السودان وروعة الحكي! د. سيد شعبان... مصر
السودان وروعة الحكي!
د. سيد شعبان... مصر
مضى زمن ونحن في بلادنا يجهل بعضنا أدب بعض، حتى كتب من أسموهم رواد الإبداع كتابات في الآخر تمجيدا، هذا يكتب عن الحي اللاتيني وآخر عن شقروات بنين الأصفر، مرة مخدوعين وأخرى متجاهلين أن ثمة أدب يرقى لمصاف العالمية تخطه أيادي الساردين، وحديثي عن أدب قومنا في السودان ذو شجون لاينفك عن ذلك التجاهل، كان العهد أن يقرأ النهمون عن عوالم السودان التي نبه لبعضها التيجاني يوسف بشير في شعره أو عبدالله الطيب المجذوب في سرده وشدوه وتحقيقاته وأحاديثه التي تسمو بالبيان آفاق الروعة، هل وفينا بلاد النيل حقها تعريفا حتى إذا جاء الخطب كان الود حبا والمرء عدو مايجهل؟
ثمة طعم أشبه بلذوعة البرتقال وعبق أريجه ينضاف إلى نحاسية اللون وسمرته المفعمة بالخصوبة والفحولة، انعكس كل ذلك على مظاهر الجياة الأدبية في كتابات عبدالعزيز بركة ساكن وأمير تاج السر إيبولا وحين يمسك بقلم زينب وشعرية نجيب محمد علي ودواوينه، تعال إلى أدب الثورة المهدية وعوالمها في رؤيا عائشة عند عمر فضل الله وأخبار البنت مايكايا وسرديات إبراهيم إسحق، أو كتابات حمور زيادة والجنقو مسامير الأرض.
تجليات النقد عند أحمد مجذوب الشريفي حين يدير مشهدا نقديا يستكتب فيه المبدعين العرب ولايألو جهدا كتابة وتفسيرا للنصوص المبدعة، هل يكتمل المشهد دون أن تعرج على صلاح البشير أو تغفل المعز عبد المتعال يدخلك متاهة الأفعى، وأين أنت من الصوت النقدي الذي يعزف على وتر الفن عزالدين ميرغني وكتاباته عن البنية السردية عند الطيب صالح!
مشهد لايغيب عنه قلم سارد يحتفي بك وبمنجزك صديق الحلو،
أن تتجاهل الجامعات والمعاهد البحثية مظاهر الحياة في أرض لم تفضها يد لامس أو تتناسى عظمة شعب طيب مبدع فتلك مظلمة بتنا نرزخ تحت عبء ثقلها.
تتنوع اللغات واللهجات في السودان لكنها تنصهر في قلادة من در تتجمل بذلك التمايز حكيا وسردا يختال في جنبات النهر بيضاء لذة للمعظمين شأن الثقافة والفن.
عرفت السودان فأدرت وجهي جنوبا، نشرا في صحفه ومجلاته، توطدت آصرة السرد بيني وبين أعلامه ونقاده.
بات السؤال الذي يقلقني متى تفرد في جامعاتنا بحوث تتناول السودان حضارة غنية متنوعة؟
تشيع بيننا في الشمال نظرة استعلائية وكأننا لسنا إخوة عروبة ودينا!
حتى كان الطيب صالح، ومصطفى عوض الله بشارة وإسماعيل الأزهري، والجمع كثير يند عن الحصر، يحتاج السودان دراسات لغوية أدبية.
يخالطني شعور بأن الطيب صالح كتب روائع سرده مفاتيح لمغاليق الحكي، كل شخصية تحمل دلالات مختلفة لعوالم نجهلها.
في السودان أدب الحياة في عنفوانها، إنه يعارك الشمس، ينفر من برودة بلاد الشمال التي طاف حولها الذين استلبوا عقلا ووعيا.
حين كانت في بدايات الدرس والقراءة كنت أسر بجامعة القاهرة فرع الخرطوم جديلة حب وعمق انتماء، فإذا بي أتعرف على الأدب الأفريقي من بوابة السودان الذي عرفته أدبيات الجغرافيا وتناسته معاهد العلوم.
تخرج من حارة نجيب محفوظ وبحر حنا مينه ومدن ملح عبدالرحمن منيف وشرفات إبراهيم نصر الله والخبز الحافي لمحمد شكري وشيء من الخوف لعزيز أباظة إلى غرائب ومجاهل الغابة والبادية ثراء وتنوع.
أنت هنا مجذوب في خلوة مولانا الحنين وغير بعيد منك ملاحة بنت مجذوب وحسنة بنت محمود وضو البيت ذلك المخلوق الأسطوري الذي يقول لك تخفف من ثقل رابطة العنق وقواعد السلوك المحنط التي جلبها إلينا كرومر وغردون!
لاتثريب على كاتب ينعطف به فنه جهة عوالم منسية، فالأضواء الزاعقة لاتنمي ذائقة ولاتكشف إلا عن بهرجة.