المترجم والناقد ناصر السيد..

المترجم والناقد ناصر السيد.. *الترجمة عامل توحيد بين الثقافات ومنتجات الحضارة.. *المترجم العربي لايعثر له على وصف وظيفي.. أذكر جيدا أن حوارات شخصية في مشاوير عديدة مع المترجم والناقد الصديق (ناصر السيد النور ) كانت مختلفة وتتناول مع الشأن العام

المترجم  والناقد ناصر السيد..

المترجم  والناقد ناصر السيد..
*الترجمة عامل توحيد بين الثقافات ومنتجات الحضارة..
*المترجم العربي لايعثر له على وصف وظيفي..

 

 

 


أذكر جيدا أن  حوارات شخصية في مشاوير عديدة مع المترجم والناقد الصديق  (ناصر السيد النور ) كانت  مختلفة وتتناول مع الشأن العام ، قضايا الثقافة والكتابة والفن، يتميز ناصر، بدقة المفردات والإنصات للآخر وكذلك الرأي المستقل، عمل ناصر السيد بالترجمة بالسودان سنوات، وكانت تأخذه الأكاديمية عن الترجمة الأدبية. هاجر المترجم( السيد) إلى السعودية،  واستقر منذ سنوات،  إلا أن الهجرة، لم تخرج الفنان والمترجم والناقد عن  اهتماماته ودراساته العميقة وترجماته وحضوره المهذب في كل ميادين المعرفة..  فاز ناصر، بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي وحاز على المركز الأول بترجمة رواية  (تخوم الرماد) للروائي المتميز منصور الصويم.. كما اصدر كتاب "رواية تيتانيكات افريقية ل أبي بكر كهال -دراسة في البنية السردية والهوية ورؤيا العالم ودراسات عديدة في النقد. و عن الترجمة والكتابة كان الحوار..
الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد.   

 

 


× الشعر لا يترجم, هكذا يقول النقاد؟
إذا كانت اللغة تشكل المركب والمكون اللغوي الذي يعّرف الشعر من حيث نظمه النسقي، فهو نص بمفردات لغوية تحتمل الترجمة.  فإن لم تكن الصور الشعرية الكامنة في المفردة الشعرية، فإن المفردات وما تجسده من تعابير تقبل الترجمة والنقل إلى لغة أخرى. كثيرة هي النصوص التي يزعم باستحالة ترجمتها وهذا ضرب من الممانعة وإضفاء السحرية والغموض على النصوص إذا كانت نصوصاً  شعرية أو نصوصا ذات بعد ميتافيزيقي، فالترجمة لا تعدو أن تكون محاولة مستمرة في التفسير وحركة اللغة في فك الغموض عن النصوص أي تكن درجة تعسر الملفوظات الشعرية، واستجابتها لفعل الترجمة. فالقول النقدي (النقاد) يقف على مسافة بينه والترجمة (المترجمين)، فالذي يترآى للنقاد هو تعبير عن رؤية نقدية متصورة وقائمة في الخطاب النقدي بأدواته الإجرائية وعلى ما ينبغي أن يكون عليه النصّ الشعري، بينما رؤية الترجمة في كيفية إيجاد النص الشعري في سياق الترجمة التي تأخذ على عاتقها مهمة توفير مساحة محايدة يتحرك فيها النص الشعري بين لغتين. لذلك يترجم الشعر، أو ترجم الشعر منذ قديم الزمان، فأشعار شكسبير ومسرحياته على سبيل المثال وجدت طريقها إلى ثقافات عديدة ومنها الثقافة العربية. ويجب ألا نغفل عن خصوصية لغة الشعر في كل لغة وما لها من أوزان تتضابط مع قواعدها اللغوية، ومع هذا تظل المعاني المخبوءة في المفردة الشعرية قابلة للترجمة.

 

 

 


× وصول السرد العربي إلى درجة الانفجار لم يقابله التعريف به عالمياً؟
بمثلما انفجر السرد العربي وخاصة في النصوص  الروائية، ولّد هذا الانفجار  اشكاليات حالت دون انتشاره المبتغى ومنها القيمة الفنية ومدى مخاطبة هذا الخطاب السردي وتضمينه للمعاني الإنسانية المشتركة. أعتقد أن فعل الانفجار ناتج عن ما وفرته تقانة المعلومات وسهولة الانتشار الذي هو أبرز سمات هذه الثورة الكونية؛ ولكن في نهاية الأمر ظاهرة حسنة وسعت من محيط المقروئية والكتابة في العالم العربي ومن ثم تنوعت مصادر المعرفة والإبداع بدلاً عن ما ساد من أحاديات جغرافية وأيدولوجية في الماضي القريب داخل الخطابات الإقصائية، وعليه لكي يتحقق التعريف العالمي ربما يكون على السرد العربي الجديد  المزيد من الانفتاح على آفاق إنسانية أكثر رحابة.
× متى تصل الترجمة إلى مدارج عليا في التبصير بالنص المترجم, أتضيف إلى النص جديداً؟
هذا السؤال ربما تداخلت فيه عوامل عدة قد تبدأ من تجربة المترجم ومكنته قبل إخضاع النص للترجمة، لأن الترجمة ما هي إلا عملية Process   معقدة متعددة المسارات وكمنهج في التحليل وأداة الاستقراء ورؤية استقصاء تعمل مجتمعة للوصول إلى جذور المفردات اللغوية ومدى تغلغلها في النص المعني. ولذلك أقرّ القدماء بأهمية أن يكون النص المترجم في بيان اللغة المنقول إليها وليس العكس، وما يضيفه النص ليس الترهل في حجم النص حين يزداد الشرح وتستعصي بعض المتقابلات والاشتقاقات تقريباً للمعنى أو لمزيد من الإيضاح، فمن دارج القول إن يكون المترجم على معرفة عميقة باللغتين، لغة المصدر واللغة المستهدفة بالترجمة على حد الاصطلاح العلمي  في الترجمة. فالمترجم يجهد في الوصول بالنص إلى الكمال وأن يعطي النص أقصى ما عنده بتفعيل الإمكانيات اللغوية التي يتضمنها النص مع الاحتفاظ بروحه وألا يكون النقل حرفياً (ميكانيكا) دون أن يلامس المعنى المضمر داخل النص، فالإضافة هي قدرة النص المترجم على الإبانة كما يتوقع له في اللغة المنقول إليها.
× النص يفقد تأويله إذا تمت ترجمته إلى لغة أخرى؟
تأويل النص أمر لا تتدخل فيه الترجمة، هذا إذا فهم التأويل على أنه فعل يعمل على قراءة مستوى البنى الفوقية التي تخضع لإرادة المؤول وليس المترجم. فالترجمة فعل لا يخلو من نقص، أو هكذا يفترض أن يكون النص المترجم مهما بلغ من مطابقة وبيان ناقصاً ومريباً في أحسن الأحوال. ربما انطبق هذا على الترجمات الأدبية والنصوص الإنسانية بعامة تلك التي تكون لديها قابلية التأويل، دون أن يحدث ذلك في النصوص العلمية بطبيعتها  اليقينية. وأظن أن النص المترجم قد تزداد فرص تأويله لمن يعنيه أمر التأويل أكثر مما تنقص! ومن جانب آخر، فإن استجابة الترجمة إلى مختلف القراءات النصية والتحليلية ومنها التأويل يعني أن الترجمة فاعلة ضمن المنظمات اللغوية والفكرية التي تشكل البنية المعرفية فهما وممارسة وبأن حركتها لا تنحصر بين الكلمات داخل منظومة اللغة.

 

 


× ترجمت رواية تخوم الرماد للروائي منصور الصويم إلى الإنجليزية ما الذي جذبك إليها؟
ربما كان للتحديات التي يفرضها النص في بعض الأحايين أثر يتعدى الرغبة من ترجمة نص إلى مقاومة هذا التحدي؛ فقد كانت رواية تخوم الرماد عمل ارتبطت به وبصاحبه (منتجه) الروائي منصور الصويم، فقد تداخل العامل الشخصي والزمني في دفعي لترجمته. ولقد كان لاستيعاب النص في عوالمه البيئية والثقافية والمكانية التي تشكل فيها أكبر الأثر في تحفيزي لترجمته، وأيضا التزامن في بدايات المحاولات بين كتابة النص لدى الكاتب والمترجم. هذه الدوافع وغيرها جعلت من الاضطلاع بمهمة الترجمة التي كانت  تنطوي على بدايات نصية ما تراكم من معارف تؤهل إلى حد ما بخوض التجربة.
× كثير من الترجمات لكبار الكتاب العالميين هناك من يفاضل بين مترجم وآخر لماذا؟
لابد أن تؤثر معايير الاخيتار والذائقة الأدبية على القارئ، ثمة رغبة في الاطلاع على أكثر من ترجمة، وهذا ينطبق على كل من القارئ والمترجم على السواء. فالغالب أن هذا يحدث في اللغة الواحدة. فالترجمة كالمفاهيم لابد من تحديثها وفقاً للسياق المفاهيمي والتعبيري للغة، والشيء الثاني أن الترجمة تتعرض لعوامل تتعلق بالنشر والسوق عموماً مما ينتج عنها ترجمات متوسطة أو مشوهة ومختزلة تستدعي الحاجة دائماً الى مراجعتها. فالمفاضلة بين مترجم وآخر تقع في حكم المفاضلة بين كاتب وآخر.
× موقع الترجمة في تقارب الحضارات والشحن الرمزي في التباعد وما يسمى بصدام الحضارات أين موقع نظر الترجمة للعالم؟
الترجمة عامل توّحيد بين الثقافات ومنتجات الحضارات بكل أشكالها ودورها الإشعاعي في نقل منجزات العقل البشري بما لا يقارن بأي وسيلة أخرى ولذلك فهي تمثل الموقع المقرّب بين الثقافات وأداة معرفية تشترك فيها الإنسانية ووجهاً من أوجه القوى الناعمة. أما أطروحة صدام الحضارات فهي تعبير سياسي تحت غطاء ثقافي ومن المفارقات أن تكون الترجمة هي الناقل الأوحد حتى للمفاهيم من هذه الشاكلة، فالترجمة في رؤيتها للعالم دائماً ما يكون المنتج الإنساني الخصيب هو ما يحركها ويستثيرها لتعميمه. وأيا تكن الدلالة الرمزية لهذا الشحن إلا أن الترجمة الملجأ الأخير الذي ترتكن اليه الحضارة الإنسانية في سعيها نحو التقارب وحوار متصل بين المفاهيم والمعاني المشتركة وتعمل على نشرها على الرغم من التفاوت بين سطوة كل ثقافة وأخرى، ومع ذلك تبقى حيدة الترجمة بصبغتها العلمية هي ما يثري الحوار الحضاري. وتظل الترجمة الأداة الأوحد التي تستخدم بين لغات وثقافات العالم.
× المترجمون العرب على ما يجتهدون تجدهم في خلط بين مجهوداتهم الشخصية وغياب المؤسسة الداعمة؟
من اللافت أن المترجم العربي لا يعثر له على وصف وظيفي في البنى المجتمعية والسياسية والثقافية للحكومات العربية ومؤسساتها، ففي أفضل الأحوال يستدعى ضمن فرق الإنقاذ دون أن يكون له موقع ثابت. وتظل جهود المترجمين العرب وحرصهم على المساهمة في الحوار العالمي بين الثقافات ودورهم التنويري تضحية نازفة وجهود جبارة يبذلها المترجمون دون مقابل أو اعتراف من المؤسسات التي تدعي رعاية الثقافة والمثقفين، فلابد للمترجم أن يتقدم قليلاً من موقعه الحالي في ذيل قائمة التصنيف المهني للمهتمين بالثقافة والإنتاج الأدبي والفكري.
× هل الأدب السوداني وجد حظه من الترجمة؟
الأدب السوداني مثلما لازمته معوقات النشر، لازمه أيضاً غياب الترجمة إلى اللغات الأخرى، فباستثناء أعمال الطيب صالح ومنصور الصويم وأمير تاج السرد و أحمد الملك و بركة ساكن لا توجد أعمال وجدت طريقها إلى اللغات الاجنبية عبر الترجمة. فالشاهد أن الرغبة والطموح هي ما يدفعان بنصوص الادب السوداني إلى آفاق الترجمة في المستقبل القريب.