كوارع مسافرة من اذربيجان الى تبليسى!

كوارع مسافرة من اذربيجان الى تبليسى! كتبها بمزاجه: د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال اليوم تشرفت او تشرفت بى حلة كوارع مدنكلة وصلتنى هدية من منطقة زاكاتلا الاذربيجانية وهى منطقة تحفها جبال خضراء تسر الناطرين .. ومن يزورها يحسب نفسه فى الجنه وهو يتجول بين شوارعها ويقطف من فاكهة على جانبي الطريق بعضها نعرفه مثل المشمش والكمثرى والكرز والتوت وانواع من الخوخ والبرقوق لم اراها من قبل وخصوصا التوت الابيض الذى لاول مرة اتذوقه فى حياتى..

كوارع مسافرة من اذربيجان الى تبليسى!

كوارع مسافرة من اذربيجان الى تبليسى!
كتبها بمزاجه: د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال

اليوم تشرفت او تشرفت بى حلة كوارع مدنكلة وصلتنى هدية من منطقة زاكاتلا الاذربيجانية وهى منطقة تحفها جبال خضراء تسر الناطرين ..
ومن يزورها يحسب نفسه فى الجنه وهو يتجول بين شوارعها ويقطف من فاكهة على جانبي الطريق بعضها نعرفه مثل المشمش والكمثرى والكرز والتوت وانواع من الخوخ والبرقوق لم اراها من قبل وخصوصا التوت الابيض الذى لاول مرة اتذوقه فى حياتى..
واذربيجان بلد فريد حيث تجد فيها تسعة من مناخات العالم ..وتجد فى الغرفة سخان للشتاء ( مدفأة) ومكيف هواء ..لذلك كان من الطبيعى ان تجد فيها معظم انواع الفاكهة والخضروات ..ولحم طيب المذاق وماء زلال يتدفق من ينابيع تشق صحارى الجبال بشكل هندسى بديع وفريد ..
واستغربت لطريقة الشواء ..فقط يضعون الملح ويضعون على الفحم كل شى حتى الكبدة و (الفشفاش) ويشهد الشواء منافسة حامية، لتقتلع كل انثى حاضرة، لزوجها جزء من بيوض الخروف!! 
وكل داء له دواء فى وديان وسهول وجبال الاذريين الخضراء العامرة بالبندق والجوز ..وازهار ورياحين وورود وياسمين ..ازهار يصنع منها شاى لكل الم ومرض..
والاجمل ان بعض الازهار تصنع منها مربي طعمها كانها من جنة الفردوس..

ان الطبيعة الاذرية الخلابة تأثيرها يخلب الالباب ..موسيقى ساحرة وحور عين ..وصهيل جياد اصيلة!!.

وبينما يدير العربان حربا اثمة بين الشيعة والسنة تأكل الاخضر واليابس واطفال غر من دارفورنا ..فان اذربيجان دولة مثل مقرن النيلين ..يلتقى فيها السنة والشيعة وقد تزوج صديق لى من اذريه ..امها سنية وابيها شيعى ساد بينهما الحب حتى انتقل الاب الى ربه ..


وقد رافقت الاسرة فى اول ايام العيد الى المقابر وهى من عاداتهم ..وقد اصروا على ان اذهب معهم ...وقد حمل الصغار الازهار والورود ..وذهبنا الى المقابر . وهى فى منطقة سهلية خضراء تحيط بها اشجار الصفصاف ..وكل مقبرة حولها مجلس!! واستغربت جلوس الاسرة كبارا وصغارا حول مقبرة كبير الاسرة والتى تحيط بها احجار المرمر ومكسوة بالرخام وحولها مزهريات حرصت زوجته على نظافتها وتلميعها وترتيب وتنسيق ازهارها بمعاونة ابناؤها واحفادها  ..وكنت المح الدموع فى مقلتيها وهى تدعو لزوجها وتغسل المرمر الذى يحيط بها وتلمع صورته التى تمت طباعتها على المقبرة!! 
وتنقل بصرى بين بقية المقابر وحولها الاسر..وعبارات وادعية وازهار وورود واشرطه ملونه ..وكانك فى معرض للزهور والورود والفنون ..سالت صديق لى هل هذه مقبرة خاصة بالشيعة . استغرب سؤالى كثيرا . وقال انهم لايفصلون بين الشيعة والسنة واشار الى الاسرة التى رافقتها للمقابر ..الام سنة وابناؤها اثنان احدهما سنة والاخر شيعة وبنتها سنة ..والاب الذى نزور مقبرته شيعى ..
تذكرت لحظتها اعيادنا زمان ونحن اطفال فى دنقلا ..حيث يبدا صباح العيد بزيارة المقابر وتحرص جدتى المحسية المهيبة بابا ماشى طيب الله ثراها على حمل (مجوز) كبير من ( المنين) الرطب، لتوزيعه على الفقراء  وجريد نخيل اخضر ..وتتجمع كل الاسرة صغيرا وكبيرا فى انتظار سيارة الفولجا لجارهم طه واللاندروفر لصادق محمد اسماعيل..ونذهب الى ( ترب)  قيامة ..وهنالك كان يقيم رجل تحوم حوله واسرته كثير من قصص الاساطير والخرافات، وهو غريب الاطوار والافعال ولا يخالط الناس قط، وقد قامت اسرته بحراسة المقابر والسكن فيها، وينادوه " ابوسفة " ولا احد يعرف اسمه الحقيقى ومن اين جاء وكيف ومتى!! ..تذهب عنده جدتى وتحضر ماء تبلل به قبر جدى والاعزاء فى اسرتها وتضع بحب وحنية جريد النخيل فى اطراف القبر وتملا انية فخارية بالماء فى مقدمته.. وكنت حينها اسال نفسي: عن علاقة ذلك بالطقوس الفرعونية ..ويذهب خيالى بعيدا الى اسطورة " عروس النيل" حيث يقوم الفراعنه كل عام باهداء النيل اجمل البنات ..قربانا للنيل!! وخوفا من غضبه ..وحرده وفيضانه!!  فهاهى جدتى تتمتم وتدعو هنا وهنالك ...وجدتى ايضا خليط بين هذا وذاك فعند ختانى علقت فى اعلى فراشى كمية من الخرز ..ورفضت لاى عابر للنيل يومها ان يدخل على حفيدها خوفا من ان " يكبسه" ..وكنت ايامها وبعقلى الطفولى فرحا جزلا بالحنة والضريرة والخرز فى يدى والهلال فى جبينى بالحريرة وتفوح منى رائحة جميلة وانا رافعا ( عراقى السكوبيس) الابيض الخفيف ..وكنت الح فى السؤال لجدتى لتبوح لى عن سر احتفاظها بذلك الجزء الذى قطعه الطهار بغته مع صوت بندقية عمنا عوض حسن، طيب الله ثراه ..وانا على تربيزة عالية ..كنت ارى النسوة فى بلادى يقمن فيها " بفتح الفطير" ..سألت جدتى لماذا تحتفظ بها وماذا سوف تفعل بها، فاجابتنى بانها سوف تصنع بها ملاح ويكة حلو ولذيذ ..ولم يتقبل عقلى حديثها.. 
وجدتى ايامها تطعمنى من لحم الغزال والقطا..وانا عريس صغير فى جبينى هلال وفى يدى حرير .. 
نرجع الى مقابر "قيامة: يوم العيد فى مدينتنا  الجميلة الواقعة على شاطئ النيل والسرايا واشجار الزونيا اللذيذة ..وفيها احد اقدم مساجد العالم ..
فى مقابر "قيامة" ..كان الاطفال بملابسهم المزركشة يتقافزون حول الكبار المشغولين بالدعاء والتنقل بين مقابر الاعزاء ..وهم يحفظون المقابر رغم انها ليس بها " شواهد" بها اسماء ولكنهم يعرفون كافة المقابر ومن تضم بداخلها .. لحظتها انتبهت الى ان والدى ليس معنا وانا شديد الارتباط والحب له ..لمحته هنالك يقرا الفاتحة على مقبرة ..وعندما وصلت عنده . سالته عن صاحب المقبرة فاجابنى بانها لاعز صديق له وهو عوض عبدالقادر والغريبة ان كلاهما يحمل نفس الاسم  ..رحمة الله عليهما وغفرانه ورضوانه ...

لا ادرى كيف سافرت بى الكوارع الاذربيجانية التى وصلتنى وانا فى تبليسى العاصمة الجورجية واكلت منها حتى "عرقت" وسطلتنى بصدى الذكريات ..
تلك الكوارع المدنكلة عادت بى الى زاكاتلا فى اذربيجان ..واهاجت الذكريات فارجعتنى الى دنقلا يوم عيد الفطر ..
وهذا كله كوم وصحن "المرارة" الذى رايته على صفحة الصديق مكرم كوم اخر ..
فقد كاد الاصحاب فى زاكاتلا ان يهربوا منى وانا اتناول كبدة نية بالليمون والبصل والشطة ..
وان كان صديقى الذى لن اذكر اسمه يردد دوما بان من لم يتزوج مغربية فهو اعزب ..فانى اجزم بان من لم ياكل اللحم الاذرى فانه يتيم الذوق!!.

د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال