نص
نص اسيا رحاحلية الجزائر 1- كنت صغيرة و كان يحلو لي مرافقة أمي للتسوّق أو الزيارات.. و حين يكون الجو باردا.. تلفّني أمي تحت " ملايتها " السوداء..
نص
اسيا رحاحلية الجزائر
1- كنت صغيرة
و كان يحلو لي مرافقة أمي للتسوّق أو الزيارات..
و حين يكون الجو باردا..
تلفّني أمي تحت " ملايتها " السوداء..
لم أكن أرى الطريق أمامي ..
أخفض رأسي و أوازن خطواتي بخطوات أمي ..
و أتقدّم ..مطمئنة..ممسكة بيدها.
لعلّ الأهم ليس أن تبصر عيناك الطريق ..
و لكن أن يدلّك الحب ..
و لا تخذلك خطوات من معك.
2- كنت صغيرة..
أقبّل أمي قبلتين قبل الخروج إلى المدرسة..
و قبلتين عند الرجوع من المدرسة..
لا أذكر بالضبط متى توقفت عن هذه العادة الجميلة..
و لكني أذكر أني من لحظتها بدأت ..أحزن !
3- كنت صغيرة ..
و اكتشفت أن أختي الأكبر مني ..
تواعد شابا..و تلتقي به أحيانا خلف منزلنا..
هدّدتها أن أخبر أمي..
لكنّها اشترت لي علبة شوكولاته لذيذة..
و لم أخبر أمي !
4- كنت صغيرة..
و كان الجميع يقولون لي ..أنت صغيرة..
سوف تفهمين عندما تكبرين..
لكني كبرت..
و لم أفهم !
5- كنت صغيرة..
و تم اختياري لأقدّم الورد للرئيس هواري بومدين ..
عند زيارته لمدينتنا..
و في آخر لحظة استبدلوني بطفلة أخرى..
والدها رئيس البلدية..
يومها تذوّقت لأول مرّة طعم
الظلم والتهميش !
6- كنت صغيرة..
و كنت انتظر بلهفة وشوق يوم الجمعة..
لأنه عندما يجن الليل..
تروي لنا أمي حكاية جديدة..
و ينام الجميع ..
و أظل مستيقظة أفكّر في الحكاية !
7- كنت صغيرة..
و كنت أتوق لأن أكبر..
لكن الطفلة بضفائر شعرها الأشقر.
غافلتني..و اختبأت في أحداقي ..
و نسيها الزمن ...هنا !
8- كنت صغيرة ..
و اشترى أبي طقم قهوة جميل جدا..
و في المساء جلس مع أمي لشرب القهوة ..
سألها : أين طقم القهوة الجديد ؟
قالت أمي : وضعته في الخزانة لحين يزورنا ضيف .
قال أبي : قومي واجلبيه لي لأشرب فيه فإنه أنا الضيف .
و كان ما أراد .. وكنت وإخوتي نضحك مستغربين ..
استقل أبي قطار الموت بعد عراك طويل مع الحياة ..
يومها ، فهمت ما كان يقصد!
9- كنت صغيرة..
و كان لي معطف شتويّ أسود على شكل cape ""
و كان لخالي مطعم صغير في وسط المدينة..
أذهب إليه أحيانا لآكل عنده ..
و حين يلمحني آتية من بعيد يبتسم ويقول لمن حوله :
افسخوا الطريق ..جاء zoro !
10- كنت صغيرة..
و أعجبت بصبي يدرس في نفس الابتدائية..
كنت أحتال على أمي وأذهب للمدرسة مبكرا..
قبل أوان الدرس ..
لكي أراه ولو من بعيد..
و لكنه لم يكن يأبه لي ..
و لا يأتي مبكّرا...مثلي !
11- كنت صغيرة..
و أراقب أمي كل مساء حين يحلّ الظلام..
تملأ القناديل النحاسية بالزيت وتلمّع المصابيح ..
ليشعّ النور في منزلنا الكبير..
كانت القناديل تجمعنا حولها كسرب فراشات جميلات..
نقتسم نورها ونوشوش بالحب والضحكات ..
و جاءت الكهرباء..
فتفرّقنا !
12- كنت صغيرة..
و جاءني أبي بزوجين من الأحذية
لأختار واحدا للعيد..
أحببت الوردي لأنه أجمل ..و اختار لي والدي الأسود
لأنه أمتن..
أصرّ..و أصرّرت ..
و صاح بي ..: " حَكْمَكْ الوَجْد عليه ! " - أي على الحذاء -
و لم أفهم معنى كلمة " وَجْد ".. بقيت أياما أفكّر في الكلمة ..
و كبرت..و فهمت .. وعانيت من الوجد...
و لكن طبعا..ليس بسبب حذاء !
13- كنت صغيرة..
أعشق حكايات أمي ..و حين أسألها ..
لم حكاياتك أمي غريبة ..؟
تقول لي : لأنها خيال يا حبيبتي .
كبرت ..فإذا الواقع أغرب من الخيال في حكايات أمي !
14- كنت صغيرة ..
و كانت عمّتي تحكي لي عن أيام الحرب القاسية..
و كيف كانت حين تستلقي ليلا ، وتدسّ أطفالها تحت جناحيها..
تشاهد الرصاص متطايرا من فوق سقف بيتها المصنوع من القش..
كنت أستمع إليها وأحاول أن أتخيّل ما تقوله..
و رغم أني كبرت إلا أني لازلت غير قادرة على تصوّر الموقف !
15- كنت صغيرة..
و أصبت بمرض غريب كاد أن يفقدني البصر..
انتفخت عيوني والتصقت أجفاني بعضها ببعض ولم أعد أرى شيئا..
في ليلة..رأيت حلما مفزعا..
انتبهت صارخة أبكي..و فتحت أجفاني ..
و برئت ..
الآن ..أعرف أني أدين للكوابيس بالكثير..
و أوّلها بنور عيني !
16- كنت صغيرة..
و في المدرسة غازلني صبي شقي بكلام بذيء..
مددت يدي الصغيرة وصفعته بقوة أمام الجميع..
كانت تلك هي الصفعة الوحيدة التي أنجبتها كفّي..
و لم أندم عليها !
17- هناك..وأنا صغيرة
كنت أصدّق كل ما يقال لي..
و هنا...أيضا !
18- كنت صغيرة..
و في المدرسة نمثّل أنشودة :
نصف الصف ثعالب والنصف الآخر أرانب .
يغني الأرانب : نحن الأرانب نحن الأرانب نجري ونهرب من الثعالب !
و يغني صف الثعالب : نحن الثعالب نحن الثعالب نجري ونقبض على الأرانب .
و كنت أمثّل دور أرنب صغير وأنشد : بالله يا ثعلب أشفق عليّ ..
إني وحيدٌ لوالديّ !
الآن أدركت سخافة الأنشودة..
فمنذ متى كانت الثعالب تعرف الشفقة ؟!
19- هناك..
كانت الأيام تسير ببطء شديد
كسلحفاة مخدّرة..
و كنت أستعجلها..
هنا..
الأيام تهرول مثل لص يخشى أن يُقتفى أثره ..
لا تأبه لشيء..
ولا تسمع ندائي لها بأن تتمهّل ..
20- كنت صغيرة..
أعود من المدرسة مساء فأجد أمي قد أعدّت لي الحليب والخبز..
دارت الأيام ..
و صارت أمي تعود من مدرسة محو الأمية
فتجدني أعددت لها الحليب والخبز..!
21- كنت صغيرة..
و صباح الامتحان تلقمني أمي حبّة سكّر..
كنت أدخل الامتحان وأنا على يقين أني سأنجح ..
أعطي ما بقي من عمري ليعود لقلبي طعم تلك السكّرة !
22- كنت صغيرة..
و لم يحدث أبدا أن مدّ أبي أو أمي اليد عليّ..
لذلك لم يحدث أبدا أن مددت يدي على أبنائي .
23- كنت صغيرة..
و شاركت مع أختي في حصة تلفزيونية للأطفال ..
" الحديقة الساحرة " ..مع المهرّج " حديدوان "..
كنت مملوءة بالفرح والحماس والفخر..
بعد أيام تمّ بثّ الحصة على القناة الوطنية ..
لكني لم أشاهدها..
لم يكن عندنا تلفزيون !
24- كنت صغيرة..
لا أفهم لمَ يجنح أبي للصمت..
اليوم أدركت أن الصمت أيضا نعمة
مغبون فيها كثير من الناس !
25- كنت صغيرة
أرتعب حين أرى كلبا أو بقرة
لم أكن أدري أن المرعب حقا هو الإنسان .
26- كنت صغيرة..
أحب لَعِب " الغميضة" مع الأطفال ..
وحين كبرت..
أخذ الفرح يلعبها معي .
27- كنت صغيرة..
تراودني دائما نفس الكوابيس..
مرّة أراني في المدرسة بلا حذاء ومرّة
أني دخلت الامتحان متأخرة
و أخرى أن ذئبا يطاردني وأصرخ فلا أجد صوتي..
تراها كانت إشارات لما سيأتي ؟
ربما ..
28- كنت صغيرة..
ألعب كرة القدم مع صبيان الحي..
أشاركهم هرجهم وضحكهم
و شيئا من عنفهم
إلى أن قالت لي أمي يوما لقد كبرت ..فحزنت..
صرت أراقبهم من بعيد ..
و لا ألعب معهم .
29- كنت صغيرة..
عدت من المدرسة أحمل كشف نتيجة الموسم الدراسي..
تقهقر ترتيبي من الرتبة الأولى إلى الرابعة
لكني لم أهتم ولم أتوقّع أن يهتمّ أحد..
كنت سعيدة ..
غير أن أمي عاتبتني ..بشدّة ..
يومها فهمت الفرق بين رقم واحد ورقم أربعة ..
30- كنت صغيرة..
و رأيت أمي تحمل بعض ثيابها
تقف بين أبي وخالي
و تهدّد بالرحيل ..
لم أشعر بأي شعور محدّد..
فقط كنت أبكي في سرّي وأصلي ألاّ ترحل..
و فعلا.. لم تفعل.
31- كنت صغيرة..
عفويّة التصرّف والنظرة
و البسمة والفكرة والبوح..
و كنت أنتظر أن أكبر
لكي أضع عفويّتي عند جذع شجرة
و أحمل زادي من التريّث والمنطق ..
مرّ من العمر دهر..
و لازلت أنتظر.
32- كنت صغيرة ..
عندما تخيّر الموت أختي..
مع أنّ الجميع كانوا يتوقّعون رحيلي أنا..
كون المرض اشتدّ بي ..
اليوم أفهم لمَ كان ذلك ..
أحبّتني أختي فآثرت أن أبقى ..
و أحبّتني الحياة فأمهلتني لموت
آخر.
33- كنت صغيرة ..
أصرّ ليلة العيد أن لا تُخبئ أمي ملابسي الجديدة
في الدولاب بل كنت أضعها بجانب وسادتي ..
و كنا ننام ثلاثتنا في حضن بعض..
ملابسي وأحلامي وأنا ..
و فرحة نقيّة ورديّة تظلّلنا .
كبرت..ما عدت أهتم بلباس العيد
لكن أحلامي تنام في حضني ..إلى اليوم .
34- كنت صغيرة ..
و عندما تظلمنا الجارة وتبدأ بشتم أمي
و شتمنا .. يقول لنا أبي ..اصمتوا ..لا تردوا عليها
سترد عليها الملائكة ..
كبرت وحمدت الله أنه لم يضعني أبدا
في موقف السباب ...
لأني لا أجيده .
35- كنت صغيرة..
أنظر إلى الكبار بإكبار..
و أحسدهم على فسحة الحرية .
كبرت..
صرت أراقب الصغار بذهول ..
و أغبّطهم على فسحة البراءة