أمل دنقل... في ذكرى رحيله

أمل دنقل... في ذكرى رحيله على سيد أحمد ♡ إنه يتلف الألوان جميعها ليظل الأبيض والأسود وحدهما في حياته .. يحب أو يكره، يبارك أو يلعن .. هارب دائمًا من كل مناطق الحياد التي تقتله !

أمل دنقل... في ذكرى رحيله

أمل دنقل... في ذكرى رحيله

على سيد أحمد

 

 


♡ إنه يتلف الألوان جميعها ليظل الأبيض والأسود وحدهما في حياته .. يحب أو يكره، يبارك أو يلعن ..
هارب دائمًا من كل مناطق الحياد التي تقتله !

♡ كان آخر لقاء شعري ألقى أمل فيه قصائده هو مهرجان (حافظ وشوقي) الذي أقامته وزارة الثقافة من ١٦ اكتوبر إلى ٢٢ نوفمبر ١٩٨٢م ، إحياء لذكرى الشاعرين حافظ إبراهيم وأحمد شوقي، بمناسبة مرور خمسين سنة على وفاتهما.
تردد أمل كثيرا في حضور المهرجان، فقد كان بحالة صحية متدهورة، حيث تساقط معظم شعر رأسه وأسنانه..كما أنه لا يقوى على السير على قدميه إلا بصعوبة، وبمساعدة عكاز وفقد أكثر من نصف وزنه، وبدا هزيلا للغاية.
- لن أستطيع الظهور أمام الناس بهذه الصورة. إن الأمر سيتحول إلى شفقة.
صعقتني العبارة. إنه من أكبر شعراء مصر وأشدهم خطورة.

 


وإن قصيدته وحدها قيمة فنية كافية لإحداث التفجير في وجوه الحاضرين، فكيف يخطر بباله مرورها من خلال الشفقة.
قال: لن أذهب.
قلت: ستذهب. وستكتشف أنك أجمل الحاضرين، وأكثرهم صحة.
وافق أمل بسهولة، فقد كان يدرك جيدا قيمته كشاعر.
حاول البعض مساعدته للصعود إلى المسرح فرفضهم بقسوة، وصعد وحده لإلقاء قصيدة (لا تصالح) .. كان المهرجان رسميا (من تنظيم وزارة الثقافة) وأمل يعلن وصيته الأخيرة واضحة، قاطعة كالسيف:
    أن سيفان سيفك
    صوتان صوتك
    أنك إن متَ
    للبيت رب
    وللطفل أب
   *
    لا تصالحُ..
    إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
    النجوم.. لميقاتها
    والطيور.. لأصواتها
    والرمال.. لذراتها
    والقتيل لطفلته الناظرة
    كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
قاطع الجمهور القصيدة بالتصفيق الحاد مع كل مقطع أو          صورة شعرية، بينما ترك أمل عكازه، ووقف على قدميه بصلابة، وأنا لا أكاد أصدق أنه استطاع الوقوف ثابت القدمين، دون عكاز، طوال هذا المدة.

 

 

♡   في سنة ١٩٩٧م كتب أمل قصيدة (مقابلة خاصة مع ابن   نوح) أعطاني القصيدة، وقال انها أول قصيدة أكتبها إليك..
وكانت القصيدة تحمل رؤية سياسية واجتماعية بالأساس، بل وأنا غير موجودة فيها على الإطلاق.
قلت: لكني لست فيها.
- كيف، انك صلبها الأساسي، لقد استطعت أن تعيدي لي الاحساس قويا وجميلا بالوطن.. ان سطورها الأخيرة هي أنت بالتحديد:
    ولنا المجدُ - نحنُ الذينَ وقَفْنا
    (وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا!)
    نتحدى الدَّمارَ..
    ونأوي الى جبلٍِ لا يموت
    (يسمونَه الشَّعب!)
    نأبي الفرارَ..
    ونأبي النُزوحْ!
    كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ
    كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ
    يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينه
    وردةً من عَطنْ
    هادئاً..
    بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ..
    وأحب الوطن!
#عبلة_الرويني،، #الجنوبي

♡  قلتُ فليكن الحب في الأرض، لكنه لم يكن.
      أصبح الحب ملكاً لمن يملكون الثمن!
      ورأى الربُّ ذلك غير حسنْ

♡  إنك لا تدرين
      معني أن يمشي الأنسان.....ويمشي..
      (بحثاً عن إنسان آخر)
      حتي تتآكل في قدميه الأرض!!..
      ويذوي من شفتيه القول!!

♡  ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة..
      ليمر النور للأجيال مرة

♡  دائما أنتِ في المنتصف!
      أنتِ بيني وبين كتابي ..
      بيني وبين فراشي ..
      وبيني وبين هدوئي ..
      وبيني وبين الكلام!
      ذكرياتك سجني وصوتك يجلدني
      وأنا بين الشوارع وحدي
      وبين المصابيح وحدي!
      أتصبب بالحزن بين قميصي وجلدي!
      ودمي: قطرة -بين عينيكِ- ليست تجف!
      فامنحيني السلام!
      امنحيني السلام!

 

 

♡  لم تكن تملك إلا طـُهرها .. لم يكن يملك إلا مبدأه.

♡  معلق أنا علي مشانق الصباح
      وجبهتي -بالموت- محنية
      لأني لم أحنها حية!

♡  كيف تنظر في عيني امرأة..
      أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
      كيف تصبح فارسها في الغرام؟
      كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
      كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
      وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟

♡   العمر أقصر من طموحي ،  و الأسى قتل الغدا.

♡  أرى في العيونِ العَميقةِ..
      لونَ الحقيقة..
      لونَ تُرابِ الوطنْ!

♡  فاشهد لنا يا قلم
      أننا لن ننمْ
      أننا لن نقف بين " لا " و " نعم "
      ما أقل الحروف التي يتألف منها اسم ما ضاع من وطن ِ

♡  كيف أقصيكِ عن النار وفي صدرك الرغبة أن تحترقى؟!.

♡  في غُرَفِ العمليات،
      كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ،
      لونُ المعاطفِ أبيض،
      تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات،
      الملاءاتُ،
      لونُ الأسرّةِ، أربطةُ الشاشِ والقُطْن،
      قرصُ المنوِّمِ، أُنبوبةُ المَصْلِ،
      كوبُ اللَّبن،
      كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.
      كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!

 

 

♡  مازلت لا أقوى
      أن أنقل الخطوا
      إن فاتني سندك

♡  والناس سواسية ــ فى الذل ــ كأسنان المشط.

♡  شيء في قلبي يحترق .....إذ يمضي الوقت ... فنفترق.

♡  ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
      لم يمت
      هل يموت الذي كان يحيا
      كأن الحياة أبد
      وكأن الشراب نفد
      وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
      عاش منتصباً، بينما
      ينحني القلب يبحث عما فقد.

 

 

♡  قلت: فليكن العدلُ في الأرض؛ عين بعين وسن بسن.
      قلت: هل يأكل الذئب ذئباً، أو الشاه شاة؟
      ولا تضع السيف في عنق اثنين: طفل.. وشيخ مسن.
      ورأيتُ ابن آدم يردى ابن آدم، يشعل في
      المدن النارَ، يغرسُ خنجرهُ في بطون الحواملِ،
      يلقى أصابع أطفاله علفا للخيول، يقص الشفاه
      وروداً تزين مائدة النصر.. وهى تئن.
      أصبح العدل موتاً، وميزانه البندقية، أبناؤهُ
      صلبوا في الميادين، أو شنقوا في زوايا المدن.
      قلت: فليكن العدل في الأرض.. لكنه لم يكن.
      أصبح العدل ملكاً لمن جلسوا فوق عرش الجماجم
      بالطيلسان الكفن!

الاقتباسات من:-
* أمل دنقل، الأعمال الكاملة
* عبلة الرويني، الجنوبي

 

 

#أمل_دنقل
٢٣ يونيو ١٩٤٠م  - ٢١ مايو ١٩٨٣م