الدرامات ورج في المسرح

الدرامات ورج في المسرح جدل المفهوم وآليات توظيفه أبوطالب محمد مهاد توضيحي:        تسعى هذه الورقة إلى تقديم إطار نظري توضيحي لمفهوم مصطلح الدراماتورج وجدل تعاريفه وآليات توظيفه في حقل التجارب المسرحية، لأنه  من المصطلحات المرنة التي تستوعب  أو تتجانس مع حقول أدبية آخرى مثل فن القصة والرواية والسينما، ومعارف إنسانية مختلفة، اعتقد أن مرونته جعلته أكثر مراوغةً وغموضاً وحضوراً في معالجته لهذه المعارف، إضافةً لمهامه الإدارية التي يلعبها في الوسائط الإعلامية المتعددة. إذن تسعى الورقة بقدر ماتوفر إليها من مع

الدرامات ورج في المسرح

الدرامات ورج في المسرح

جدل المفهوم وآليات توظيفه

أبوطالب محمد

مهاد توضيحي:

       تسعى هذه الورقة إلى تقديم إطار نظري توضيحي لمفهوم مصطلح الدراماتورج وجدل تعاريفه وآليات توظيفه في حقل التجارب المسرحية، لأنه  من المصطلحات المرنة التي تستوعب  أو تتجانس مع حقول أدبية آخرى مثل فن القصة والرواية والسينما، ومعارف إنسانية مختلفة، اعتقد أن مرونته جعلته أكثر مراوغةً وغموضاً وحضوراً في معالجته لهذه المعارف، إضافةً لمهامه الإدارية التي يلعبها في الوسائط الإعلامية المتعددة.

إذن تسعى الورقة بقدر ماتوفر إليها من معينات مصدرية أن تلقى الضوء على نشأته وتحديثه في المسرح ومدارات مهامه الإدارية والفنية في ثورة التجارب المسرحية  المعاصرة.

اشتقاق كلمة  Dramaturgiay من اليونانية Dramaturgia بمعنى تأليف أو بناء مسرحية ما. تعنى أدبياً " دراما+ صنع". ومن المحتمل أن الكلمة  Dramaturg"الدراماتورج" كانت قديماً تدمج بين المعاني الحديثة لمهام كل من المخرج والكاتب.

على الرغم ماتوفره المعاجم والموسوعات من شروح واضحة، فإنها لا ترتقى إلى مستوى معالجة الاستخدامات المتعددة لكلمة دراماتورجيا.

أضحت هذه الاستخدامات في ظل النظرية والممارسة المعاصرتين تعبر عن مصطلح مرن وشامل وذي نطاق متسع.

  يصعب ثباته في موضع بعينه وبناءً عليه تتعدد مساراته، فهناك دراماتورج للحركة والصوت والإضاءة، وهنا تطرح عدد من التساؤلات تجيب بمنهجية تعاريفه وتوضح أطروحاته في الحقل المعرفي العام والمسرحي:

هل الدراماتورج هو ذلك الشخص الذي يناط به الربط بين كل عناصر المسرحية المتنوعة؟، أو بالأحرى هو التفاعل الدائم بين جميع المشتركين في المسرحية؟، هل هو روح العرض المسرحي؟، أي تكوينه الداخلي؟، هل هو مايحدد طريقة معالجة الفراغ والزمن في العرض المسرحي، ومن ثم السياق والجمهور؟.

بناءاً على هذه الاستفهامات فإن الكلمة تعبر عن عملية التعاون الجمعي بين جميع المشتركين في العرض المسرحي.

إذن الدراماتورج هو التعاون الساعى لإنتاج عناصر العمل الفني جنباً إلى جنب، إن مثل هذه الأصداء المتنوعة لمدلول المصطلح تفضي إلى الكيفية التي تمكن طرق التعايش مع تلك الافتراضات المبحثية المختلفة داخل هذا التعريف.

الدراماتورج الآلية والوظيفة:

بوصفه مترجماً الأفكار إلى ممارسات وعروض مسرحية موضحاً وجود تعليقات ومناقشات وأبحاث تحول الإنتباه إلى عمليات التأليف الإرتجالي، حيث يشترك في تشكيل وإبداع العرض المسرحي منذ البداية، يجب أن يكون ملماً بالمعلومات والمعارف التاريخية والثقافية باحثاً كفء يمتاز بموهبة الكتابة وبتحليل البناء المسرحي وفقاً لإحتياجات الجمهور.

تنحصر وظيفته أيضاً في حضوره ما قبل البروفات + البروفات والعرض= ووضع قائمة للبروفات والمفردات والعبارات والإشارات التي يتضمنها العرض المسرحي وتوضيح الغامض منها.

 يكشف عن معان أسماء الشخصيات التاريخية وتوفير المعلومات عنها.

التواصل مع المؤلف لوضع خط زمني ومكاني لأحداث المسرحية ومراعاة أن ينسجم ذلك مع المشاهد المسرحية  من خلال:

_ عمل الترجمة المطلوبة للنص المسرحي.

_ كتابة السير الذاتية المفصلة لمؤلفين النصوص المسرحية.

_ إعداد وتوفير المعلومات عن فريق العمل.

_ يلعب دور الكنترول في توزيع الأدوار في العرض المسرحي ككل.

_ يقوم بدور المترجم والمفسر لجمل ومفردات النص/ العرض.

 

 

 

الدراماتورج النشأة والتحديث:

مصطلح دراماتورج موجود منذ أنشئ المسرح في اليونان عندما مرت الدراما اليونانية بمراحل متعددة عند شعراء الإغريق الأوائل في العصور القديمة، وذلك عندما نشأ المسرح في أحضان الشعر في زمان الرواد المشاهير" سوفوكليس، إسخيلوس، يوربيدس"، وأخيراً الكوميديان اليوناني أرسطوفانيس، قام هؤلاء جميعهم بأغلب الوظائف المسرحية وكل أحد منهم يسمى دراماتورج، حيث تمحورت مضامين أعمالهم التراجيدية حول شتى أنواع المعاناة والقسوة التي يعانيها الأبطال، مما عمدوا إلى تطهير النفوس وهو المرمى الذي سعوا إليه من تغيير حالة القسوة والمعاناة إلتي تدفع التلقي إلى التعاطف معهم، وهذا مؤشر دال أن منتوجهم دراماتورجياً ينتقل من حالة حدوث الأفعال وماترسله من صلة تعاطف مع التلقي، هو الهدف الأعلى الذي وضعوه مستبدلين به فعل التطهير، تأكيداً لحالة تطهير البطل من أثامه، في حد ذاته يعتبر دعوة تغييرية دراماتورجية من حالة فوضى سائدة في المجتمع إلى حالة أمن وسلام وعدالة إلهية، هنا يتمثل فعل العقاب في مسرحية الصافحات إلى رسالة غفران وفقاً للمعالجة الدراماتورجية.

 نستنتج أن الدراماتورج هو الشخص الأهم في كتابة النصوص و صناعة العروض المسرحية.

اختفى هذا المسمى تدريجياً وعاد من جديد بعد مئات السنين مع تطور المسرح وتأثيره بظروف تحولات العصر وزيادة عدد العناصر المسرحية من مودٍ وجمهورٍ إلى مالا يقل عن ثلاثة عشرة عنصراً مسرحياً.

 وجود مصطلح دراماتورج منذ المسرح الإغريقي كان مرتبطاً بالتلقي المسرحي بشكل عام ولايزال مرتبطاً به حتى الآن، دور التلقي في مسرحيات إسخيلوس إتضح من خلال ما عبر عنه أرسطو في كتابه " فن الشعر"، في طرحه لمفهوم التطهير بوصفه تعبيراً واضحاً عن عمق العلاقة  بين المسرح والجمهور.

إن الدراماتورج بحسب المؤلف لم يبتكر حديثاً إنما هو استمرار لمفاهيم قديمة تطورت بتطور المسرح وعناصره. إذاً لا وجود لعرض مسرحي أو قارئ لمسرحية، لايكون بينهما تواصلاً وإلا فما الذي يجعل التلقي يستمر في المشاهدة وما الذي يلزم قارئ النص المسرحي على الاستمرار بالتواصل معه.

 

 

 التحديث خطوة أولى:

          أرسى المخرج الألماني ليسينج كأول دراماتورج بالمعنى الحديث للكلمة وبوصفها مفهوماً وممارسة للمسرحيين، ذلك بإصداره لمؤلفه" الدراماتورجيا الهامبورجية"، 1767/ 176م، ذلك الكتاب الذي كتبه ليسينغ في فترة تعينه الوجيز كاتباً مسرحياً مقيماً وناقداً وخبيراً فنياً في المسرح القومي بهامبورج، و"الدراماتورج الهامبورجية"، عبارة عن مجموعة من المقالات النقدية التي لايعكس من خلالها ليسينغ تأليف مسرحية ما وبنيتها وممثليها وجمهورها وحسب، وإنَما يعكس أيضاً حال المسرح والنقد الألمانيين ومستقبليهما، يعتبر مشروعه مشروعاً طموحاً نابعاً من واقع عصره ومن الضرورة فهمه في سياق المشروع النقدي التنويري.

 مشروع ليسينغ نفسه مٌديّناً لفن الشعرلأرسطو فبالفعل نجد ليسينغ في إنجازه لمؤلفه يشير إشارات خاصة لملاحظات أرسطو حول التأليف الدرامي، ذلك في محاولة منه لإرساء بعض المعايير الحصيفة للنقد.

قدّم عمل أرسطو الموجز عن أسس التأليف تأكيداً خاصاً على سبيل تشكيل البنية الدرامية لخبرة الجمهور، يوضح أرسطو على سبيل المثال بوجوب أن تدور بنية الدراما حول فعل رئيس واحد، لأنّ الجمهور لابٌد له ألا يفقد الإحساس بالوحدة والتمام، ينبغى أن يسمح حجمهما بأن تدرك بنظرة واحدة.

ليسينغ والحساسية الدراماتورجية:

     يرى ليسينغ من خلال تحليل الاختلافات البنائية والتفسيرية مابين شكسبير وفولتير في مناقشته لتوظيف الشبح لديهما بطرق مختلفة.

 وظف فولتير الشبح كأداة لحبكة آلية، بينما شكسبير وظفه كشخصية فعالة بصدد إيضاح مايعنيه بهذا الفارق، يستكشف ليسينغ ماينطوي عليه كل توجه من التوجهين المختلفين:

         ينبع هذه الفرق من اختلاف وجهة نظر كل شاعر من الشاعرين

       فيما يخص نظرتهما إلى الأشباح، ففولتير يُعد أن ظهور رجل ميت

     معجزة، في حين يُعده شكسبير حادثة طبيعية خالصة، وفي الوقت الذي

     يصعب فيه تحديد أي الفكرين أعمق فلسفياً، يظل الفكر الشكسبيري هو

    الأكثر شاعرية في معالجته لفكرة الشبح برؤية فلسفية شعرية.

يدمج ليسينغ لصالح شكسبير مجموعة من المراجع الفلسفية ومراجع الدراسات الأدبية والمبادئ البنائية والتأليف الدرامي وتاريخ المسرح، لذلك يٌعد مدخله لهذه المناظرة مدخل العالِم الذي يصل لخلاصة نتائجه عبر الدراسة الدقيقة المسنودة بمنهج علمي استدلالي.

التحديث خطوة ثانية "التيارات المسرحية المعاصرة":

   تٌمثل ثورة التيارات المسرحية المعاصرة حالة انفجار دراماتورجي سادت البلدان الغربية ودعت إلى ثورة تغيير ضد مفاهيم الخطاب المسرحي السالف، لأنها متعددة الأوجه ومنفردة بميزه التجريب، وتعددت فيها استراتيجيات الدراماتورج على نحو متزايد حيت أسست لعلاقة جديدة مرتبطة بالممثل، تلك العلاقة مكنت القصص أن تسرد بطريقة أدائية بينما تظل صيغ الحكي ويظل الرواة والقصص نفسها محل شك وغموض وحمالة أوجه .

تحولت بٌؤر التركيز في بعض جوانبه وجعلت جمهورها واعياً بالقصة وفي ذات الوقت يظل مٌتمحوراً حول فعل الحكي . ومن هذه التيارات  تيار فرق الإثارة وجماعة القمصان الحمراء في ألمانيا حيث قدموا خطاباً مسرحياً ثورياً برؤية دراماتورجية وأعادوا معالجة الخطاب المسرحي القديم بمفاهيم حديثة تتماشى مع طبيعة الأوضاع الاجتماعية السائدة أنذاك، وتجربة المخرج المسرحي إرفن بسكاتور الذي دعى إلى تحريض وايقاظ الوعى كوسيلة إلى تعبئة الجماهير، وتبعه الكاتب بيتر فايس الذي جسّد دعوات الدراماتورج التغييري من خلال نموذج مسرحيته" التحقيق"، التي عالج فيها محاكمات مجرمو الحرب النازية الذين كانت لهم اليد العليا في عمليات القتل الجماعي داخل المعتقلات، وانتهت المسرحية دون أن نرى حكم هيئة القضاة على المتهمين رغبةً أن يصدر المشاهدون حكمهم وإدانتهم لما شاهدوه. ومن التجارب الدراماتورجية أيضاً تجربة المسرح الحي الذي عمد على إدانة ماهو فاسداً في المجتمع الأمريكي ووجه خطابه نحو الحرية بشكلها الفوضوى المطلق وأمر التلقي بالتفاعل ضد حالة الفساد، مما دفع صاحبه بالقول في هذا الإتجاه:" يجب أن نكون فوضويين لكن بطرق سليمة".

وضمن هذا المسار الدراماتورجي ظهرت تجربة مسرح الشارع ومسرح الخبز والدمية ومسرح السخرية نادت جميعها بفكرة المسرح الثوري وتوجه تساؤلاته كوسيلة داعية للتغيير ودافعة التلقي إلى إثارة وعيهم لمحاربة الاستبداد، ومن عباءة هذه التيارات ظهر تيار المسرحي الملحمي ورغب في اتخاذ التلقي موقفاً معارضاً أمامه وجعلته يتحرر من التأثير السحري أو الإيهام في المسرح التقليدي وأمره أن يتخلى عن تفسير العالم إلى تغييره عبر إثارة وعيه ودفعه إلى تبنى موقف ثابت نحو القضايا المسرحية المعروضة أمامه.

يٌمثل حكي القصة عند "بريخت"،بإعادة حكي لذات القصة لأنّ قراءة القصة والعمل المسرحي المنتميان لزمن سالف سمحت له "بريخت"، أن يعيد ترتيب الوحدات البنائية للمسرح كأدب، وكسينوغرافيا وكأساليب تمثيل وطرق عرض وسياقات بمثابة تجديد الرؤى تجديداً سياسياً كمرتكز أساس.

قاد هذا التجديد إلى الإيمان بتحرر الطبقات العاملة وبدور المسرح المجدد في إثارة الجمهور فكرياً بما يؤهلهم للقيام بما يجب أن يقوموا به من أفعال ثورية.

 سعى بريخت إلى تحرر الممثلين والمخرجين وجمهورهما من هرمية السلطة الكامنة في التقاليد المسرحية بنبذ الإذعان للسلطة، ليحل محله تعهد شخصي بإستكشاف وتوضيح العلاقة بين ثقافة السلف، وما يحدث في زمنه من أحداث، ذلك الاستكشاف الذي يقوم به داخل العرض المسرحي ذاته.

إذن تتلخص رؤية بريخت لفكرة الدراماتورجيا بتتبع ثلاثة نقاط:

 أولاً: الدراما التي تعرض برنامج وتاريخ الثورة الاجتماعية.

ثانياً: معالجة مسرحيات من الكلاسيكيات وأخرى من الذخيرة المسرحية الحديثة التي تسبر أغوار المجتمع الطبقي على نحو نقدي يتم إخراجه عبر قراءات جزرية جديدة.

ثالثاً: أسس لرؤية جديدة من كوميديات المسرح الألماني القديم والمسرح العالمي تقليداً يفتقد إليه المسرح الألماني بصدد أن يجابه تقاليد الثقافات الأخرى.

 نتج ضمن هذه التيارات تيار مسرح القسوة لأنطونين أرتوعن حالة الإحساس بالفوضى والعبثية واهتزاز اليقين بكل موروثاته راهن على إنتاج فعل مسرحي مطابق لإضطرابات العصر وعدم استقراره، مجسداً هذا الخطاب عبر تقنية دراماتورجية خاصة بجسد الممثل الذي يتخذ من أوضاعه التعبيرية أصوات صارخة تهدف إلى دفع التلقي ليشارك في الحدث المسرحي، لأنّه يرى أن مسرحه ليس مكاناً للتسلية، إنما عبارة عن عيادة جراحية يتم فيها تشريح جسم الإنسان.

يرفض أرتو ضمنياً إحدى أفكار الصدق ليؤسس فكرة بديلة أخرى تناصر ذلك النقاء الخاص بالحاضر اللاتمثيلي الذي لايمكن تحقيقه، أو كما يقول عنه جاك دريدا:" إنّ التمثيل مثله ومثل التصوير الذاتي لرؤية نقية ولأحاسيس صافية".

ظهرت تيارات أخرى في ذات الاتجاه داعية إلى خلخلة الثوابت المسرحية الموروثة وأعادت النظر في مفهوم المسرح ومكانته ووظيفته وتمخضت ولادتها عن أبحاث معرفية يسمح أن نطلق عليها عملياً بتجربة دراماتورج المسرح الفقير، ثم تواصلت مسيرة الفعل المسرحي الدراماتورجي حتى شملت مسرح المقهورين لأقستو بوال ويقول عنه :" إنّ لم يكن مسرح المقهورين مسرحاً ثورياً بالمعنى الكامل فهو على الأقل يمهد جمهوره للثورة"، لأنه مسرحاً دراماتورجياً يقدم فعلاً ثورياً اقترح صاحبه حلولاً لمناقشة احتمالات التغيّير على مستوى الوعى الإنساني ودربه على القيام بالفعل الحقيقي في الحياة.

عادت مع بداية الألفية الثالثة استراتيجيات السرد والنصية للاستراتيجيات الأدائية على نحو مطابق جنباً على جنب مع الوعى المتزايد بالحاضر المسرحي والإحتفاظ به، هذا الحاضر الذي نطلق عليه "الآن" أو" اللحظات المباشرة"، أو "ما يحدث ومايسري داخل القاعة من طاقات الآن بالفعل".

يظل الأداء المعاصر متأرجحاً في موقفه تجاه التمثيل، بدأ مهتماً بإستكشاف فهم الواقع بجعله للصدق مٌصدقاً، وتستمر مثل هذه الدراماتورجيات  في تحدي الأبنية المسرحية التقليدية وتفتح حيذاً للقصص الجديدة أن تروى فيه.

تقود هذه الخاصية إلى دراماتورجيا مرتبطة بالمعالجة الفنية وإنتاج العمل واستكشاف كيفية صناعته. استراتيجيات سردية معقدة لزاماً على الدراماتورج أن يتمكن من التعرف عليها ليخطط فهم البناء الدرامي الأدبي، إنّ توجهات بعينها تتكرر في العديد من الأعمال المسرحية سواء داخل المسرح أو خارجه.

  يوحى مسرح ما بعد الستينيات من القرن العشرين وحتى الألفية الثالثة بالمتناثرات الملحمية التي يرويها الرواة الإغريق وانتج استطرادات غير منتظمة وتأليفاً حراً للحن الموسيقي الغير منتظم، أي مسرح هجين ينتقل بين ماهو درامي، وماهو ملحمي، وماهو غنائي، وبين ماهو رفيع وما هو متدنّ، وبين ماهو تراجيدي، وماهو كوميدي، وبين ماهو مسرحي، وماوراء مسرحي.

ظهر فيه صوت آخر خلافاً لأصوات الشخصيات، أنه صوت التساؤلات والشكوك والاستدراك كما أنه صوت تعدد الاحتمالات.

صوت مٌلتبس يعرض عملية تشكيل واتصال التكوينات المٌهجنة كفعل حي مباشر، ذلك الفعل الذي من المحتمل أن يدعو المؤلف والشخصيات والعارضين والجمهور، ليصبحوا جميعاً على وعي بأدوارهم الإبداعية الخاصة.

استبق جيله في ذات السياق من ناحية أدبية الكاتب صمويل بيكت في مسرحيته" شريط كٌراب الأخير"، طريق الكتابة فعلاً حاضراً ضمنياً أو علنياً، تقرأ في المسرحية رجلاً يكتب ويمحو أجزاء من سيرته الذاتية، هذه الطريقة المستبقة من قبل بيكتب تعتبر طريقة في تقنية الكتابة المسرحية الدراماتورجية لديه، نجد هذه الطريقة لها صدى مع مسرحية" رسالة رائد الفضاء الأخير إلى السيدة التي أحبها ذات مرة في الإتحاد السوفيتي السابق"، للكاتب دافيد جريج.

نرى فيها جميع الشخصيات تحاول مراراً وتكراراً أن تتواصل عبر عدد من الوسائط غير الفعالة: مثل أجهزة الإرسال المعطلة، واللغات غير المألوفة، والإشارات الملغزة، والأحاديث المتقطعة التي تشبه أحاديث فترة النقاهة، إنّ كلمة رسالة التي ينطوي عليها العنوان مرت متكررة لتسجيلها صوتياً وتوحى بشخصية" كٌراب"، في مسرحية بيكت، وقد تجسّدت مسرحية دافيد في إنفجار لكبسولة رائد الفضاء ليمثل إنفجاراً ضوئياً أخيراً في سماء الليل.

أذن ينطوي العمل المسرحي ما بعد الحداثة على أشكال متعددة الطبقات، وسرديات مفككة وصور متناثرة وعروض متعددة الوسائط تفضي إلى زعزعة استقرار الحاضر بمجرد أن تقوّض إنتاج المعنى من خلال طريقة تصويرها الفني.

مدارات الدراماتورج: المعلم والوسيط

 يساعد الدراماتورج في استجلاب مجموعة من العروض أو الفعاليات الآخرى كي ينمى سياقاً ترى فيه كل هذه الأعمال المسرحية وحدة منفردة.

 إذن تٌعد عمليتا التعلم والتسويق جزءاً مهماً في خلق هذا السياق، ومن ثم يعمل الدراماتورج عبر أقسام مختلفة من أقسام المؤسسات الفنية، حيث يشترك في الكتابة وتنظيم الملاحظات حول البرامج والمواد التسويقية، كما يكتب المواد الصحفية ويتصل بدور النشر ويعمل لقاءات قبل العرض وبعده ويطور المواد التعليمية، هنا يسمى مدار الدراماتورج المعلم والوسيط.

 

 

الدراماتورج الحر أو المستقل:

   يصبح الموقف بين الدراماتورج الحر ودراماتورج المؤسسة كطرفي نقيض، حيث يتمتع الدراماتورج الحر بصلات مباشرة مع مؤسسات تعليمية وفنية أخرى وتصبح لديه القدرة على العمل في أكثر من سياق مؤسسي.

وما يميزه عن دراماتورج المؤسسة بأنه يتمتع بصلات واسعة وممتدة مع عدد من المؤسسات ذات الشأن الفني. خلافاً لدراماتورج المؤسسة الملتزم بمؤسسة واحدة فحسب وغالباً لايتسم مجال عمله مع المؤسسات بمرونة إضافةً إلى تقيّده بسياسة المؤسسة.

استدراكات ختامية:

1/دراماتورج العصر الحديث يلعب  دوراً مهماً في المساعدة على توفير مفردات النقاش والتعرف على التحولات الاحلالية المتنوعة في بنية النص/ العرض.

2/ يتفاوض مع الأبنية الدرامية المنفتحة والغامضة.

3/ يمتاز بدرجة عالية من الوعى المشترك بينه وبين المشتركين في العمل المسرحي ليس بين الكاتب والمخرج فحسب بل أيضاً بين الممثل والمتفرج الفرد.

4/ يمتد مهام الدراماتورج مع حقول معرفية أخرى .

5/ تتعدد دوائر مهامه مع مؤسسات تعليمية و فنية أخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

إحالات مرجعية:

1/ جون لينارد ومارى لوكهارست، فن الدراما - مرشد لدراسات المسرحيات، ترجمة وتقديم، محمد رفعت يونس، مراجعة أسامة مدنى، إصدارات المجلس القومي للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2016،ص 259،266.

2/ كاثى تيرنر سينى ك وبيهرندت، الدراماتورج وفن العرض المسرحي، ترجمة وتقديم محمد رفعت يونس، إصدارات المجلس القومي للثقافة، المشروع القومي للترجمة2014،ص 46،47،81،178،184،187،235،257،284،285،286،288،289،300،235.

3/ موسوعة ويكبيديا الحرة.

4/ أبوطالب محمد، المسرح والتغيير" ورقة" قدمتفي إسبوع عمادة البحث العلمي الأول، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، فبراير 2018. 

5/ قاسم بياتلى، الدراماتورجيا المتوازية في العرض المسرحي،" دراسة" منشورة في مجلة فصول العدد 96،2016، تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 233،246.

6/ أبوطالب محمد، التلقي بين التهميش وثورة التجريب في المسارح الحديثة،" ورقة" قدمت في مركز الخرطوم للإطلاع والمشاهدة- الخرطوم، 2012._

7/ عوني كرومى، المسرح والتغيير الاجتماعي" دراسة"، مفهوم العرض المسرحي وعلاقته بالواقع الاجتماعي، دراسة منشورة بمجلة فصول العدد الأول 1990، تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ملحوظة : يلاحظ داخل متن الدراسة عدم وضع الهواش بطريقة الترقيم نسبة لتدخل الباحث وتصرفه في مواد الإحالات المرجعية لإنسجام وتيرة السياق مع إضافات الباحث.