قراءة أولى في الثلاثية الماجدية

قراءة أولى في الثلاثية الماجدية مصطفى محمد أحمد الصاوي توطئة: تهدف هذه الورقة إلى قراءة كتاب (منصور خالد) الموسوم بـ (الثلاثية الماجدية صور من الأدب الصوفي السودان).

قراءة أولى في الثلاثية الماجدية

قراءة أولى في الثلاثية الماجدية
                                                                   مصطفى محمد أحمد الصاوي

 

 


توطئة:
تهدف هذه الورقة إلى قراءة كتاب (منصور خالد) الموسوم بـ (الثلاثية الماجدية صور من الأدب الصوفي السودان).
تضمن الكتاب سيرة الشيخ محمد عبد الماجد، والشيخ (أحمد الصاوي عبد الماجد) أما الكتاب الثاني فقد تضمن (أشعار) الشيخ أحمد الصاوي عبد الماجد (صاوي القوافي) وخص الشيخ (عبد العزيز الدباغ محمد عبد الماجد) بالمجلد الثالث.
نحن إزاء بيلوغرافيا  فيها جهد جهيد للتحقيق فقد ((أصبحت البيلوغرافيات الجديدة جنساً تتداخل فيه أقطاب متعددة فهو خليط بين التاريخ والأدب.... وإنخراط البيوغرافي في موضوع دراسة يتطلب منه استثمار هذا التركيب المعقد)).(1)
وبهذا فإن هذا السفر يقع في باب السيرة في محيطها الأدبي الواسع، ويتقاطع فيها البعدين الفني، والتاريخي.
انطلق منصور خالد من عملين منجزين الأول سيرة الشيخ محمد عبد الماجد والتي أملاها الشيخ على ابنه الشيخ خليل محمد عبد الماجد، والثاني (صاوي القوافي) والذي جمعه وكتب مقدمته الشيخ (محمد الفاتح الصاوي) إضافة إلى ما دونه منصور خالد عن الشيخ (عبد العزيز الدباغ محمد عبد الماجد).
موقع الكتاب في الفضاء السيري:
تعني السيرة لغة الحالة التي يكون عليها الإنسان، وغيره غريزياً كان أو مكتسباً))(2)، وهي الطريقة في الشيء والسنة لأنها تسيري وتجري(3)، ومن الناحية الاصطلاحية فهي ((مصطلح للدلالة على الكتابة عن شخصية من الشخصيات المعروفة على مستوى الفن والأدب والسياسة أو أي مجال من مجالات التفوق الإنساني))(4) وهي أيضاً ((نوع من الأنواع الخبرية والسردية الأصول لأنها ثابته، ويمكن أن توجد متعالية عن الزمان والمكان))(5) والعمل الذي بين يدي الدراسة هو سيرة عائلية قصد المؤلف منه ومن خلال التحقيق، وجمع الكتب في مؤلف واحد أن يبحث عن الحقيقة في حياة أعلام أسرته والكشف عن مواهبهم، وأسرار تفوفهم والأحداث التي واجهوها في محيط جيلهم وسياقهم الاجتماعي والسياسي وأبراز أدوارهم في الجدل الاجتماعي والثقافي إنه يتناول حكاية أسرته ((منظوراً إليها بصورة جماعية))(6) فهو يُضفي القيمة على مفهوم الآباء المؤسيين، ويشدد على التاريخ والتاريخ الاجتماعي والحضاري.
يُشير الكاتب في مفتتح العمل دوافعه لكتابة النص صدرها بـ (إبراز مؤلفات أربعة اخترناها من بين عدد من المخطوطات والمنشورات).(7)
إضافة إلى إعطاء ((صورة متكاملة عن حياة هؤلاء الأسلاف وأدبهم وزمانهم))، وكذلك الإشارة إلى: ((جوانب من حياة المؤلفين قد يفيد القارئ الإلمام بها حتى تتكامل الصورة أمام ناظرية))(8) تلك هي الدوافع المعلنة التي ترتبط بطبيعة النفس البشرية من ميل والتصاق بالجماعة (الأسرة) هنا والافتخار بالأسلاف وإنجازاتهم: ((هؤلاء الأهل عليهم رضوان الله جميعاً كانوا أهل بلاغ للعابدين ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا)) وكانو فقائه يتهدي الناس بعلمهم في النهار ويتضيئون به بعد طائفة من الليل وكانوا رجال علم، كل واحد منهم وَاعيَّا بما أختار لنفسه من علم.. وكانوا أهل إيمان)).(9)

 


عتبات الثلاثية الماجدية:
يُطَلق على العتبات في أدبيات النقد المعاصر مُصطلح النص الموازي، وهو في جوهره ((كل نصية شعرية أو نثرية لكون فيها العلاقة مهما كانت خفية أو ظاهرة بعيدة أو قريبة بين نصر أصلي هو المتن، ونص آخر يقدم له او يتخلله مثل العنوان، والمقدمة، والإهداء، والافتتاحية، والملاحق، والهوامش، والصور...))(10) وجميع ما يسبق يشكل مدخل الولوج للمتن للتلقي والقراءة.
العنوان الرئيس للعمل هو: ((الثلاثية الماجدية، صور من الأدب الصوفي السوداني، الشيخ محمد عبد الماجد (سيرة ذاتية) والشيخ أحمد الصاوي عبد الماجد (أشعار)، ثم تحقيق منصور خالد وقد نهض العنوان على جملة أسمية تركبت من مبتدأ وخبر، والمبتدأ محذوف تقديره (هي) وصور خبر لمبتدأ محذوف، ثم جار ومجرور، وإضافة، وأحتوى العنوان العدد (ثلاثية) تذكر بثلاثية نجيب محفوظ، وثلاثية  بركة ساكن وشكل هذا العنوان بنية كبرى ضمت داخلها بني صغرى وهي عناوين داخلية دارت في فضاء العنوان الرئيس، من سيرة الوالد الشيخ محمد عبد الماجد، والعنوان يشير إلى سيرة غيرية، ومؤلفها الشيخ خليل محمد عبد الماجد، والكتاب الثاني (صاوي القوافي والعنوان دال على الشعر والشاعرية وفيه اعتزاز بشعر (الصاوي) وتضمن عناوين داخلية أيضاً (نبويات) و(الأدبيات) و(الاجتماعيات) ومنظومة في التوحيد والشاهد أن هذه العناوين الرئيسية والعناوين الداخلية تتفاوت في أبعادها الفنية والجمالية ولكنها أسست لميثاق سيري بالتحديد عنوان الشيخ خليل محمد عبد الماجد الذي وسمه من سيرة الوالد الشيخ محمد عبد الماجد، وتتوجه بقية العناوين إلى إضاءة الإنجاز لهؤلاء العابدين في الشعر أو في الدراسات الإسلامية والمحقق استطاع بعنوانه الرئيس، والعناوين الداخلية أن يحدد كمعالم هذه السيرة العائلية ((وبالرغم من كثرة المخاطر والمزالق المحيطة بكتابتها تبقى ذات أهمية في ميدان التاريخ فهي جزء منه)).(11)
وسعى العنوان للإحاطة بكل ما سبق من كتب، وبلم شتاتها وأن يجد علاقات نصية بين عناوين الكتب باعتبار الربط بين العنوان الرئيس والعناوين الداخلية، أي البنية الكبرى للعنونة والبنية الصغرى لها فكان الرابط العدد (الثلاثية) والنسب للأسرة (الماجدية) ومحاولة التجنيس (صور من الأدب الصوفي السوداني) أما عنوان المجلد الثاني فقد وسمه المحقق بـ (الثلاثية الماجدية، صور من الأدب الصوفي السوداني، شعر الدباغ من خلال عنوان رئيس، والثاني فرعي شارح، والثالث أشار فيه إلى الشيخ عبد العزيز الدباغ وشعره.
أما باقي العتبات فقد تضمنت مؤشرات للتلقي، والإهداء في المجلد الأول أكد أن النص سيرة عائلية ((إلى سارة ومدينة الصاوي، الأم والخاله. تلدنا في بيت علم، ودين، وعاشتا راضيتين مرضيتين، إلى عليش محمد عبد الماجد، العم السادن على مسجد أبيه، ميراث أبويهم وأخويهم أهديه لأفضل ولامنه لحافية، ولهم ولذوي القربى جميعاً وتلك من نعم الله))(12) إذن الإهداء يؤكد الجنس الأدبي للعمل (سيرية عائلية)، العرفان للأم والخالة، والتقدير لسادن المسجد عليش محمد عبد الماجد، وفي الإهداء أيضاً شكر لنعمة المولى عز وجل حيث يلتقى فيه العام والخاص. وتبقى في هذا السياق الإشارة إلى أبيات عبد الرحيم البرعي اليمني التي تعزز القيم العائلية وضرورة الحفاظ عليها.
                   البيت بيتكـم والغرس غرسكم والـدهـر ما بين أدبار وإقبال
 فأحموا حماكم وقولوا لا تخف دركا من اعتداء عدو أو قلي حالي
            فـليّ ظنون وآمال  بـكم حسنت لا خيب الله منكم حسن آمال
                   دمتم ودامت ريــاض الدين مسفرة بشيب وشبان وأطفال
وقد تعددت المقدمات في هذا السفر وتحت عناوين مختلفة ومقصوده لدورها الوظيفي في بنية العمل، فقد تضمن المفتتح بالمجلد الأول الدوافع التي حدت بالكاتب إلى تدوين العمل والجهد الذي بذله في هذا الصدد مع الإشارة إلى المخطوطات التي تخص الأسرة وأودعت بدار الوثائق المركزية (نقدم للناس هذه الثلاثية علنا نستوفي بذلك من دين).(13)
وكتب تمهيداً في الكتاب الأول الذي ألفه الشيخ خليل محمد عبد الماجد (من سيرة الوالد الشيخ محمد عبد الماجد) عرف فيه بالكتاب، والمكتوب عنه ((كان الشيخ محمد عبد الماجد فقيهاً أكثر منه متصوفاً))(13) ثم وضح نمط حياته ((ديدن شيخنا أذن هو التفرغ في خلوته إلى العلم والانقطاع فيها إلى الله لا يبتغي سواه))(14) مع توضيح مواقف الشيخ ضد الحكم الأجنبي فالمفتتح به لوامع سيريه تتسق مع كتاب الشيخ خليل محمد عبد الماجد. ويمكن اعتبار مقدمة البروفسور الراحل عون الشريف قاسم على الرغم من كونها مقدمة، إلا أنها تقع في صميم البناء السيري لما فيها من بحث في نسب وجذور العائلة وما أطلق عليه: ((جهاد أسرة من أسر العمراب بدأت حياتها في شمال السودان في المطمر وجبل أم علي وانتقلت في العهد التركي إلى سنار، ورجعت في عهد المهدية إلى أم درمان)).(15)

 


وفيها أيضاً تقريظ للكتاب: ((منهج العلم الذي ورثه الابن عن الوالد هو الذي أحال الكتاب إلى عرض موضوعي يتحدث فيه عالم عم عالم في تجرد وإنكار ذات))(16) مما يؤكد أن الكتاب الذي ألفه الشيخ خليل محمد عبد الماجد هو سيرة غيرية، اتسمت كما أكد عون شريف قاسم بالعرض الموضوعي وهي أهم ما ((تحكم السير الموضوعية قواعد يتبعها كتابها وهي الوقوف المفصل على صاحب السيرة والتعريف الشامل بشخصيته))(17)، تلك المقدمات إذا نظرنا إليها من منظور واسع يتعلق بطبيعة المقدمات في مؤلفات منصور خالد فإن المقدمات في الثلاثية نهضت على أكثر من مقدمة خِلافاً لباقي مقدمات كتبه على النحو الذي أوضحناه آنفاً حيث اتسمت بالتالي:
تعدد المقدمات.
أحتوت على مقدمات أصلية مثل ما دونه الشيخ محمد الفاتح الصاوي تحت مسمى كلمة الناشر وهي مقدمة بها كل خصائص المقدمات وكذلك المقدمة التي كتبها بكتاب جمانه التوحيد للشيخ أحمد الصاوي.
ج. مقدمات لاحقة وهي جميع المقدمات التي دونها منصور خالد ما عدا المقدمة التي كتبها لكتاب الدباغ الشاعر فهي مقدمة أصلية وليست لاحقة.
د. كل تلك المقدمات على اختلافاتها مقدمات غيرية.
هـ. إن أهم ما اتفقت فيه المقدمات هو تقديم تعريف بالمؤلفين، حياتهم الشخصية، والعلوم التي نبغوا فيها.
مع وجود إشارات لظروف ثقافية وسياسية في سياق الأخبار عن هؤلاء الأعلام وعصرهم وهذا المنحى منحري سيري لأنه استهدف ((البحث في سير الأشخاص))(18) مما يقود للحديث عن الأشكال السيرية في الثلاثية.
الأشكال السيرية في الثلاثية الماجدية:
التراجم:
تتوافر في هذا العمل صيغة التراجم وإن ناءت عن الترتيب المُعجمي، لأن الكتاب يتضمن ((التعريف بحياة رجل أو أكثر تعريفاً يطول ويقصر ويتعمق أو يبدو على السطح))(19) وأوضح نموذج بهذا ترجمة الشيخ أحمد الصاوي عبد الماجد التي كتبها ابنه الفاتح، وترجمة الشيخ عبد العزيز الدباغ التي دونها منصور خالد وتلتقى هذه التراجم مع مفهوم السيرة إلا أن الثانية هي أكثر تفصيلاً في نقل حياة المُترجم له إضافة إلى تراجم أخرى حققت مفهوم السيرة العائلية.
(ب) السيرة الغيرية:
أما الشكل الثاني فهو السيرة الغيرية وأفضل نموذج لها من دونه الشيخ خليل محمد عبد الماجد عن والده وقد توفرت فيها مقومات العمل السيري الغيري بداية بالعنوان (من سيرة الوالد الشيخ محمد عبد الماجد) فقد أحتوى على:
مولده ونشأته.
أصله، وفروعه، وزوجاته، وسراريه ومماليكه، وبلاده وكذلك زوجاته.
ج. مشايخه الذين أخذ عنهم العلم.
د. تلاميذه الذين أخذوا عنه العلم.
هـ. مؤلفاته ودروسه ومنظوماته وأدبه ونوادره.
و. علاقته بالمهدية ومكان تدريسه ثم مواقفه من المستعمر الإنجليزي.
ز. سيرته الشخصية، وأحواله السنية.
جسدت هذه السيرة قصة حياة إنسان (الشيخ محمد عبد الماجد) وأتسمت بالطابع العلمي وعولت نشأته العقلية وأدواره في التعليم ومؤلفاته ومن جانب آخر أشارت إلى حياته الخاصة، وكشفت عن ((مفاهيم اجتماعية يهاب ذكرها الناس في هذا الزمان مثل الحديث عن الإماء والموالى))(20) ولعل أميز ما في هذه السيرة الغيرية هو السند المرفق عن الشيخ محمد عبد الماجد في علم الفقه من طريق القطب الدرديري إلى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه.
(ج) الكرامات:
بنية الكرامات ثاوية في تضاعيف العمل ولم يصرح الكتاب بها علانية لكنه أكتفى بذكر آليات تحققها بإسنادها إلى شخصيات (الشيخ الصاوي) ومكان (ضريح الشيخ حامد أب عصا سيف) ونص (قصيدة) يقول النص الكراماتي ((ذات يوم أثناء فترة الاعتقال تمكن الشيخ الصاوي من السفر إلى شندي ومنها إلى جبل أم علي حيث يقع ضريح الشيخ حامد أب عصا فدخله قبيل المغرب ووقف على رأس جده وبدأ في إلقاء قصيدة افتقد أغلبها وكان قد بدأ في تأليفها داخل الحبس وأكملها في الطريق إلى الضريح وعندما بلغ البيت الذي يقول ((فإذا النوائب)) أهتز الضريح وارتعدت أركانه وبدأ على شفا الإنهيار، فخرج الشيخ الصاوي وأكمل القصيدة خارج الضريح ثم صلى المغرب ولما بلغ أم درمان وجد أن الخليفة قد أمر بإطلاق سراحهما وقد تم الإفراج عنهما بعد أن استدعى الخليفة أحد مستشارية وهو حاج خالد خال الشيخين وحفيد الشيخ حامد)).
وهذا النص بسيط وله شكل مركب تتداخل فيه الشخصيات، والمكان، والحدث، والراوي فالمكان مفتوح ومحدد الجبل، والشخصيات: الشيخ الصاوي، وخاله حاج خالد، وصنوه أي صنو الصاوي محمد عبد الماجد وبالنص أنماط من التواصل الأول بين الحفيد (الصاوي) والجد (الشيخ حامد، وبين الخليفة عبد الله، والخال (حاج خالد) ثم اهتزاز الضريح، ووصول الرسالة عبر الحلم للخليفة عبد الله الذي أمر بإطلاق سراح الأخوين ففي الحوار يقول الأول حاج خالد ((أها جدك ده حماني النوم،... شفتا للدغش بزازي بي.. عينها بنارها وشرارة عصاتا برقه.... وليدات السارة بفوتو كده ولا كده))(22). تلك استغاثة من الحفيد استجاب لها الجد:
يـا أيهـا الجـد الكبيـر

أبو الجـدود المنـجـديـن

نابـت بنـيـك نوائـب

أفـلا تغـار على البنـيـن

يا حامـداً ألـق العصـا

تـلقف حبـال الساحـريـن

فحبـاً لهـم ماحبة تسعى

لتـلـقـف يـا فـطـيـن

فـإذا الـنـوائب أقبلـت

فـإذا عـرابـة بـاليميـن

هذا نص (كرامات) يتسق مع مجمل ما ورد في الثلاثية من أبعاد توثيقية وأخبار عن الشخصيات عبر شكل الكرامة التي: ((قامت على دوال متغيرة، وأخرى (ثابته)(23) فالثابتة كما أوضحنا الشخصيات، الزمان والمكان، أما المتغير فهي الأفعال والحكاية والتي نقلت وتنقل عبر الروايات الشفاهية وبتفاعلها تأسس هذا النص كما إن النص الكراماتي متداول الآن بين أبناء وأحفاد الشيخ وكذلك بين مُرِيدهم فقد اجتمعت فيه كل سمات ((النص الصوفي الذي تحكمه عدة علائق، ومفاهيم، وقضايا متشابكة، يمكن أجمالها في علاقة واحدة هي جدلية الإنساني نحو الالهي وهي بنية مركزية أتخذت عدة تمظهرات طقوسية، سماعية، شعرية، سردية))(24) وتوافر أكثر من عنصر مما أشار المقتطف إليه خاصة النص الشعري الذي صاحب الكرامة، والبنية السردية بما احتوت من ثوابت ومتغيرات.
(د) السيرة العائلية:
تآزرت الأشكال السيرية أعلاه لتنتج سيرة عائلية ممتدة، ولعل العنونة الرئيسية تؤكد هذا المنحى الذي ذهبنا إليه، لأنها في تكاملها وتتداخلاتها عبر أقطاب متعددة: تراجم، سير، كرانات وتماهت مع الأدب والتاريخ وتمثلت سماتها في التالي:
الانتقال من الفرد إلى الجماعة.
تضمين معلومات عن الأسلاف وشجرة العائلة وتاريخها.
ج. العلاقة الجدلية بين مكونات المؤلفات (السيرة الغيرية) التي دونها الشيخ خليل محمد عبد الماجد عن والده، وما دونه الشيخ محمد الفاتح الصاوي عن والده الشيخ أحمد الصاوي، إضافة إلى ما دونه منصور خالد عن الشيخ عبد العزيز الدباغ أتجه كل ما سبق صوب هوية واحدة (قصة حياة عائلة).
د. استوعب العمل في تكامله سياق اجتماعي وتاريخي واسع ((الفترة التاريخية التي عاش فيها المترجم لهم بوقعائهما وأحداثها))(25) فالسير، وكتابات الحياة، لابد أن تتضح فيها السياقات التي أنتجتها.
هـ- نهض الكاتب بهذا التحقيق بإعادة بناء ابسيرة العائلية الثلاثية الماجدية معتمداً على الوثائق، والروايات الشفاهية، والمقدمات على اختلاف كتابها في النص الأصلى، وفي نصوص المقدمات اللاحقة مما جعل السيرة تزداد وضوحاً فيه تجرده ونظرته الموضوعية محققاً قول إحسان عباس: ((إن نجاح من يكتب السيرة الغيرية يقاس بمقدار تجرده وغيريته))(26).
و- رد المحقق على ما دونته الباحثة آسيا وداعة الله في سياق رسالتها التي وسمتها بالدباغ شاعراً بصدد الخلاف بين أبناء عبد الماجد ((الخلاف بينهم على خلافة والده مثلما يحدث في البيوتات الدينية، يمضي منصور خالد في تبيان وجهة نظر مخالفة لما أوردته ((واقع الأمر أن الأسرة لم تعرف خلافاً بين الدباغ وأخوانه إذا أن أغلب أخوانه كانوا أيفاعاً لا يقاربونه في السن ولا يتكأفاون معه في المعارف كما أن جلهم لم ينصرف في حياته العامة إلى ما أنصرف إليه الدباغ وتوفر عليه))(27) وفي موضع ثانِ يرد الأمر إلى أن ((مبعثه فيما نعرف خلاف فكري عبر عنه خليل بإنكاره لما ذهب إليه أخوه من إمعان في التطرق والذكر)) رابطاً هذا الخلاف يخلاف قديم بين الفقهاء والمتصوفه أهل الظاهر، وأهل الباطن، ثم استخدم كلمة (ناقرة، وإنها لم تكن بسبب الخلافه ((الشيخ خليل وقعت بينه وبين أخيه الدباغ ناقرة لم يكن سببها ميراث مسجد أو الإمامة فالمساجد لله))(28).
ح- أشير في هذا السياق إلى إتساع هذه السيرة العائلية، فقد كتب الأستاذ مالك محمد عبد الماجد في حلقات متتابعة بصحيفة ألوان تحت عنوان حديث الذكريات في عام 1997م أشار فيها إلى تاريخ العائلة، وتأريخه الشخصي وعول على الإشارة إلى والدته والاحتفاء بها، وتاريخ مسجد ود عبد الماجد، وخلوة الشيخ خليل عبد الماجد وجميعها تتقاطع مع المفهوم الذي أشرنا إليه (سيرة عائلية) والملمح الجوهري في هذه الذكريات يتبدي في ابتعاده عن الخوض في السياسة والسياسيين خلافاً لمعظم المذكرات التي دونها الذين تخرجوا في كلية غردون إلا من إشارات في سرده لفترة المهدية أبرز فيها صدى خلافات والده مع الخليفة عبد الله ودون القارئ الكتاب القيم الذي دونه عبد الله على إبراهيم الضراع بين المهدي والعلماء وفي هذا أشار منصور خالد: ((لم يكن الخليفة يكن وداً لأولاد عبد الماجد وحبسهما لعدم اعترافهما بإمامته)) إذن ذكريات مالك محمد عبد الماجد تصب في ذات المنحى صوب سيرة عائلية واسعة وممتدة، وكتب عبد الماجد عليش سيرة غيرية وسمها بـ (منصور خالد، ملاحظات أسئلة بدون إجابات في محاولة منه للتعريف بالمترجم له، وفي ذات الاتجاه دون عبد السلام موسى محمد عبد الماجد (شارع ود عبد الماجد، ذكريات أم درماني بين النيل والدلتا) وفيها شذرات من سيرة الذاتية وانفتحت على السرد السيري الغيري وفيها بعض الملامح من تاريخ الأسرة إذ تمضي نحو السيرة العائلية وتتماهى مع تاريخ من وجهة نظره.

خاتمــــة:
بعد هذا العرض الموجز أخلص إلى:
إن الثلاثية الماجدية التي حققها منصور خالد أحتوت على بناء سيري تضمن (تراجم، سير غيرية، كرامات).
قام المؤلف بتحقيق مجموعة من الكتب وأعاد بناء البعد السيري الكامن فيها صوب السيرة العائلية الموسعة (الثلاثية الماجدية).
حقق الكتاب في مجمله وتكامله عبر المقدمات، والمفتتحات، والسند، والوثائق الأخرى أكثر من وظيفة تجلت في التالي:
وظيفة أعتبارية بإعادة بناء سيرة أسرة (آل عبد الماجد).
تمجيد الأجداد.
ج. التوثيق.
د. اسقاط الماضي على الحاضر.
4. اتسعت وتوسعت وامتدت هذه السيرة العائلية بما كتب لاحقاً، ومن هؤلاء الأستاذ مالك محمد عبد الماجد في (حديث الذكريات)، وعبد الماجد عليش في منصور خالد، وعبد السلام موسى محمد عبد الماجد في كتابه الموسوم (شارع ود عبد الماجد).

 

 


هوامش:
خالد طحطح: البيوغرافيا والتاريخ، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 2014، ص146.
أبو القاسم الحسين: المفردات في غريب القرآن، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، دون تاريخ، ص248 مادة سار.
أبو الحسن أحمد فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، مجلد 3 بيروت، ط3، 1991 ص/ص120/121، مادة سيرة.
ينظر: أحمد علي ال مريع: السيرة الذاتية الحد والمفهوم.
ينظر: سعيد يقطين: الكلام والخبر مقدمة للسرد العربي، المركز الثقافي العربي، بيروت 1997 ص 195.
العبارة لـ. فرانكوفريورتي والنقل من محمد فاوبار: السيرة والسيرة الذاتية كمنهج من الأدب إلى علم الاجتماع، مقال في مجلة: عالم الفكر، مجلد 44 يوليو/ ستمبر 2015، ص194.
ينظر منصور خالد: الثلاثية الماجدية، صور من الأدب الصوفي السوداني، تراث المحدودي للنشر صفحة المفتتح.
نفسه.
نفسه.
ينظر عبد النبي ذاكر: الرحلة العربية إلى أوربا وأميريكا والبلاج الروسية، دار السويدي للنشر، أبوظبي الأمارات 2005م، الباب الثاني سؤال الميثاق الرحلي.
خالد طحطح: البيوغرافيا والتاريخ ص154.
منصور خالد، الثلاثية الماجدية، صفحة المفتتح.
سابق.
سابق ص 10.
سابق ص 15
سابق ص 16.
عبد الله إبراهيم: السيرة العربية، تشكل النوع الأدبي والبنية السردية، كتاب المأثورات، وزارة الثقافة والفنون، قطر 2014، ص29.
عبد الله إبراهيم: السيرة العربية، ص 26.
مجموعة من المؤلفين: السير والتراجم، دار المعارف مصر 1955، ص9.
ينظر منصور خالد، الثلاثية الماجدية المجلد الأول (المفتتح).
سابق ص 54.
سابق ص54/ ص55.
ينظر: أدبيات الكرامة الصوفية، دراسة في الشكل والمضمون، 2001 وأيضاً: علي زيعور: الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم، دار الطليعة، بيروت 1977م.
ينظر رشيد سليماني، تشييد الدلالة في التصوف الشعبي المغربي، مقال في الثقافة الشعبية البحرينية، عدد 27، السنة السابعة، خريف 2014، ص57.
ينظر: خالد طحطح ص 54.
إحسان عباس: فن السيرة، بيروت، دار الثقافة، 1956م، ص122.
ينظر منصور خالد، الثلاثية الماجدية، ص 13.
سابقن نفسه.