مسرحية اوب ولع .. اوب طفا السخرية ونقد المواقف أبوطالب محمد
مسرحية اوب ولع .. اوب طفا
السخرية ونقد المواقف
أبوطالب محمد
طالعت مسرحية د. عبد الله علي إبراهيم الأخيرة المعنونة ب( اوب ولع.. اوب طفا)، وهي مسرحية كوميدية ساخرة قدمت نقدا لازعا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو شأن المسرحيات الساخرة منذ فجر التاريخ المسرحي وحتى الآن ما زالت تقدم نقدا موضوعيا للعصر في مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
انفتح خطاب مسرحية اوب ولع اوب طفا على بنيات درامية عدة بدءا من استعانتها بنماذج شخصيات سياسية، و اجتماعية، و فكاهية أضافت لخطابها الدارمي رؤى نقدية مبسوطة الاتجاهات.
امتطى الكاتب في بنية تأليف اوب ولع.. اوب طفا مستويات فنية متعددة : ( شخصيات سياسية وأدبية بعينها، وتشخيص أدائي لرموز الأداء التمثيلي في السودان مثل بت قضيم و السميح و أب قبورة وتور الجر، وشخصيات اجتماعية، و فنية، وتوظيف النكتة، والتعليق على المواقف الحياتية ما، والحكايات، و الطرائف، واستدعاء الذاكرة، و تقنية الميتامسرح، وأساليب المناقشة الدرامية)، هذه المستويات دعمت خطاب المسرحية المزيد من أساليب التهكم والسخرية. يلاحظ من خلال تعدد المستويات الفنية لبنية هذه المسرحية مقارنة بمسرحيات المؤلف السابقات ( حار جاف مترافي الأطراف، من القصر حتى النصر، عنبر جودة، الجرح والغرنوق والسكة حديد قربت المسافات كثرا) وجه الاختلاف الكبير، حيث إن المسرحيات السابقات تأسست أبنيتها الدرامية على طريقة السرد الدرامي المهيمن على المضمون، بمعنى تلتمس فيها روح الحكاية السردية أكثر من روح الدراما الواضحة التشخيص، أما في مسرحية اوب ولع .. اوب طفا من مدلول العنوان يتبادر إلى الذهن روح الدراما الشعبية التي حفلت بها ألعاب الطفولة ( أمك ولع ... أمك طفا)، وفي المستوى الدلالي الفني (اوب ولع) دلالة تشير إلى القاء الضوء على قضايا حقبة ما، (اوب طفا) مدلول يدل على اسدال الستار على حقبة محددة والدخول في حقبة أخرى عبر التنقلات الفنية، وتعنى (اوب ولع اوب طفا) بلغة الدراما اللعبة الدرامية التي تتبادل فيها الشخصيات المتخيلة أدوار عدة تلغي بظلالها على قضايا العصر. يلاحظ الاختلاف أيضا بين المسرحيات الأخرى للمؤلف الارتكاز على طرق بناء المسرحية الكوميدية (السخرية)، وزاد القرب أكثر تخصصا اهتمامها بعناصر المسرحية الكوميدية.
اتباع الأسلوب الساخر في بنية التأليف الدرامي دعم المضاميين الفكرية وعدد من قضاياها. أي أن المؤلف سلط الضوء على : ( رموز السياسة والمجتمع والحقب التاريخية).
جاءت بنية التأليف الدرامي متداخلة مع موضوعات فكرية مصاحبة الفترات التي اعتنت بها وبرموزها، حيث جسدت نماذج من شخصياتها ومواقفها، وركزت بشكل مباشر على الاشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الأمية واتفاقيات السلام نيفاشا وأبوجا ونكبة جيل السابقين، واشكاليات الطب الحديث واستبداله بالطب التقليدي مثل الإشارة لفقير الدامر والفكي أب نافورة وفكي المناقل النارو تش وعلاجو غش وفكي ام درمان المحايتو ببسي وحيرانو جكسي، والانقلاب وائتلاف المؤتمر الوطني والشعبي والإشارة إلى الخرطوم عاصمة الثقافة العربية، ودراما المحاكمات التي عقدت لفناني التمثيل ( أب دبورة وتور الجر وبت قضيم والسميح) الذين اعتدوا بالضرب على مكاتب صحيفة الزمان التي تهكم محرر صفحة المنوعات على قرية أولاد العوض مما أثار غضبهم. هذه الموضوعات مجتمعة وغيرها أفاضت فيها الشخصيات طرق المناقشة والجدل المستمرين حول حسم الصراع الدرامي.
إن مسرحية اوب ولع.. اوب طفا مسرحية سوداء اتكأت على مصدر الحقب المعنية منذ الاستقلال حتى فترة الإخوان المسلمين هذه الفترة جادلتها المسرحية جدالا أبرز عيوبها و تناحرات هويتها وانفصال جنوبها وشح مواردها و أزمات اقتصادها وفنها واجتماعها وساستها وبطالتها، هذه الأسباب شكلت عائقا أمام التقدم الحضاري، وهي قضايا حية التفت حولها البنية الدرامية للمسرحية، يضاف لذلك استفادت بنية المسرحية من مصدر كتابات المؤلف في الحقل السياسي والثقافي والاجتماعي وقربت وجهات النظر بينهم في النقد. قدم المؤلف من خلال المسرحية نقده من وجهة نظر إبداعية للحقب المعنية، لأن البناء الدرامي للمسرحية مفتوح الدلالات وواضح المقاصد.
سمح تهيكل المسرحية على ثلاثة فصول باعطاء المدة الزمنية الكافية لحسم الصراعات وتقديم مقترحات الحلول للإشكاليات الفكرية التي طرحتها اوب ولع... اوب طفا. بحيث تطالعنا مشاهد المسرحية منذ البدء بالتهكم ونقد القضايا الاقتصادية والسياسية من خلال ظهور شخصين يهيمنان على المواقف الدرامية حتى النهاية هما: (بدوي وعوض)، إحداهما موظف ( بدوي)، و الثاني عاطلا يحلم بمهنة تلبي احتياجاته الحياتية، من هنا تنبسط الأبنية المسرحية على التقنيات المشار إليها أعلاه، بدءا من تقنية الميتامسرح التي تجسد عبر مشهد الحلم الدائر حول الفساد وأخذ المستحقات المالية بدون إبراز شهادات آخر صرفية، هذا الأسلوب الميتامسرحي أدرج في طرحه مشاكل البطالة التي حولت شخصية (عوض) إلى شخص مشمئز من وضعه الاجتماعي ومن اسمه الذي يرى أنه سبب البؤس بحسبانه بدل فاقد أي تعويض لأخيه، استمر المشهد يعرض جملة من النكات والطرائق حول الأسماء ومدلولاتها الاجتماعية، رويدا رويدا تتنقل المسرحية من موقف ساخر إلى آخر دون قيود، وهو تنقل متسلسل مرتبط مع بعضه البعض جوادا بادخال الموضوعات الفكرية التي سخرت ونقدت أجندتها.