ضرورة قصوى...
ضرورة قصوى... اسيا رحاحلية.. الجزائر أتحسّس جبيني . حرارتي عادية. حلقي لا يؤلمني و أتنفس بشكل عادي، فلماذا أنا مرعوبة؟ أفزعني تكرّر العطس. هذه عطسة ثالثة الآن. آ..آ..آتشووم.. و رابعة. الحمد لله. كنت أعرف أنّ خروجي من البيت سيدخلني دوامة القلق. لولا أنها ضرورة قصوى فعلا ما كنت جاوزت عتبة الباب
ضرورة قصوى...
اسيا رحاحلية.. الجزائر
أتحسّس جبيني . حرارتي عادية. حلقي لا يؤلمني و أتنفس بشكل عادي، فلماذا أنا مرعوبة؟ أفزعني تكرّر العطس. هذه عطسة ثالثة الآن. آ..آ..آتشووم.. و رابعة. الحمد لله. كنت أعرف أنّ خروجي من البيت سيدخلني دوامة القلق. لولا أنها ضرورة قصوى فعلا ما كنت جاوزت عتبة الباب.
أأكون مريضة؟ لعلّه زكام خفيف. الجو يتغيّر كثيرا هذه الأيام. لا أسعل. سعلت قليلا البارحة. قليلا فقط. ما كان يجب أن أخرج يوم أمس. ماذا لو أنّي أُصبت بالعدوى؟
ملتزمة بالحجر، منذ شهر أو أكثر..لكن للضرورة أحكام. أخذت كل احتياطاتي عند الخروج. وضعت الكمامة و عقّمت يديّ. و حملت في حقيبتي زجاجة عطري الصغيرة بعد أن أفرغتها من محتواها و ملأتها بكحول طبي. ربما أحتاجه. لم يعد مهما أن أتعطّر. رائحة الموت أزكمتني. سأنتهي من هذه الضرورة القصوى فقط و أقبع بالبيت.
في الخارج لم أهتم لنظرات السخرية. لا أحد كان يضع كمامة إلاّ امرأة حامل لمحتها في أحد المتاجر تقتني ملابس للوليد المنتظر. "آه..الأمل..لولاه علينا"..
سرت مسرعة لا ألوي على شيء، عيناي مركّزتان على الطريق أمامي، كأنّي هاربة من قدر ما. مر شيخ مسنّ و قال باستهزاء " كورووونا". نظرت نحوه باستغراب.كان يبتسم. كنت سأنهره و لكني لم أفعل.
كنت أتحاشى البشر .أترك بيني و بين المارة مسافة كبيرة و إذا لمحت، على بعد أمتار، شخصا قادما في جهتي تماما، غيّرت الطريق إلى الجهة الأخرى. كنت أهرب من الناس. بعضهم كان يهرب مني أيضا.
قبل أن أصل إلى المحل، التقيت بزميلة مهنة و رغم أني أعزّها جدا و لم نلتق منذ شهور إلاّ أنّي لم أسلّم عليها، أقصد لم أقبّلها.. تبادلتا بضع كلمات على بعد مسافة نصف متر.ثم افترقتا. في ناصية الشارع، حيث المحل المقصود، قابلت امرأة أخرى. أعرفها معرفة سطحية. ربما هي قريبة جارتي القديمة. . لم أعد أتذكّر. أرسلت لها ابتسامة عريضة و مضيت مسرعة، لكنها لحقت بي و عاجلتني بأربعِ قبلات ساخنات.
نعم أربع و ليس واحدة أو اثنتين.
فكّرتُ.. لم لا تكون القبلات أبدا بعددٍ فردي؟
و من أين جاءت فكرة أن السّلام عندنا لابد أن يرافقه التقبيل؟ في القاموس، سلّم على القوم معناها بادرهم بالتحية ..بالسلام عليكم؟ فمن أين جاءت حكاية الـــ" البوس" ؟
و كيف سننجو من كورونا مع هذا التقبيل الإجباري ؟
كانت تريد أن تتحدث لكني أخبرتها بلطف ألاّ وقت لديّ. يجب أن أنتهي من هذه الضرورة و أعود للبيت، فقد تغلق المحلات من جديد بسبب ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس و أجد نفسي في مأزق. تذكرت ما قالته لي صديقتي " توقّفي عن هذا الأمر و دعي الطبيعة تنجز مهامها". يوما ما سأتوقف يا صديقتي. يوما ما سأفسح المجال للطبيعة لكي تضع ما تريد من رتوشات على لوحة العمر المنفلت. أذكر أنّنا يومها تحدثنا في موضوع الشيب عند المرأة و الرجل و قلت لها " إيه الشيب للرجل وقار و للمرأة " دمّار ". و ضحكنا.
هناك دائما لحظةُ للتوقّف. و لكن ليس اليوم. أنا بحاجة لتعديل مزاجي، مع هذا القلق و التوتّر بسبب الجائحة و أعداد الموتى، بحاجة لأن أنظر في المرآة فلا أرى يد الطبيعة قد عبثت في شعري فجعلت أعلاه بلون أبيض باهت لا يسر نظري و بقي أسفله أشقر لامعا. لو كان كله رماديّ من الجذور إلى الأطراف لما اهتممت و لتوقّفت .أكره أنصاف الأشياء.
أرسلت من روحي تحية لصديقتي الحكيمة. اشتقت إليها. بعد كورونا سأزورها لأرى كيف كان مرور الطبيعة بها.
المهم ..دخلتُ المحل. اقتنيتُ الضرورة : قارورة صبغة للشعر باللون الكستنائي و هرولتُ راجعة إلى البيت.