مشكلة الكسل الثقافي!! علي حسين عبيد

مشكلة الكسل الثقافي!! علي حسين عبيد هناك من يعتقد أن الثقافة العربية تعاني من مشكلات حقيقية، وربما يصح الرأي الذي يرى بأن الثقافة العربية المعاصرة، تعاني من أخطاء لا يصح تجاهلها، أو غض الطرف عنها، كونها تنحو إلى الشكلية على حساب الجوهر، فتبدو وكأنها ذات ميول تنزع إلى التقليد، وتهجر الابتكار أو تتحاشاه لأسباب عديدة، أولها أن أداة الثقافة الأولى (المثقفون) يعانون من كيفية بناء المثقف لنفسه، وبالتالي طالما يوجد خلل في البناء الصحيح للمثقف، فإن الثقافة تبقى تعاني من أزمات ونواقص في هذا المسار أو ذاك.

مشكلة الكسل الثقافي!! علي حسين عبيد

مشكلة الكسل الثقافي!!
علي حسين عبيد


هناك من يعتقد أن الثقافة العربية تعاني من مشكلات حقيقية، وربما يصح الرأي الذي يرى بأن الثقافة العربية المعاصرة، تعاني من أخطاء لا يصح تجاهلها، أو غض الطرف عنها، كونها تنحو إلى الشكلية على حساب الجوهر، فتبدو وكأنها ذات ميول تنزع إلى التقليد، وتهجر الابتكار أو تتحاشاه لأسباب عديدة، أولها أن أداة الثقافة الأولى (المثقفون) يعانون من كيفية بناء المثقف لنفسه، وبالتالي طالما يوجد خلل في البناء الصحيح للمثقف، فإن الثقافة تبقى تعاني من أزمات ونواقص في هذا المسار أو ذاك.
المعني ببناء المثقف لنفسه، هو البحث الجدّي في قضية تجديد الفكر وتحديثه، والمواكبة الفعلية للمستجدات الثقافية على مستوى العالم، ابتداءً، وصعودا من المحلية، إلى العربية، ثم العالمية، هذا البناء الثقافي المنهجي، سوف يُسهم بصنع مثقف متكامل، يتحصَّل على رؤية واضحة لمفهوم الثقافة، ودورها وقدراتها الكبيرة في تفعيل حركة المجتمع، بمعنى أوضح بهذه الطريقة يمكن أن نحصل على مثقف جوهري لا شكلي.
ومثل هذا البناء الممنهج للمثقف، فكراً وشخصيةً، سيمنح الثقافة فرصا أفضل للتحول من طابعها التقليدي الشكلي، إلى الجوهرية التي توفر للثقافة، دورا فعليا في تنظيم أنساق الفكر والتطبيق معا، ما يؤدي بالنتيجة إلى دور ثقافي فاعل ومؤثر في الواقع المجتمعي، وقد بدأ هذا الدور في اللحظة التي قرر فيها المثقف، أن يبني نفسه بالطرائق الصحيحة التي تنقله من الشكلية الفارغة المدّعية، الى الجوهرية الممتلئة الفاعلة.
بهذا المعنى نحن نحتاج الى الثقافة الجوهرية، ولكنها لا يمكن أن تتحقق من دون أن يسعى المثقفون العرب (والعراقيون من بينهم) بجدية نحو الانتقال من مرحلة الإدّعاء الشكلي (وهي مرحلة تعيشها  ثقافتنا العربية) إلى مرحلة الفكر والفعل الثقافي الجوهري (وهي مرحلة لم تصل إليها ثقافتنا بعد) والدليل قصور الثقافة العربية عن التأثير الفعلي في الأنشطة المجتمعية الفعلية المتنوعة، مع حضورها وتأثيرها الجزئي في هذا الجانب أو ذاك، بينما الصحيح، هو التحكّم الكلي للثقافة في فرض أنماط سلوكيات وأفكار محدثة، يمارسها المجتمع بعد أن يؤمن ويقتنع بها، لكننا كما هو واضح، لم نصل بعد إلى الثقافة المكتملة، التي سيكون بمقدورها فرض طابعها الكلي على الحراك المجتمعي أجمع، ويرجع هذا – كما هو واضح- إلى ضعف الأداة الأولى للثقافة، وأعني به المثقف الذي لايزال متقاطعا مع الجوهرية، بسبب ميوله إلى الشكلي البسيط، الذي لا يتطلب جهدا بحثيا معمّقا، وسعيا عمليا ممنهجا، ومواكبة متواصلة لما يستجد في ثقافات العالم والحواضن الأدنى.
هذا التعاضد بين مثقفين كسالى، وبين ثقافة تستلطف التقليد، هو العقبة الكأداء التي تقف في طريق العرب، لبناء ثقافة الجوهر، وإشاعة نمط وحضور المثقف الجوهري الفاعل، لهذا ليس غريبا أن يتجمّل الشارع العربي بسرعة مذهلة بشكليات الثقافات الوافدة، من دون الغوص في مضامينها، والإفادة من أفضليتها وسماتها الإنسانية، إذ سرعان ما تنتقل الشكليات الوافدة على مظهر المواطن العربي وسلوكه بحجة عصرنة اللفظ والسلوك معا، وهو عذر لا يستند إلى دعامة حقيقية، لأن الثقافة الغربية على سبيل المثال، لم تكتف قط بإنتاج الغرائب الشكلية في السلوك البشري، بل تصدرت الجوهرية الكثير مما أنتجته هذه الثقافة وقدمته لنفسها وللآخر على حد سواء.
لذا فإن تآزر شكلية الثقافة والمثقف، والانبهار بالآخر حد التقليد الشكلي الأعمى، يؤدي بدوره الى موت الابتكار، أو اللباث في السكونية، والاكتفاء بما تدرّه علينا الثقافات الأخرى من سلوكيات سطحية معيبة.
إننا بحاجة إلى ثقافة الجوهر، بتلاقح متواصل وحر مع ثقافات العصر، وهذا لن يتحقق مع انتشار ظاهرة المثقف الشكلي الكسول، لذا نحن بأمّس الحاجة إلى حملة متواصلة، فردية وجماعية لبناء الذات الثقافية جوهريا، كي نلمس (بأعيننا وأصابعنا) تأثير الثقافة الفعلي والساخن والمؤثر في عموم مكونات المجتمع.