عميد الصحافة السودانية ورؤساء تحرير الصحف في العالم محجوب محمد صالح 

عميد الصحافة السودانية ورؤساء تحرير الصحف في العالم محجوب محمد صالح 

_الحكومات تعتمد "السرية" والصحافة العلنية المطلقة
الاجماع العربي حول قضية في راهننا "مستحيل"

_الصحافة الاجتماعية الأكثر "رحابة" والأقل مهنية

_تجربة الأيام بدأت بـ "300" جنيه "مستدانة" من صهر بشير محمد سعيد

_العالم العربي يعيش أزمة غير "مسبوقة"

_الربيع العربي ثورة ضد أنظمة متجذرة

_التحالفات بين القوى الثورية لم تصنع بعد!!

_الصحافة العربية عليها الخروج من المحلية والسودانية "محليتها" مزدوجة

_ما نراه حالياً بداية تفتيت العالم العربي

_الكلمة المكتوبة لها مستقبلها

حوار: عامر محمد أحمد 

الأستاذ محجوب محمد صالح, علم من أعلام الصحافة السودانية والعربية قضى ما يقارب السبعة عقود في ممارسة مهنة الصحافة, وأهدى لمسيرة الصحافة سفره "الصحافة السودانية في نصف قرن" وهو المرجع الوحيد في تاريخ الصحافة لعقود من الزمن.. وهو أحد أبرز كتاب العمود الصحفي في الصحافة السودانية "أصوات وأصداء".. سكب عصارة تجاربه الصحفية والحياتية والعملية محللاً للحاضر ومنقباً في الماضي ومستشرفاً للمستقبل في حديثه, اذ أكد أحد أقدم رؤساء تحرير الصحف في العالم  ان العالم العربي يمر بأزمة غير مسبوقة في تاريخه, تحتاج تغييراً شاملاً في المفاهيم تخاطب الأزمات في جذورها واضاف أستاذ محجوب الحائز على جائزة "القلم الذهبي" وأحد مؤسسي صحيفة الأيام التي يرأس تحريرها منذ ستينيات القرن المنصرم, أنه من الصعب الحديث عن اعلام عربي واحد, وأن العالم العربي ما عاد عالماً واحداً فقد تقسم الى مجموعات تحالفات, وأشار "صالح" الى أن الخطاب الاعلامي العربي, تمحور في دفاع كل اعلام عن بلده ومواقفها في اتجاه الآخر, وأكد الأستاذ محجوب ان الصراع بين السلطة والصحافة موجود في كل العالم لاختلاف طبيعة كل مؤسسة, فالحكومات تلجأ الى السرية والصحافة تقوم على العلنية المطلقة, وانه بتأزم العلاقة يتحول الخلاف الى صراع معلن يقود الى مصادرات ومحاكمات والى قيود تفرض على الرأي, وأشار صالح الى تأثير الموقف السياسي على الاعلام, حيث تضعف المهنية تحت الظروف الماثلة التي نراها حالياً, وان أرادت الصحيفة البقاء في سوق الصحافة فان عليها المشي "على جنب الحائط" وان لا يكتب بما يعتقد انه قد يغضب السلطات, وأوضح ان المقارنة بين ممارسة الصحافة في العهد الاستعماري والعهود الوطنية هو سيادة حكم القانون فالاستعمار يجعلك تعمل تحت ظروف قاسية وقوانين قابضة ومحاكمات وان ذلك يمثل جزءاً صعباً من النضال, وكانت هناك فرص كثيرة للاستئناف وان مرحلة ما بعد الاستقلال حكم القانون بها ضعيف والقوانين الادارية هي الأكثر قوة, وأكد الأستاذ محجوب محمد صالح أن التحالفات بين القوى الثورية التي صنعت الربيع العربي لم تصنع بعد, وان انكفاء الصحافة العربية في الراهن من أسبابه غياب الخطاب الموحد وأن القضية التي تستطيع الصحافة أن تلعب فيها دوراً غائبة ورسم الأستاذ صالح صورة قاتمة للوضع الصحفي في السودان وأوضح ان الصحافة السودانية تعاني من عدم وجود تواصل أجيال ومن تضييق مساحة حريتها..

× هل لا زال الاعلام العربي جزء مهم من أدوات التنوير وتثقيف الشعوب, ماهو تقييم راهن اعلامنا؟

= من الصعب الحديث عن اعلام عربي واحد, والعالم العربي ما عاد عالماً واحداً, تقسم الى مجموعات وتحالفات والى قوى مختلفة مع صراع داخلي, وتحول الى مسرح لحروب داخلية..

× لا زالت الصلات قائمة بين أجزائه؟

= رغم وجود الجامعة العربية والمحاولات التي تبذل من أجل خطاب موحد واقتصاد ووحدة سياسية, خلقت معسكرات عربية واضحة المعالم, وتحالفات كثيرة داخلية ومع دول اخرى وبين دول في العالم العربي..

× انعكس ذلك على الاعلام العربي؟

= هذا بالضرورة انعكس على الاعلام واصبحت كل مجموعة تناصر موقفاً من هذه المواقف المتصارعة في العالم العربي ومع وجود استقطاب حاد مع وجود أزمات ذات طبيعة عسكرية وسياسية فيها صراعات حادة هذا ينعكس على الاعلام وغيره..

× الخطاب الاعلامي والحد الأدنى لقراءة هذه الأزمات؟

= خطاب الاعلامي يتمحور في دفاع اعلام كل بلد عن بلاده ومواقفها في اتجاه الآخرين, وبالتالي يتجاوز قواعد المهنة والتي يتوقعها المراقب من الاعلام من حيادية ومهنية ومواقف مستقلة, ويدخل في ذلك العنصر الوطني وسيادة الدولة المحددة..

× الحكومات وموقفها من السلطة الرابعة؟

= السلطات والحكومات العربية اجمالاً تتخذ موقف رافض تجاه الصحافة..

× كيف ذلك؟

= من هذه المواقف تجيير الصحافة لصالح مواقف هذه السلطات, مع العلم ان الصحافة العربية في تاريخها الطويل, لعبت دوراً اساسياً في الحركة الوطنية, في تعبئة الرأي العام في مناصرة التحرر في البلاد التي كان فيها وجوداً استعمارياً وكان هذا ينبغي النظر اليه في تقييم الصحافة ودورها..

× سر النزاع بين السلطة والصحافة؟

= دائماً يوجد نزاع بين السلطة والصحافة ليس في العالم العربي وحده بل في العالم كله وطبيعة المؤسستين مختلفات, فالحكومة تلجأ للكثير من السرية والصحافة تقوم على العلنية المطلقة, لذلك تجد صراعاً خفياً وعندما تتأزم الأمور يتحول الى صراع معلن يقود الى المصادرات والمحاكمات والى قيود تفرض على الرأي والرأي الآخر يعكس ذلك صدى سيئاً عن الصحافة واذا قرأت الاحصائيات التي ترتب صحف العالم على مدى تمتعها بحرية التعبير تجد الدول العربية في مؤخرة هذه القائمة.. وهذا لا يعني سوى ان معايير حرية التعبير تعاني من الانتقاص وعلى الرغم من ان اغلب الدول العربية تعترف بمواثيق دولية تلزمها بحرية التعبير ووقعت عليها الا ان ظروف داخلية تعتبرها بعض الحكومات مبرراً لها في الاعتداء على هذه الحريات..

× علاقة الحالة السياسية العامة والأزمات الداخلية بتطور الصحافة وتقدمها وقيامها بدورها في المجتمع؟

= اذا كان الموقف السياسي مأزوماً فيظل الموقف الاعلامي مأزوماً الى حين اشعار آخر..

× المهنية؟

= تضعف المهنية تحت الظروف الماثلة التي نراها حالياً, ويعرفها الصحفي جيداً لكنه لا يستطيع ممارستها, واذا حاول ممارستها فان صحيفته تقع في المحظور..

× المثال السوداني "صحفياً"؟

= رئيس التحرير لا علم به بأسباب مصادرة صحيفته حتى يستطيع مفاداتها..

× ماذا يعني ذلك؟

= اذا ارادت الصحافة البقاء في سوق الصحافة عليه المشي "على جنب الحائط" وان لا يكتب بما يعتقد انه قد يغضب السلطات..

× ماذا تريد السلطات؟

= لا تعرف ماذا تريد السلطات, وهذا ينعكس بتكوين رقابة ذاتية "وانت كرئيس تحرير تضع الصحفي العامل معك يدخل في احساس كبير بعدم الاستقرار وانه لا يستطيع ممارسة مهنيته بصورة كاملة"..

× مارست الصحافة حتى في ظل نهايات الحكم الاستعماري في السودان, ماهي أوجه المقارنة بينها والعهود الوطنية؟

= المختلف هو سيادة حكم القانون الاستعمار جعلنا نشتغل تحت ظروف قاسية وقوانين قابضة ومحاكمات وكنا نعتقد ان هذه المحاكمات كانت جزءاً طبيعياً من النضال من اجل تحرير البلد, و"ما كانت فارقة غرامة مالية أو سجن" وأنت تكتب وتعلم تماماً نتيجة ما تكتب.. وكانت هناك فرص كثيرة للاستئناف للسلطات الاستعمارية وفي كثير من الحالات تنجو بأسباب قانونية..

× مرحلة ما بعد الاستقلال؟

= حكم القانون فيها ضعيف والقوانين الادارية هي الأكثر "قوة" ومن يذهب ويصادر صحيفتك من "المطبعة" لا يملك قراراً من المحكمة, يحمل قرار اصدره بنفسه, وهو القاضي وهو المنفذ وهو القانون, هذا يعد أهم الفروقات بين هذه العهود المختلفة من استعمارية الى حكومات ما بعد الاستقلال..

× هل وقع ذلك على الصحافة وحدها؟

= بالتأكيد لا.. أصاب قطاعات عديدة وفي السودان هذه الحالة تسببت في "التمردات" التي وقعت على الدولة, واذا الانسان يجد ان سبل الانصاف الطبيعية غير متوفرة له يلجأ لمثل هذه التمردات..

× افريقيا؟

= وهذه هي الصورة في اغلب دول افريقيا على الرغم من بعض التحسن الذي طرأ على دول, والحديث عن حتمية التحول الديمقراطي الشامل في افريقيا, نجد ان الديمقراطية غير موجودة في تكاملها مع حكم القانون, واذا فقد حكم القانون المساواة بين البشر تختل, واذا المساواة غير موجودة يتمرد الناس عليها بطرق مختلفة, سياسية, فيدخلوا السجون والبعض يتمرد عليها بالسلاح وهو ما يساهم في انهاك الأوطان كلها..

× هل لغياب القضية المركزية "قضية فلسطين" عن الأجندة العربية دوراً في اضعاف الصوت العربي السياسي والاعلامي الواحد؟

= العالم العربي اذا اراد الاتحاد على السلبيات وفقط على كيفية مصارعة الدولة الاسرائيلية فقد اتضح انه لم يمض كثيراً فهي وضع الأمة العربية في مسارها الصحيح حضارياً بين الأمم, والدليل ارتفاع علم دولة اسرائيل في عواصم عربية هامة ومركزية في الصراع العربي الاسرائيلي..

× ماهو التحالف الايجابي؟

= التحالف السلبي يرتكز على تحالف رد الاعتداء والتحالف الايجابي كيف تطور العلاقة العربية العربية, كيف تصنع التجارة البينية التي تقوم على المصالح المشتركة وكيفية تنميتها وكيف تصنع الوحدة الثقافية في مسارها الصحيح, وتبادل الزيارات والخبرات بين الشعوب العربية..

× ماذا تحتاج الدول العربية حتى تصل الى ما تصبو اليه الشعوب؟

= الآن هناك حركة شعوب وهجرات بين الدول العربية, وهذا شيء مفيد لمزيد من التعرف والتواصل بين هذه الشعوب ولكن المطلوب هو تحرك المال العربي بين هذه الدول والاستثمارات المفتوحة بلا قيود وان تتحرك العلاقات الثقافية بين دول العالم العربي والعلاقات الاجتماعية حتى تستطيع ان تخلق "الإلفة" التي تستطيع من خلالها الشعوب ان تصبح كتلة واحدة متجانسة..

× كقيادات صحفية تاريخية لعبتم دوراً كبيراً في مناصرة قضايا التحرر الوطني, كيف تقرأ الآن صحافة "الربيع العربي"؟

= الربيع العربي ثورة شعبية ضد أنظمة متجذرة واذا نظرت لحكم زين العابدين بن علي في تونس تجد ما يقارب الثلاثة عقود وحكم حسني مبارك في مصر "30" عاماً وكذلك اربعة عقود للقذافي وحكم طويل لحاكم اليمن عبدالله صالح, وهذه الأنظمة الديكتاتورية خلقت دولة عميقة وبازالتها تمت ازالة القمة, مع وجود تفاعل للقوى التي صنعتها الدولة العميقة وجذرتها في الدولة, والصراعات التي كانت "كامنة" طوال هذه الفترات, خرجت الى السطح مما أدى الى عدم الاستقرار في بلاد الربيع العربي..

× التحالفات بين القوى السياسية الثورية؟

= هذه التحالفات لم تصنع بعد, مصر تبحث عن تحالفات الداخل وكذلك تونس والنموذج السوري نجده ارتبط بمقاومة النظام والآن سوريا خارج كل القراءات المنطقية لمآلات المستقبل لثورة شعبية واليمن النظام المنهار دخل في صراعات داخلية مسلحة مع القوى السياسية التي خلفته على الحكم, دول سوريا واليمن تعيش أزمة كبرى لأنها تعاني أنواعاً من الأزمات أزمة مصر تختلف عن أزمة تونس, الأزمة المصرية التونسية تختلف كلياً عن أزمات اليمن وسوريا لذلك انقسم العالم العربي حول هذه الأزمات..

× التحالف العربي لاعادة الشرعية لليمن؟

= هذا التحالف يضم "عشرة" دول من مجموع منظومة الجامعة العربية وهذا ما اعتقد اكثر ما يصل اليه حالياً في ظل الأزمات المحيطة بالعالم العربي, اكثر ما يصل اليه تحالف عربي حول قضية واحدة.. والاجماع حول قضية عربية واحدة تحت الظروف الراهنة "مستحيل"..

× هل للصحافة العربية بما هو متاح لها ان تلعب دوراً في حركة الوحدة والتنوير من جديد؟

= تستطيع "نظرياً" و"أكاديمياً" لكن واقعياً لا تستطيع تجاوز أزمات بلادها, فأنت اليوم في القاهرة لا تستطيع ان تكتب أو تتحدث كأيام "الناصرية" عن العالم العربي الموحد, اذا كانت "مصر" غير موحدة حول أزماتها فأنت الآن تحارب في "سيناء" وتحارب في غيرها من المناطق, تفجيرات في القاهرة, وصراع مسلح في "سيناء" والسؤال سيصبح حول اولوياتك فأغلب البلاد العربية "مشغولة" بقضاياها الداخلية وارتباط ذلك بتهديدات لدول جراء هذه الصراعات والمثال "اليمني" واضح في زعزعة الاستقرار او محاولة ذلك في دول الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية وايران قضية اخرى بالنسبة للأمن العربي سياسياً وأمنياً, ولايران أيادي تخدم مصالحها مثل الجماعة الحوثية وحزب الله في لبنان, وتداعيات الأزمة في سوريا, وحروبات العراق الداخلية وتغلغل التدخل الاجنبي بكثافة في أزمة العراق..

× التحالف ضد هذه الأزمات والقضايا المصيرية في الوطن العربي؟

= اذا نظرت لهذه الأزمات وتداعياتها تجدها لا تفي بمعالجة كلية وشاملة, والذي كان يجمع بين العرب أصبح "أقل" من الحد الأدنى المأمول, ومحاولة الصحافة العربية ان تعمل اختراقاً في هذه الأزمات, فأنت تجد ان هذه الأزمات غير مسبوقة في تاريخ العالم العربي, وكانت الصراعات "سابقاً" معسكر مع جمال عبدالناصر ومعسكر ضده, وكان ذلك على المستوى السياسي وليس فيها مدافع ولا حروب..

× مستقبل الصحافة العربية في ظل هذه الرمال المتحركة؟

= الصحافة العربية عليها الخروج من "المحلية" والصحافة السودانية حالياً "محليتها" مزدوجة لغياب التحليل لقضايا العالم العربي وكذلك قضايا السودان كله, فهي محصورة في قضايا العاصمة الخرطوم, وحتى من يعيش على "هامش" المدينة لا تحفل به

..
× تأثير ذلك على الصحافة؟

= يساهم في تصغير مساحة تحركها وحركتها فمثلاً الصحف في الخرطوم تنحصر في عدد قليل من صانعي القرار في الخرطوم حكاماً ومعارضين, ولا تمثل السودان "العريض" واذا نظرت لقضية دارفور تجدها في "سطر, سطرين" ولا يوجد تحليل عميق للأزمة ومحاولة وضع اطار لمتابعتها, فالصحافة "مشغولة" بما يهمها, واذا نظرت في مجمل الصحف العربية إلا من قليل تهتم اهتماماً ملحوظاً بقضايا الوطن العربي تجد ان ما ذكرته على الصحافة السودانية ينسحب على صحافة عربية..

× لماذا الانكفاء واذا نظرنا الى الماضي القريب نجد ان اغلب قضايا العالم العربي تهتم بها الصحافة العربية؟

= هذه الانكفاءة في راهن له اسبابه, على الرغم من ان كل الصحافة العربية الآن يمكن الاطلاع عليها في اليوم بالوسائل العلمية والتكنولوجية المتوفرة, ما يهم "الخطاب" فمثلاً الخطاب الناصري حاول توحيد الخطاب العربي وحدثت خلافات عربية كبيرة, بين مصر والمملكة العربية السعودية وهذه الخلافات انتهت بمصالحة خرطوم اللاءات الثلاثة عقب نكسة 1967م بين عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز وفي هذه المصالحة التاريخية لعبت الصحافة دوراً كبيراً..

× لماذا لم تقم الصحافة العربية بدورها المأمول منها حالياً؟

= الآن الموضوع الذي تستطيع الصحافة ان تلعب دوراً فيه "غائب" وان كانت هذه الصحافة بانتشارها عبر "الوسائط" المختلفة قد تلعب دوراً في وضع لبنة تحتاج لجهود في قراءة الأزمات العربية والملاحظ ان تشابكات الأزمات وغلبة وسيطرة القضايا "المحلية" على القضايا العربية المهمة, كل ذلك يساهم بصورة أو أخرى في اضعاف النظر الى القضايا العربية فقد كانت هناك دول مواجخهة تجد دعماً من الشعوب ولسان حالها الصحافة وكذلك الحكومات الآن كل هذه الدول خرجت من المواجهة الى علاقات مع الكيان الاسرائيلي في القاهرة وعمان وسوريا خرجت بما فيها الآن من صراعات مميتة داخلية..

× المخرج من كل ذلك لوضع الصحافة العربية في مسارها الصحيح لصالح المشروع العربي الكبير؟

= ما نراه حالياً هو بداية لتفتيت العالم العربي الى "دويلات" وفي كل بلد يتحدثون عن هذا المشروع لتقسيم العالم العربي ودور الصحافة مهم وحيوي للتصدى لهذا المشروع, واذا نظرنا الآن الى الحوار الذي يدور في المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي أجده متقدم ويساهم في الوعي العام..

× الفضائيات؟

= الفضائيات في مرحلة ما حاولت ان تصنع طريقاً مختلفاً لمناقشة قضايا الوطن العربي بحرية إلا انها لسوء الحظ أصابها ما أصاب الصحافة والفضاء الأرحب الصحافة الاجتماعية الا ان عدم وجود ضوابط أو كوابح يجعلها على أهميتها ذات خطورة شديدة ولا توجد فيها مهنية ولكنها تعكس ما يدور في المجتمع..

× ألا ينطبق عليها وصف الصحافة "الصفراء"؟

= اذا تعاملنا مع ما يظهر على السطح من هذ الصحافة, وان ذلك يأتي من القاعدة الاجتماعية وأدخلناها في مفهوم النظرة الكلية, للعالم العربي فان ذلك يمثل قراءة جيدة للمتغيرات داخل هذ المجتمعات وكيفية التعامل معها التعامل الصحي وفي السودان تواجهنا ايضاً مشكلة في ربط ذلك ايضاً بافريقيا واذا كان يأتيك تهديد من "داعش" في سوريا بانضمام طلاب من كلية علمية, فانه هناك تهديد آخهر يتمثل في "بوكو حرام"..

× الفضائيات ألا تعبر عن "رحابة" في التعبير عن الرأي والرأي الآخر؟

= نعم, توجد فيها "رحابة" وهناك حوار مفتوح تناقش فيه كل القضايا بحرية ولكنها بنفس القدر محكومة بواقعها الذي تعيشه, والآن تعيش مرحلة أزمات داخلية "حادة" تخصم من كل ما يتحقق من نجاحات وتساهم في زيادة الاخفاقات كلما ظلت هذ الأزمات المسيطرة على الساحات العربية, واعتقد ان الصحافة الاجتماعية تخلصت من كل القيود فأغلب ممارسيها "هواة" ولا قيود عليهم في الخطاب أو المهنية ولا تبحث عن مصداقية للخبر وهنا تأتي خطورة هذه الصحافة وهي نتاج طبيعي للقيود على الصحافة السياسية..

× فائدة الصحافة الاجتماعية وهي لا مهنية لها؟

= كصحفي مهني تأتي فائدتها في قراءتي لتوجهات المجتمعات العربية ومشاكلها وعمق هذه الأزمات ودورها في كل ما يدور في العالم العربي, وكذلك في محاولة التأثير على قراءة هذه الصحافة والمساهمة في معالجة هذه الأزمات الاجتماعية..

× زرت أمريكا في الخمسينيات كيف كانت صحافتها؟

= أنا زرت امريكا في الخمسينيات, مع مجموعة من الصحفيين من كل أرجاء المعمورة دعتهم الأمم المتحدة قي ظل قيادة الأمين العام آنذاك "داج همرشولد" وعددهم "20" صحفياً أذكر منهم الصحفي والشاعر المصري الراحل صالح جودت..

× هيكل؟

= لم يكن معنا في هذه الرحلة وكان معنا صحفي اثيوبي اسمه "يوهانس" وكان التدريب في الأمم المتحدة ولكن, ومارست الصحافة في بريطانيا في الخمسينيات وهذا التدريب يقربك من المهنية ولكن قراءتك وتجربتك ومعرفتك بوطنك واقليمك وانا عملت في صحف في اوربا وامضيت زيارات طويلة المدى في مصر ولبنان والعراق وهذا قادنا الى تأسيس اتحاد الصحافة العربية واتحاد الصحفيين الافارقة وانا كنت عضو مؤس في الاتحادين العربي والافريقي.. وهذهه القضايا التي تثيرها الآن "يضحك" شغلتنا في تلك الفترة وكان لنا مجال أكبر في المساهمة في كل تلك القضايا..

× تقسيم الصحافة الاوروبية التي عايشتها؟

= كل بلد يؤثر على الصحافة, بريطانيا مثلاً بها ديمقراطية عريقة وبها حوار يستهدف الرأي والرأي الآخر وبها وضع اقتصادي لصحافة تحولت الى ممثلة لتنظيمات مالية كبيرة لذلك توضع عليها قيود ولكن المهنية لا زالت محافظة عليها فتجد الرأي والرأي الآخر والخبر لابد من التأكد منه وصحته.. الليبرالية هذه قللت من أثر الاحتكار الرأسمالي للصحافة؟

× غياب الايديولوجيات؟

= لا تستطيع أن تقول غياب مطلق, فأوروبا في غربها كانت قائمة على الديمقراطية الليبرالية وشرفها على الفكر الشيوعي وعايشنا هذا وذاك في ذلك الوقت وكذلك التأثير هذه الصراعات على مستوى أكبر على العالم العربي في تلك الفترة..

× الانحيازات؟

= بالتأكيد ولكن في نفس الوقت كانت هناك صحف في بريطانيا تعمل ضد كل التوجهات السائدة وما كان يمنع ذلك الحزب الشيوعي البريطاني من اصدار صحيفته والصحافة المؤثرة كانت صحافة الديمقراطية الليبرالية..

× كيف ترى راهن الصحافة السودانية؟

= الصحافة السودانية تعيش أسوأ من السنوات التي عاشتها تحت التأميم, واعتقد ان الحرية اذ توفرت لما وقعت الحكومة الحالية في كل هذه المشاكل والأزمات, والصحافة مؤسسة من مؤسسات النظام الديمقراطي واذا لم توجد ديمقراطية تقبل الرأي والرأي الآخر فلن تكون هناك صحافة كاملة المهنية.. والصحافة في الاتحاد السوفيتي في أوج قوته لم تكن مهنية, والرأي الآخر غير موجود, ولذلك غياب الحريات يؤثر على كل مؤسسات الدولة ولذلك الصحافة تحت عهود "عبود" وجعفر نميري عاشت مأزومة, وكذلك هذا العهد وهذا يساوي "80%" من عمر الاستقلال في السودان.. وتعاني الصحافة من عدم وجود تواصل أجيال وضعف في المهنية وكذلك هروب رأسمال مستثمر في صناعة الصحافة وهذ تساهم في قتل روح الصحافة واضعاف دورها في المجتمع..

× تجربة "الأيام"؟

= لن تتكرر, نحن "استدنا" "300" جنيه من محمود محمد عبدالله صهر بشير محمد سعيد رأس مال التأسيس, ولم نتقاضى أنا وبشير محمد سعيد ومحجوب عثمان "مليماً" لمدة عام وكنا نكتفي بعملنا في "المراسلة" مع وكالات عالمية في تسيير شئوننا الخاصة واشترينا مطبعة صغيرة مستعملة لمدة "50" سنة واشترينا صندوق "حروف" قديمة من شارع محمد علي في القاهرة وكنا نطبع "فواتير" من أجل اعطاء العاملين في الصحيفة "أموالاً" يعيشون منها..

× الظروف المحيطة بتأسيس الصحيفة؟

= كانت عقب اتفاقية الحكم الذاتي 1953م وكنت قد عملت في صحيفة السودان الجديد منذ العام 1949م..

× رئاسة تحرير الأيام؟

= عملنا نظام "تدوير" فقد بدأ الرئاسة بشير محمد سعيد ثم محجوب عثمان واثناء رئاسة بشير كنت رئيساً لتحرير صحيفة انجليزية يومية تتبع للأيام اسمها "مورننق نيوز" وكنا نتبادل رئاسة تحرير الأيام وقررنا تعيين رئيس تحرير للصحيفة الانجليزية وكان شاب انجليزي قرر البقاء في السودان لفترة عقب استقالته من وظيفة موظف بنك في البنك "العثماني" وأنا اصبحت رئيس تحرير مجلة اسمها الحياة 58-59-1960م..

× رئاستك لتحرير الأيام؟

= في الستينات عقب رئاسة بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان..

× لماذا لم يتكرر "العمود" في الصحافة السودانية الذي يكتبه محجوب محمد صالح؟

= لا اعتقد انه لم يتكرر وهناك من يكتب بصورة جيدة.. وأنا أكبرهم سناً حالياً "88" عاماً, والخبرة الطويلة وجيلنا عاش مرحلة التثقيف الذاتي, فتراكمت لدى جيلنا الخبرات ولا أرى ان هناك مالا يتكرر بصورة أو أخرى وافتقد في الجيل الحديث رغم فرصهم الأكبر الاهتمام الكبير بالتثقيف الذاتي وهناك نماذج جيدة تحتاج للصقل والتجربة والكلمة المكتوبة لها مستقبلها ولكن عليهم الاهتما بالمحتوى والتحليل لأن الصحافة لا تستطيع منافسة القنوات أو الفضاء الاسفيري في الخبر, في عنصري الزمن والمكان الا بالتحليل والعمق والخلفية, فالقاريء يشاهد انفجار في آخر الليل لن تستطيع تغطيته في الصحيفة, ولكن يحتاج لتحليل يقرأ له اسباب الانفجار سياسياً ولماذا في هذ المنطقة بالذات حتى تستطيع الاستمرارية..