لمياء شمت

لمياء شمت كم يا ترى ! كم من أمثاله يا ترى قد فقدوا ستر وأمان بيوتهم، ورعاية أهلهم، وطمأنينة كنف عشيرتهم بسقوط قذيفة سادرة ضريرة الضمير!

لمياء شمت

لمياء شمت

كم يا ترى !

 

 

 

كم من أمثاله يا ترى قد فقدوا ستر وأمان بيوتهم، ورعاية أهلهم، وطمأنينة كنف عشيرتهم بسقوط قذيفة سادرة ضريرة الضمير!
وكم من أمثاله التقمت أشلاءهم الأرض ذات قذف حقود جائر، وكم قد لاذ بشقوة وقسوة مغارات وكهوف الجبال فعاجلته لدغات سموم هوام الأرض!
 وكم قد تقلب في حر الأسقام والأوجاع ولم يجد يدا تطببه، أو جرعة دواء تبلل سعار حمى جسد واهن، وصبيب عرق يتفصد من لفح ضرام الأسى وقلة الحيلة!
 وكم من أمثاله قد تشرد من عزيز حضن دياره لينزف كرامته بين هوان وعسرة كرتون أطراف المدن، تصفعه بصلفها وتلفظه هامشا، وتخفضه إلى محض رقم عابر!

 

 


 وكم يا ترى قد ذرت حفنات أرواحهم بالمجان في محارق الحروب التي ظلت تزأر فاغرة متعطشة: هل من مزيد!
 وكم نهكت غربة المآل روحه قبل جسده فلم تمنحه مجرد قبر بين آكام تلك السهوب والأحراش!
وكم من نحيل ممشوق الإرادة قد تعاهد وتواثق بليل مع أقرانه للفرار من شقاء ويباس ومذلة معسكر الإلزامية علهم يدركوا طلعة العيد بين ظل بيوتهم ونعمة أحضان أمهاتهم، فهشمهم وابل الرصاص وحصد خضرة يفاعتهم!
وكم من أمثاله قد ركب متن قوارب الموت النخرة البالية وروحه بين راحتيه، متسللا بين فخاخ الردى، هاربا من ضفة موت إلى لطمة موج، وطوق دوامات تغور بلا قرار!
 وكم من أمثاله يا ترى قد لفظته المرافئء البعيدة مستحقرة هزاله وسمرته وغربته الذاهلة!
 وكم تناوشته قساوات الأقدار لاجئا في عسار معسكر لا يكاد يجد فيه ما يقوت جوعه، أو يؤمنه من دهمة الخوف وفجأة الغدر!

 

 


وكم منهم قد خير بين الجحيمين؛ صهد الرهق اليومي الذي لا يسد رمقا ولا يحفظ كرامة، ودركات ظلمات الجريمة وقبح وفداحة مصائر العوالم التحتية!
كم وكم!
ومن هنا يشرق بهاء الرمزية هائلة التوهج، التي يكاد شعاعها يخلب الألباب قبل الأنظار؛ أن يبرز فلذاتها الطالعين كسهام الضوء من بين سدف الحلكة وأثباج الظلام، ينحتون كوات للنور في الجدار القاسي الشرس؛ "ليمر النور للأجيال".  ويضمدوا بجزيل محبتهم البارة جراح ونواح خارطة الوجع التي انجبت هممهم العنيدة، وأرواحهم الأنوفة المصادمة، وشمم جباههم السمراء؛ كما وصف امتدادها الحاذق "من شعارو دخول المآزق" صلاح أحمد ابراهيم:
 من نخلاتك يا حلفا
للغابات ورا تركاكا ..
من دارفور الحرة نبيلة
لكل قبيلة على التاكا

يخرج أمثالهم من بين وهدات الحرمان وغبشة الفقر النبيل، ومن بين دياجر العسف والظلم، تترى فيالقهم تفج الظلام؛ تتسابق فيها، يوم مراس، كل كنداكة صبيحة صلدة، وكل صيدح أغر جاسر، ليسلفوا يد عطائهم، فيخرج من بينهم من يصفع صلف عتو "الإنقاذ" وطغيانها وفجورها، ويمرغ أنف استبدادها وحيفها، وينسف مهابتها الكذوب، ويخدد دروعها، ويدك قلاع تمكينها، ويفكك بؤر فسادها ونهبها ولصوصيتها. يخلعها ويجتز جذورها، ويقتادها عنوة وهي تجرجر أسمال بؤسها ومذلتها من وراءها ليبلغها نكالها المهين، بمضاء قوة القانون وسطوته وهيبته.

 

 

 

 يقر الأعين بهالات بهاء العدالة في سعة معناها الإنساني الرحيب، التي قد تبطىء وتحتجب لكنها تشرق واضحة وضاحة لا محالة، ولو بعد حين. يبزع أمثاله من كل فجاج الوطن الصبور الحمول شاهرين وقد وسنا ثورتهم الذي لا يرنق ولا يبهت؛ حتى تكاد اللغة تتسول متوسلة وصفا يليق بجلال وجمال المعنى الفارع الوطيد الذي تجليه بساطة وعمق المأثور الشعبي المطمئن المتيقن: باكر يكبروا الصغار ويزيلوا الغبار.