أجابه " لماذا لا تفهم أنت ما يقال". فالإشكالية الارتقاء بالجماهير وذائقتها إلى تلقي النصوص الجيدة أو النزول بالنصوص إلى الجماهيرية هو مشروع تتحمل الإجابة على الشق الأكبر منه النخب السياسية فهي من تتحمل مسؤولية التحديث وبناء الوعي من خلال المنظومة التربوية والتعليمية ،أما فيما يتعلق بالشق الثاني من سؤالك حول اللغة فهو أكثر تعقيدا لارتباطه بالشق الأول ومع ذلك فالأمر لا يعفي بعض الشعراء من إغراقهم في التعمية والغموض غير الوظيفي لتوهمهم أن الشعر هو تلك الهيروغليفية المستعصية على الفهم، بينما الشعر ابسط وأجمل من ذلك إنه ليس تلك المجازات والاستعارات التي لا رابط بينها بل تلك المجازات والاستعارات التي تعيد بناء العالم في لحظة يقظة مفتوحة على احتمالات كثيرة وعلى أسئلة أكثر..
-القصيدة العمودية عادت إلى الساحة من جديد لماذا؟ 
ما يتبادر لي ليس ما يغري به سؤالك من الانسياق للتواطؤ على مغالطة عودة القصيدة العمودية، فالقصيدة العمودية ليست –قطعا-هي القصيدة الخليلية (الموزونة) فعمود الشعر يرتبط بالمعايير السبعة التي حددها المرزوقي(...) ومن سبقه من المحافظين القدامى، وهو ما يجعل العمود ليس حكرا على القصيدة الخليلية فهو يمتد إلى قصيدة التفعيلة وحتى قصيدة النثر العمودية، فحين تتكيء قصيدة النثر على التشبيهات المقاربة، وانسجام الاستعارات، وحين تصدر عن وعي تقليدي فهي قصيدة عمودية أيضا، فالقصيدة العمودية والاتجاه العمودي في الوعي العربي لم يغادر حتى نُبشر أو نحذر من عودته ..
-الشعرية العربية الحديثة ليست ذات توجه يختص بها أو لونية يمكن قراءة بوصلتها بمعزل عن استخدام المعايير العربية؟
هنا مهبط طائرة المعنى التي لا مدارج لها -حتى لا نقول مربط الفرس التي توشك على الانقراض -" فالشعرية العربية – مع بعض الاستثناءات- لم تستطع أن تتخلص من أوضار وأعباء الماضي الممتد والمتكلس بمعاييره المقدسة التي ترفض أي خلخلة في شقها الرسمي ..أما في الهامش وفي المناطق المنبوذة وغير المرئية من المؤسسات والجوائز الرسمية فتنمو رؤى جديدة وذائقة جديدة وعمقا أخاذا وأسئلة وجودية حارقة ممضة، عبر الشعر الذي لم يعد يخضع لمعيار إلا معيار الشعر ذاته ...
-قصيدة النثر لازالت بعيدة عن التجذر في البيئة العربية ؟
الشعر إما يكون شعرا أو لا يكون والأمر لا علاقة له إطلاقا بالشكل، لذلك قلت سابقا إن بعض ما يسمى بقصيدة النثر يصلح أن نسميه قصيدة نثر عمودية، كما أن كثير من الشعر الموزون يحمل جينات شعرية خالصة، أما الجزم بعدم تجذر قصيدة النثر في البيئة العربية فهو طرح يحتاج إلى إعادة نظر في رأيي فلا توجد أية آلية نستطيع من خلالها رصد تجذر قصيدة النثر في البيئة العربية من سواه، ولو كانت الأحكام تأخذ شرعيتها من الملاحظات الشخصية العامة لجاز لنا عكس المسألة فأغلب ما ينشر من نصوص في الشبكة العنكبوتية، وأكثر ما توزعه دور النشر العربية من دواوين تطغى عليه قصيدة النثر، رغم أنني لا اجزم بالأمر لأنه يحتاج إلى دراسة معمقة ولا يصمد أمام الأحكام الانطباعية العامة ، ومثل هذه الدراسات غائبة في العالم العربي الذي لا نعرف تحديدا هل يقرأ أم لا يقرأ؟ وماذا يقرأ؟ وكيف يقرأ؟ فضلا أن نعرف دقائق القراءة المتخصصة ومدى تجذر قصيدة النثر فيه ..الأمر يبدو كاريكاتوريا أحيانا وسورياليا في أحايين أخرى
-غاب المشروع السياسي العربي فانكسر عمود الشعر ؟
إن سمحت لي فسأعكس المعادلة .. فلعل امتداد عمود الشعر فينا بمعاييره ووحدانيته واتجاهه الدكتاتوري وقداسته هو ما جعل تفكيرنا يمتد باتجاه واحد ورؤية واحدة، قتلت فينا أي تعدد للرؤى والمشاريع السياسية ونتيجة لذلك التصور الساذج للشعر مازلنا نعتقد أن الشعر هو ديوان العرب، دون أن ننتبه إلى أن وظائف الشعر القديمة، من إخبار وإشهار وترفيه وفرجة وتاريخ قد سُحبت منه إلى أدوات ووسائل فرضها التطور العلمي والتكنولوجي الذي طرأ على الحياة البشرية وبذلك توزع دم الشعر على قبائل الأجناس الأدبية ،وغير الأدبية وانتقلت روح الشعر إلى فضاءات جديدة فصار الشعر في النكتة/ وفي التعليق الفايسبوكي والتغريدات التويتية، وفي السينما.. وفي المسرح والأشرطة الوثائقية، فأينما تولِّ فثم وجه الشعر ...أما المشروع السياسي في العالم العربي فالحديث عنه في مثل واقعنا ضربٌ من الترف في ظل الضحالة والتسطيح السائدين، وعدم الاستثمار في الإنسان وسيطرة الخطاب الديني وطغيانه على الحياة في هذا الخراب المسمى عالما عربيا..
-الربيع العربي لم ينتج شاعره؟
ما حدث من حراك في العالم العربي نتيجة القهر وغياب الحريات وسوء الأوضاع الاجتماعية، واللاعدالة في توزيع الثروات، كان ردَّ فعلٍ طبيعيا من الشعوب لكنني لا اعتبره ربيعا لما آل إليه من مآل حتمي بسبب اختراقه من قبل الأجهزة الاستخباراتية وتوجيهه من جهة، وركوبه من قبل التيارات الدينية المتطرفة من جهة ثانية، أما أن يخلق شاعرَه فالمسألة لا انظر إليها من هذه الزاوية فالشعر كف منذ زمن أن يكون أداة للتجييش والتعبئة أو التبشير بالقضايا الكبيرة ، الشعر هو الإنسان الذي انطوى فيه العالم الأكبر وإذا كان من شاعر للتبشير بالربيع العربي فهو قناة الجزيرة ! الم أخبرك من قبل أن الشعر توزع دمه على قبائل الأجناس الأدبية وعلى الفضائيات ...
-الشعر الجزائري وموقعه في خارطة الشعر العربي ؟
أظن أن الحركة الشعرية في الجزائر وفي المغرب العربي بصورة عامة تستمد ثراءها من كونها تتكئ على ميراثَيْ الشرق والغرب، للأسباب التاريخية والجغرافية المعروفة لذلك الساحة الشعرية في الجزائر هي اقل تشبثا بتقديس وتبجيل القواعد والمعايير العمودية، ورغم وجود المدرسة المحافظة وتجذرها في الساحة الأدبية، إلا أن أطروحاتها اقل أصولية وتطرفا، فالساحة الشعرية الجزائرية تتعايش فيها كل أشكال القصيدة بشكل مرضي أحيانا ، واعني بالحالة المرضية غياب السجال الرؤيوي والقبول بالمحاصصة والتوازنات في الثقافة، كما في السياسة مع أن السياسة يفترض أن تحتكم ديمقراطيا للأغلبية، خلافا للحركة الثقافية التي تستمد روحها من الاختلاف والتنوع .. وإذا شئت الخوض بشكل مباشر في موقع الشعر الجزائري من الخارطة العربية فهو موجود بعمقه في الهامش وموجود بمعايير لجان التحكيم في المسابقات والجوائز العربية....
-اللغة الفرنسية وكتابة الشعر .. ازدواجية اللغة والكتابة بها ألا يساهم ذلك في تشتيت الشاعر؟
لا ادري إن كان الشعر في جوهره غير ذلك القلق والشتات، إن الشعر الذي يركن إلى اليقين والثبات والمعيرة يتوقف أن يكون شعرا، فإن كان اجتماع الامازيغية والعربية والفرنسية يشتت الشاعر على اللغة فإنه يهبه أكثر من أداة لاقتناص المعنى المتعدد المعنى الذي لم يكن أبدا واحدا .. وان كان للشعر أن يتشتت بسبب شيء فلن يكون أبدا هذا الشيء هو التعدد اللغوي بل عدم الوفاء والصدق مع الشعر ، الذي يقتات من القلق الوجودي و من التفرغ الداخلي للنص فالشتات في النص هو شتات الإنسان الذي يريد أن يقبض على جمرة الشعر بروح ليست من الشعر، أو يقبض على الشعر وعلى سواه في وقت واحد..وفي حيز واحد....
-الكتابة الشعرية العربية تعاني من الترجمة في نقلها إلى ثقافات أخرى ؟
الشعر وسؤال الترجمة أمر في غاية الأهمية وفي غاية التعقيد أيضا فالشعر يتعلق بالدرجة الأولى بالتعبير عن الشعور والانفعال، واللذين يتسمان بالخصوصية كما يقول ت س ايليوت في حديثه عن الشعر والشعراء فواجب الشاعر، تجاه لغته لا سواها وتعلق لغة الشعر بالانفعال والشعور يجعلها عصية على النقل إلى لغة أخرى وهو الأمر ذاته الذي جعل اليوت يوما يتوجس خيفة من الموت الذي يعني عنده أن يختفي الإحساس بالشعر، وتختفي الأحاسيس التي هي مادة الشعر، في كل مكان،الأمر الذي قد يساعد على تسهيل ذلك التوحيد للعالم على حد تعبيره فالخيانة في الترجمة بشكل عام هي خيانة مركبة حين يتعلق الأمر بالأدب وهي أكثر تركيبا بل تكاد تكون مهمة مستحيلة حين يتعلق الأمر بالشعر، لأنه هو الذي يحفظ الخصوصية الثقافية للشعوب ولولاه- قديما وحديثا- لصارت الإنسانية قطيعا واحدا لأن الشعر اشتغال على اللغة التي هي غاية في حد ذاتها وليست مجرد وسيلة اتصال وتوصيل كما في غير الشعر من الحقول التي تستعمل اللغة. 

-في الجزائر هل وصل التعريب إلى ما أراده من تخطيط خطط التعريب؟
 صحيح أن اللغة هي أكثر من مجرد وعاء أو وسيلة للتواصل كما يقول اللغويون فهي بيت الوجود ولا وجود إلا باللغة كما يقول هايدغر فكثيرا ما نتعامل مع اللغة بكثير من التسطيح والتبسيط والاختزال، لأننا ننظر إليها من زاوية تجزيئية اختزالية، فما الذي يصنع معتقدات الإنسان ويشكل وعيه ونظرته للكون والأشياء إن لم يكن مجرد مفاهيم ذات طبيعة لغوية بحتة، فالإنسان هو اللغة وكما قال أرسطو من قبل تكلم لأراك" وفي الثقافة العربية المقولة الشهيرة المرء مخبوء وراء لسانه، وإذا كان المرء مخبوء وراء لسانه، واللغة غير الكلام في الدراسات اللسانية الحديثة تفرق بشكل كبير وتميز اللغة والكلام، اللغة باعتباره مجموعة القواعد والقوانين المتمركزة في أدمغة الناطقين باللسان الواحد والكلام بوصفه الانجاز الفردي للغة، الذي حدث في العالم العربي (واعني به العالم الذي تشكل وعيه من خلال محمولات اللغة الثقافية والدينية والسياسية) هو التباس الكلام باللغة، وسياسة التعريب الذي انتهجت في الجزائر لم تكن مشروعا فلسفيا بقدر ما كانت رد فعل إيديولوجيا ظرفيا لم يتأسس على خلفيات معرفية وفكرية بقدر ما اتخذ مسارا شعبويا  تسطيحيا، بدليل فشل تعريب الإدارة في الجزائر ووجود مأزق بين برامج الجامعة وباقي الأطوار التعليمية خاصة في المواد العلمية، كما أن سياسة التعريب الاستعجالية جنت على الشخصية الجزائرية باستقدام مدرسين غير أكفاء من أقطار عربية كثيرة لتغطية العجز، أضف إلى ذلك أن البعد الإيديولوجي الذي اكتسته عملية التعريب غيَّب بعد الهوية واللغة الامازيغي التي هو من أهم مكونات الهوية الجزائرية، والذي حدث حدث على مدار تاريخ الجزائر الحديثة هو استحواذ وسطو السلطة السياسية على اللغة وتحويلها إلى خطاب، ضمن الرؤية الواحدية التي تتخذ مشروعها من جزئية التوحيد والواحدية،(مثل كل الأقطار العربية) ومن هنا تغلغل الإلغاء والإقصاء المرتبط بالرؤية الدينية إلى سائر الخطابات الأخرى، وأصبحنا نتحدث عن لغة بشكل تبسيطي وهو ما رسخ صراع الهوية نتيجة التعامل غير الناضج مع مسائل اللغة والهوية .
-المثقف والسلطة يعيشان في خصام دائم لماذا؟
المثقف في رأيي ليس هو المثقف الغرامشي العضوي بل هو الذي يملك رؤية واضحة ويملك اللغة التي يعبر بها عن هذا الموقف من العالم والذات والأشياء بروح نقدية غير يقينية، أما السلطة فغايتها الحكم والاستمرارية فيه، فهي في جوهرها ذات طبيعة ثابتة أم الثقافة والنقد فهما نهران جاريان باتجاه التحول الدائم، والمثقفون الذين تقوم مشاريعهم على تبرير السلطة القائمة، والباحثون عن الوصول إلى السلطة أو الخائفون من انتقاد السلطة هم مجرد قطيع من المرتزقة، وهي وظيفة عريقة في الثقافة العربية على كل حال، هذه الثقافة التي تقوم على تمجيد وتقديس الأشخاص بالمدائح، هي ما رسخ الطغيان والدكتاتورية والشمولية في العالم العربي، ووظيفة المثقف الحقيقي هي زعزعة وخلخلة، وفضح خطط التجهيل وتغييب الوعي الذي تمارسه الأنظمة على شعوبها، وليس المساهمة في ترسيخ الأوضاع ولو بحجة تحاشي زعزعة الاستقرار والأمن.
-الهايكو من خلال دراستك هل هو منهج أم طريقة للكتابة وهل قصيدة ما بعد الحداثة ؟ 
الهايكو هو نوع شعري قادم من الثقافة اليابانية وهو تجاوز لما هو مألوف شكلا ومضمونا في القصيدة العربية سواء القديمة أم الحديثة، وهو بهذه الجزئية يشكل ملمحا بارزا من ملامح الحداثة في القصيدة العربية ولكنه أيضا في منابته الأصلية تجاوز للمألوف بلغة مألوفة، يقول المعلم الثاني في تاريخ الهايكو الياباني يوسا بوسون --1784)1719 ) Buson Yosa: "لغة الهايكو المثالية هي اللغة المألوفة التي مع ذلك تتجاوز المألوفية" فأن تتجاوز المألوف لهو أشد أنواع الصعوبة  ومقولة "بوسن يوسا" تؤكد أن البساطة التي يقوم عليها الهايكو هي بساطة خادعة إذ إنها تحمل في طياتها عمقا وتجاوزا للمألوف حتى وإن بدت لنا ساذجة فهي ترمي إلى فلسفة أعمق من ظاهر القول وقد ذهب الهايكو بعيدا في كونيته ولم يبق معزولا في الجزيرة الصخرية، والدليل انتشار قصائد الهايكو ونواديه ومجلاته في أصقاع العالم وبلغاته وآدابه الشرقية منها والغربية ولم يعد حكرا على اللغة اليابانية، أما في الثقافة العربية فما زالت قصيدة الهايكو تشق طريقها بخطوات وئيدة، لأن الهايكو في فلسفته يقوم على التكثيف والبساطة والخلو من المجاز وهو ما يصعب على القصيدة العربية المثقلة بالبلاغات أن تستسيغه.