الكتاب والأدباء الجدد .. أسئلة التلقي والتمرد

الكتاب والأدباء الجدد .. أسئلة التلقي والتمرد منصور الصويم: رواد المدارس القديمة حجموا الأصوات المتمردة آن الصافي: جيل الكتاب الجدد أكثر جيل لديه معلمين عماد البليك: الاستلهام موجود ويصعب القول بالقطيعة ايماض مهدي: الأدباء الجدد يعتمدون على الواقع الموجود – محمد نجيب محمد علي – عامر محمد أحمد حسين

الكتاب والأدباء   الجدد .. أسئلة التلقي والتمرد

الكتاب والأدباء   الجدد .. أسئلة التلقي والتمرد

منصور الصويم: رواد المدارس القديمة حجموا الأصوات المتمردة
آن الصافي: جيل الكتاب الجدد أكثر جيل لديه معلمين
عماد البليك: الاستلهام موجود ويصعب القول بالقطيعة
ايماض مهدي: الأدباء الجدد يعتمدون على الواقع الموجود

– محمد نجيب محمد علي – عامر محمد أحمد حسين

 

 

تزداد المسافات  كل يوم بين أجيال الابداع في مختلف ضروبها, وكل جيل يعلن أنه جيل الكتابة وسابقيه كانوا صدى لأصوات عالمية أو محاكاة لأدباء تفردوا في الساحة العربية. وما بين هؤلاء وأولئك تبقى حقيقة التأثير والتأثر من جيل لآخر, وان ظل السؤال قائماً حول أسباب ومسببات هذا الخلاف الكبير ومع تعدد الرؤى نجد أن ثمة اتفاق بين الكتاب حول تأثير الأجيال المتلاحقة في بعضها مع الاختلاف حول المقدار وهل أضاف الرواد الى الأجيال الجديدة, أم ان هناك قطيعة تاريخية بين آباء تأسيس الكتابة بصورتها الحديثة وأجيال تدعى الدخول في أزمنة ما بعد الحداثة ورؤاها للعالم والكتابة والتجربة الانسانية وما مرت به.

 


ويرى كتاب شباب ان تجربتهم الذاتية في القراءة ساهمت في بلورة رؤاهم وتصوراتهم وان هذه التجربة ليست مرتبطة بخط سير محدد تتبين به مساحات الرواد في البلاد العربية أو الكتاب الأجانب. وبعد قرن كامل من جيل النهضة العربية الذي حاول فك اغلال التخلف تبرز أسئلة حول الحداثة والتحديث, العولمة والتغريب وهل دخلنا الحداثة لنسأل سؤال ما بعد الحداثة؟ وفي وغي العولمة أين مساحات الأدب العربي عالمياً اذا كانت الاوائل قد "قلدوا" ولم يأتوا بالجديد, فأين الجديد العربي أدبياً بين الأمم وثمة أسئلة بلا أجوبة يجب ايجاد أجوبتها ترتبط بمصادر المعرفة العامة والذاتية, حيث يبرز التعليم ونوعه ونظرة الدولة للابداع وكيف تقاس المساهمات الابداعية في صياغة وعي الشعوب, ولماذا الأديب معنوياً ومادياً في أدنى السلم وهرم الدولة.. وبالنظر الى مشكل المبدع والابداع في الحرية والتلقي المجتمعي وتقييم الابداع, يعيش المبدع في جزيرة منعزلة مبدأها ادانة المجتمع بالتخلف, وتتنزل النظرة الى التراث وما تلبث ان تحل بكل السابقين وتعلوا "الأنا" ومع هذه "الأنا" تتجدد الاسئلة حول الرواد والتلمذة والتراث, وزمالة الكتاب  ومع توالد الاحباطات لا أحد يعترف بأحد ولا أحد يجد للآباء في الكتابة الأسوة الحسنة وما بين موت الأب طوعاً وقتله عمداً تبقى حقيقة ان لا ابداع بلا سوابق ابداعية, أما ان يخط المبدع طريقاً مختلفاً وينسج فيه فإن طرق عديدة قد سلكها وجد فيها علامات طه حسين, الطيب صالح, محمود درويش وكذلك أدونيس بثابته ومتحوله أو هجومه على الرواد وتراثهم فقد سبق وكان له قصب السبق.

 


جيل الألفية
يقول الروائي والقاص منصور الصويم أن قواعد اللعبة القديمة تغيرت قليلا، فالشكل التقليدي للأساتذة والمعلمين والمدرسية الصالونية، أصبح من الماضي لا علاقة له بالحاضر، إلا من ناحية توثيقية لمراحل أدبية سابقة. فأكثر الأعمال الأدبية تنشر الآن دون عبورها هذه القنوات الكلاسيكية: "الصالون الأدبي، الأستاذ - المبشر، الملفات الثقافية للصحف والمجلات، الإذاعة.. ". هذا التحول بدأ في السودان مع بدايات الألفية الجديدة، وللأمر بالطبع مقدماته المنطقية التي لم ينتبه إليها رواد المدرسة القديمة أثناء محاولاتهم تحجيم هذه الأصوات الجديدة (المتمردة والمارقة)، وهذا ما قاد إلى فشلهم ومن ثم استسلامهم للموجة الجديدة من الكتابة المنطلقة والمنبثقة من اللا موقع.
ويشير الصويم إلي عدة عوامل أسهمت في تكون هذه الوضعية أهمها الثورة المعرفية الرقمية، التي أحدثها الانفجار المعلوماتي الهائل متمثلا في الشبكة العنكبونية (الإنترنت). فالظهور المتدرج للمدونات الشخصية والمواقع الأدبية شبه الصالونية، ثم من بعدها مواقع التواصل الاجتماعي مشرعة الأبواب، والنشر الإلكتروني السهل؛ وانتشار الكتاب الإلكتروني، كل ذلك أسهم في بروز جيل جديد غير مهتم أصلا بالتلمذة حسب المفهوم القديم، ولا بقواعد النشر الكلاسيكية، ويضيف الروائي  منصور الصويم إلي أن المعلم القديم تحول خلال هذه النقلة إلى علامة ضمن آلاف العلامات التعليمية المنتشرة بفعل الإنترنت والترجمة وسهولة الحصول على كتاب، وشكل التلقي التقليدي داخل الصوالين والندوات الأدبية المغلقة تحول إلى حوارات ونقاشات فكرية مطولة بين الكتاب من مختلف الأجيال في عملية تبادلية تكون الأفضلية فيها للفكر فقط. وبهذه الطريقة أصبحت المصادر المعرفية للكتاب الجدد كونية أكثر منها محلية منغلقة، وذلك بالطبع انطلاقا من استيعابهم ونقدهم للأدب المحلي انفتاحا على العالم، كما أصبح التعامل مع النتاج السابق لهم خاضعا لأدوات النقد بعيدا عن أي قدسية زائفة، مما أنتج مساحة أكبر لاستلهام واستيعاب وتفهم هذا التراث، وبذات الأسلوب يتم التعامل مع الأدب المنتج في المحيطين العربي والعالمي.
 وتذهب الشاعرة الشابة إيماض مهدي إلي أن الأدباء الجدد جيل منكر إلى حد كبير لدور المعلم والدليل على ذلك انخفاض نسبة قراءة الإرث الأدبي والرجوع إلى الثقافة الوطنية والقومية ومحاولة اجتراح أساليبية معتمدة على الواقع الموجود أمامهم فقط، ورغم الإنكار إلا أن معظمهم تظهر بصمة جيل الرواد على منتوجه الأدبي خلف الجرأة الطاغية على الطرح ومحاولة إثبات أن تجربته هذه والتي تضعه في قائمة الأدباء تعتمد على التعلم الذاتي دون الاعتراف بأن هذا النوع من التعليم في الأصل يعتمد على موجه وإن كان خفياً على الرائي وتقول مهدي أن معظم الأدباء الجدد ينظرون إلى جيل الرواد بعين المتجاوز القادر على خلق أعمال أدبية لا جذور لها وكما لو أنها نباتات لا تعترف بخصائص التربة متجاهلين تماماً أن هذا التجاوز يؤسس لمنتوج وقتي قصير العمر أي إبداع للاستهلاك اللحظي فقط . وتشبر إيماض إلي أن الفئة الأخرى تنظر إلى جيل الرواد بوصفهم  أيقونات  وهذه الفئة نفسها القليل منها يدرك المدى الفاصل بينها وجيل الرواد. وأوضحت الشاعرة إيماض مهدي أن اعتماد الأدباء الجدد على التكنلوجيا الحديثة جعلهم يهملون الاطلاع على الموروث، ويؤسسون لانفتاح على أعمال الرصفاء من مختلف البلدان ومشاركتها لأنها قائمة على الأساس نفسه " لغة جديدة ، أسلبة جديدة ، أفكار جديدة لجيل يعترف فقط بأنه لا يشبه إلا نفسه.

 


تعليم التراث
وتقول الروائية والكاتبة آن الصافي الى ان جيل الكتاب الجدد هم أكثر جيل لديه معلمين فثورة الإتصالات وتقنية المعلومات اتاحت حيز وافر من التلقي والدراسة والبحث والتنقيب وسرعة في التواصل. بالإضافة لتوفر القنوات الإعلامية والصحف والمواقع الالكترونية، نجد أيضاً المنتديات الثقافية بتنوعها تشكل رافد جيد للتلقي.  وكثير من الكتب التي غطت مواضيع وحقبات زمنية متنوعة على الأرفف متاحة للتداول عبر النسخ الورقية والالكترونية، علينا أن نعي نقطة مهمة، فالأسلوب التقليدي الذي ساد عبر القرن الماضي في التواصل بين الطالب والمعلم في مجال الأدب له جمالياته كما للأسلوب (الجديد) جماليات يدركها كتاب حقبة الألفية الثالثة.
وتضيف الصافي ان التنوع الثقافي كان يتحقق سابقاً مع الهجرات من مكان لآخر وبالمجاورة والمصاهرة مع ملل متنوعة. والآن التنوع الثقافي أصبح سمة هذا العصر وبجدارة. ليس فقط في بلد واحد بل في الأسرة الواحدة. وهي تشمل حصيلة المعرفة والقناعات وطريقة التفكير وأساليب التواصل، والقدرة على الفهم والإستيعاب، والقدرة على التحليل والتكيف مع البيئة.
وتشير الروائية آن الصافي الى اننا نجد كم معرفي ومعلوماتي غزير ومن مصادر متنوعة، ومنجزات ودراسات تشمل الماضي والحاضر والمستقبل عبر شبكة الانترنت ويشمل جميع أنواع الإبداع والعلم والمعرفة/ العلوم الإنسانية مع يسر وسهولة في العرض والتلقي. هذا المعروض الكمي والكيفي يضم المحلي والاقليمي والعالمي. من الصعب الفصل الآن في قضايا وطنية/محلية دون الأخذ في الإعتبار التجارب الإقليمية والعالمية.
وتمضي الصافي الى ان  جميع الرواد لهم الإحترام والتقدير وبعيداً عن المحاسبة والمحاكمة كل ما جادوا به كأجيال سابقة، مرسوم على النسيج الثقافي المطروح. هؤلاء الكتاب السابقين لهم تجربتهم وعقلية وأفكار عكست عبر نصوصهم حيزهم الذي تحركوا فيه؛ هذا  شيء لا ينكر،  ولكن هم يعبرون عن حقبتهم وأجيالهم. من يعاصر منهم هذه الحقبة؛ أي العقد الثاني من الألفية الثالثة؛ يحسب له تزويد مكتباتنا بنصوص تخاطب الأجيال الحاضرة والآتية مستقبلاً.
جدل المجايلة
ويذهب الناقد والروائي عماد البليك الى ان المعلمين موجودون دائما إذ لا أحد ينبت في الفراغ، المعلم بصورته الكلاسيكية موجود في الأدب السوداني.. أصوات كالطيب صالح ومحمد عبد الحي وغيرهما ما زالت تقرأ وتُشكِّل المخيلة، يمكن الحديث عن غياب قراءة مؤسسية، تأخذ تراث الأدب السوداني بشكل "شامل" وبوعي "كلي" بحيث يكون متاحا الاستفادة من مدرسة الأمس، هذا جانب. من جانب آخر هناك المعلم الأكبر، التراث الإنساني، أكثرهم اليوم يغترف من ماعون الأدب العالمي ويتأثر به بدرجات مختلفة، والانترنت جعل المسألة تبدو أكثر سهولة وهو قد كشف أن المعلم الجديد كائن شعبي ومعقد يصعب الإمساك به بدقة.
ويضيف البليك الى ان الكتاب الجدد مصادرهم تجمع بين التراث المحلي الوطني والعالمي، وإن كان الأثر الإنساني والعالمي هو الأكثر وضوحا في الاستلهام العام لكنه لم يصل إلى التأثير العميق في صناعة النص وتقنيته، بمعنى في الجزئية الأخيرة لا زال التراث القومي مؤثرا، لكنه كما أشرت أعلاه ليس بالتأثير المؤسسي الذي يجعل الفائدة مشبعة، بحيث تشكل امتدادا حقيقيا لصناعة التراث.
ويمضى البليك الى ان الاستلهام موجود سواء في السرد أو الشعر ويصعب القول إن هناك قطيعة، لكن الإشكال يتعلق بالاستلهام الفاعل الذي يضيف ويقدم نصا جديدا وليس مجرد حشو وهامش على المتن. هناك بعض الاسماء التي تجاوزت نوعيا المتن التأسيسي، أو ما يسمى بالريادة.. غير أن المناخ النقدي العام في السودان والعالم العربي والفعل الثقافي عموما لا يزال مضطربا ولم ترتب أموره بعد جراء المماحكات السياسية والاقتصادية.