السرد والسينما

السرد والسينما سينما سودانية وسؤال الغياب الخرطوم -كليك توبرس -عامر محمد أحمد   بينما تزداد ربحية صناعة السينما في أمريكا والغرب الأوروبي, تخبو شمس السينما في العالم العربي وتتلاشى تأثيراتها في بنية الوعي العام, تنخفض ميزانية الثقافة عموماً وتزداد الميزانيات الأخرى. هذه الصورة قد تبدو قاتمة ويائسة إلا أنها هي الحقيقة بذاتها, ففي السودان مثلاً تم حل مؤسسة الدولة للسينما دون إيجاد بديل, وأقفلت دور السينما في جميع المدن السودانية ما عدا جيوب هنا وهناك في "مولات" تأتي بأفلام بناء على ذوق جمهور يبحث عن تسلية. الأفلام الكبيرة لا تعرض إلا بعد انتهاء موسم انتاجها وتسويقها تلفزيونياً وعبر الشبكة

السرد والسينما

السرد والسينما
سينما سودانية وسؤال الغياب
الخرطوم -كليك توبرس -عامر محمد أحمد  

بينما تزداد ربحية صناعة السينما في أمريكا والغرب الأوروبي, تخبو شمس السينما في العالم العربي وتتلاشى تأثيراتها في بنية الوعي العام, تنخفض ميزانية الثقافة عموماً وتزداد الميزانيات الأخرى. هذه الصورة قد تبدو قاتمة ويائسة إلا أنها هي الحقيقة بذاتها, ففي السودان مثلاً تم حل مؤسسة الدولة للسينما دون إيجاد بديل, وأقفلت دور السينما في جميع المدن السودانية ما عدا جيوب هنا وهناك في "مولات" تأتي بأفلام بناء على ذوق جمهور يبحث عن تسلية. الأفلام الكبيرة لا تعرض إلا بعد انتهاء موسم انتاجها وتسويقها تلفزيونياً وعبر الشبكة العنكبوتية. بقية الدول العربية نجد أن مصر مع غياب المشروع السياسي التحرري وقيادة الوطن العربي في عهد عبدالناصر وبعد نكسة 1967م انتهت الأحلام وبالتالي السينما في حالة "سبات" وأتت حقبة السبعينات بمفهوم أفلام "المقاولات" وهي أفلام صغيرة الميزانية قصيرة الهدف ساذجة المحتوى, ضعيفة الرؤية ينتهي تأثيرها بانتهاء الفيلم ومع بعض ومضات هنا وهناك لأفلام تنتجها الدولة وأحياناً القطاع الخاص المسنتير, وهذه الأفلام ذات جودة عالية وحرفية في الانتاج وخطاب مرتبط بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية مما جعل لها الرسوخ في الذاكرة والبقاء طويلاً في قائمة الأفلام الجيدة. إلا أن الباحث في علاقات السينما العربية والافريقية مع الواقع المعاش وفي عصر الصورة الذي نعيشه نجد أن الانتاج وأدواته تحتاج الى وقفة لمعرفة الدور الذي يمكن للسينما أن تلعبه وأن لا يتم حصر السينما في البث التلفزيوني والانترنت دون معرفة أن السينما الهادفة والانتاج كبير القيمة المالية وكبير القيمة الفنية يساهمان مساهمة كبيرة في تعريف العالم بثقافة الشعوب وفي

 

السياحة وفي الاستنارة وفي الوعي. يقول المخرج الياباني العالمي الراحل "اكيرا كيروساوا" في مذكراته التي جاءت تحت عنوان "ما يشبه السيرة الذاتية – "عرق الضفدع" "أن أبي هو من حدد لي الجهة التي ستغير حياتي كلها فيما بعد, رغم أنه كان رجلاً صارماً وحاسماً فماضيه يشهد بأنه كان عسكرياً  محترفاً وهو من كان يأخذنا الى دور السينما فقد كان يعتقد أن السينما أداة معرفية مع السائد في تلك الفترة بأنها للمتعة والتسلية فقط ولم يغير وجهة نظره هذه أبداً حتى مماته"(1) 

بداية الصنعة
يحكي "شارلي شابلن" في مذكراته "مذكرات شارلي شابلن – ترجمة صلاح حافظ عن أول فيلم شارك فيه وكان صامتاً "لم تكن لدينا قصة فالفيلم كان مفروضاً أن يكون فيلماً سينمائياً عن مطابع الصحف, ببعض اللمسات الكوميدية وأرتديت بدلة غالية وشارباً رفيعاً متدلياً وعندما بدأنا العمل لاحظت أن  "ليرمان" يتلمس الأفكار, ولما كنت جديداً في "كيستون" فقد كنت متلهفاً الى تقديم الاقتراحات ومن هنا نشأ التصادم بيني و"ليرلمان" أضفت من عندي كافة "التصرفات" التي خطرت على "بالي" وتماديت الى حد اقتراح تصرفات لباقي الممثلين ومع أننا فرغنا من الفيلم في ثلاثة أيام ولكنني عندما رأيت الفيلم في صورته النهائية أحسست بقلبي يتمزق اذ وجدت أن المونتير قد ذبحه وغير معالمه وبعد سنوات من هذه الحادثة اعترف "ليرمان" بأنه فعل ذلك عمداً لأنه على حد

تعبيره رأى أنني أعرف أكثر مما يجب"(2)


الراوي والصورة
ما قاله "كيروساوا" وصاحب التجربة  الكبيرة في تاريخ السينما الممثل والمخرج والمنتج  "شارلي شابلن" وما بين السينما وعلاقتها بالمعرفة في حديث والد "كيروساوا" وما حدث من "ليرلمان" مع شابلن, تعطينا هذه الحكايات بعض معاناة الرواد الكبار في صناعة "السينما" وكيف تغلبوا على الصعوبات والامكانيات الضعيفة وقصة "السينما" من السينما "الصامتة" الى "الصوت" اذ يذكر اكيرا اكيروساوا "أن شقيقه الأكبر كانت له علاقة بالسينما اذ وظيفته هي "مفسر الفيلم" وان هذا الشقيق قد قاد اضراباً مع زملاء له بعد الاستغناء عنهم بظهور "الصوت" واذا نظرنا الى صناعة السينما اليوم لوجدنا أن تلك المعاناة هي من خلق هذا الفن السابع وأعطاه مكاناً كبيراً في الذاكرة البصرية والوعي العام والمعرفة المستنيرة. لذلك ظل سؤال السينما وصناعتها قائماً ودورها الكبير في الفنون كخطاب بصري رؤيوي متجاوز في الخيال  ومنحاز في المتخيل للجمال والروح الانسانية وعاكساً للطبيعة بكل تجلياتها من الحجر الى الشجر الى النهر الى البحر, الى الحيوان الى الجماد الى الانسان في أحلامه وآلامه ومعاشه  ورؤيته وتظل الصورة السينمائية الأبلغ في عكس صورة الانسان في الحياة.
السرد البصري
احتلت "الرواية" مكان الصدارة في الكتابة الابداعية ومع زيادة العصر في سرعته على كل المستويات فإن القصة القصيرة قد أخلت  موقعها للزحف الروائي إلا أن هذه القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً اذا  تم التعامل معها سينمائياً وتحويلها الى "سيناريو" فإنها بلا شك ستجد حظها مع عصرها باعتبارها تمثل زمنياً لحظة خاطفة في أزمنة متعددة ومتسارعة إلا انها في حالة "السينما" تستطيع تحويل   جزئيات أصغر وأعمق الى صورة مكتملة  متميزة, يقول الدكتور "عبدالله ابراهيم" في كتابه "موسوعة السرد العربي "تُعنى "السردية" باستنباط القواعد الداخلية للأجناس الأدبية , واستخراج النظم التي تحكمها وتوجه أبنيتها وتحدد خصائصها وسماتها, ووصفت بأنها نظام نظري غُذى وخصب بالبحث التجريبي, وتبحث السردية في مكونات البنية السردية للخطاب من راو ومروي ومروى له ولما كانت بنية الخطاب السردي نسيجاً قوامه تفاعل تلك المكونات, أمكن التأكيد على أن السردية هي المبحث النقدي الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي اسلوباً وبناء ودلالة"(3) ويذكر المخرج الياباني "اكيرا كيروساوا" في مذكراته "أول سيناريو كتبته تحت اشراف المخرج "ياماسان" وكنت مساعده وكان عن رواية "سكشيني فود حميوري" بعنوان "جوروازيمون ميدونزو" "ميدونزو" يعلن أمام أصدقائه عن عصابة "شيراتزوكا" أنه رأى على لوحة الاعلانات أمام القلعة في "ايدو" "قرارات جديدة للسلطات" ويضيف "كيروساوا" "تتبعت الأصل في الرواية في معالجتي للحدث وقرأته أمام "ياماسان" الذي قال أن طريقة التعبير هذه تصلح للرواية فقط "وبدأ يكتب شيئاً على النص قرأه وفهمت تصوراته لقد غير من السرد الروائي هذه المشاهد.
"ميدونزو" يقرأ الاعلان ينزع اللوحة يضعها على كتفه ويذهب الى العصابة ويقول "أنظروا ماهو مكتوب"(4) ولربما يعطينا هذا المثال الاختلاف بين ماهو مكتوب ومسرود في الرواية أو القصة وبين ماهو سينمائي من لغة سردية وحركة واشارات والمفارقة أن أغلب الأفلام التي وجدت نجاحاً عالمياً أو عربياً عن روايات إما كانت هذه الروايات تحمل في داخل السرد تفاصيل الصورة وسردية المشهد أو الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة داخل النص الروائي أو أن رؤية "السيناريو" كانت مع إظهار جزء من الحكاية ورسم بقية الحكاية والشخصيات والمكان والزمان برؤية جديدة تملأ ماهو فراغ في لغة الصورة ولعل روايات نجيب محفوظ ويوسف ادريس تعطينا المثال "عربياً" وروايات السارد الأول "عربياً" "خيري شلبي" تقف شاهدة على "السيناريو" الواضح داخل المتن الحكائي للقصة. وخيري شلبي سارد ماهر وكتب "السيناريو" ولم يجد حظه في التقييم لكنه كان عظيماً جداً في فنه وسرده ولغته السينمائية المحكية بالتفاصيل في وكالة عطية والأوباش والوتد وغيرها من الأعمال التي تم تحويلها درامياً الى أفلام ومسلسلات.
سينما سودانية
المحاولات التي قام بها رواد السينما السودانية لا يختلف اثنان بأنها موقع تقدير إلا أن البنية الاجتماعية في تقلبها لحركة هؤلاء الرواد لم ترتكز على صناعة لها ميزانية ودعم انتاج, ومعاهد متخصصة وكوادر لها من الموهبة ما يعززها التدريب. لذلك ظل سؤال سينما سودانية بالمفهوم الذي به تقرأ كلمة سينما, ظل بعيداً ويقف في دائرة أفلام من "آمال وأحلام" و"تاجوج" و"بركة الشيخ" وغيرها ومحاولات الراحل "أنور هاشم" في خلق توليفة سودانية مصرية في فيلم "رحلة عيون" ومحاولات عبدالرحمن محمد عبدالرحمن" في انتاج واخراج أفلام تكون لها بداية صناعة سينما سودانية تخاطب المشاهد السوداني بلغته وثقافته وأحلامه وآماله وآلامه.
ازدهار السرد
يقول الدكتور "شكري عزيز الماضي" في كتابه أنماط الرواية العربية الجديدة "ان الرواية لا تمس أزمة الانسان في بلد معين أو مجتمع محدد بل تطمح الى تجسيد أزمة الانسان عامة"(5) كان المؤمل مع ما تشهده الرواية العربية والسودانية من تطور أن ينعكس ذلك على السينما إلا ان العكس هو ما نراه, فالسينما في مصر وسوريا ولبنان وهي بؤر ثقافية شهدت على مستوي الدراما تطوراً في حقب سابقة, تجدها الآن خارج السباق السينمائي العالمي بالمقارنة مع السينما الهندية التي لم تكن لسنوات قليلة سابقة لتجد الرواج عالمياً وعربياً. والشاهد في كل ذلك أن الواقع الاقتصادي والأزمات السياسية والتشظي الثقافي كانت المتسبب الرئيس في توقف الانتاج في لبنان وسوريا عن التأثير محلياً وعربياً ورواج أفلام لا تمت لثقافة مصر السابقة ودورها بصلة أي أن مرحلة "عادل امام" التي كان يراها البعض تقع تحت دائرة الجدال بين الضحك على الواقع وتغييب الواقع الحقيقي بالضحك.. عموماً مرحلة عادل امام كانت أكثر ثقافة ورمزية في قراءة المكان والزمان من محمد رمضان وجيله.
سيناريو سوداني
يقول الدكتور "أحمد كريم" في كتابه "جدلية الرمز والواقع – دراسة تطبيقية في رواية موسم الهجرة الى الشمال" "السبب الذي يرجع اليه نجاح هذه الرواية فهو متعلق بطبيعة بنيتها الفنية وتكوينها الجمالي فالقضية الفكرية التي تعرضها الرواية – أي رواية مهما كانت درجة أهميتها لا تصنع نجاحاً لها إلا اذا سُكبت في اطار تعبير فني راق وصُيغت بأدوات وتكتيكات تستثمر في انجاحها وتحقق موسم الهجرة الى الشمال هذه المعادلة اذ تجمع بين سمو القصة الفكرية وتفوق الأدوات الفنية"(6) وموسم الهجرة الى الشمال بيئتها المكانية ونصها المثقف وقراءتها للعلاقة بين الشرق والغرب والمستعمر والمستعمِر فإنها قد فتحت في تاريخ الكتابة الروائية سرد الواقع وصورته, المكان وتجلياته, والزمان وتقاطعاته مما يجعل رواية "كونية" يمكن تحويلها الى فيلم عالمي يلتقي فيه الشرق والغرب, وكل من يقول بأنها اللغة  العامية  السودانية ستقف عائقاً أمام كتابة سيناريو للرواية لم يقرأ الرواية ولم ير إلا جزءاً من السرد. مثلاً "عرس الزين" "الفيلم" على الرغم مما قيل فيه فإن البيئة السودانية غنية بالثقافة الحكائية والشخصيات التي يمكن من خلال نصوص الطيب صالح الروائية تحويلها الى شخصيات سينمائية تبقى في الذاكرة.
السيرة الغيرية
السيرة الغيرية والتي لا يزال الجدال حولها قائماً بين من يراها رواية وبين رؤية الطيب صالح بأنها "قصة صديق ألتقي  به في الحياة العامة وأحزنه موته, فكتب "منسي: انسان نادر على طريقته" يقول الطيب صالح عن "منسي" "رجل قطع رحلة الحياة القصيرة وثباً وشغل مساحة أكبر مما كان متاحاً له وأحدث في حدود العالم الذي تحرك فيه ضوضاء حمل عدة أسماء "أحمد منسي يوسف" ومنسى يوسف بسطاوروس ومايكل جوزف ومثل على مسرح الحياة عدة أدوار حمالاً وممرضاً ومدرساً وممثلاً ومترجماً وكاتباً وأستاذاً جامعياً ورجل أعمال ومهرجاً"(7)
تنوع الحكاية والثقافة
الأستاذ "عيسى الحلو" في نصوصه القصصية والروائية تلتقي سردياً داخل هذه النصوص في مباراة مفتوحة للقاريء تلتقى الحداثة بالتقليدية, الانسان المثقف بالمتحجر فكرياً وموقع الثفافة بتجلياتها كافة ومشروع النهضة هو الفضاء الواسع الذي تتحرك فيه شخوصه, صورة الأفندي المثقف والأفندي مدعي الثقافة صورة المجتمع الرافض للحداثة والتحديث وتحولاته وحكاياته ولياليه السردية في أزمنته المتعددة وفضاءاته الواسعة هو ما يميز كتابات "عيسى الحلو" ويعطيها الدافع كي تصل الى عين السينما لاضافة هذه الرؤية البصرية الى رؤيته السردية الروائية فتكتمل الرؤية.
ابراهيم اسحق.. حكي طائر السرد
يتميز ابراهيم اسحق بالقدرة على سرد الأمكنة وإعطاء الشخصيات الروائية والقصصية صفة الشاهد على الواقع،  ولغة الحوار،  عن لغة الحوار الوسط، وبقية الأمكنة وبالتالي وقفت صعوبة الحوار عائقاً أحياناً أمام القراءة السردية وقد ظل مفهوم "الثفافة الوطنية" في دولة ما بعد الاستعمار يمثل كما يؤكد جابر عصفور في كتابه النقد الأدبي والهوية الثقافية "بأن مفهوم الثقافة الوطنية مفهوم اشكالي ارتبطت نشأته العربية بالدفاع عن الهوية الوطنية في مواجهة الغزو الاستعماري الذي جسد الذروة القمعية لحضور الآخر الذي ظل يهدد الوجود القومي للأنا الوطنية على مستويات عدة وربما كان أهم هذه المستويات من حيث الصلة بالسياقات العربية لتولد المفهوم ما ارتبطت به جهود الاستعمار الغربي من محاولة اجهاض  الشعور القومي وطمس ملامح الهوية الثقافية"(8) وفي كتابه "موقع الثقافة" يقول المفكر الهندي  "هومي بابا" "حين نفهم جميع الأقوال والمنظومات الثقافية مبنية في هذا الفضاء المتناقض والمتجاذب من النطق حينها فقط نفهم لماذا يتعذر الدفاع عن المزاعم التراتبية الخاصة بأصالة الثقافات أو نقائض الموروث حتى قبل أن نلجأ الى أمثلة تاريخية تجريبية تبين هجنة هذه الثقافات"(9). تميز الأستاذ "ابراهيم اسحق" بقدرة هائلة على السرد مع انتقالات مدهشة تعطي القاريء الصورة المكتملة حكائيا، ً هذه الصورة في أبعادها السردية والبصرية في حالة انتقال من مشهد داخلي في إطار اللوحة الى مشهد خارجي في إطار المتخيل للقاريء وبالتالي للمشاهد لكاتب السيناريو للمخرج, والأمثلة عديدة في "ناس من كافا" على قوة السرد والبناء الحكائي مثلاً في مفتتح قصة "الفجوة في حوش كلتوم" "عند عودتي المرة الأخيرة من المدينة وجدت ذلك الرجل الأصفر المربوع القامة وسيم القسمات في حوش كلتوم يأمر وينهي وكلتوم كأنها صوفة تناست تعكرها المشهود" وأيضاً نجده هذا  المثال في كتابه "عرضحالات كباشية " في قصة الأشباح الفكي يعقوب يقول له: سبحان الله يا مأمون الزول الزيو من الجماعة ديلاك يأخذ الأرض من منو ياولدي؟ لما الزبير والترك حقاتو ملكو البلدان والسلطة راحت".
يقول "كيروساوا" "أن ياماسان قال له "اذا أردت أن تصبح مخرجاً تعلم أولاً كتابة السيناريو وأن يكتب  المرء كل يوم صفحة واحدة فإنه يستطيع أن يكتب سيناريو من "365" صفحة في العام".
سرديات النهر
في روايته المكانية "هجرة أبناء حامد – تداعيات في زمن الرحيل" للروائي والقاص الأستاذ  "أحمد الفضل أحمد" هذه الرواية تتسع رؤيتها باتساع النهر ورؤية الكاتب "في المساء يجتمع الأولاد والبنات الصغار يأتونها من قعر "الحلة" يسمعون منها الحكايا يتقرفصون تحت قدميها تجلس على عنقريبها تحت ضوء القمر, يخرج من وراء التلال ويستدير, تتكيء بعد العشاء تمسح جسدها بزيت السمسم وقوائم وعوارض  عنقريبها وحبالها  "مسودة" من أثر لمس  مسوح أياديها".
البقعة – الحسن محمد سعيد
يقول الدكتور عبدالله ابراهيم "تتشكل البنية السردية للخطاب من تضافر ثلاثة مكونات الراوي والمروي والمروي له. يعرف الراوي بأنه ذلك الشخص الذي يروي الحكاية أو يخبر عنها سواء  أكانت حقيقية أم متخيلة ولا يشترط أن يكون اسماً متعيناً فقد يتوارى خلف الصورة صوت, أو ضمير يصوغ بوساطته المروي بما فيه من أحداث ووقائع"(10)
رواية "البقعة" للأستاذ "الحسن محمد سعيد" تاريخياً تقع في فترة دخول المستعمر وتنتهي بنهاية 1945م وقد تميزت الرواية بسردية قرأت الاستعمار،  وما يحدثه في المجتمع وعلاقة الشرق بالغرب في إطار الرؤية الاستشراقية لزوجة مبعوث سوداني الى بريطانيا عادت معه واختفت في ظروف غامضة.
يقول الكاتب السوري حيدر حيدر" في كتابه "أوراق المنفى – شهادات عن أحوال زماننا", وتحت عنوان الرواية والسينما يذكر الآتي: "تشترك الرواية والسينما في نقاط أساسية تكاد تكون الأساس الهيكلي للعمل الروائي والسينمائي, وهذه النقاط الاستنادية هي الحدث, الموقف, الصورة, الحركة, الزمن, ان العنصر الأدبي في الرواية وهو التحليل يستعصى أحياناً على الكاميرا التي تولف وتركب أكثر مما تحلل ولكن التجسيد بالصورة واللون والموسيقى والأشخاص يعطي السينما تفوقاً في التأثير وقدرة الانطباع وامتحان الحواس"(11)
قفزت الرواية السودانية قفزة هائلة في أقل من عقدين من الزمان, وما بين رواية "راحيل" للراحل "بهنس" في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي وآخر رواية صدرت في هذا العام نجد أن "راحيل" قد تمثل مع ما فيها من نقصان  وتناقض , نجدها تمثل ريادة لجيل وقد يختلف في ذلك معي الكثيرون.   إلا ان قطار السرد هذا الذي ظهر بين غرفه المتناثرة سردياً وثقافياً والمختلفة في درجات التطور, نجد أن هذا القطار طويل السرد،  فيه أجيال تختلف عمرياً وتتفق في آليات الظهور والتطور من الزين بانقا, أمير تاج السر, عبدالعزيز ساكن, منصور الصويم, عماد البليك, عمر الصايم, ومع ملاحظة أن "تأويل مقام الورد" لمحمد خلف الله سليمان تقف في لغة السينما والصورة والشفافية السردية الروحية في درجة ومقام أعلي في درجات سردية شعرية غنية الحكي، والصورة . هناك مهند الدبي, سارة الجاك و هناك تجربة سردية مختلفة للروائية " آن  الصافي" وهناك سؤال لماذا لم تنعكس الرواية في مراحل تطورها السردي على السينما؟ يقول "حيدر حيدر" "ربما كان في أعماق أي روائي مولع بالسينما, مخرج سينمائي ينزع لأن يكتب بالكاميرا والأمر نفسه في أعماق المخرج الذي يكتب القصة  والسيناريو،  وهذا ما يفسر الانتقال والتداخل بين الروائي والمخرج"(12)
قراءة أخيرة
1-مشروع النهضة الثقافية الفكرية ما أصابه من تراجع في ظل الدولة الوطنية, ساهم في غياب السينما عن التأثيرفي بنية الوعي العام.
2-غياب الخطاب الناظم لمشروع نهضوي شامل عمق الهوة بين المواطن العادي ودور السينما في تنشئته الثقافية – ويقول في ذلك الروائي "حيدر حيدر" "السينما تمثل أداة رئيسية من أدوات المعرفة الثقافية ومشاهدة شريط سينمائي جيد يعادل قراءة كتاب جيد بأقل وقت ممكن".
3-التجارب السينمائية السودانية،  كلها مجهودات شخصية في غياب المؤسسة الثقافية في جميع العهود الوطنية.
4-لا يمكن الركون لهذه التجارب السينمائية باعتبارها الأنموذج لسينما سودانية.
5-معاناة السينما هي جزء من معاناة الدراما عموماً في غياب،  التمويل وغياب الايمان،  بأهمية السينما والدراما التلفزيونية.
6-تأسيس شركات انتاج سينمائية مع مشروع واضح للسينما.
7-اقامة ورش حول السينما وأدواتها, وابتعاث كوادر للخارج للتأهيل العلمي واكتساب الخبرات.
,
المراجع:
مذكرات اكيراكيروساوا ما يشبه السيرة الذاتية – عرق الضفدع – المترجم – فجر يعقوب الطبعة الأولى 2016م – منشورات المتوسط – ايطاليا.
مذكرات شارلي شابلن – ترجمة صلاح حافظ – العام 2005م.
موسوعة السرد العربي "4" د. عبدالله ابراهيم المؤسسة العربية للدراسات والنشر – لبنان – بيرو طبعة 2008م.
كيروساوا مرجع سابق..

أنماط الرواية العربية الجديدة د. شكري عزيز الماضي – عالم المعرفة – 2008م – الكويت.
جدلية الرمز والواقع – دراسة نقدية تطبيقية في رواية موسم الهجرة الى الشمال – أحمد كريم – جائزة الطيب صالح للابداع الكتابي 2011م.
جابر عصفور – النقد الأدبي والهوية الثقافية – كتاب دبي – فبراير 2009م.
موقع الثقافة – هومي. ك. بابا – ترجمة ثائر ديب – المركز القومي للترجمة – الطبعة الأولى 2004م.
السردية العربية – عبدالله ابراهيم – مصدر سابق.10 -
10-السردية العربية -مصدر سابق 
11-12الكاتب السوري -حيدر حيدر -أوراق المنفى -شهادات عن احوال زماننا " الطبعة الأولى 1993-- دار أمواج للطباعة والنشر -بيروت  لبنان