قصة كتاب

قصة كتاب بقلم : زين العابدين الحجّاز كتاب القلق ( The Book of Disquiet ) (كتاب القلق) و أحيانا يترجم (كتاب اللاطمأنينة) عبارة عن مذكرات للشاعر والكاتب البرتغالي (فرناندو بيسوا) . قام أصدقاؤه بنشره في عام 1961 واحتوى على مذكرات الكاتب ابتداءً من عام 1912 عندما كان في سن الرابعة والعشرين حيث توقع اندلاع الحرب العالمية الأولى

قصة كتاب

قصة كتاب

بقلم : زين العابدين الحجّاز

كتاب  القلق  ( The Book of Disquiet )

 

 

 

(كتاب القلق) و أحيانا يترجم (كتاب اللاطمأنينة) عبارة عن مذكرات  للشاعر والكاتب البرتغالي (فرناندو بيسوا) . قام أصدقاؤه بنشره في عام 1961  واحتوى على مذكرات الكاتب ابتداءً من عام 1912 عندما كان في سن الرابعة والعشرين حيث توقع اندلاع الحرب العالمية الأولى . أساسا كتب (بيسوا) هذا الكتاب لنفسه تحت الاسم المستعار (برناردو سواريس) ولم يتم نشره حتى ما يقرب من نصف  قرن بعد وفاته عام 1935 . على الرغم من صعوبة تحديد شكل الكتاب إلا أنه يقرأ  كمذكرات أو يوميات عن حياة (بيسوا)  التي تبدو عادية  حيث كان يعمل كمساعد لمحاسب في لشبونة . أصبح الكتاب معروفا بأنه عمل عظيم في الأدب العالمي بسبب وصفه البسيط والمؤثر للحياة العادية لمواطن برتغالي من الطبقة الدنيا . تم نشر الكتاب بعد وفاة المؤلف وهو ليس بكتاب بالمعنى العادي للكلمة . لقد أنجز (فرناندو بيسوا) هذا الكتاب الرائع المتمثل في كشف الكلام الفلسفي بالتقريب كي يقيم في طياته كإنسان عادي بل بوسعنا أن نقول كإنسان معين .. إنسان كان يكتب هذه اليوميات لمدة سنوات ولا ينشر منها شيئا أو بعض الشيء . يقول ذلك الإنسان  في تلك اليوميات .. يوميات ألم الوجود في العالم بفم مفتوح كالجرح : " الكتابة بالنسبة إلي تعني بأن أهين نفسي لكن ليس باستطاعتي  الإمساك عنها . الكتابة كالمخدر الذي أشمئز منه ومع ذلك أتناوله كالمنكر الذي أحتقره ولكنني أنغمس فيه " . هذا الكتاب هو نص نثرى يخلد يوميات عاشها الكاتب الذى كان يهرب من واقعه المحفوف بآفات القلق و اللاطمأنينة والضجر والقنوط والانكسار فاسم الكتاب يصف حالة (بيسوا) فى حياته غير المطمئنة  لكل شيء . كتاب يأخذك فى رحلة لمحاولة إكتشاف ما يدور داخل نفس الكاتب و فكره و مراقبة ما يطرأ عليه من تغيرات فى سعى لإستخلاص حقيقته . تميّز هذا الكتاب أيضاً باسلوب كتابته فالسرد كان ذاتيا بحتا حيث يروي الكاتب مقاطعا مجزأة من ذكرياته موظفاً في ذلك أسلوبا نثريا متطورا في الوقت الذي يحاول فيه كسب تعاطف القارئ من خلال صدقه وأحزانه .  إنه كتاب مجزأ للغاية و مقسم إلى عدد كبير من المقالات التوضيحية التي يتردد صداها في المحتوى  بين الشعر والنثر . الموضوع الرئيسي الذي يربط بين كل المقالات هو عدم قابلية التعبير عن الحياة الاستبطانية التي حاول (بيسوا) التعبير عنها باستخدام البساطة والاقتصاد في السرد . ومع ذلك و في نفس الوقت فان العمل معقد للغاية وغالبا ما يوصل القارئ إلى بعض أفكاره فقط بعد صراع لفظي . في حين أن بعض المؤلفين قد يستخدموا الانزلاق الدلالي أو الوسيط اللفظي الذي يتفاعل بين الشعور والرؤية  لكن (بيسوا) قد وضع كل أفكاره على صفحة لكي يتم  تخمينها مشيرة إلى رابط بينها .بعض الحجج والأفكار التي قدمها (بيسوا) قد بدت غير منطقية  وهي تبدو منطقية فقط بعد أن نقوم بتعطيل طبيعتنا المدربة على الحجة الواضحة والشكل الجيد . على سبيل المثال  قال ذات مرة بأن قلب الإنسان سيتوقف إذا أصبح قادرا على التفكير . هنا قام بأكثر من إعادة النظر في الوصف الكلاسيكي للقلب كموقع للحب البشري مقترحا بدلا من ذلك حياة عاطفية تعددية ومكثفة. رفض (بيسوا) أيضا تلك المقولة الشائعة بأن البحث عن الذات هي عملية سعيدة لكن من وجهة نظره  فإن البحث عن الذات يؤدي إلى العزلة والألم .  تبدو مقالات (بيسوا) منفصلة عن الكثير من محتواها حتى مع استمراره فيها . في كثير من الأحيان كان يستخدم صورا للإنفصال والانقسام حين قارن نفسه بتوأم سيامي  للإشارة إلى انفصاله العاطفي عن أهداف خياله . ذكر أنه يعاني من صداع مزمن  لكنه يساوي هذه الأعراض بحقيقة وجوده في الكون وبالتالي إجباره على التفكير فيه . قارن تجاربه بصداع التفكير العميق الذي يشبه الحلم سواء أن  كانت عن الأماكن  القديمة غير المفهومة حول مدينة لشبونة أو المقاهي والأماكن الحالية فيها . تناولت بعض مقالات (بيسوا) الأدباء الذين يحبهم وشملت (شكسبير) و(ميلتون) و(ديكنز) و(دانتي) . على الرغم من أنه قد رفع من مكانة أولئك  المؤلفين إلا أنه كان مستعدا بنفس القدر لنقدهم سلبيا . في مقطع واحد وصف رواية (شكسبير) الملك لير بأنها معيبة  بينما عبر عن حبه للروح الإبداعية التي كتبت بها . كما ناقش حبه  لكلاسيكيات (فيرجيل) و (هوراس) و(هومر). بعض الكتاب كانوا  أكثر غموضاً في نظره بما في ذلك (استيفان مالارمي)  و(هاينريش هاين)  . لم يفكر (بيسوا) قط في الأجزاء التي ستشكل في يوم ما (كتاب القلق) وتصنع منه كتابا . ومع ذلك  فإن حقيقة ارتباط الأجزاء في نهاية المطاف بجزء واحد كان بمثابة دليل على خصائصها المتماسكة العديدة . من المحتمل أن تكون السخرية أكبر عندما نتحدث عن التناقض الذاتي لشخصية (بيسوا) الذي لم يتم التعبير عنه علنا أبدا و هو أن اسم (بيسوا) باللغة البرتغالية  يترجم إلى اسم (شخص) باللغة الإنجليزية . لم يكن (بيسوا) الذي وصف نفسه في كثير من الأحيان بأنه بالكاد يشبه الكائن البشري فقد كان غير قادر على إنكار الروابط الشخصية التي ستربطه عبر الزمن مع قرائه وبقية البشر .

 

 

إقتباسات من الكتاب :

# الأدب هو الطريقة الأكثر قبولا لتجاهل الحياة .

# هناك سفن تبحر إلى العديد من الموانئ  ولكن ليس هناك واحدة منها تذهب حيث لا تكون الحياة مؤلمة .

# استيقظت في وقت مبكر واستغرقت وقتا طويلا في الاستعداد لكي أشعر بأنني موجود .

# روحي هي أوركسترا خفية. أنا لا أعرف ما هي الآلات الموسيقية  وما هي القيثارات والطبول التي أسمعها وأتفاعل معها . كل ما أسمعه هي سمفونية .

# أعاني من الحياة ومن الآخرين . لا استطيع النظر الى الواقع وجها لوجه وحتى الشمس تثبطني وتحبطني . فقط في الليل وأنا وحدي انسحب وأنسى وأفقد أي صلة بأي شيء حقيقي أو مفيد . عندها فقط أجد نفسي وأشعر بالراحة  .

# إننا نعبد الكمال لأنه لا يمكننا الحصول عليه و إذا كان لدينا  فإننا سنرفضه. الكمال غير إنساني  لأن الإنسانية غير كاملة .

# لقد حلمت كثيرا. لقد تعبت الآن من الحلم لكنني لم أتعب من أن أحلم . لا أحد يتعب من أن يحلم  لأن الحلم هو النسيان والنسيان لا يثقل علينا . إنه نوم بلا أحلام نبقى مستيقظين طواله. في أحلامي حققت كل شيء .

 

 

 

# إن الكتابة تعني النسيان والأدب هو الطريقة الأكثر قبولا لتجاهل الحياة . الموسيقى تلطف والفنون المرئية تفرح والفنون المسرحية مثل التمثيل والرقص ترفه. ومع ذلك  يتراجع الأدب عن الحياة و يتحول إلى سبات . الفنون الأخرى لا تقوم  بمثل هذا التراجع - بعضها لأنه يستخدم صيغا مرئية وبالتالي حيوية  والبعض الآخر لأنه يعيش على حياة الإنسان نفسها .هذا ليس هو الحال مع الأدب لأن الأدب يحاكي الحياة . الرواية هي قصة ما لم يحدث  والمسرحية  قصة بدون رواية . القصيدة هي تعبير عن أفكار أو مشاعر و لغة لا يستخدمها غير شاعرها لأن لا أحد عادة يتحدث من خلال أبيات شعر  .

# لايوجد لدي أصدقاء بل عدد قليل من المعارف الذين يتخيلون بأنهم يشعرون بشيء ما نحوي والذين قد يشعرون بالأسف إذا ما دهسني قطار وكانت الجنازة في يوم ممطر .

 

 

 

عن الكاتب :

(فرناندو بيسوا) هو شاعر وكاتب وناقد أدبي و مترجم و فيلسوف برتغالي يوصف بأنه واحد من أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين وواحد من أعظم شعراء اللغة البرتغالية كما أنه كتب و ترجم من اللغة الإنجليزية و الفرنسية . ولد في لشبونة عام 1888 وتوفي والده وهو في الخامسة من عمره . تزوجت والدته مرة ثانية وانتقلت مع عائلتها إلى جنوب أفريقيا حيث التحق (بيسوا) بمدرسة إنجليزية وعندما كان في الثالثة عشر من عمره عاد إلى البرتغال لمدة عام ثم عاد إليها بشكل دائم في عام 1905. درس في جامعة لشبونة لفترة قصيرة وبدأ بنشر أعماله الأدبية بعد فترة وجيزة من عمله كمترجم إعلاني . في عام 1914 بدأ بنشر أعماله بأسماء مستعارة وهؤلاء شخصيات عديدة قام (بيسوا) باختراعها ومنحها أسماء وميز آراء كل منها السياسية والفلسفية والدينية  وقد قام كل من هؤلاء  بالكتابة أو الترجمة أوالنقد الأدبي ومن أشهرهم (ألبرتو كاييرو) و (ريكاردو رييس) و (ألفاردو دي كامبوس ) و (برناردو سواريس) . توفي (بيسوا)  في عام 1935 . بعد وفاته تم العثور على حقيبة له تحتوي على أكثر من 25000 مخطوطة عن موضوعات مختلفة منها الشعر و الفلسفة والنقد وبعض الترجمات والمسرحيات كما أنها إحتوت على قوائم لأسمائه المستعارة وهي اليوم محفوظة في مكتبة لشبونة الوطنية ضمن ما يعرف بـ " أرشيف (بيسوا) " .