تجربة الأستاذ الحسن محمد سعيد الروائية

تجربة الأستاذ الحسن محمد سعيد الروائية الكتابة في سياقها الاجتماعي والتاريخي الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين  في أزمنة الصورة المسيطرة على المشهد الانساني, كان الاحتمال الأول فيما يخص الكتابة السردية أن تحتكر القصة القصيرة المشهد إلا أن الكتابة الروائية سيطرت كلياً على المشهد السردي والحياة الثقافية وفق تصنيف أغلب الكتاب بما فيهم "القُصاص" والشعراء. هذه الصورة المقلوبة للواقع الماثل والمعاش تتوازى تماماً مع تصنيف السرد الروائي وأشكاله المتعددة ما بين واقعية وواقعية سحرية "فنتازيا" وغيرها من الأشكال السردية الروائية. وكان الاحتمال الثاني, أن تسيطر الواقعية السحرية على المشهد الروائي باعتبار ما

تجربة الأستاذ الحسن محمد سعيد الروائية

تجربة الأستاذ الحسن محمد سعيد الروائية


الكتابة في سياقها الاجتماعي والتاريخي


الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين 


في أزمنة الصورة المسيطرة على المشهد الانساني, كان الاحتمال الأول فيما يخص الكتابة السردية أن تحتكر القصة القصيرة المشهد إلا أن الكتابة الروائية سيطرت كلياً على المشهد السردي والحياة الثقافية وفق تصنيف أغلب الكتاب بما فيهم "القُصاص" والشعراء. هذه الصورة المقلوبة للواقع الماثل والمعاش تتوازى تماماً مع تصنيف السرد الروائي وأشكاله المتعددة ما بين واقعية وواقعية سحرية "فنتازيا" وغيرها من الأشكال السردية الروائية. وكان الاحتمال الثاني, أن تسيطر الواقعية السحرية على المشهد الروائي باعتبار ما تعيشه واقعياً هو أشد أنواع الواقعية السحرية تحققاً ولكن ما حدث كان العكس تماماً إذ تسيطر الكتابة الواقعية على المشهد الروائي وترسم له خطوط طول وعرض الصورة الكاملة والمعبرة عن هذا الواقع المعاش. هذه المفارقات التي نراها تقف شاهداً على تعقيدات الحياة وإن ظل سؤال صمود الرواية لآماد بعيدة وقيادة مشهد الكتابة مطروحاً وبشدة وفي إلحاح, مع قراة أخرى ببزوغ شمس القصة القصيرة والقصيرة جداً في زمن السرعة والحياة السريعة وغياب الوقت في السعي من أجل متطلبات الحياة. وقراءة الأستاذ الروائي والقاص الحسن محمد سعيد تحتاج الى قراءة ما وصلت اليه الكتابة الروائية والقصصية والنقدية في بحثها الدؤوب من أجل فتح مغاليق الحياة التي نعيشها وهي مدهشة حقاً وفنتازية جداً وكسولة في تعاطيها الانساني مع المستجدات. والروائي "الحسن سعيد" اتخذ من الواقعية السردية اسلوباً سردياً وخطاباً ونصاً مثقفاً ومحمولاً بالدلالة والتأويل ما بين أنظمة الحياة التقليدية والتقهقر الحضاري الذي نكابده في العالم الثالث عربياً وافريقياً. ورواية "البقعة" خير دليل وشاهد على الاستعمار ونهاية الدولة المهدية ورؤية المستعمر لنا وتخطيطه لنا في التعليم وطمس التاريخ والهوية, المنازعات داخل الرواية وخارجها حول تاريخ المهدية تعطي لأسئلة الوعي بهويتنا المشروعية في البحث والتنقيب. ان الراوي يلتقط لحظة مهمة في تاريخنا, هي لحظة دخول المستعمر الى ام درمان, والاستباحة لكل ماهو مقدس وانتهاك كل الأعراف حتى تصل الى درجة قتل وذبح شابة من قبل شخص رفضت الزواج منه. هذه اللحظة الدموية تحتوي على رسائل مهمة حول غياب التسامح وغياب القانون وتقنين صورة المستعمر الغاصب للأرض والعرض. يقول الدكتور سعيد يقطين في كتابه "تحليل الخطاب الروائي" "كل حكي يتم من خلال مكونين مركزيين القصة والخطاب. ان القصة هي المادة الحكائية. والخطاب هو طريقة الحكي وهو الموضوع الذي نبحث ضمن ما أسميناه سرديات خطاب الرواية"(1). بينما يذهب "توين فان دايك" في كتابه "الخطاب والسلطة" الى أنه بالرغم من التنوع الكبير في المناهج المستخدمة في دراسات الخطاب, اتفق معظم الباحثين على بعض الأهداف العامة ألا وهي دراسة إعادة الانتاج الخطابي لسوء توظيف السلطة وبعبارة أدق نهتم بالدراسة النقدية للقضايا الاجتماعية والمشكلات الناشئة  عن عدم المساواة الاجتماعية"(2).
ويقول "نورمان فيركليف" في كتابه "الخطاب والتغيير الاجتماعي" "أن تحليل الخطاب يركز على التنوع والتغيير والصراع, فالتنوع في الممارسات وتنوع العناصر داخلها يعني أنها انعكاس معاصر لعمليات التغيير التاريخي التي شكلها الصراع بين القوى الاجتماعية"(3) ولا زال الخطاب ومصطلح تحليل الخطاب في بحث دائم من قبل البحاثة والنقاد في محاولة النفاذ الى تعريف جامع لكل الآراء في تعريفات متباينة كلياً. ولعل قراءة الخطاب في النص الأدبي الروائي, تعتمد مع اللغة السردية والحوار الى محاولة قراءة الصورة الجزئية من الصورة الكلية التي طرحها الراوي ويحاول النقد الدخول في ثنايا الحكاية, واللغة والحوار والملفوظ من القول. واذا نظرنا الى التيمة الحكائية في رواية البقعة نجدها تتمظهر في الصراع بين القديم والجديد, بين الماضي والحاضر, بين دولة وطنية فشلت في برنامجها الايديولوجي, ومستعمر غاشم, كان برنامجه الأول والأخير, هو البحث عن سوق لبضاعته, وحتى التعليم كان بأمر كتنشر مرتبط بالسوق اذ يذكر الراحل المفكر محمد عمر بشير في كتابه "التعليم في السودان في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين" "ذكر كتشنر القائد المنتصر على جيش الخليفة في معركة كرري ما يأتي "من الأفضل والمفيد لأولئك الذين يدفعون مالاً للاعلان عن بضائعهم أن ينفقوا شيئاً من المال لتعليم سكان تلك السوق الاعلانات"(4). ان نظرة كتشنر هذه بأبعادها الاستعمارية الشريرة, ظلت تمثل سياسة المستعمر لنهب الموارد وقهر الانسان. ونجدها في داخل المتن الحكائي للرواية متصلة تماماً بين رؤية شيخ الناير, القائد المهدوي والخطيب من أجل الجهاد وحفيد صديقه "أنور" وتصل الذروة في تحريض شيخ الناير لصديقه "ود أحمد" ضد سفر الحفيد "أنور" الى انجلترا للدراسات العليا وما بين رؤية ورؤية, نجد أن الخطاب الروائي, يضع بصماته على المكان والزمان وصراع الأجيال, مع درجة التعاون أو التعايش مع المستعمر وتغيراته على الواقع المعاش. ومع "سفر" "أنور" واتصاله بالانجليز وعودته الى وطنه بزوجة انجليزية, وهذه الزوجة هي المثال الناصع على رؤية الاستشراق لنا في بحثها عن حياة مختلفة وهروبها من زوجها وبحثه عنها الذي يؤدي به في النهاية للجنون. الشخصيات داخل الرواية كانت شاهدة بحق على زمنها وعصرها وما حدث لها والمجتمع من صدمات واشراقات ونجاحات وخيبات. رواية البقعة بمقياس الأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة تمثل زمانياً حقبة نهاية الدولة المهدية وبداية نهاية الاستعمار الانجليزي بالحرب العالمية الثانية. اللغة كانت ناصعة ومعبرة عن الشخوص مع طغيان اللغة الفصيحة أحياناً على العامية. وهي رواية من الروايات المهمة في قراءة التاريخ اجتماعياً مع نص تميز بالثقافة العالية في عرض التاريخ والواقع والحاضر واستشراف المستقبل.
ملمح عام
روايات الأستاذ الحسن "ثلوج على شمس الخرطوم – الفحل – ومجموعته القصصية  "الحان الحلفاية" ورواية البقعة تتوافق معها قراءة الدكتور شكري عزيز الماضي في كتابه "أنماط الرواية العربية الجديدة" في قراءته لرواية "الوقائع الغربية" للروائي الفلسطيني الراحل "أميل حبيبي" اذ يؤكد "شكري عزيز الماضي" أن رواية الوقائع الغربية تهتم اهتماماً كبيراً بالمادة التاريخية, فالأحداث التاريخية فيها بمنزلة الشرايين التي تمد الرواية بالحركة والحياة لكنها ليست رواية تاريخية تقليدية, فالكاتب تصرف بأحداث التاريخ وهو يعرضها في خطوط عريضة غير مرئية بالمرة في اطار الحقيقة الخالية من المبالغة, أضف الى ذلك أن اهتمام الرواية ينصب بالدرجة الأولى على اللحظة الحاضرة على الرغم من وفرة المادة التاريخية"(5) ورواية البقعة تقرأ اللحظة الحاضرة على الرغم من وفرة المادة التاريخية وقيدها السردي الزمني ما بين 1898-1945م" ما بين كرري والحرب العالمية الثانية.
رواية "ثلوج على شمس الخرطوم"
هذه الرواية يقيناً تقع داخل حقل الرواية الواقعية بمحمولاتها السياسية والاجتماعية والمتغيرات التي أصابت المجتمع السوداني في حقبة سياسية قد تصل الى نصف قرن إلا قليلاً ما بين أعوام 1971م الى اللحظة الراهنة, وهي تقرأ في السجن بزاوية تشتمل على حالة السجن السياسي ووقائع القمع داخله. وأدب السجون له مساحة كبيرة في الروايات العربية والمثال "الجدران القاسية" للأستاذة "ملكة الفاضل" وهناك كتب أخرى أقرب للرواية مثل "سجن الأوردي" لسعد زهران المصرى , و"بين ظلمتين" للمعماري العراقي "رفعت الجادرجي وزوجته بلقيس شرارة" إلا أن حالة السجن الصغير في ثلوج على شمس الخرطوم ماهي إلا ملمح صغير من سجن الحياة, والمنظومات السياسية وحياة الهجرة من الأوطان. وترى دكتورة "هويدا صالح" في كتابها الهامش الاجتماعي في الأدب – قراءة سوسيوثقافية "أن علاقة النص الجدلية مع التاريخ والايديولوجية, يمكن لها أن تربط النص بسياقاته الاجتماعية والتاريخية على المستوى اللغوي والخطاب وتدرس الوضعية الجماعية والتاريخية والواقعية التي تتفاعل معها وحولها, وحاكاها، ونقدها، وفككها"(6). الأستاذ الحسن محمد سعيد, كاتب جدير بالاحترام.

المراجع:
1-تحليل الخطاب الروائي – الزمن – السرد – التبشير – د. سعيد يقطين – المركزي الثقافي العربي – بيروت – الطبعة الثالثة – 1997م.
2- الخطاب والسلطة – "توين فان دايك" ترجمة –