(معلقةٌ في رِقاب العرب) ..
(معلقةٌ في رِقاب العرب) .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .. مهداة إلى الشاب العربي، في كل مكان .. اللواء م / محي الدين محمد علي، .. .. أيها السادة عفواً إن صرختُ إن تمرغتُ بإقدام المنايا إن تساقطتُ نزيفاً وارتعشت
(معلقةٌ في رِقاب العرب) ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
..
مهداة إلى الشاب العربي، في كل مكان ..
اللواء م / محي الدين محمد علي،
..
..
أيها السادة عفواً إن صرختُ
إن تمرغتُ بإقدام المنايا
إن تساقطتُ نزيفاً وارتعشت
وإن تلويتُ عذاباً وانكفأت
وإن تفجرتُ شظايا واحترقت ...
فالأسى أكبر منى
وعزاباتي وأحزانيَ
غاباتٌ من الأشواك،
زهرها الأسود فتح وترنح
وتدلَّى زاحفاً نحوي
دنت أعناقه الصفراء مِنِّى
وأتت تمتصني في قسوةٍ
أو تلتهمنى .. غصب عني
فجراحاتي جراح فاغرات
واجمات باكيات مبكيات
غائرات صارخات حائرات
فهي فوهات براكين تموج
بعويلٍ وبكاءٍ ونشيج
راعش كالموت في أحشائها
يطفئ الفرحة في الكون البهيج ....
(مقطع أول):
أيها العرب السادة عفواً ..
إن حزني ليس حباً ضاع منَّي
أو حبيباً خانني أو لم يخنِّي
إن حزني ليس دنيا طلَّقتني
ونأت ترفل تيهاً
تغمر الأرجاء عطراً وأريج
إن حزني أيها السادة إنتم
كل غبني هو أنتم
فاغضبوا
فلقد مرَّت قرون القهر
قرناً إثر قرن فهل غضبتم؟
فاغضبوا ولتصنعوا بي ما أردتم
واقتلوني كيف شئتم
أشنقوني
علِّقوني في الميادين صليباً
وأملأوا الكون
صراخاً وضجيج
وانعتوني بالفتى ..
المرتد عن دين البلاد
أو المسيخ
وستعلمون بأنني
ما زلت أسعد
في خيوط الفجر .. في وهج الشروق
وفي كؤوس الزهر ..
ترقص بين خصلات المروج
وستسمعون
بأنني ما زلت أهتف
ملء أشداقي وصوتي
أيها السادة أنتم ...
كل أحزاني وموتي
فاقطعوا هذا اللسان
اذا استطعتم
وسيبقى عالقاً
في الكون صوتي
صارخاً بين الدفاتر
بين إيقاع المعاول والمطارق
تحت خوزات العساكر
واجتثاثات
المناجل والخناجر
وابتهالات المصلين الحجيج
إن صوتي أيها السادة
شئتم أم أبيتم
كاسطوانات الغناء السرمدي
طبعت في أعين الشعب المناضل
في الضمائر
واستراحت في المحاجر
وهتافات الحناجر
وتمشت بي أثمال اليتامى
والحزانى
والطريدات الشريدات الحرائر
بين أدران العرايا والحفايا
وضحايا كل جائر
(مقطع ثان) ..
أيها العرب السادة كنتم
سادة الكون ورمز الكبرياء
أمةً مختارةً ..
ظللت الكون بآلاف الشموس
النجباء
أرضها البكر ..
تعرت مرمراً
وجرت أحداقها أنهار ماء
ضمخت أثدائها
"بالخمرة" والطيب
وخطت فوق كفيها
من الحناء
حاء ثم باء
وحروفاً من نقوش القدماء
وهلالاً ونجوماً وقباء
أسندت رأساً على صدر المحيط
واحتوت خصر الخليج
وغفت في مقرن النيلين
ساعات الظهيرة والمساء
وارتمت فوق الصحاري
سوقها
جسداً خرافي النداء
رحماً يصهل بالشهوةِ كالخيل
ينادي للسماء
هيت لك .. هيت لك
شبق الإخصاب جاء
(مقطع ثالث) ..
أيها السادة منكم
وطني الرائع ضاع
بعد أن كان المتاع
وكان يعطي في سخاء
صار من سقط المتاع
ثم جاع
فالملايين الحزاني
كصفوف النمل تحبو في عناء
يستظلون من الشمس
بإثواب العراء
يستجيرون من الموت
بسلات الغذاء
وينشرون البسمة الحلوة
في بيت البكاء
وطني المعطاء ضاع
راجف الكفين
يستجدي الإغاثة والعطاء
ضاع ماء الوجه
من ذل السؤال
آه من ذل السؤال ..
على عزيزٍ ذل ..
من بعد الإباء ..
(مقطع رابع) ..
أيها العرب السادة
عفواً، إن تقطَّعت حديثاً
كالبكاء
فالأسى الأكبرأنتم
ولقد قلتم وشئتم
لا تقولوا الدهر شاء
فالذي جار علينا
وأضاع العدل فينا
واشترى فينا وباع
أخذ القوة والمنعة
منكم
جاء كالكابوس يسعى
فانشرحتم وأذنتم
وتقوَّى بهتافٍ ضل عنكم
فمضى يغرس في الأرض
دخاناً وخيالاً وهباء
ثم يرويها دموعاً ودماء
فكتبتم وأشدتم وأفضتم
قال إن العدل والظلم سواء
فسكتّم
قال إن الريح صوته
والسماء والأرض بيته
وسياط الجن سوطه
ونسيج الكون والأرض
وما دبّ عليها ..
هي خيطه
وعيون الماء ملكه
وزيوت النفط زيته
بل هو الشعب إذا شاء
فإن الشعب شاء
وهو أمر الله إذا جاء
فقد حم القضاء
فاستكنتم وقبلتم
فانظروا ماذا صنعتم؟!
من مليكٍ ورئيسٍ وزعيمٍ
لاهثٍ .. يولغ في كل إناء
يملأ الأرض خواراً
وفحيحاً وثغاء
وفقاقيع هواء
وهراء
يطحن الأحرف كالثور
ويجتاح الهجاء
(مقطع خامس) ..
كيف لا ...
وجثا بين يديه كبار العلماء
وتغني بالأناشيد
أساطين الغناء
وتبارى ينظم
البردةَ والنهج فحول الشعراء
فهو رب الشعر والفن
وشيخ الأدباء
وسليل الأولياء ..
وحكيم الحكماء
وله في الطبل والزمر
وأشكال الغناء
قال حمراء فقلتم
ثورة الأحراء في لون الدماء
قال صفراء فقلتم
فاقع اللون يسر البسطاء
قال خضراء
فقلتم زرعنا
قال بيضاء
فقلتم ضرعنا
قال ماء .. فقلتم
حفظ الله الذكاء ..
فقد اختار لها لون الإناء
قال حرباء فقلتم
لم لا .. لم لا ..
وبكيتم وهتفتم
وانتقيتم من تراث الخلفاء
سمة الحكمة والعدل ..
وأطياف النقاء
ونسجتوها عمامة
ووضعتوها على الرأس الخواء
فاستباح الأرض فينا كربلاء
يأمر بالعدل وبالتقوى
ويمشى ..
يفعل المنكر سراً في الخفاء
فانظروا ماذا فعلتم؟!
(مقطع أخير) ..
أيها السادة أنتم ..
قد صنعتم صنماً من بشر
وعجزتم .. كلكم
أن تأكلوه
فمضى يختال مزهواً
على عظم الجماجم
وحواليه صقور
لبست ريش الحمائم
تتخفى في العباءات
وفي ظل العمائم
تتغنى للجماهير هتافاً
وادعاء ..
وتمنيها بتخفيف
المعاناة وإلجام الغلاء
وتشعل الحرب الضروس
على طواحين الهواء ..
وليسقط البسطاء صرعى ..
وينام .. الصنم الأكبر
مرتاحاً .. على كنز الثراء
وإذا ما أسدل الليل سدوله
وغفا الجائع والمحروم
يستقصر طوله
أمِن اللص عيوناً أن تطوله
وأبان الثعلب والذئب ..
نيويه
وأظهر الغول ذيوله
وارتدى الخنجر والسيف
وشارات الرجوله
وارتدى وجه الضحوله
ورمى عن وجهه ثوب الحياء
واستباح الأرض والعرض
و"سوا" كيف شاء
يجرع الخمرة جرعات
وليس يرضيه شواءٌ ..
غير لحم الضعفاء
أو ترَوِّيه دماء كدماء البؤساء
فلقد حدثه عنها كبار الفقهاء
إنها يا سيِّدي،
مثل الخراف البلدية
سهلة الهضم .. وكبدتها شفاء
وهي كما قالوا على الفطرةِ
ما زالت، مقرنة بأسباب السماء
ما رأت من قبل
بيطاراً ولا طعم الدواء
فتفضل سيدي، كل بالهناء ..
أيها العرب السادة ..
حيث كنتم
في دجى المغرب والمشرق هبوا
حطموا الاصنام
غصباً وانسفوها وانثروها
في مياه النيل أو بردى
وفي اليم وفي كل محيط ..
فمن العار عليكم
أن يعيشوا طلقاء
كلهم، يرفل تيهاً في المحافل
دامعاً عند المآتم
حاتماً فوق الحواتم
وكريماً
من فلوس الشعب
يعبث بالدراهم
تحت أقدام النساء
يتلهى بأغاريد الجواري والإماء
والعناق ..
ويحتسى من كأس داء ..
فإلى متى يا شعب
يبقى الحال .. أو
تبقى اللصوص طليقة
وعزيزة
وإلى متى تبقون أنتم
في القيود، وتحت طائلة الحزاء