قراءة المنجز الثقافي في نصوص عثمان جمال الدين المسرحية

قراءة المنجز الثقافي في نصوص عثمان جمال الدين المسرحية أبو طالب محمد مهاد توضيحي: تتطلب دراسة المنجز الثقافي في نصوص عثمان جمال الدين المسرحية قراءة مُستبصرة لمرجعيات المنتج الثقافي نفسه الذي شكل الكاتب بإعتباره المنبع المتحول بصورة مدروسة

قراءة المنجز الثقافي في نصوص عثمان جمال الدين المسرحية

قراءة المنجز الثقافي في نصوص عثمان جمال الدين المسرحية

                                                                         أبو طالب محمد

 

 

مهاد توضيحي:

تتطلب دراسة المنجز الثقافي في نصوص عثمان جمال الدين المسرحية قراءة مُستبصرة لمرجعيات المنتج الثقافي نفسه الذي شكل الكاتب بإعتباره المنبع المتحول بصورة مدروسة بعمق في منجزه المسرحي. تأثر الكاتب بكتاب طبقات ود ضيف الله ونهل من محتواه رؤى فاحصة في دراساته الثقافية ونصوصه المسرحية.

استلهم منه أفكاراً نقدية وطد مفاهيمها إطاراً ومحتوى، وتمظهر ذلك عبر دراسته للفولكلور وهو بوابة ولوج إلى قراءة المجتمع السوداني من منظور أبنية نصوصه المسرحية، والتي بدورها استوعبت حراكه المتفاعل ثقافياً، وسياسياً، وجمالياً، ودينياً، وفنياً، واجتماعياً ومظاهر تشكل هويته.

وأهتم في دراساته "الفولكلور والمسرح في السودان، دراسات في كتاب الطبقات، خيال الظل، إشارات مسرحية" باستكشاف الأنساق الثقافية المتنوعة وربطها بمسارات منهجه المؤسس فهماً وتفسيراً رابطاً ذلك بثقافتي النخبة والشعبوية.

وتعامل في نص البوابات، وسلمان الزغرات، وطائر الصدي المفقود، وإرهاصات ماكبث، والصرصار كخطاب أدبي له جماليات فنية ذات صلة قوية ببنية المجتمعات السودانية تاريخياً وسوسيوثقافياً.

 

 

مسرحية البوابات:ه

قراءة في مشهدية الصورة والصوت:

استهل نص البوابات مشهديته المرئية بإيقاعات طبول متداخلة مع إيقاع طار نوبي ثم امتزجتا بموسيقى آلة أم كيكي.

قصد المؤلف تهيأة القارئ أو المشاهد الولوج إلى فضاءات النص عبر استهلالات الصورة والصوت كإيقاعات عامة يجمع قاسمها المشترك وحدة الإيقاع في التذوق، وفي ذات الوقت خصص إدخال إيقاع نوبي مع صوت آلة أم كيكي ليوضح تداخل الثقافة الأفروعربية.

أراد النص الإشارة لثقافات متعددة تجمعها إيقاعات موحدة ومختلفة في آن.

دخول الشيخ حسن ود حسونة إلى الخشبة ليس دخولاً من ناحية جغرافية الكواليس فحسب، إنما دخوله يعني بنائه كشخصية متولدة من مشهدية الصورة والصوت كرسالتين دلتا على ميلاد شخص متصوف يعكس أو يوضح الوجه الحقيقي للإنتماء الصوفي ببعده الإسلامي في مجتمعاتنا السودانية، وهو مدلول يحمل معرفة دينية تكثف مشهدية الاستهلال ببعد معرفي مقرُوء.

فعل الحركة وبناء المكان:

مشهدية ثانية يضع من خلالها المؤلف فعل درامي في حيز متحرك ينتج عنه مكاناً يصبح لاحقاً مسرحاً أو فضاءاً للأحداث الدرامية أو لقاءً لثقافات متجانسة.

بناء شخصية الشيخ حسن ود حسونة ترجح فضاء المشهدية إلى دخول الطرق الصوفية إلى مكان لم تنشر فيه أفكار التصوف من قبل.

جاءت بنية المكان تُثبت قدومه من جزائر الأندلس كبوابة ينشر عبرها محمول رسالته التي يستهلها.

بقوله ((الشيخ)): أخيراً حضرت أيها الإنسان... أخيراً جئت... وتسأل من أين؟

هاتان المشهديتان اتكأ عليها النص في مشاهد فضائه المعرفية طارحاً تساؤلات لحوارٍ دراميٍ بين الإنسان كشخصية متناسلة في جسد النص تتلقى رسالة المعرفة الدينية عن شيخ ورع ملم بعلوم الدين.

وعليه انفتح النص على مرجعيات لم تفتتح كعفو الخاطر إنما جاءت بطريقة مقصودة نسبة للفضاء الديني الذي إلتزم به النص في المشهديتين، وهي عبارة عن مفردات تحيل مباشرة إلى قصص ومواقف وارد ذكرها في المُنذل الديني مثل القلم والعصا والموت والصلاة ملح أجاج وهي مفردات يرددها الشيخ أحياناً.

منطوق حواره "الشيخ" يوضح أنه من أديم هذه الأرض أي وجهها الذي انتشر فيه البلاء والشدة والمحن، كأنه رمز خلاص يخرج الناس من الظلمات إلى النور أي من محن ابتلوا بها، حتى صارت مقوداً توجه طريقة حياتهم حثيما تريد، نموذج يوضح ذلك.

الشيخ: إياكم والقول الني إن العمر قبل المحنة زائل... وبعد المحنة عتبة صبي.

الإنسان2: لكن المحنة قالت.

الشيخ: ماذا قالت.

الإنسان1: تصالحوا.

الإنسان2: تصالحنا.

الإنسان3: سلموا.

الإنسان4: سلمنا.

الإنسان1: تفرقوا.

الإنسان2: تفرقنا.

الإنسان3: بايعوا.

الإنسان4: بايعنا.

يوجه الشيخ خطاب مباشر كأنه بمثابة وقع الضرب الذي تسبب فيه الإنسان تجاه الطبيعة بقوله:

وليحمل منكم ما يقدر منكم وماذا حملتم معكم أكفانكم؟ النخل في عليائه يئن منكم... الأبنوس صار بنفسجياً... الهجليج نزف حليباً مراً... التبلدي تمخض فولد حسكنيتاً... إلا بريق ماؤه ملح أجاج.

يستقرأ هذا القول ضمن الأحداثيات التي لحقت بصورة الطبيعة من دمار في واقعنا المعاصر سواء كان في شمالها أو غربها أو جنوبها.

أخذت رسالة الشيخ حسن ود حسونه في فضاء النص بعدين متقاربين أولهما:

بوابات جزائر الأندلس التي عبر الشيخ من خلالها إلى مكان ما قاصداً نشر رسالة التصوف، مما جعله مشاركاً الإنسان حياته ومقترباً منه، لأنَّ شخصيته لا تتجزأ من واقعه وتفكيره.

 نلاحظ أن النص استصحب في فضائه الصوتي والصوري بطبول وآلة موسيقية أفريقية، وهي طريقة في حد ذاتها أتبعها المؤلف في كيفية نشر رسالة الشيخ حسن ود حسونة من تعاليم أوراد ومبادئ المتصوفة مما عمق مقولات النص بتجذيره لأثر التراث الموسيقي الأفريقي في نفوس الشخصيات، وهي طريقة ترجح منابعه ومصادره المستعان بهما عن المنهج الصوفي في حشد الناس لإذكاء روح المشاركة.

الثانِ: بوابات النيل التي تظهر فيها الدميرة.

ونتج عن ذلك خلق شخصية معاصرة لواقعنا ومستدركة لأسباب المحن ومستبصرة مقترحات الحلول التي يرى أن النيل كمكان يقصد به الأمان وعلامة دالة على الطين الأخضر حينما تفتح بواباته قبل موسم الدميرة.

نستخلص مما سبق:

  • البعد الصوفي فتح لنشر تعاليم الدين.
  • النيل فتح لمصدر تعايش سلمي.
  • الموسيقي الأفريقي ربط بين البوابتين، البوابة الأولى طريقة التجمع والمشاركة المتبعان في النهج الصوفي.

البوابة الثانية: الطبول والطار لهما دور في تعميق روح المشاركة المتضامنة بين الثقافات الأفروعربية.

 

قراءة محتوى مسرحية الصدى المفقود

تطرح المسرحية أفكاراً جوهرية تتمحور حول فقدان الإرث الثقافي القومي مع إصطدامه بالهيمنة التكلنولوجية، وهما فكرتين أساسيتن تتصارعان من أجل البقاء والسيادة للأقوى في بنية النص.

تستقرأ عبارة الصدى المفقود بوجهين أثنين أولهما: ظاهرياً يستدل بفقدان الثقافة القومية واستبدالها بإنعكاس أصواتها مع التناحر العولمي. الثانِ: طرح ضمني سائد في بنية النص، ومردوده يسترجع إلى بنية الثقافة القومية العربية، وهو بنية لخطاب ثقافي يرى أنَّ ثقافة الشعوب تحمل في رسالتها إرث ثقافي متجذر لديها عبر حقب تاريخية.

إن الثقافة القومية العربية تختلف عن غيرها من الثقافات في كونها ليست بقايا ثقافة للماضي، بل هي تمام هذه الثقافة وكليتها. تتمركز بقوة خطاب ثابت بحيث أن صروف الدهر وتقلبات الأحوال لم تنل منها، حتى في الفترات التي شنَّ فيها الاستعمار الغربي للبلاد العربية هجوماً قوياً عمل الكثير من أجل ضرب الهوية القومية من خلال تشويه تاريخها بالكيفية التي يراها، بيد أنه لم يستطع تدميرها ولا طمس معالمها، لأنها لم تكن مجرد بقايا أو آثار لبنيات ثقافية قديمة.

يقودنا الاستشهاد في هذا الطرح إلى ترديد الصدى المفقود في محتوى المسرحية، حيث نجد الكثير من الحوارات والجمل التي تفصح بها الشخصيات بمثابة احتفال بإرثها القومي ومكمن اعتزاز وهي خصوصية ثقافية ناتجة عن مكونات الذهنية العربية نفسها، لأنها خصوصية تميزه، عن غيرها في علاقتها مع إرثها الثقافي القومي. عاشت الشخصيات في بنية النص تراثها ومفرداته وأطروحاته مما ولد لديها هموم وقضايا تخص الثقافة العربية جمعاء.

استحضر منطوق المفردة في النص عودة أبوزيد البسطامي في فتوحاته، وذكر عنترة وعبلة تأكيداً لمنجز ثقافي مهمين ومتفاعل وحي، ولم تكن الشخصيات ذات شعور بالغربة أو الغرابة بل ظلت في بنائها تصارع من أجل الحضور والبقاء لأن منجز خطابها يمتاز ببنية مرجعيات ثقافية ديناً وفكراً بثبات.

.

 

بنية الصوت في مسرحية الصرصار

مسرحية من فصل واحد تداخلت فيها عناصر مشهدية مرئية من خلال طرح موضوعي لسيرة غيرية للمواطن ج. ع. ع، ولحقها المؤلف بعنوان آخر أو فرعي أطلق عليه الصرصار.

أسس المؤلف للمشهدية عناصر بصرية وصوتية ليؤكد مدى تفاعلها مع تناول الجانب السيري الغيري للمواطن ج.ع.ع أضاف للمرئية خلق مكان عبارة عن مذبلة من النفايات المتنقاه.

تأسيس المكان له مدلولان:

الأول: مدلول تتعايش فيه الصراصير بإعتبارها من الكائنات التي تعيش في أي مكان بذات الأمكنة الخاصة بمكبات النفايات والمذابل.

الثاني: مدلوله ارتبط بحياة المواطن ج. ع.ع كشخص له اسهام في الحياة السياسية والاجتماعية أحيل إلى الصالح العام أو تم إخراجه من لائحة مؤسسة بعينها.

مدلول الصوت:

لعب الصوت في النص المرتكز البنيوي الذي استند عليه بمستويات مختلفة بدءاً من الصرصار والمروحية fand out –faind in  والانفجار.

هذه المستويات خلقت نوع من الفزع والصخب لدى المواطن ج.ع.ع.

الصرصار سمي صوت صريراً أو صرصرة- يقال صرَ يصرُ صريراً أو صرصرة وهو آفة رافقت المواطن.

حدوث حالة الانفجارات خلقت حالة رهبة وفزع لدى المواطن. أما الصرصار ككائن صغير الحجم سريع الخطى يستطيع أن ينجو من أي انفجار نووي خلافاً للكائنات الأخرى.

مصدر الصوت الانفجاري أسس للغة حوار درامي القصد منها خلق تواصل بين المواطن والصرصار باعتباره عائشٌ منفردٌ في مكان منعزل لا رفيق له سوى الصرصار برغم أن الصرصار نفسه مصدر إزعاج لكنه في لحظة حدوث الانفجارات صار رفيقاً له في وحدته.

بلغة تفاهم توضح ذلك:

المواطن: أصمت يا صرصار السوء قلت لك مائة مرة أن تصمت عندما يأتون "لغة تخاطب تحذيرية".

تضاف إلى المشهدية الأولى مصادر أصوات أخرى يؤسس عليها النص أطروحاته الدرامية. راديو، تلفاز وهي لم تكن مساهمة أو دافعة الحدث نحو تكثيف حالة الرعب لكنها مصادر صوتية تصدر أصوات غير محببة مثل طنين الذبابة ويقول عنه المواطن: الذبابة التي في شاشة التلفزيون... التلفزيون الذي ما احتمل الصبابة فقتل مستقبل البراةء...

اعتقد أن مصدرية صوت التلفاز تحيل إلى المنتوج المبث عبر فضاءات مرئية مختلفة وبثها لرسالة تحمل فعل قتل لأبرياء وإنفجارات مما جعل التلفزيون لم يحتمل بث الصبابة أو الشوق أو رقته أو حرارته وألحق بجزئية مدلول آخر لها أرتباط باستبعاد المواطن ج. ع.ع من اللائحة طوعاً، قهراً، حباً، كرهاً فأذهب أنت جنوباً، شرقاً، غرباً إلى البطانة.

نسق بنيوية النص تداخلت بين مونولوج المواطن ج. ع. ع وبنية الأصوات التي تصدر من الصرصار.

  • الصرصار+ مخلفاً ضوضاء.
  • صوت الصرصار+ مغطياً صوت الانفجار.
  • الصرصار يعلو ثم ينخفض+ تداخل مع صوت المروحية.
  • الصرصار يرتفع + مصطدم مع صوت المروحية.
  • الصرصار يتداخل مع صوت المروحية – انفجار، ثم يتبعثر المكان+ تداخل صوتين.

نسق هذه البنيات الصوتية ساهم في ملء فضاءات المكان برؤية خيالية قرأت واقع المواطن ج. ع. ع من منظور سيرة غيرية أقرب في تناصاتها مع رواية "الإنسان الصرصار" لدوستوفيسكي لأنها رواية جاءت في شكل مذكرات من العالم السفلي أي سيرة غيرية لإنسان عمل موظفاً وعزل عن مهنته وأصبح متقاعداً.

وجه الشبه بين النصين السيرة الغيرية التي كتبها دوستوفيسكي في رسائل من أعماق الأرض لمسيرة إنسان، والسيرة الغيرية التي كتبها عثمان جمال الدين للمواطن ج. ع. ع. وهما "المواطن وإنسان دوستوفيسكي"، انضما سابقاً في حياتهم المهنية إلى مؤسسات وتم استبعادهما بفاعل.

 احتفظ نص دوستوفيسكي ببنية التأليف السيري للمذكرات الغيرية.

أما نص الصرصار نص مسرحي كتب بطريقة الإخراج المسرحي وهيمن على بينة تأليفه إدخال عنصر أساسي من تقنيات العرض المسرحي هو "الصوت"، كمرتكز للبنية الأدبية للنص، مما ساعد على انفتاح العناصر الدرامية الأخرى على فضاء الصوت بمدلولات مقروءة سياسياً واجتماعياً.

محمول لغة المواطن وحواره يدلان على عمق ثقافته وأثره وثقله في المؤسسة التي استبعد عنها نسبة للانقسامات التي حدثت فيها والاقصاءات بين المتنمين إليها.

تقاربت شخصية المواطن ج. ع. ع ورمزية مقولاته وبناؤه مع شخصية واقعية لعبت أدواراً في الحياة الثقافية حيث عمل مترجماً وصائغاً لإحدى شعارات الثورات السياسية المشهود لها بالتغيير. وثم انتكست حياته بسبب سياسات الاستبعاد من اللائحة التنظمية وقضى بقية حياته في مصلحة نفسية.

سخر المؤلف في مسرحيته من طريقة الإقصاء مما جعله يبني شخصية المواطن برمزية درامية تلخص حياة كوادر مثقفة خدمت مشروع لوائحها التنظيمية بوعي تنويري ونالت مقابله سياسات التهميش والإقصاء.

 

 

 

 

 

مسرحية سلمان الزغرات

مسرحة التاريخ الثقافي

شهدت ساحات التأليف المسرحي في السودان مرجعيات ثقافية متعددة ومنفتحة على قراءة الحاضر المعاصر من باب ماضيه التاريخي. حيث شكل عصر سنار الرجوع الحقيقي لبعض كُتَّاب المسرح السوداني حضوراً مميزاً حتى استلهموا من معارفه ومجتمعه وثقافته قضايا مُلحة كونت معالم هويته الأفروعربية.

أعادت مسرحة سلمان الزغرات قراءة التركيبة الإثنية للإنسان السناري عابرة بالخطاب الثقافي لحاضرنا الراهن.

نتجت قضية مسرحية التاريخ الثقافي لنص سلمان الزغرات من بحوث ودراسات خاصة بالمؤلف مسرح- فلوكلور- أثر كتاب طبقات ود ضيف الله، بمعني أن نص المسرحية جاء محملاً برؤى ثقافية سابقة لميلاده.

جاء بناء النص حاملاً أوجه سمات الطرق الصوفية ورسالة شيوخها مما طغي حضورهم في بنية النص، حتى بناء الشخصيات بمسماها الحقيقي –الهميم، بانقا، سلمان، تاج الدين البهاري، منانة، وغيرها، وهي شخصيات تطل من المستقبل، بإعتبار أن ماضيها أهتم بحياة الإنسان السناري بثقافته وتعليمه وإرشاده وخوفه وأمنه ومصدر نسيجه المتداخل.

مثل حضور كتاب الطبقات في بنية النص مصدراً معرفياً في حواريته وبناء شخصياته ومنجز تاريخها الثقافي المستعار من حياة سلمان الزغرات، مما تحاور فضاء النص مع ما ورد في كتاب الطبقات بأوجه نقدية قاصدة تقرأ منجزات التاريخ الثقافي ومدى تفاعله مع الحاضر، وفي الوقت نفسه احتفى النص بتحولات سلمان الذغرات من بابكول فاسق ((ساقي المريسة)) إلى شخصية سالكة طريق القوم ومستقطبة مريديه لإتباع نهج الدين الإسلامي الجديد.

جاءت مصدرية النص مقروءة وفقاً لخطاب ثقافي ما زال أثره متفاعلاً إلى اليوم، مما دعى النص مجسداً مؤسسة الخلوة والفكي والكرامات كمنجز ثقافي لمكون الثقافية العربية كدعوة قدمها النص بوشائج متقاربة مع المنهج الديني التعبدي المرتبط بالأذكار والأوراد الناتجة عن تاريخها الثقافي.

أحال النص قراءة المنجز الثقافي عن مرجعية انتشار الطرق الصوفية وتمكين طريقة المتصوفة من بلوغ الأثر في أوساط الناس والمجتمع وإلتصاقهم بحياتهم اليومية وإرتباطهم بهمومهم وآلامهم ومخاوفهم ومعالجة أمراضهم حتى صاروا ملاذاً من البطش وقسوة الحكام.

شكل خطاب النص سمات البداية الفعلية والحقيقية لسودان اليوم أولاً، مثل انتشار الثقافة العربية والدين الإسلامي وظهور شيوخه الذين ساهموا في نشرهما ثانياً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

استنتاجات ختامية:

وصلت هذه الدراسة لاكتشاف المعطيات الثقافية في متن نصوص عثمان جمال المسرحية، وهي جديرة بقدر ما كانت تستهدف قراءة المنجز الثقافي في مبانيها إطاراً ومحتوى وتحديد سمات أطروحاته ومفرادته الثقافية وخرجنا باستنتاجات موضحة كيفية إعادت المنجز ومقارنته بين زمنيين ماضي وحاضر:

أولاً: أثرت تجربة الكاتب البحثية في مجال الفلكلور نصوصه الإبداعية بصيغة فنية مستندة على إحالات مرجعية ثقافية.

ثانياً: تأثر النصوص المسرحية بكتاب طبقات ود ضيف الله ومع وجود أصداء وإشارات للفتوحات المكية لإبن عربي.

ثالثاً: أبرزت هذه القراءة توافر أشكال مسرحية في بنية النصوص حكواتي- راوي- فرجة.

إحالات مرجعية:

*إحالة: سعيد بنسعيد، الأيديولوجيا، التراث تحديث العقل العربي، ((دراسة))، مجلة الوحدة العربية مجلة فكرية ثقافية تصدر عن المجلس القومي للثقافة العربية، العدد 26/27، 1986، ص205.

* محمد عوض عبوش، بين سنار والخرطوم، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2015، ص 30-36.