فى الشعر والتجربة والكتابة والراهن الثقافي
تعد الشاعرة الجزائرية الدكتورة زينب الأعوج أحد أشهر كتاب القصيدة المعاصرة ، وهى من مواليد مدينة مغنية تلمسان الجزائر عام 1954 .وقد عملت أستاذة محاضرة وزائرة بجامعات الجزائر وباريس وتعمل الان باحثة باحثة في المعهد الدولي للدراسات الإنسانية
الشاعرة زينب الأعوج
فى الشعر والتجربة والكتابة والراهن الثقافي
الشعر حالة متفردة واستثنائية وهو المحرك العميق لكل الأجناس الأدبية
تعد الشاعرة الجزائرية الدكتورة زينب الأعوج أحد أشهر كتاب القصيدة المعاصرة ، وهى من مواليد مدينة مغنية تلمسان الجزائر عام 1954 .وقد عملت أستاذة محاضرة وزائرة بجامعات الجزائر وباريس وتعمل الان باحثة باحثة في المعهد الدولي للدراسات الإنسانية والاجتماعية IISM-EHESS بباريس، ومشرفة على حلقة بحث حول إبداعات المرأة في الوطن العربي والإسلامي. ولها العديد من الإصدارات فى مجال القصيدة والدراسات الأدبية والترجمات . وحصلت على العديد من الجوائز من بينها جائزة نازك الملائكة للإبداع النسائي العربي وجائزة الشعر العالمي الجديد من ساليرنو إيطاليا وتم تكريمها فى العديد من الدول آخرها تكريمها فى مدينة الخرطوم عام 2018 بجائزة الطيب صالح العالمية . وهى بجانب ذلك رفيقة وزوجة الكاتب الروائي الشهير واسينى الأعرج .. إلتقيت بها فى حوار مطول تناول العديد من المحاور والتجربة والكتابة
- بدءا الروائي واسيني الأعرج والشاعرة زينب الأعوج كيف التقيا ، وهل ما يجمع بين المبدع والمبدعة الالتقاء الفكري أم التقارب العاطفي والوجداني ؟
كنا طلبة ، التقينا في الجامعة، درسنا في نفس المعهد في قسم الأدب العربي ، كنت سنة أولى وواسيني سنة ثانية ، تعمقت الصداقة التي كانت مرتبطة أيضا بالنشاط الثقافي والفكري والسياسي داخل الجامعة في السبعينات. كانت فيها منابر متعددة ومتنوعة لمختلف النشاطات بما فيها المسابقات الإبداعية، حزت فيها على الجائزة الأولى للشعر، كنت في بداياتي وواسيني مع بعض الأصدقاء القريبين كانوا من المشجعين لهذه البداية الجميلة التي تلتها جائزة أخرى على المستوى الوطني ، وهكذا كان هذا التشجيع الأول بمثابة التحفيز على الثقة في النفس ومواصلة الكتابة. بعدها تحصلنا على منحة دراسية واخترنا سورية محطة للدراسات العليا ثم تحصلنا على الماجستير ودكتوراه دولة ، هو في اختصاص الرواية وأنا في اختصاص الشعر. أظن أن ما هو عاطفي بيننا تعمق أيضا بالجانب المعرفي المشترك
- ذكر لى واسينى فى حوار لى معه أنه بدأ الكتابة بالشعر وأنه شاعر فاشل ؟
صحيح كان يكتب الشعر أحيانا وأنا احتفظ إلى الآن ببعض كراساته من ذلك الزمن، شعر رومانسي وشعر غزلي وإنساني، لكن في ذات الوقت كان يكتب القصة القصيرة، وقصصه الأولى طبعناها وصححناها سويا في الجامعة في مقر لجنة النشاط الجامعي التي كانت تتوفر على آلات الرقن والطباعة. واسيني منذ عرفته يسكنه حس جمالي متميز في علاقته مع الناس ومع المحيط ومع الأشياء، كما تسكنه روح الحكاية التي ورثها كما يقول هو نفسه من جدته والمحيط العائلي الذي كان معظمه نساء بحكم أن الرجال كانوا في مواجهة المستعمر أو استشهدوا في سبيل تحرير الوطن أو هاجروا من أجل إعالة الأهل بحكم أن جل العائلات كانت تعاني من القهر والظلم والجوع بسبب الاستعمار.
لكنني مقتنعة أن الطفل الذي لا زال يسكن واسيني والشاعر المتخفي في عمقه، هما اللذان شكلا واسيني الحكاء الجميل والروائي المتميز بكل ما قدمه من منجز روائي متنوع ومتعدد على مستوى المتن ومستوى اللغة والتعامل معها بجمالية مفرطة
- للبروفسير واسيني الأعرج شهرة واسعة إكتسبها من خلال اعماله المتميزة ، باعتبارك شاعرة ناقدة وزوجة له ، كيف تقرئين كتاباته السردية ، وكيف يقرأ واسينى تجاربك الشعرية والنقدية ؟
بشكل عام نحن نعيش اللحظة الإبداعية بطريقة مشتركة، بحكم أننا نعيش في نفس المكان ونفس البيت ونفس المحيط وبين رفوف نفس المكتبة ، لكن طبعا كل في عالمه الإبداعي الخاص. أنا أول قارئة لما يكتب وهو أول قارئ لما أكتب ، نتناقش ونبدي آرائنا دون أن يفرض أحدنا رأيه أو نظرته للأشياء على الآخر. ما يميز واسيني هو جانبه الحكائي، نعيش معه أنا والأولاد عوالمه الروائية من أولها إلى آخرها نحفظ تفاصيلها ونعيش مع أبطالها لحظة بلحظة قبل حتى صياغتها النهائية. الشعر لا يحكى، حالته خاصة وخاصة جدا وبالتالي يقرأه قصائد متفرقة أو بعد الانتهاء كليا من تشكيل المجموعة الشعرية، نتناقش كثيرا أيضا في العناوين لأنها مرات الأكثر صعوبة في الاختيار، حتى يكون العنوان ملما بكل المحتوى وأيضا يفتح الشهية للقراءة ، متعة النص تبدأ أيضا من العنوان
- تلقيك العلم فى الجزائر وسوريا وفرنسا، مع محطة أخرى في لوس أنجلس بأمريكا. كيف أسهم هذا التنوع فى تكوينك الثقافي والإبداعي ؟
حسب رأيي، كل محطة في حياة الإنسان هي وقفة استثنائية؛ كيفما كانت، نتعلم منها، نستفيد ونتعلم من هزاتها المشرقة وربما من إخفاقاتها، إذا ما تقبلناها ولامسناها وأحسسنا بها، لأنها تبقى تجربة وإضافة مهمة واكتشافا دائم التجدد، ينضاف بالضرورة إلى كل ما كنا قد اكتسبناه وخزناه، وخلق عندنا تراكما ما، لأننا بحكم اكتساب الثقافة والمعرفة وتطور الوعي، نلتقط كل ذلك بعين مغايرة وبمنظور آخر وبرؤية مختلفة، تساعدنا بالتأكيد على الابتعاد عن المسلمات واليقينيات والأفكار المسبقة وعن الحماس الزائد وتعويضه بنوع من الرصانة والتروي في كل شيء. مع التجربة ومع العمر ولقائنا بالأسماء الكبيرة والرائدة التي صادفناها وقرأنا لها وتعلمنا منها، وربما تمنينا أن نكون مثلها، نتعلم التواضع والرغبة في السماع والإصغاء والتعلم بشكل متواصل ومستمر والتمعن في ذواتنا بشكل أعمق. تعليمي الأول كان بين المغرب والجزائر في مرحلة الإستعمار، المتوسط والثانوي والجامعة حتى شهادة الليسانس كان بالجزائر، دخولي الجامعة لعب دورا حاسما في توجيهي الثقافي والإبداعي والسياسي. تقريبا 10 سنوات في سورية أنجزت فيها رسالة الماجستير والدكتوراه في جامعة دمشق، والتي كان لها التأثير الكبير والشفيف والممتع على كل المستويات الإنسانية والعلمية والاجتماعية والقافية، مرحلة غنية روحيا وجماليا، رأيت فيها أولى أعمالي الشعرية وأبحاثي منشورة بين سورية ولبنان( المجموعة الشعرية الأولى "يا أنت من منا يكره الشمس منشورات اتحاد الكتاب العرب" المجموعة الشعرية الثانية " أرفض أن يدجن الأطفال" وزارة القافة والإرشاد القومي" ودراسة أدبية حول الشعر الجزائري نشرت في دار الحداثة بلبنان) وأنا طالبة في جامعة دمشق، ومع إنجاز الرسالتين ولد طفلاي باسم في 1981وريم في 1984؛ أجمل هدية في سورية التي أتمنى لها الأمن والسلام والاستقرار. عشنا مهرجانات المسرح والسينما وتعرفنا وتصادقنا مع أهم الكتاب والفنانين والمبدعين العرب؛لأن سورية الجريحة الآن، كانت أيضا الحضن الدافئ للكثيرين، بما فيهم السودانيين الذين درسوا في مختلف جامعاتها، وصادفناهم أو سكنوا معنا وتقاسمنا معهم الخبز والملح واللحظات الجميلة والممتعة، أتذكر أننا حضرنا عرسا جميلا شدنا فيه الرقص السوداني الشعبي وحركات أنيقة جدا على وقع الموسيقى السودانية ذات العمق الإفريقي الجميل. وطريقة تزيين العروسة والاحتفاء بطقوس الحناء ونقشها القريب من الأوشام . المحطة الفرنسية في حياتي جاءت في ظرف خاص وقاهر. كنا نذهب طبعا إلى فرنسا لزيارة الأهل أو لحضور المعارض والندوات أو نحاضر في جامعاتها ومؤسساتها العلمية والفكرية، والتزود بالمستجدات على مستوى الإبداع والنقد وقضايا المجتمع. لكنها هذه المرة لم تكن زيارة عابرة، بل بقينا فيها إلى حد الآن. ربما هذا الامر يستلزم منا حوارا مستقلا نخصصه لتلك المرحلة العصيبة والتي سُميت بالعشرية السوداء قتل فيها الإرهاب الإسلاموي خيرة أبناء الوطن واغتصب المئات من من بناتها ونسائها ودمر وخرب ما استطاع من البنية التحتية. مرحلة وثقت لها بشهادات وبكتاب مستقل تحت عنوان " من الكلمة إلى الجريمة" حول العنف الإسلاموي ضد مجتمع بأكمله كانت المرأة من بين ضحاياه بكل قسوة. درّست لسنوات في جامعة باريس الثامنة واشتغلت مع مركز الأبحاث ( CNRS) ، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية (IISMM) أين أشرفت على حلقة بحث حول إبداع المرأة في الوطن العربي والإسلامي. طبعا التفاصيل ستطول جدا إذا توقفنا عندها نقطة نقطة. لا زلت إلى حد الآن أحاضر وأشارك في مختلف الفعاليات في أوربا والعالم العربي. المحطة الأمريكية كانت لمدة سنة كانت عبارة عن إقامة كتابة وترجمة من مؤسسة الڤيتي سانتر (Getty Center) ومؤسسة فيلا أورورا (Villa Aurora). كانت محطة جميلة واستثنائية. على الكثير من المستويات وأهمها معرفة الآخر عن قرب ومحو الأفكار المسبقة. والحكم على الأشياء بموضوعية وعدم الخلط بين ما يصدر من البيت الأبيض من قرارات وممارسات والمواطن الأمريكي البسيط الذي هو عبارة عن خليط من الأجناس والثقافات والأديان واللغات
-
-ماذا عن الترجمة من خلال تجربتك فى ترجمة بعض روايات واسينى للفرنسية " حارسة الظلال " و" مرايا الضرير " وترجمة " الشيطان فى باريس " للكاتب ليون فوتشفانڤر من الفرنسية للعربية .يرى البعض أن ترجمة الأعمال الإبداعية من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية أكثر صعوبة من ترجمة الأعمال المكتوبة بالفرنسية للعربية ما قولك ؟
في الترجمة تبقى العلاقة الحميمة مع اللغة والتمكن منها ومن آليات التعامل معها هي الأساس طبعا. لأن اللغة ليست فقط حروف متراصة وجمل مصفوفة، اللغة أيضا حمولة ثقافية وتاريخية وفكرية وأسطورية وثقافة شعبية إلى غيرها من الأبعاد والإشارات والرموز وبالتالي إذا لم تكن ملما إلى حد ما بهذه الأبعاد للغة التي تتعامل معها زيادة طبعا على التجربة والممارسة التي تمكننا من استنطاق عمق اللغة الأخرى التي ننقل منها أو إليها النص، تبقى الترجمة ميكانيكية وبدون روح. الترجمة مثلها مثل القراءة المتعددة والمتنوعة، هي رحلة بل رحلات من نوع آخر لها سحرها الخاص، بين الثقافات والعوالم الإبداعية التي تجعلك تعيش أكثر من حياة . أنا شخصيا أعشق هذا الغوص في اللغات ومحاولة سبر أغوارها لأن غناها لا حصر له، يخلق لنا الجسور مع الآخر المختلف والذي يشبهنا في الوقت نفسه. تبقى اللغة هنا وبهذا المعنى الواسع هي تلك الرحلة الممتعة بين الثقافات لأن لكل لغة حمولتها الخاصة والخاصة جدا. فقط وحسب تجربتي الشخصية في ترجمة نصوص إبداعية بما فيها الشعر؛ تختلف ترجمة الرواية والقصة عن رجمة الشعر لأنه في الكثير من الأحيان ترجمة القصيدة تستلزم عليك ترجمة روحها وموسيقاها وانزياحات لغتها ورمزيتها المتخفية وكأنك بصدد كتابة نص جديد بإشارات خاصة لها مفاتيحها السحرية سرها العميق في اللغة واللغة وحدها
-قصيدة النثر، هل هى إعلان وفاة للقصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة ؟
لا يمكن لنوع إبداعي أن يقتل نوعا آخر ، النوع الإبداعي لا يموت حتى وإن تخفى وأوهمنا بالانقراض، فهو ينصهر فقط في أشكال أخرى تمثل بدورها تراكما إنسانيا، الملحمة مثلا بجانبها السردي والحكائي وبعدها الإنساني والأسطوري، سرقتها الرواية إلى حد ما وفِي أكثر من حالة ، الشعر حالة متفردة واستثنائية لأنه النبض الحقيقي للإنسان وهو المحرك العميق لكل الأجناس الأدبية على الأقل على مستوى اللغة وشفافيتها وموسيقاها القادرة على تحريك ما تخفى فينا من نبض، وبالتالي هو حلقات مترابطة باستمرار حتى في حالة مظهر الطلاق الكلي للأشكال. العمل الإبداعي هو شكل من أشكال الحياة ، الحياة لا تموت تتوالد وتتجدد باستمرار من خلال نبتة أو قطرة ماء هاربة، هذا هو الإبداع وهذه هي القصيدة. الشعر مثل الموسيقى كلاهما لغة مشتركة بين الناس منذ أن تحاور الإنسان مع الطبيعة ومع الإنسان. هما اللغة الناطقة والصارخة والصامتة في الوقت نفسه
-
لا زالت هناك تساؤلات حول مستقبل قصيدة النثر العربية ، البعض يرى أنها لا تنتسب للقصيدة العربية ، وأنها وليدة اللغات الأوربية . هل يؤثر هذا على تلقي القارىء العربي لها ؟
على مستوى الكتابة تبقى المسألة ، مسألة تكوين وأيضا مسألة رصيد ثقافي غني ومتنوع وأيضا مسألة ذوق وتذوق واختيار انطلاقا مما استجد على مستوى القصيدة العربية وانطلاقا مما تعودت عليه الأذن العربية، وأيضا إيماننا العميق منذ قرون بأن الشعر ديوان العرب ، بمعنى الشعر العمودي الكلاسيكي من المعلقات إلى مرحلة ليست بالبعيدة. لا يجب أن ننسى أن القصيدة العربية، واكبت مثلها مثل الأشكال الإبداعية الأخرى ما استحدث في بدايات القرن الماضي ونهايات القرن التاسع عشر، على مستوى شكل وهندسة وبناء النص الإبداعي، وحتى على مستوى المضامين التي ارتبطت بالحركية الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية وخاصة مع الاستعمارات وحركات التحرر، لأن المسالة مسألة حلقات وتواصل مستمر وليس قطيعة وبناء الجديد من الفراغ، لأن التجديد والتنوع هو أيضا تراكم وبدون تراكم لا يمكن بناء أي جديد. طبعا الأمر دوما مرتبط بهاجس التجديد والعلاقة مع الغرب لعبت الدور الكبير في تجديد القصيدة العربية، على مستوى الشكل وهندسة القصيدة والمضامين أيضا المرتبطة بالعصر وإرهاصاته المرتبطة بهاجس الحرية والتمرد على القوالب الجاهزة التي سكنها الشعر مدة قرون، كان لشعراء المهجر ومجلة "شعر" في لبنان ومجلة " الكلمة" في العراق وغيرها من المنابر، الدور الكبير في استقطاب الأصوات الشعرية التي آمنت بقصيدة النثر كمنجز جديد وكثورة على الأشكال والمفاهيم السابقة، مع خلق الجسور بين الأصوات الشعرية في مختلف أنحاء العالم العربي والغرب أين كان يعيش الكثير من الشعراء العرب. أنا من بين الذين كبروا مع شعر جبران خليل جبران والماغوط والبياتي ومظفر النواب وأنسي الحاج ونزار قباني ودرويش ورامبو وبودلير وغيرهم ممن تبنوا الحس التجديدي على مستوى القصيدة سواء في الغرب أو العالم العربي. هذا مع التراكم الأول الذي تلقيته في مختلف المراحل ويعتبر ركيزة أساسية بالنسبة لي ، من شعر جاهلي وعباسي وأموي. هذا بالنسبة للشعر العربي ونفس العلاقة تقريبا مع ما قرأته من شعر مترجم من مختلف اللغات. في نظري قصيدة النثر فرضت نفسها ولم يعد الجدال قائما حولها كما كان لأن قصيدة النثر نفسها الآن هناك من يحاول تجاوزها وزحزحة عرشها بأشكال أخرى في ما يخص الشق الأخير من السؤال، أظن أن الأمر مرتبط بحساسية وثقافة المتلقي، وكيفية تعامله مع المتن الشعري، والعملية الإبداعية بشكل عام، المتلقي ليس واحدا بل هو متعدد، ثقافة وقناعات وقدرة معرفية وحس استشرافي . ما أعرفه أن قصيدة النثر رسخت مكانتها وخلقت لها جمهورها، لكن السؤال الآخر الذي لا بد أن يطرح، ماذا وفرنا لهذه القصيدة خاصة، وللشعر عموما، من منابر ومساحات للقول، لأن الشعر كائن حي لا بد أن يُحس ويُرى ويُلمس ويُعشق كما يُعشق الإنسان، من؟ من دور النشر الآن يراهن على شاعر أو على مجموعة شعرية؟؟ مردود الشعر ليس ماديا بالضرورة ، الشعر حياة ومن يراهن عليه ماديا بفكرة الربح والخسارة ، يخسره بالضرورة. المنتوج الثقافي والفكري والإبداعي بشكل عام نراهن على نتائجه على المدى البعيد وليس على المدى القريب
-يعتقد البعض أن محمود درويش آخر الشعراء الكبار، وأنه حقق المعادلة بين الشعر والقضية . كيف تنظرين إلى الساحة الشعرية فيما يتعلق بفلسطين وقضية القدس الآن ؟
محمود درويش يبقى الشاعر الرمز المرتبط طبعا بالقضية، لكن درويش هو أيضا شاعر القضايا الإنسانية الكبرى بامتياز، ومن يقرأ شعره كاملا وبهدوء وتأني سيجد فيه العاطفة والحب والجانب الروحي والصوفي والفلسفي. في بعض حواراته يقول أنه لم يختر أن يكون شاعر القضية لكن الوضع اختاره أن يكون كذلك، وكان يتمنى دائما أن يلتفت القرّاء والنقاد إلى الجوانب الأخرى في شعره، كما أنه كان يدعو إلى تحرير الشعراء الشباب من فكرة الالتزام القاسي المرتبط بما هو سياسي وأيديولوجي، وألا تسكنهم عقدة الذنب إذا لم يكتبوا عن القضية. قال لهم بصريح العبارة ، جيلنا قال كل شيء عن القضية فحرروا أنفسكم لتعبروا عن هواجسكم وعواطفكم وما ينبت في قلوبكم من نور الحب. طبعا فلسطين زاخرة بالشعراء والمبدعين في مختلف الأشكال الإبداعية. لم نكبر فقط مع درويش ولكن أيضا مع إبراهيم طوقا وفدوى طوقان وسميح القاسم وتوفيق زياد وعز الدين المناصرة وأحمد دحبور ومحمود شقير ومريد البرغوثي وغسان زقطان وغسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا وتوفيق فياض ويحيي يخلف وإدوار سعيد وغيرهم كثير لأن جيلنا فكريا وإبداعيا وإنسانيا كان وثيق الصِّلة بالقضية الفلسطينية وعن قناعة صادقة وراسخة. أنا زرت فلسطين عدة مرات وحضرت وشاركت في بعض النشاطات والفعاليات، هناك شباب يقرأ ومتعطش للمزيد ومبدعون شباب يشقون طريقهم بهدوء جميل، محاصرون من كل جانب، من طرف الاحتلال بقمعه وحصاره وبطشه المستمر والحصار الآخر المرتبط بمصطلح التطبيع الذي أبدعه أعداء القضية لعزل فلسطين وشعبها. لكن أقول أن الإبداع الفلسطيني بخير رغم كل هذا الحصار لأن وسائل التواصل الاجتماعي أوصلت الكثير من الأصوات إلى العالم.
أما سؤالك عن القدس فهو شائك، لأن القدس هو جرحنا الغائر والقاسي لأننا مكتوفي لأيدي كمبدعين ومثقفين ومفكرين، سلاحنا الوحيد هو اللغة والفن والإبداع، أما من يملكون القوة والقدرة على المواجهة والفعل والمال "فهم صُم عمي بكم لا يفقهون ". قضية القدس مرتبطة بالرهانات السياسية وموازين القوى العالمية وجبن الدول العربية والإسلامية ونفاق الغرب الذي حول عقدته تجاه ما مارسه من قمع ضد اليهود في مرحلة تاريخية ما إلى ظلم وصمت مريع تجاه ما يمارسه الاحتلال ضد الفلسطينيين
-" مرثية لقارىء بغداد " مجموعتك الشعرية ، رمزية العنوان ودلالات القصيدة فى زمن الخيبة والإنكسارات . هل هى رؤية لهذا الواقع ؟
هي مرثية لما آل إليه العالم من تدمير للذات ومن نار تحرق الأخضر واليابس، واستغلال الآخر المختلف وتجريمه في هذا الزمن الرديء الذي نعيشه، لكنها مرثية للذات العربية والإسلامية أكثر، نعيش زمنا يبيع فيه الصديق صديقه والأخ أخاه بأبخس الأثمان؛ زمن الطمع والجشع. هي صرخة الوجع الجماعي الذي أنا جزء منه والذي أعتبر فيه صوتي صوتا للآخرين أيضا، لأن لي هذا الحظ في القول وفِي التعبير وفِي الصراخ بشكل مختلف، صراخ صاخب أو صامت يصل بطريقة أخرى، هي اللغة ، ذلك العالم السحري الذي يجعلنا نتحمّل ما لا يُطاق ، ونعبر عن كل أوجه الحياة بجمالها وقبحها بقوتها وهشاشتها، بشكل جمالي. حاولت من خلال هذه القصيدة وبكل تواضع أن أجرب النفس الملحمي وأن أضم صوتي للجموع التي كتم صراخها بشتى الطرق والوسائل . شعوب تقتل وتهجر وينكل بها.
جاءت القصيدة بعد عمل مستمر لم تشفع فيه لا الموهبة ولا الرغبة الملحة في الكتابة، إذ كان لا بد من عمق مرجعي روحي وديني وثقافي وتاريخي وأنتروبولوجيى، كل ذلك دام ثلاث سنوات حتى جاءت القصيدة بالشكل الذي هي عليه، قصيدة واحدة في 300 صفحة مع عمل واجتهاد جمالي على مستوى بناءالقصيدة وهندستها، هي قصيدة أيضا مرئيّة لمن أراد العمل عليها لأنني ضمنتها بعض الأشكال الرمزية التي لها دلالاتها العميقة على الكثير من المستويات. هذا يرجع طبعا للنقاد والدارسين المهتمين بالمتن الشعري وتتبع خطواته. ولقد فازت القصيدة بجائزة نازك الملائكة
-
- " عطب الروح " مجموعتك الأخرى . واستخدامك لرموز تاريخية وتراثية ، هل يمثل هذا ضربا من الإسقاط على الوقائع الحالية ،أم طريقا لإطفاء بعد فلسفي على الرؤية الشعرية ؟
عطب الروح قصيدة أخرى طويلة، هي التجربة الثالثة في هذا التحول الإبداعي، المرتبط بالقصيدة الطويلة في كتاب مستقل. أول تجربة كانت " رباعيات نوارة لهبيلة" قصيدة واحدة في 100 صفحة، والتي صدرت عن دار المدى في دمشق ودار الجمل في لبنان وعن الفضاء الحر في الجزائر، قصيدة؛ كانت وسيلتي المثلى لفضح العنف القاتل والمدمر المسلط على المرأة وعلى مجتمع بأكمله. بعدها تأتي مرثية لقارئ بغداد التي تكلمت عنها سابقا، وفِي الأخير قصيدة "عطب الروح" التي صدرت عن دبي الثقافية التي كانت تنشر مع كل عدد كتابا يوزع على أوسع نطاق في الوطن العربي، وذلك في تجربة جميلة ومتميزة وأظنها فريدة من نوعها؛ حيث بادرت بنشر أعمال أزواج مبدعين ، فكانت أول تجربة معنا، الروائي واسيني الأعرج وأنا، في نفس العدد نشرت مجموعتي "عطب الروح" ورواية واسيني"مملكة الفراشة" وأظنها كانت التجربة الأولى والأخيرة للأسف لأن هذه المجلة القيمة توقفت بعدها.
"عطب الروح" حاولت من خلال مواضيعها المتعددة وصورها الشعرية ورموزها وإيشاراتها الخفية، أن أحاور جداتي المتعددات والمتنوعات لأستنطق من خلالهن التاريخ الخفي والمسكوت عنه والحاضر المر بكل ما تعنيه الكلمة، ولأقول بأعلى صوتي بأن الإنسان هو القيمة العليا في حد ذاته وليس بانتماءاته الدينية والأيديوجية والثقافية وغيرها من الانتماءات التي تحولت من قيم إنسانية نبيلة ترفع من قيمة الإنسان إلى وسيلة قهرية وقمعية لتبعيته وتدجينه.
عملية الإسقاطات على الواقع موجودة طبعا، لكنها لم تأت بشكل قسري. أنا أعيش وسط مجتمعي الكبير الذي هو العالم وضمن هذا العالم هناك بلدي وبلدان العالم العربي والإسلامي بكل مكوناتها المتعددة عرقيا ودينيا وثقافيا، من هذا المنطلق وهذه الأبعاد تستمد عطب الروح أنفاسها الشعرية وعمقها الفلسفي والروحي لينطلق صوتي وسط الدار والأشباح مثل دون كيشوط مع طواحين الهواء. أحاول أن أصرخ وبقوة في وجه الأشباح والغول الذي بدأ يبتلعنا جزءا جزءا ويستمتع بشرب دمنا في كل لحظة. أنا أكتب من الواقع وأحاول أن أُعير صوتي للآخرين الذين تخونهم الظروف والأوضاع كيف ما كانت لإطلاق صرخاتهم في وجه الظلم والطغيان والتطرف كيف ما كان وأينما كان،
-ماذا عن ثنائية اللغة فى الجزائر بين الفرنسية والعربية ما تأثيراتها على الكتابة الإبداعية الجزائرية ؟
أنا مقتنعة بأن اكتساب لغة من اللغات مع اللغة الأصلية هو إضافة مهمة ومكسب جميل لما تفتحه من آفاق وما تضيفه من غنى ثقافي وإنساني وروحي بالنسبة لكل المجتمعات، وبالتالي اكتساب لغات أخرى هو وسيلة لخلق الجسور نحو ثقافات متعددة وإيصال ثقافتنا إلى الآخر. ومن يرفض لغة من اللغات أو يعاديها لسبب أو للآخر فهو إما يجهل أهميتها ودورها وقيمتها، أو هو تحت ضغط ما، مثل الضغط الإستعماري أو الضغط الأيديولوجي أو الفكر الأحادي الرافض للآخر المختلف بكل ما يمثله ويحتويه. مهما كانت الأسباب أوالمبررات لا يمكننا أن نجرم لغة من اللغات أوثقافة من الثقافات أو ديانة من الديانات؛ بل من يرتكب باسمها جرائم في حق الإنسان والإنسانية. كان لا بد من هذا التقديم القصير نظرا لإشكالية المسألة إلى حد ما في الجزائر بحكم 132 سنة من الاستعمار الفرنسي الاستيطاني؛ إذ هناك طبعا من عادى اللغة الفرنسية، في ارتباطها المباشر مع المستعمر الذي حرم الجزائريين من كل ما يمثل هويتهم وانتماءهم وذاكرتهم الجمعية. لكن وبالرغم مما أحدثه من شروخ ودمار إلا أن اللغة الفرنسية اعتبرت مكسبا مهما وغنيمة حرب بالنسبة لشريحة كبيرة من الجزائريين لاكتساب العلم والمعرفة والتعرف على الآخر وأيضا سلاحا قويا في وجه المستعمر ذاته. كتب بها أكبر وأهم الكتاب الجزائريين الشعر والقصة والرواية والبحث الأكاديمي ( محمد ديب، كاتب ياسين، مالك حداد مولود معمري، مولود فرعون، بن شنب، آسيا جبار، يمينة مشاكرة رشيد بوجدرة، جمال الدين بن شيخ، محمد أركون... وغيرهم كثير).
- ومكانة اللغة العربية في هذا السياق؟؟ طبعا لا أحد يجهل أو ينكر أن اللغة العربية ظلمت كثيرا وقمعت من طرف السلطات الإستعمارية، ومنعت من التدريس إلا في حدود معينة وحتى الكتاتيب والبيوت القرآنية كانت مراقبة ، وكثيرا ما كان يسجن مدرسو القرآن الكريم القريبين من الحركة الوطنية ومنهم من عذب واستشهد من أمثال العربي التبسي، ورضا حوحو الذي كتب القصة والرواية والمسرح . لكن النضال من أجل حماية اللغة العربية والهوية بكل أبعادها لم يتوقف نهائيا بالرغم من القمع، والدليل على ذلك نشاط وحركية مدارس جمعية العلماء المسلمين التي شجعت تعليم البنات إلى جانب الذكور، مع عشرات الجرائد والمجلات التي أنجزتها ولعبت الدور الكبير في استقطاب أصحاب المواهب والكلمة النيرة آنذاك باللغتين (المنتقد، الشهاب ، البصائر وغيرها)، الكثير من الكتاب وأغلبهم شعراء تنقلوا بطريقة أو بأخرى بين الأقطار العربية التي كانت بدورها إما مستعمرة أو تعيش تحت الحماية. درسوا في مصر أو سورية أو العراق أو الحجاز أو تونس أو المغرب وأماكن أخرى مثل فرنسا وألمانيا والاتحاد السوفياتي آنذاك ، هذا على سبيل المثال لا الحصر وأنتجوا إبداعا جميلا بمختلف أنواعه وأجناسه.
- وما نسمعه بين الفترة والأخرى عن الصراع القائم بين المتكلمين باللغة العربية والمتكلمين باللغة الفرنسية. طبعا، وبحكم الفترة الاستعمارية وما عملت عليه من تقسيمات خاصة في مرحلة الخمسينيات، ومع اختلاف وجهات النظر تجاه اللغة نجد أن المسألة اللغوية سُيست بعد الاستقلال إلى حد كبير و إلى درجة الحساسية بين من يكتبون بالعربية ومن يكتبون بالفرنسية ومن يدافعون على البعد الأمازيغي الجزائري الذي هو حق لكل الجزائريين، لكن مع حكمة البعض ووعيهم وتنبههم للاستغلال السياسي للمسألة اللغوية أصبح الأمر عاديا إلى حد كبير والتعامل متكامل بين كل الفئات على المستوى الإبداعي والدفاع عن اللغة الأمازيغية التي أصبحت الآن معترف بها دستوريا كلغة وطنية وأنتجت هي بدورها الكثير من النصوص الإبداعية. طبعا الأمر يحتاج إلى تفصيل أكبر وتحليل ثقافي واجتماعي وسياسي ليس هذا مجاله. معظم الكتاب الجزائريين مزدوجي اللغة حتى الذين يكتبون باللغة الفرنسية حتى وإن لم يتعلموا اللغة العربية الفصحى فهم يتكلمون اللهجة المحلية ، بالنسبة للكتاب باللغة العربية نجد أن معظمهم مزدوجو اللغة وهناك من تعلم أكثر من لغة حتى في المرحلة الاستعمارية، أعطي مثالين فقط، الكاتب الشهيد رضا حوحو كان يتقن العربية والفرنسية والروسية. والكاتب والأكاديمي المرحوم أبو العيد دودو كان يتقن العربية والفرنسية واللاتينية والألمانية ويعد من أهم المترجمين. - وبالنسبة لك على مستوى الإبداع؟؟ أما بالنسبة لي فاللغة الفرنسية ساعدتني على التقرب من الأدب الفرنسي والآداب العالمية مترجمة وأيضا أهميتها في مجال البحث، لأن الكثير الكتب النقدية القيمة قرأته باللغة الفرنسية في الأصل أو مترجمة إليها والتي أعتمدتها في أبحاثي الأكاديمية وتدريسي الجامعي إلى جانب اللغة العربية وغناها على المستوى الإبداعي والفكري. علاقتي باللغات عشقية إلى حد كبير ، كل لغة لها أسرارها الجمالية. أكتب وأترجم باللغتين حتى وإن كانت معظم كتاباتي باللغة العربية. اللغة الفرنسية جعلتني أقرأ لأهم الكتاب الفرنسيين وما ترجم لكتاب وباحثين من مختلف أنحاء العالم. علاقتي مع اللغة الفرنسية أغرتني بدخول مغامرة الترجمة وسمحت لي بأن أسافر وأرتحل بين اللغات بجمالية مفرطة لأن الترجمة تجعلك تتلمس حمولة كل لغة وعمقها الجمالي والإنساني بعيدا عن الأفكار المسبقة والأحكام القيمية.
- ماهى انطباعاتك فى زيارتك للسودان والاحتفالية بالطيب صالح وزيارتك لمتحف السودان ؟
في هذه الزيارة اكتشفت السودان عن قرب ، زرت بعض المدن وكذلك المتحف الوطني في الخرطوم والأسواق الشعبية وبيوت بعض الفنانين وأيضا قبر المرحومين ، المبدع الطيب صالح والمناضلة فاطمة محمود، لكن علاقتي المعنوية والوجدانية بالسودان قديمة منذ طفولتي خاصة من خلال الموسيقى والأنغام والألحان السودانية الشجية التي تتسرب إلى الروح دون استئذان. وأيضا من خلال جامعة وهران في السبعينات، التي كان يدرس فيها بعض الطلبة السودانيين ، بعدها في سورية لما كنا طلبة في جامعة دمشق تعرفنا على طلبة سودانيين وحضرنا منقشاتهم وشاركناهم أفراحهم وأعراسهم وإلى حد الآن أتذكر تلك السودانيات الأنيقات جدا وهن ينقشن بجمالية ومحبة الحناء على يدي. قرأت الطيب صالح مبكرا، وشاهدت عرس الزين، وأفلام أخرى مستوحاة من الأجواء السودانية. الجامعة أيضا قربتني من الحس النضالي السوداني بقراءتنا لأدبيات الحزب الشيوعي السوداني، وأيضا كنت لا زلت شابة في الجامعة لما تعرفت على المناضلة المرحومة فاطمة محمود في مناسبة من المناسبات وبعدها التقيتها عدة مرات والتي كانت مع مجموعة من المناضات من الوطن العربي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مثالا أعلى لنا. أعادتني احتفالية الطيب صالح إلى الكثير من المحطات مع السودان وإلى الكثير من الذكريات واستحضار بعض الوجوع الطيبة التي غابت بعد أن تمكنت منها الغربة بكل قسوة ، من أمثال الشاعر والأستاذ جيلي عبد الرحمان الله يرحمه، الذي اشتغل في الجامعات الجزائرية وساهم بشكل جميل في إثراء الساحة الإبداعية والثقافية والفكرية.
- ماهو المشروع الذى تعملين عليه الأن ؟
أعمل الآن على بعض الترجمات في مجال الشعر من الفرنسية إلى العربية ، كما أنني مع التدقيقات الأخيرة لمجموعتين شعريتين ، واحدة باللغة الفصحى والأخرى باللهجة المحكية، وأيضا إعادة طبع تحيين لأنطولوجيا خاصة بالإبداع الشعري النسائي.
- أخيرا ماذا عن غياب مسابقات الشعر ، يقولون أن الرواية أصبحت ديوان العرب ؟
بالعكس هناك لقاءات و مسابقات وفعاليات في مختلف أنحاء العالم شرقا وغربا، ويشارك فيها عرب أيضا بلغات مختلفة وبمستويات مختلفة بطبيعة الحال؛ مثل سوق الشعر وربيع الشعر على سبيل المثال ، كما أن هناك مسابقات خاصة بالعالم العربي وبفعاليات متميزة مثل سوق عكاظ وشاعر المليون والفعاليات الخاصة بالشعر النبطي، ومهرجان جرش الخ ، ربما الإعلام لا يعطيها حقها كما يجب. لكن ما ينقص هو المنابر الخاصة بالشعر، وهنا أتكلم عن الجزائر خاصة؛ لأنني لا أدعي الدراية الكافية والإلمام الشامل، بكل تفاصيل ما يحدث في العالم العربي في ما يخص الشعر. هناك الآن حركة جميلة في الجزائر أتمنى ألا تسقط في الفخ المؤسساتي والمتمثلة في بيت الشعر الجزائري الذي أسسه قبل أشهر فقط مجموعة من الشعراء المتميزين على رأسهم الشاعرين فني عاشور وسليمان جوادي، والذي يحاول أن يكون مستقلا وبدون أية وصاية إلى وصاية الشعر الجيد، هذا البيت يحاول أن يكون متواجدا بفروعه على مستوى كل القطر الجزائري، طامحا في خلق الجسور مع الشعر والشعراء أينما وجدوا في هذا العالم لنشر قيم المحبة والتسامح والعيش مع الآخر في سلام . القصيدة في نظري كائن حي يتنفس ويتحرك فهي لا تقرأ بنفس الطريقة التي تقرأ بها الرواية. القصيدة لا بد أن تسمع وترى وتحس وتلمس. فعلا اصبحت الرواية سيدة المقام على المستوى العالمي والقصيدة تشكو من عدم الاهتمام على المستوى العالمي أيضا، نشرها قليل ومحدود، ومن يهتمون بها يهتمون بحب وبخوف في الوقت نفسه، دور النشر لا تراهن عليها كما تراهن على الرواية والمسألة ربح مادي أكثر منها شيء آخر. الرواية أصبحت سيدة العصر أيضا لأنها قادرة على استيعاب كل الأشكال والأنواع الإبداعية، وأيضا مع الجوائر أصبحت العملية، عملية إغرائية إلى حد ما، البعض يكتب من أجل الجائزة حتى أن العملية أصبحت هستيرية عند البعض إذا قدم لجائزة ولم ينلها وكأنها نهاية الكون. فقط أقول في الأخير أن الشعراء لا يموتون ، والشعر مثل الموسيقى هو النبع الحي الذي يرتوي منه الإنسان حتى يسترجع إنسانيته كلما حاولت تغييبها الأنانيات والدمار المبرمج. الشعر لا يموت لأنه مثل الملح المقدس الذي يقينا من العفن. الشعراء هم حملة شعلة النار التي تتجدد جذوتها باستمرار. |