الرواية العربية من منظور سردي للناقد والباحث أبوطالب محمد. -الوعي الذاتي وكسر الحاجز بين الواقع والخيال. *عامر محمد احمد حسين
الرواية العربية من منظور سردي للناقد والباحث أبوطالب محمد.
-الوعي الذاتي وكسر الحاجز بين الواقع والخيال.
*عامر محمد احمد حسين
صدر عن دائرة الثقافة-الشارقة، الإمارات العربية المتحدة 2022م ،كتاب (الرواية التاريخية العربية من منظور سردي ) للناقد والباحث السوداني( أبوطالب محمد عبدالمطلب) ،في عدد(129) صفحة من القطع المتوسط.
ويمثل هذا الكتاب رؤية نقدية وإبداعية تمضي في طريق تتبع تطور الرواية العربية ومراحل تطورها كما ثبت في قراءات مثل قراءة الدكتور محمد برادة وكتابه (الرواية العربية ورهان التجديد،) ويخوض كتاب( الرواية التاريخية العربية من منظور سردي) في حوار مع هذه القراءات المتعددة ومؤلفيها في تسلسل منهجي تطغى عليه شمولية التناول -وخاصة في مراحل تعمق الرواية داخل بنية الكتابة الإبداعية ويظل رهان التجديد في قراءة (برادة) مساحة واسعة في سبر غور الرواية بكل مسمياتها من اجتماعية إلى تاريخية..وسيجد القارئ إن الباحث أبوطالب محمد، قد تتبع ذلك في بحثه وهو يحاول الإجابة عن الرواية التاريخية ومنظور السرد وهو منظور يحاور التجديد والتجريب في الرواية العربية التي لا تزال بمقياس عمر الرواية الغربية تتلمس الطريق، وكل القراءات النقدية العربية تستظل بظلال كل ماكتب سابقا حتى تجيب عن ما سيكتب في راهنها ومستشرفة للمستقبل.و في تناول الرواية التاريخية العربية يقف الكتاب بحرص شديد ومعرفة على عوالم هذه الرواية ومنظورها السردي واختراقاتها الاجتماعية ،وتتبع مراحل تطوره، وحصادها، في حاضرها، ورهانها على المستقبل تجذيرا، وتبيئة لكل جوانب الحياة في قالب فني وخطاب سردي واضح وصريح في مناقشة قضايا المجتمع والاحتماء بصيغ تبرز كل مراحل السردية الروائية العربية وكيف تسعى إلى تجاوز واقع مأزوم ما يحيط بهذه المجتمعات ويكبلها، من أزمة مشروع وطني و ازمة الدولة الوطنية مابعد الاستعمار وخطاب العولمة وثنائية الهامش والمركز--الريف والمدينة والهامش والمركز المديني-مدن صفيح وقاع مدينة و أزمة مواطن يعيش القهر ويسعى للخلاص منه بالانغماس في عزلة أو طلب هجرة او ممارسة الصمت وانتظار مجئ التغيير متى ماجاء .وسؤال الرواية هناك من يلجأ إلى بعثرة الإجابة عليه من أجل إخراج الكتابة من دورها وحرفها عن مسارها والقول بأن تجنيسها يحد منها او يقولبها بقالب تجاوزه العصر وهذا حديث خرافة ولعل حوارية كتاب أبوطالب في بعديها النقدي والفلسفي تجيب عن مثل هذه المقولات الفاسدة إذ إنها بغرض فرش الأرض اما كتابة ساذجة وسطحية تنفي ماهو معلوم بالضرورة عن الكتابة السردية ومعالمها في ملمحها الجاد والمبدع في سيرة ومسيرة الكتابة ولو أن هناك أيضا من يناور ويداور ويحاول أبعاد أدوات الكشف والاختبار في الكتابة الروائية و يدعي بأنها خارج التاريخ، وهذه الأصوات المحيطة بالكتابة العربية عموما في راهنها، لا تنظر إلى المراحل المختلفة ومدى تسارع خطى التطور بقدر ما تنظر إلى تغييب تجنيس الكتابة حتى تضيف "المتردية والنطيحة" إلى مربع الإبداع، وتدعي التجاوز وهي في أسفل الكتابة تقيم ولا يحركها من مقعدها شيئا. وهذه الحالة نجدها تكاد تخنق الإبداع وتعيده إلى مرحلة بعيدة لاعلاقة لها بالحاضر..ثمة فرق جوهري ،وواضح بين القراءة النقدية الجادة والمؤسسة على المعرفة والإتقان ،لذلك يستحق هذا الكتاب الإشادة والتقدير لما اشتملت عليه القراءة من تتبع للرواية العربية التاريخية في كل مراحلها ،تتبعا لمسيرة طويلة للنثر العربي وجدل الأصالة والمعاصرة، حتى تبوأت الرواية المقعد الأول في دنيا الإبداع العربي، واستوعبت من غير (حشو )، مضامين إبداعية سردية، شعرية، سير وحكايات، ولكأن هذا الكتاب يرسم حصاد التجربة الروائية العربية وتجربة عمرها منذ الظهور، وامتدادها معرفيا وسرديا ..
أبواب..
اشتمل الكتاب على مقدمة-الرواية والتاريخ: المعنى والبحث عن الجذور--الرواية العربية والتاريخ:تحديث التجربة --في الفضاء المعاصر..الميتاسرد -السرد التاريخي في روايتي(ثلاثية غرناطة)و(نورس باشا)- الخلاصة"
مقدمة..
حفلت مقدمة الكتاب شروح تعطي المختص والقارئ العادي، معرفة ضرورية بالمنهج والتطبيق، وإطار الكتاب في محاورة نصوص نقدية وسردية، وكان من ضمن الملاحظات رسم الناقد الهدف من الدراسة وإلى تقديم آراء مختلفة وإن تتبين تأثير الماضي في حاضر السرد ودوره في تطور الكتابة الروائية والأخص في تحديد الكتاب "الرواية التاريخية من منظور سردي"..يقول: ابوطالب محمد" يستغل هذا البحث القدرة الفريدة في اطروحات الرواية العربية من أجل تأطير ظاهرتها في وعي البنية المعرفية، في تقديم عدد من الأسئلة الجوهرية المتمحورة حول مفارقات الأبنية النصية وما يتفرع منها.ويضيف عددا من الأسئلة النقدية قائلا: "كيف بدأت اصولها السردية؟ و كيف تطورت؟ و كيف اتجهت وسارت في ذيل المجتمعات العربية حتى وصلت إلى مشارف القرن العشرين بعطاء باذخ؟--و إلى اي مدى بلغت ذروتها في رحاب الحضارة العربية الحديثة؟ وكيف كانت بداياتها الأولى هي المقدمات المفضية سرديا ومنطقيا وتاريخيا وثقافيا إلى مرحلة التحديث السردي-وما الظروف الحضارية والمعرفية التي انبثقت عنها؟ وكيف استقامت داخل أنساق صاعدة؟ وكيف اتخذت استدلالاتها المشهدية المستخلصة عن تحولات التجريب في أبنيته التاريخية لتعطي مثالا أعلى لمستحدثات الأزمنة التي استوعبتها في سائر اتجاهاتها؟. انعكست كل هذه الأسئلة على متون الرواية التاريخية حتى صاغت أسس عناصرها الفنية التي ميزت هويتها الثقافية عن غيرها من تجنيسات الرواية التجريبية والواقعية والسياسية".
واستملت مقدمة الكتاب جملة مؤشرات ارتكزت على البحث والتنقيب في متن الرواية التاريخية وحواشي السرد..
الرواية والتاريخ..
ويذكر الناقد والباحث أبوطالب محمد-تحت عنوان"الرواية والتأريخ: المعنى والبحث عن الجذور - " الرواية التاريخية ليست تاريخا، ولكنها تتعامل مع التاريخ، وهذا التعامل يفرض عليها حدودا هي قيودا لها، لا تعرفها الرواية غير التاريخية، وأول هذه الحدود والقيود أن تبقى الرواية مخلصة لطبيعتها الفنية، ولا تتحول إلى كتاب من كتب التاريخ، وثانيها ةن تستعير من التاريخ دون أن تحور فيه، وثالثها أن تنتقي من التاريخ دون أن تتلاعب بسياقه وحقائقه ودلالاته- كتاب مصطلحات نقد الرواية-سمر روحي الفيصل" ويضيف الناقد أبوطالب" شهدت خارطة الوطن العربي أشكالا روائية قارئة للقضايا من زوايا تاريخية ذات محمولات فكرية جعلت كتابها يأخذون حرية الكتابة السردية على مستوى اختلاف توجهاتهم ،منهم من عاد إلى التاريخ في بعده الأسطوري معالجا قضايا مجتمعه، ومنهم من اصطدم بالقيم الدينية والسياسية ومنهم من جعل الصحراء مشهدا جماليا لاحداث أعماله، وعلى ضوء هذا جاءت الرواية العربية والتاريخ قديما أو حديثا محملة بأيديولوجيات مختلفة". وقد حفل هذا الفصل من كتاب (الرواية التاريخية العربية من منظور سردي) بتتبع منهجي وتفصيلات مهمة في سياق قراءة الرواية العربية التاريخية وعلى قواعد تأسسها، مصطحبة التطورات الاجتماعية والسياسية وعصر الحداثة ،وتعقيدات الحياة المعاصرة، ولماذا العودة للماضى وعلاقة ذلك بالحاضر والمستقبل.ويشير الناقد( أبوطالب محمد) إلى ارتباط الرواية العربية منذ نشاتها في بداية القرن العشرين بجملة من القضايا والهموم التي لازمتها وأبرز هذه القضايا هي قضية الأصالة والثقافة ومايعنيه ذلك من ضرورة تحديد الرواية العربية لعلاقتها بالموروث السردي العربي من جهة وبالمنجز الغربي من جهة ثانية وأبان أبوطالب محمد إلى وجود تغيرات انتابت النص الروائي وطبعته بطابعها مثل جدلية العلاقة بين هذا النص وتلك التغيرات التي تشمل(ثلاث) مجموعات فكرية شكلت روح التغيير في بنية الواقع العربي وانتقلت ضمنيا إلى الرواية التاريخية العربية. المجموعة الأولى:مجموعة التغيرات الحضارية،بما في ذلك التغيرات التاريخية والاجتماعية والنفسية والقومية. المجموعة الثانية:تمتد هذه المجموعة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم وتتسم بدعوة الرؤية الحضرية أو الحديثة للعالم، وهي نابعة من تعدد المناخات الثقافية. المجموعة الثالثة: ارتبطت ارتباطا قويا بالنصوص الروائية المستندة إلى النص من ناحية وبالواقع الحضاري من ناحية أخرى .وامتازت بداياتها الأولى بالنزوع إلى تأسيس مجتمع قائم على أساس النمط الغربي الذي انعكست صورته على مرايا الذات العربية المتطلعة إلى النهوض.."
-الميتاسرد..
وتحت عنوان "الرواية العربية والتاريخ: تحديث التجربة في الفضاء المعاصر ..الميتاسرد (إشارات مشهدية) يقول الناقد والياحث أبوطالب محمد : "إن مهام تطور الرواية المعاصرة يجعل من كل رواية أخرى نقطة استفهام حول وجودها وهو الةمر الذي فتح المجال فسيحا أمام الروائيين العرب من أمثال: (جرجي زيدان ويوسف زيدان وغيرهما).
واستوعبت الرواية العربية أشكالا من الأنواع الأدبية مثل عباءة الحكاية التاريخية أولا والمقامة والنادرة والسيرة والسرد الشعبي والمثل والخرافة وقصص الطير والحيوان، وإذن هي كسرت احتكار الشعر لنظرية الأدب عند العرب إلى إنكسار النوع وظهور النص المتشعب.
ويشير أبوطالب إلى "زاحم ظهور الرواية وامتداد تأثيرها في الأدب، الشعر، ونافسته، بل تفوقت عليه ومثلت انقلابا ثوريا جديدا وتغييرا كاسحا في نظرة العرب اليوم إلى الأنواع الأدبية، وما يتصف به كل نوع من خصائص وسمات، وما يتمتع به من قيمة.
أصبحت الرواية الغربية هي وليدة الملحمة بتعبير جورج لوكاتش، ولا يصبح بالضرورة على الرواية العربية بأنها وليدة ملحمة، بل تسعى أساسا للتعبير عن علاقات اجتماعية قائمة بوسائل فنية وتقنيات غير سائدة، فغايتها لاتتمثل في التعليم الوعظ كما في الرواية التقليدية ، وإنما تقدم بنية فنية يفسر بها الراوي رؤيته للعالم، مما يضفي على السرد مزيدا من الجاذبية والتشويق--إبراهيم خليل:في نظرية الأدب وعلم النص: بحوث وقراءات" وفي هذا الفصل من الكتاب، قرأ الباحث أبوطالب، روايات لكتاب عرب مستهديا في القراءة والنمذجة والمثال روايات منها- روايتي المملوك الشارد وأسيرة المتمهدي لجرجي زيدان. ويشير الباحث إل تجربة الروائي المصري العالمي نجيب محفوظ(ذهب إلى زمن الفراعنة المضئ وتمسك بثورة1919 ورأى فيها مرجعا واحتفى بثورة 1952م وزلزلت كيانه هزيمة1967. ويرى الباحث " إن نجيب محفوظ روض التاريخ في اتجاهات رؤى متغايرة جسدت زمن الفراعنة واحتكار السلطة.
وكشفت ظاهرة الميتاسرد عن روايات نجيب ،الوجه الحقيقي للتاريخ المصرى القديم ،وتخطته إلى الحاضر بكل سلطاته المستبدة، واضعة الماضي أمام أسئلة حاضرة وملحة في منتوجه الروائي، واتخذت من عموميات الشكل الروائي رحلة روائية تعود جذورها إلى بدايات ماضي الفراعنة، فافصحت عن افتتاح مراحل جديدة في مسارات الرواية العربية التاريخية بكل محمولات متخيلها السردي: ويذكر الناقد أبوطالب نماذج روائية ميتاسردية ذاتية الانعكاس وتمثلت في وجود تخييل فوق التخييل وامتلاك النص وعيا ذاتيا وكسر الحاجز بين الواقع والخيال) ومنها روابة(فتنة جدة) للروائي السعودي مقبول العلوي.ورواية (حجر السرائر )للسوري نبيل سليمان.ورواية (برق الليل) للتونسي(البشير خريف) ورواية(طوق الحمام) للروائية السعودية(رجاء عالم) ورواية (الزيني بركات) للراحل المصري(جمال الغيطاني).والروائي السوداني العالمي الراحل الطيب صالح(بندر شاه)-جاءت شخصية( ضوء البيت) في رواية بندر شاه،تحمل ملامح هوية تاريخية ثقافية موغلة في الإرث الثقافي السوداني بحدوده وامتداده وانتمائه وأصله الحضاري بين ثنائية (العربي والإفريقي).
ومن تجارب السرد الروائي التاريخي السوداني .رواية ( أخبار البنت مياكايا) للروائي الراحل إبراهيم اسحق، استوحت من التاريخ السوداني فترة القرن السادس عشر الميلادي ،وتدور أحداث الرواية بين النيل الأزرق وملتقى النيلين ونهر السوباط وبحر العرب واتخذت من الثقافات المتمازجة ثنائية المجتمع العربي والمجتمع الزنجي الذي تمثله قبيلة(الشلك) مضمونا سرديا تخطى فترات الماضي التاريخي في أطر سردية تعكس حالة تعايش في واقعنا المعاصر.ومن التجارب الروائية السودانية التي عالجت التاريخ في أقصى مشاريعه المعرفية تجربة الروائي الحسن محمد سعيد ،حيث عالج المضامين التاريخية بشقين ثنائين (التاريخ الاجتماعي والسياسي) وتطرق للتاريخ السوداني الحديث بمعالجات سردية فريدة ومتنوعة الاتجاهات في أعماله (البقعة) ( ابوجنزير) و(رجل من دلقو) وروايات أخرى سار في نفس الدرب الروائي (منصور الصويم) في روايته(آخر السلاطين) مستندا إلى فترة السلطان (علي دينار) ودوره في مسرح الحياة السياسية السودانية. وهناك روايات (أمير تاج السر) (توترات القبطي) ورواية( أحوال المحارب القديم للحسن البكري، وشوق الدرويش لحمور زيادة. وحاممد بدوي في روايته(مشروع إبراهيم الأسمر)، ويقول الناقد أبوطالب محمد (يتضح من خلال الاستشهادات السابقة إن السرد الروائي العربي تجاوز مسار البدايات في كتابة الرواية التاريخية المنغلقة على فترتها التاريخية فقط بل قفزت إلى قضايا المجتمعات ومن وجهة نظر فكرية تراجع سجلات التاريخ وتعيد قراءته، وتقارب جدليات الحاضر وتستشرف آفاق المستقبل".