خارج المتاهة/ محمد عتيق    *وهل للكفاح الوطني ثمن

خارج المتاهة/ محمد عتيق    *وهل للكفاح الوطني ثمن

خارج المتاهة/ محمد عتيق
   *وهل للكفاح الوطني ثمن ؟*
______________________________
  حركات التحرر الوطني المسلحة على امتداد البسيطة واحدة في همومها العامة ، وعداؤها مشترك للاحتلال الاجنبي والاستعباد والتمييز بكافة أشكاله.. ومن الجانب الآخر تختلف في بعض التفاصيل المتعلقة بالزمان والمكان وطبيعة الحركة .. حركات مثل حركة التحرر الوطني الجزائري،  الفيتنامي ، الكوبي ، قيادة جون قرنق في الحركة الشعبية لتحرير السودان ...إلخ إلخ تتفق كلها على قضايا التحرر ورفع الظلم والمساواة والعدالة الاجتماعية ، ولكل منها خصوصياتها وتفاصيلها المختلفة عن الأخرى ولكنها تتفق دون تردد على الانحياز ، مثلاً ، لحركات التحرر التي تناهض العنصرية والدولة الدينية وتسعى للعدل والتحرير واستعادة الحقوق كما هو الحال مع الثورة الفلسطينية في مناهضتها الادعاءات التاريخية الكاذبة للحركة الصهيونية وسياسة الاستيطان والتمييز العنصري والدولة الدينية التي تعزز كل ذلك .. نفس الشيء بالنسبة للمسالة الاقتصادية ؛ كلها تتفق بصورة عامة حول بناء دولة الرعاية الاجتماعية وان اختلفت في بعض التفاصيل الخاصة الناتجة عن ظروف كل حركة والواقع الثقافي والحضاري الذي تمثله ..

  نوعين من شباب السودان :
أحدهما - ضمن الحركة الطلابية واتحاد طلاب مدرسته ثم جامعته - ظل مواظباً على الاشتراك في المسيرات الاحتجاجية والمظاهرات السياسية ، يتم إلقاء القبض عليه ويقضي فترةً في معتقلات النظام ، وأحياناً يضربونه ضرباً مبرحاً فيُصابُ في رأسه أو قدميه ... وفي حالة الأحداث المشتعلة يرى من بين زملائه من سقط شهيداً أو...أو.... ومن نتائج تلك المساهمات الوطنية أن قضى في مؤسسته التعليمية سنوات إضافية ، وبعد أن تخرَّج لم يجد عملاً ، فهو مرفوض من كافة المصالح والمؤسسات وممنوعٌ من السفر ، وكل ذلك بقرار من الأجهزة الأمنية... 
 وفي حالة ثورتي سبتمبر ٢٠١٣ وديسمبر ٢٠١٨ الجارية حتى الآن مثالاً فإن الثائر فيها رأى زملاء له يستشهدون أمامه وفيهم من يفقد طرَفَاً أو اطرافاً من جسده ، والمئات يتم إلقاءهم في النيل مربوطين بالصخور في أرجلهم لكي لا يعودوا أحياء من لُجج الماء ، لكي يموتوا غرقاً ... 
  والثاني التحق بمجموعةٍ أعلنت الكفاح المسلح طريقاً لنيل الحقوق وإجراء الإصلاحات ، ومضى أيضاً في خوض المعارك ضد القوات المسلحة السودانية ويرى البعض من رفاقه يسقط شهيداً أو يفقد جزءً من أوصاله...
    إلى هنا لا إعتراض على هذا ولا على ذاك ، ولكن ؛ ما هي ميزة الثاني الذي التحق ب "الكفاح المسلح" لكي يتم استيعابه في إحدى الأجهزة النظامية ضمن ما يُسمَّى بالترتيبات الأمنية ؟ ، ما معنى الترتيبات الأمنية التي تضمن وظيفةً لحامل السلاح وتميَّزه عن زميله الآخر الذي آمن بالنضال الوطني السلمي في صفوف نقابةٍ أو حزبٍ أو من موقعه المستقل لنتركه يواجه مصيره ويبحث عن مستقبله ؟  ونفس الشيء بالنسبة للشهداء والمفقودين والمصابين واسرهم ؟؟

   من جانبٍ آخر ، إذا أخذنا الأمثلة مباشرةً من الحركات المسلحة في بلادنا وفحصنا أهدافها ورؤاها والقاعدة الشعبية التي تمثلها ، سنجدها قد اقتدت بالحركة الشعبية/قيادة جون قرنق في كل شيء بينما هي لا تمتُّ لها (وبالتالي لحركات التحرر الوطني) بأية صلة.. تلك (أي قيادة جون قرنق في الحركة الشعبية) كانت ثورة مسلحة عبَّرت عن الجزء الجنوبي من الوطن السودان ، ذلك الجزء المتمايز حضارياً وثقافياً عن الشمال ، ورفضاً للمظالم التي وقعت عليه سواءً بفعل المستعمر البريطاني أو بقصور وأخطاء القوى السياسية - المدنية والعسكرية - التي حكمت البلاد ، وظلت - الحركة -  على وفاق تام مع حركات التحرر الوطني في كل زمان ومكان : في الموقف المعادي لسياسة الأبرتايد في جنوب أفريقيا حتى إنتصار الثورة ، كذلك مع الثورة الفلسطينية في صراعها الضاري ضد سياسات الاحتلال والاستيطان والتمييز والدولة الدينية إضافةً إلى رؤاها في الرعاية الإجتماعية نهجاً اقتصادياً ... 
  "حركة تحرير السودان" ، "حركة العدل والمساواة" ، و"الحركة الشعبية/شمال" ، كلها بانشقاقاتها واجنحتها المختلفة ، لا غبار على هدف إسقاط الدكتاتورية المستبدة ومكافحة الدولة الدينية وكل أشكال التمييز بسبب العنصر ، الجندر ، الدين ...إلخ ، لا خلاف ، (ودون البحث في مقولات : المركز والهامش ، أبناء الشريط النيلي ، الاسلاموعربية ...إلخ) لتفنيد  مزاعم التهميش والظلم التي تقوم عليها تلك الحركات وصولاً إلى التهديد ب"تقرير المصير" و"العودة إلى الحرب" ، ولكن دعنا فقط ننظر إلى المواقف العملية :
١/ الهرولة نحو عدو الأمس "الجنجويد" والتحالف معه ومع قيادة القوات المسلحة والنظامية (اللجنة الأمنية لنظام البشير) ، والعمل ضد قوى الثورة المدنية في قحت وغير قحت ، وعبر هذا التحالف أتوا بسلام أسموه "اتفاقية جوبا" جعلت منهم طبقةً أسمى من طبقة المناضلين السلميين ..
٢/ أ : الموافقة على منهج د. حمدوك الاقتصادي القائم على مطالب صندوق النقد الدولي ، والارتماء التام في أحضان المؤسسات الدولية.. 
  ب : الموافقة على سياسات التطبيع مع "إسرائيل" التي انتهجها البرهان وحمدوك ..
 وهذين النقطتين "أ" و "ب" كانتا ثمناً للاشتراك في الحكومة ..
   فإذا كانت جملة هذه المواقف قد أبعدت تلك الحركات المسلحة عن إطار حركات التحرر الوطني ، فإن النضال ضد الظلم والدكتاتورية والدولة الدينية في الوطن الواحد لا فرق فيه بين النضال المدني السلمي والنضال المسلح ، فهما وجهان لعملة الكفاح الوطني الواحدة التي لا ينتظر صاحبها مقابلاً من وطنه ، مادياً كان هذا المقابل أو وظيفةً عسكرية فيما أسموه "الترتيبات الأمنية" ..

لا أفضلية ولا جدارة لأحدهما على الآخر ، ولا تمييز .. 
04.12.2022