خارج المتاهة / محمد عتيق
خارج المتاهة / محمد عتيق قحت و "سريالية" المشهد ————————————- هل يمكن اتهام الدكتور حمدوك بأنه تماهى مع المكون العسكري أو يود التحالف معه ؟ أم هل هو فعلاً يريد انجاز التحول الديمقراطي وترسيخ مدنية الدولة ؟
خارج المتاهة / محمد عتيق
قحت و "سريالية" المشهد
————————————-
هل يمكن اتهام الدكتور حمدوك بأنه تماهى مع المكون العسكري أو يود التحالف معه ؟ أم هل هو فعلاً يريد انجاز التحول الديمقراطي وترسيخ مدنية الدولة ؟
في وقت مبكر من عمر الفترة الانتقالية شرع دكتور حمدوك في العمل مع المجتمع الدولي وحقق انجازاً هاماً وكبيراً مع مجلس الأمن والأمم المتحدة في رفع ولايتها على السودان تحت البند السابع وتحويلها إلى البند السادس الذي يجعل من بعثة الأمم المتحدة إلى السودان بعثةً سياسيةً تدعم عملية السلام بكافة مستحقاتها وإرسائها في كل أنحاء البلاد وانفاذ الوثيقة الدستورية وضمان الانتقال الديمقراطي والمساهمة في إعادة الإعمار والتنمية .. كذلك نجح في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ، وبذلك يعود إلى المجتمع الدولي قادراً على جدولة ديونه أو إلغاءها متيحاً للاستثمارات الاجنبية والقروض أن تتدفق إلى البلاد ..
ومع ذلك ، تجده وقد شارك المكون العسكري "لجنة البشير الأمنية" في طعن قيم وكبرياء السودان وشعبه بالرضوخ لشروط المرابي العنصري ترامب المتمثلة في تسديد أكثر من ثلاثمائة مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا السفارتين والمدمرة كول ، إضافةً إلى التطبيع مع دولة الكيان الديني العنصري "اسرائيل" وذلك ثمناً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ؛ ذهبت الدولة السودانية (باعتراف حميدتي) تشتري الدولار من (السوق الأسود) لتكملة مبلغ التعويضات في جريمة لا علاقة لشعب السودان بها وامريكا أدرى بأموال النظام المجرم الساقط ولصوصه وأين يحتفظون بها !! .. وفي موضوع التطبيع نذكر كيف أن البرهان كان قد أراد التكتم على لقائه نتنياهو بيوغندا ، ولما أصبح الأمر مكشوفاً ، ولكي يقول "لست وحدي" أشار إلى حمدوك الذي أنكر ابتداءاً ثم صمت حيناً إلى أن جاء بومبيو ليقول (في العلن) أن رده كان : (نحن سلطة انتقالية لا تملك صلاحية البت في مثل هذه الأمور التي هي من اختصاص سلطة منتخبة "برلمان وحكومة" ) ، واتضح أنه كان حديثاً للاستهلاك اتقاءاً لغضب الشعب وذلك عندما ظهر في حفل التطبيع الذي ضمه مع البرهان وترمب ونتنياهو ..
وعلى الصعيد الاقتصادي وما يتعلق بمعاش المواطن فإن الأمر أكثر غرابةً وإثارةً للدهشة فرغم الدراسات والبرامج ومقترحات الموازنة الواضحة في استصحاب مصالح الناس والتي ظلت تقدمها اللجنة الاقتصادية لقحت ، رغم ذلك ، كان إصرار وزير المالية المقال وإصرار الوزيرة المكلفة الآن على تنفيذ سياسات التحرير ورفع الدعم حسب وصفات البنك وصندوق النقد الدوليين، وممارسة الكذب والخداع في ذلك مع اللجنة الاقتصادية لقحت ، وقد وجدا (البدوي وهبة) إسناداً واضحاً من السيد رئيس الوزراء !..
في هذه الأمثلة وغيرها من المواقف والإجراءات ظلت صلاحيات الدكتور حمدوك في نزاع مع نفوذ المكون العسكري الذي اخترق الوثيقة الدستورية وانتزع لنفسه سلطات رئاسة دكتاتورية تمارس أعمال السياسة الخارجية واقتياد الدولة كما تشاء ..
ثم جاءت معركة المناهج الدراسية المتفجرة الآن بين وزير التربية ومدير المناهج من جهة وأعوان الساقط (الفلول) من الجهة الأخرى .. هذا صراع شخصي خاص وقديم بين القراي وتلك الفلول التي خلطت عن عمد بين القراي "الجمهوري" وصراعها معه وبين القراي الذي تم تعيينه موظفاً عاماً وفق تخصصه ، والتي قادت معركةً لا هوادة فيها معه - كما تابعها الجميع - فجاء تدخل د.حمدوك رافعاً لواء المطلوب في المناهج الجديدة بيد وباليد الأخرى أسماء الأطراف المعنية بالأمر وقد حشر فيها النظام الساقط وحلفاءه طاعناً بذلك وزير التربية ومن عينه مديراً للمناهج (القراي) ولجان الخبراء التربويين والمعلمين التي سبق أن كونوها وبذلت جهوداً كبيرةً في إعداد جزء من المناهج الجديدة !! بينما كان المؤمل أن يناقش الأمر مع وزير التربية (مرؤوسه المباشر) لمراجعة المناهج الجديدة بالتقويم والتصحيح والتطوير ..
المتأمل لهذه "النماذج" من القضايا وموقف رئيس الوزراء د.حمدوك فيها يتساءل :
هل وقع الرجل تحت تأثير المكون العسكري (اللجنة الأمنية) تحركه أصابعها ومصالحها ؟ أم تحت نفوذ النظام وفلوله تقوده وفق رؤاها ؟ وفي الحالتين لضعف في الطبيعة والشخصية ، وهل كانت الآمال الشعبية التي انعقدت عليه أكبر من قدراته الفعلية ؟
مهما كانت الظنون أو الحقائق حول تعيين دكتور حمدوك رئيساً للحكومة الانتقالية ، فإن الظاهر أمامنا أنه كان خيار قوى الحرية والتغيير التي سلمته ثورة الشعب قيادها ، وأناطت بها تكوين حكومة الثورة من بين صفوفها المناضلة ، وصياغة برامجها وتشريعاتها وقيادتها كحاضنة ومرجعية سياسية .. مظاهر ضعف الحركة السياسية انعكست على أداء تحالفها في إطار قحت ؛ التشكيك وانعدم روح الثقة والتنافس السلبي هي الصفات التي حكمت مواقفها وعلاقاتها ، وهي التي قادتها إلى حالة التشرذم وتبرئة الذات بالهروب من المسؤولية من جهة ، والهرولة والتنافس المحموم على المناصب والنفوذ من جهة أخرى .. هنا في "قحت" وحالها الذي لا (يسر ) أحداً نجد الاجابة في عدم انسجام دكتور حمدوك معها : لأنه غير واجد فيها الوحدة والتخطيط الدقيق والعزم ، القوة المعنوية ، فلا سمع ولا طاعة ، والله أعلم..