مسامرات زمن حظر التجول

مسامرات زمن حظر التجول ابو ظبي إمارة في الخاطر. عثمان أحمد حسن. كنت في الحافلة متوجها من أم درمان الي ضاحية كافوري بالخرطوم زبحري، الساعة الحادية عشرة و الثلث صباحا، تعطلت الحافلة عند محطة المؤسسة

مسامرات زمن حظر التجول

مسامرات زمن حظر التجول
ابو ظبي إمارة في الخاطر.
عثمان  أحمد  حسن.

 


كنت في الحافلة متوجها من أم درمان الي ضاحية كافوري بالخرطوم زبحري، الساعة الحادية عشرة و الثلث صباحا، تعطلت الحافلة عند محطة المؤسسة، بلا مقدمات رن الهاتف، استقبلت المكالمة، جاءني صوت غير مألوف، سلام يا عثمان، أجبت و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، قال معك علاء البيوك، نأسف لما حدث بشأن سفرك للمغرب، الآن أرسلنا لك فيزا و تذكرة سفر الخرطوم أبو ظبي الخرطوم، مستضاف لحضور معرض أبو ظبي للكتاب في الفترة من 26 ابريل الى 1مايو 2019م. شكرته، تبعت المكالمة نهنهة الهاتف تنبئ بوصول رسالة من تطبيق الواتساب، فتحتها كانت تأشيرة دخول دولة الإمارات العربية المتحدة، تلتها أخرى، تذكرة سفر على خطوط الإتحاد.
حسنا، بيني و موعد السفر أسبوع ايام، رتبت حالي و توجهت تلقاء مطار الخرطوم منتصف نهار 26 ابريل 2019م، غادرت الخرطوم وكلي توجس فالوضع هش بعد سقوط النظام و لم تتضح معالم نظام جديد في وجود وجوه النظام السابق في المجلس العسكري الجديد، الطائرة عبرت سهل البطانة و جبال البحر الأحمر، لأول مرة في أسفاري الكثيرة، غلبني النعاس فغفوت، صحوت على تنبيه المضيفة لربط الأحزمة استعدادا للهبوط، جلوسي في مقعد الممر حرمني من الرؤية، احسست بعجلات الطائرة تلامس الأرض، الضوء الباهر يغمر الفضاء، صالة الجوازات منظمة، مشرفو الصالة يوجهون الركاب، النساء و الأسر التي معها أطفال لهم خدمة خاصة، ذوو الإحتياجات الخاصة و تخدمهم نافذة و مُرافق، يسمونهم ذوي الهمة، منتهى الذوق.
 اكملت الإجرات بيسر و خرجت، رجل بجلباب أبيض و عمامة بيضاء يحمل لوحة فيها اسمي، حييته و عرفته بنفسي، أجابني: رحيم، من افغانستان، جلست بجواره و خرجنا من المطار. شارع الشيخ زايد، رغم الليل المخيم إلا أن المدينة تفيض بالضياء و النور، فقط افتقد الشمس و القمر،العمران الباذخ و مياه الخليج على يساري، على اليمين يلوح مبنى أزرق مضاء كليا، خيل إلي, كأنه آيل للسقوط فهو يميل بزاوية أكبر من زاوية ميلان برج بيزا الشهير.
المفاجأة التي هزت طمأنينتي أن ذات المبنى الذي يترنح كأنما يرقص عشرة بلدي هو الفندق الذي أقيم فيه، أكملت اجراءات الوصول و دخلت الغرفة المخصصة لي، خرجت تناولت العشاء و نمت.
صحوت مبكرا، تناولت إفطاري مبكرا و تمشيت قليلا، أكتشفت أن الفندق الذي أقيم فيه هو جزء من أرض المعارض التي يقام فيها الكتاب، فقط 457 خطوة ووجدت نفسي داخل المعرض.
قبل الدخول للمعرض توجد خدمة الإستعلامات، تسأل عن كتاب أو كاتب، يتم تحديد دار النشر و موقعها بدقة وربما أعطوك خريطة لتسهيل الوصول. عدد زوار المعرض بالنظر لعدد سكان الإمارات و تعدد المعرض فيها يعتبر كبيرا جدا، تلحظ الزحام في بعض دور النشر، المسرح يقدم نشاطا مستمرة طيلة ساعات العمل.
في الفندق، منتصف النهار التقيت بالشاعر نوري الجراح الأمين العام لجائزة ابن بطوطة والأستاذ أحمد علي الزين، مقدم برنامج روافد في قناة العربية، تعارفنا و تآلفنا سريعا، في المساء إلتقيت بالكاتب و الصحفي الإيراني يوسف عزيزي الفائز بجايزة اليوميات عن كتابه وراء الشمس، قصة سجين عربي ايراني في سجون الشاه و سجون آيات الله، و المترجم السعودي عائض ربيع الذي ترجم الكتاب من الفارسية للعربية والشاب السعودي الشاعر المحقق اسامة الفليح، عاشق السودان الذي حدثنا عن الهمباتة و ود ضحوية و طه الضرير، الفائز بجائزة تحقيق كتاب أسفار الصائغ، شكلنا رباعيا منسجما، نتناول وجباتنا معا و نتفقد بعضنا و نتحرك معا.
عند العاشرة رن التلفون الداخلي، المتحدث علاء البيوك، صوته الجميل ممازحا يارجل ابو ظبي تصحو عند العاشرة قم نخرج. هذا موعد نومي ولم يسبق أن جاملت فيه، لكن دعوته وجدت استجابة، خرجت. اصبحت مولعا بليلات علاء البيوك، يصحبا الى قلب المدينة حيث المقاهي نتناول الشاي بالحليب و بالنعناع و نلتقي بالكتاب و الفنانين و الناشرين. شكرا علاء البيوك.
التقيت بالفنان السوداني ناصر بخيت، ناصر بخيت حالة خاصة جدا، هو مصمم غلاف كتابي اسفار إستوائية، وهو الذي ناب عني في استلام درع الجائزة في الدار البيضاء، شكرا ناصر بخيت.
تحدثت في ندوتين عن أدب الرحلات، الأولى في مقهى الرسامين و الأخرى في المسرح، شاركت في الندوات التدشينات التي اقيمت في ركن إتحاد كتاب الأمارات الذي عرفني بثلة من الكتاب و النقاد.
أجرى معي الشاعر محمد الحمامصي حوارا لجريدة الشرق الأوسط الإلكترونية، نقلته عنها أحد عشر صحيفة و موقعا.
بحثت عن جناح دار مدارات، الأستاذة سناء أبو القاسم أبو قصيصة، تحمل هم الإبداع السوداني و تطوف المعارض، غامرت و قامرت بتقديمي كاتبا، كتابين لكاتب مغمور و قدمتني للقراء، جناحها ملتقى السودانيين، التقيت حسن بركية و آن الصافي، و آخرين، بحلقنا في وجوه بعضنا و أنصرفنا. شكرا مدارات وشكرا سناء ابو قصيصة.
كان للرحلة جانبها الإجتماعي فقد التقيت بابني بشرى عبد الله محمد بعد غيبة سنوات و صحبته في زيارة لمدينة العين، زرت اسرته و تعرفت على اسرته.
أما حدث الزيارة الأكبر فهو الوليمة التي استضافنا فيها الشاعر محمد أحمد خليفة السويدي في داره العامرة، ضمت الجلسة التي استمرت خمس ساعات لفيفا من الكتاب المشاركين في المسابقة و المحكمين و الأمانة العامة للجائزة، تخللها حديث شائق عن أدب الرحلات و رحلة الشاعر جوتة للديار الإيطالية وملحوطرائف من الحضور.  
مفاجأة الرحلة كانت في ختامها، لسبب ما قرر طيران الإتحاد تأجيل سفري اثني عشرة ساعة، تقبلت الأمر برضا، تكفلوا باقامتي و وجباتي، حصلت على كوبون تذكرة استخدمه في مدى عام، خططت لإستخدامة في السفر لحضور معرض ابو ظبي 2020 للكتاب، ولكن ما شهده العالم و أعني جائحة كورونا جعل الأمر مستحيلا.