سوميت ونساء الحرب مأساة  تمشي على قدمين حافيين أبوطالب محمد

سوميت ونساء الحرب  مأساة  تمشي على قدمين حافيين  أبوطالب محمد

سوميت ونساء الحرب

مأساة  تمشي على قدمين حافيين

أبوطالب محمد

رواية "سوميت ونساء الحرب" للكاتبة نهلة البدري، الصادرة عن دار الفال للطباعة والنشر ٢٠٢١م.

تناقش الرواية قضايا الحرب وسوءاتها في مناطق النيل الأزرق- الدمازين-، وتصوِّر الرواية  من المشاهد الأولى الحرب في مأساة بالغة التأثير، وتضع النساء موضع اهتمام؛ لأنهن الأكثر تضرراً بفقدهن الزوج، الحبيب، الابن والأخ.

تفتتح المشاهد السردية أحداثها بمهاجمة قرى المواطنين الواقعة  بين مكانين ملتهبين يتجدد فيهما الصراع من حين لآخر، بين  الجيش الشعبي والقوات المسلحة السودانية، ثم تبدأ رحلة النزوح والمنفى لمناطق أخرى أكثر أمناً. وبين الزمنين تتكشف أحداث النساء المأسوية، مثل مأساة (فيفيان) زوجة سوميت "المقاتل في صفوف الجيش الشعبي" الذي تركها ولا تعلم مصيره حياً أو ميتاً، وهي حبلي في أيامها الأخيرة حيث يداهمها وجع الوضوع في ظلمة ليل، في مكان ناءٍ لا تتوفر فيه خدمة طبية لإسعافها؛ مما اضطر صديقاتها لنقلها إلى مكان آخر بحثاً عن مستشفى، وأثناء سيرهن يتفاجأن بأصوات الرصاص وتبادل ضرب النار بين الجيشين. تنجب (فيفيان) في ظلِّ هذه الأوضاع بنتاً وتسمِّيها (صيامة) تيمنّاً بوالدة سوميت. تنشأ البنت (صيامة) في المعسكر وتواجهه أمها مصاعب في  استخراج شهادة ميلاد لها.

يأتي السرد من عدّة أصوات: أحياناً من الشخصيات، ومن الراوي، وفي مواضع كثيرة تدور حوارات سردية موجعة بين النازحات (زوبا، وفيفيان، وعشة ) وذكرياتهن حول أزمان الاستقرار في القرية وأيام الطرب والاحتفالات ، والتمني بإيقاف الحرب وعودة الرجال الغائبين. تهيمن (عشة) على مُعظم محاور السرد، باعتبارها ساردة أساسية تمهر جملها السردية بتوقيع اسمها وتقول عن:  (نفسها أنا القضية وحلها أنا لا أنتمي لهذه الأرض، ص10). 

الأحداث محدّدة في متن الرواية بتواريخ غير متسلسلة ومكان أساس هو ( الدمازين) ، وهي دالة على استمرار  الحرب. الحدث المبتدأ الدمازين الأول من سبتمبر ٢٠١١، والثاني الدمازين ديسمبر ٢٠٠٤، والثالث عام ١٩٩٧، والرابع الدمازين فبراير ٢٠٠٥.

 أشارت الكاتبة إلى تواريخ جرحها نازف وهي: ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨، و يناير ٢٠١٥ ويوليو ٢٠١٧. تتضاعف من خلالها مأساة الشخصيات بمختلف إثنياتها؛ لأنها تعيش في زمنين مختلفين، زمن الحرب المستعرة وزمن التغنِّي بالماضي وحياة الاستقرار، وتقترب حرب (سوميت) إلى حدٍّ كبير مع حرب ١٥ أبريل في حركة النزوح والمنفى؛ حتى شخصياتها في رحلة نزوحها؛ فهي قريبة الشبه من أوضاع الإنسان المعاصر الذي يواجه بمصير مجهول.

تدين الرواية حملات السياسيين الذين يشعلون نيران الحرب ويحشدون الناس ويوعدونهم بالنصر، في حرب المنتصر فيها خاسر. وترفض جميع الشخصيات مثل هذه المخاطبات السياسية، باعتبار أنها شخصيات تنادي بسيادة الحب بين الناس، وتنشد السلام الدائم لوقف نزيف الحرب. 

 يدل زمن رواية "سوميت ونساء الحرب" وتواريخها المختلفة على أن حروب السودان المعاصرة هي حروب من أجل السلطة دون قضية محدّدة، ونتائجها النزوح والمنفى والسلام غير العادل للأطراف.

خلّفت هذه الحرب  الموت والمصائر  المجهولة للشخصيات، وتسيّدت الهجرة إلى بلدان أخرى الموقف. تموت فيفيان دون أن ترى زوجها، وتعيش بنتها (صيامة) في كنف امرأة أخرى، ويموت عماد، وتختفي (عشة وزوبا وسوميت)، ويختفي المكان بكُلِّ ما يضجّ به من شخصيات، وتسير مأساتها على قدمين حافيين في واقعنا المعيش، ويبقى الجيشان يتناطحان.