الناقد السودانى دكتور عزالدين ميرغني لـ "كليك توبرس":

الناقد السودانى دكتور عزالدين ميرغني لـ "كليك توبرس": نصوص كبار الكتاب لم تجد حظها من النقد.. الرواية صوت وضمير العالم. القصة تعيش الأفول المؤقت. الجوائز تدخل الكاتب التاريخ من أوسع الأبواب الخرطوم – كليك توبرس – عامر محمد أحمد

الناقد السودانى دكتور عزالدين ميرغني لـ

الناقد السودانى دكتور عزالدين ميرغني لـ "كليك توبرس":

 

نصوص كبار الكتاب لم تجد حظها من النقد..

الرواية صوت وضمير العالم.

القصة تعيش الأفول المؤقت.

الجوائز تدخل الكاتب التاريخ من أوسع الأبواب

الخرطوم – كليك توبرس – عامر محمد أحمد

 

 

 

 

يعد الناقد الدكتور عزالدين ميرغنى أحد أبرز النقاد فى الساحة النقدية السودانية فى العقد الأخير وكذلك من أكثرهم مشاركة فى الفعاليات الثقافية وفى الكتابة فى الدوريات والصحف وأصدر كتب تناولت الرواية والقصة وشعر المدائح النبوية وكتاب فى السيرة الغيرية ولميرغنى ترجمات من الفرنسية والإنجليزية وقام بإعداد برامج ثقافية فى قنوات فضائية سودانية.. التقته "كليك توبرس " فى حوار تناول كيفية  الحفاظ على التراث والثقافة العربية وحراك النقد فى السودان وأزمنة القصة والرواية..

* موقع النقد في الخارطة الإبداعية, إذ ظل السؤال حول الغياب رغم الحضور؟

-فعلاً يشكل غياب النقد مشكلة كبيرة في بلادنا, ومنذ الاستقلال وحتى الآن. وحتى جيل الكبار في بلادنا وخاصة في مجال الشعر والقصة القصيرة لم يجد حظه من النقد. صحيح أن المعاصرة حجاب, ولكن الجيل الحالي وجد نصوصاً جميلة, ولكنه لم يجد نقداً مواكباً لها. ليكون منهاجاً لمن بعدهم. والمشكلة في رأيي تتلخص  في عدم مواكبة المناهج حتى في كليات الآداب للنقد الحداثوي والمواكب. فكل الكتابات النقدية عندنا هي اجتهادات شخصية وعصامية ثقافية مقدرة. ولعل غزارة الإنتاج وطغيان الكم على الكيف هو الذي جعل النقد يحتار في اختيار النصوص الجيدة والتي ضاعت وسط هذا الانفجار الكتابي. ولعلها مشكلة في كل البلاد العربية.

* كيف تتشكل مدرسة نقدية سودانية وقد وجدت الأجيال في كل مرحلة جزر منعزلة تحيط بها إشكالية الكتابة والكتاب والنشر؟

-الفرصة في تكوين مدرسة نقدية سودانية كانت متاحة زمن النصوص الجميلة, والكتابات الرائعة, رغم أن حواء الكتابة عندنا لم تعقم, ولكن اهتم الكتاب بالكتابة عن النفس وليس عن نصوص الغير لأنها تجلب الشهرة والكل يريد أن يكتب نفسه وليس الآخرين هنالك عدة كتابات نقدية قديمة وحديثة يمكن أن تكون مدرسة نقدية سودانية ولكن المدرسة تريد من يتبناها ويجمع الناس حولها. واشكالية النقد هي إشكالية الكتابة التي تتمثل في مشاكل النشر والتسويق والتفرغ. والضائقة المعيشية.

 

 

 

* هنالك دعاوى تتكرر بأن لا جدوى للنقد؟

-قد يكون قلة المنتوج النقدي والذي هو نتاج لقلة النقد المتخصص الموهوب في بلادنا هو ما يدعو لهذا الإحباط وهذه السوداوية, وفعلا يتألم المرء عندما يجد نصوصاً جميلة لم يتناولها قلم ناقد متخصص, فيصيبها النسيان والبوار والممات. ولكن كما قلت سابقاً فحتى نصوص الكبار في الستينات لم تجد حظها الكبير من النقد. أما جدوى النقد فهذا ما لا يغالط فيه مغالط فالنقد هو الذي أسس معايير الكتابة في كل الأجناس الأدبية والإبداعية ولولاه لأصبحت الكتابة فوضى بلا مدارس وبلا قواعد تنظم وتطور دروبها ومساراتها. فكل ما نكتبه الآن من شعر وقصة ورواية ومسرح وحتى في الفنون التشكيلية هو نتاج كتابات النقاد ودراساتهم ولعل فوضي الكتابة تظهر عند الناشئة أكثر بعضهم يكتب الخاطرة ويعتبرها قصة, ويكتب قصة ويظن أنه يكتب الرواية, ويكتب خطرفات ويعتبرها شعراً. وذلك كله لغياب النقد.

* الأزمات الاجتماعية تحدد إطار الكتابة والمسكوت عنه تحول إلي موضة كتابية؟

-مدرسة الواقعية الاجتماعية وخاصة في الرواية هي مدرسة مفتوحة لهضم وكتابة الأزمات الاجتماعية, وخاصة عندما نضيف لها (الواقعية النقدية), والتي تتصدى للأزمات, وليس مطلوب حلها وإنما الدخول في فجواتها وإخراجها من الظلام إلي النور. بشروط الكتابة وتقنياتها الفنية بعيد عن التقريرية الفجة والوعظية المباشرة. وكلمة المسكوت عنه للأسف فهمها الكثيرون وخاصة من جيل الشباب بأنها كتابة الجنس واللأخلاق, بل بعضهم فهمها, بأنها الإساءة إلي الدين والمعتقدات, وهذا أكبر خطأ وقع فيه الكثيرون خاصة من الشباب والذين يسعون إلي الشهرة بكل ثمن. وقد تجاوزنا مرحلة قراءة النص لأنه مصادر أو ممنوع. وفي اعتقادي أن النقد يطلق لفظ المسكوت عنه للعادات الاجتماعية الضارة والتي قعدت بنا كثيراً, كل هذا يكون الكتابة فيه محمودة وتعتبر الكتابة العلمية الصحيحة في المسكوت عنه, وقد أفلحت الرواية النسائية في غرب إفريقيا في ذلك كثيراً.

* هل نعيش زمن الرواية؟

 - نعم هو زمن الرواية, لأن الحياة الإنسانية قد تعقدت وتشابكت دروبها, وتعقدت أزماتها, بل ذاب الفرد وسط هذا الجمع, فأصبح الشعر لا يستطيع أن يعبر عن هذه الأزمات الجماعية, فالفرد أصبح جزء من الكل ولا يسمع صوته إن كان لا يعبر عن هذا الكل فالشعر هو غنائية ذاتية هامسة لذلك يضيع هذا الهمس وسط هذا الضجيج. رغم أن هذا الصوت لن ينتهي أبداً, والرواية هي المسموعة الصوت الآن لأنها تمثل صوت وضمير الكل وليس الفرد لذلك فهذا هو زمنها, وهذا هو الذي يحفز الفرد لأن يعتبرها ملكه لأنها تعبر عن مجتمعه ومحيطه. وقد يجد في النص الجيد كل الأجناس الأدبية الأخرى من حيث شعرية اللغة ومسرحة الحدث وتقنية السينما, والتجريد والتجسيد والخيال المجنح. وليس معنى ذلك أن الأجناس الأدبية الأخرى ستموت ولكن يصبح التحدي أمامها كبيراً, والأدب المنافسة فية مفتوحة وبديمقراطية ليس فيها وصاية ولا ديكتاتورية والقارئ سلطان يغريه الجنس الأدبي الذي يروق له ويجد فيه ما يبتغيه.

* هنالك اتهام بمجاملة النقاد للكتاب؟

 -لعل الحياة الاجتماعية في كل بلد تؤثر في المسار النقدي, وفي بلادنا يعتبر نقد النص, هو نقد الكاتب في شخصه ومقدراته الكتابية, وقد يؤدي إلي الخصام, وحتى في أوربا عندما انتقد سارتر, الروائي البير كامو في روايته الشهيرة (الغريب) ساءت العلاقات بينهما. لذلك يتجنب النقاد على قلتهم في بلادنا الخوض في معارك أدبية قد يعتبرها البعض شخصية ومقصودة. وهذه من الأشياء التي أقعدت بالنقد وكبلته. صحيح أن النقد قد يتناول الجانب الجميل والمضيء في النص ويترك الجانب المظلم أو السلبي, ومن هنا يأتي عيب إخفاء السلبيات في النص. واعتقد بأن الناقد المحترف هو الذي يوازن بينهما بطريقة ليست قاسية ولا جارحة وليست محبطة للكتابة خاصة عند الشباب. وبعض النقاد قد يأسره أحد النصوص ويعجبه مثله مثل القارئ العادي فيكتب عنه بحميمية المعجب وليس بعلمية الناقد ومن هنا قد يأتي مصطلح المجاملة, والذي قد لا يكون دقيقاً. وهنالك كتابة ما يسمى بنقد النقد يمكن أن تتيح الفرصة للآخرين للرد عليه.

 

 

 

 

× مستقبل الرواية العربية؟

-يقول النقاد في الغرب, بأن المستقبل في الرواية هي لكتاب العالم الثالث, وبالطبع نحن جزء من هذا العالم. ولعل هذه المقولة جاءت لعدة أسباب, أن مواضيع الرواية الغربية قد استهلكت وتكررت نسبة لنمطية الحياة السائدة هنالك وحيث انعدام الصراعات ومعاناة الحياة اليومية, هو الذي يجعل الخيال مدجناً. وفي العالم الثالث هنالك الكثير من خامات الكتابة لم تتشكل روائياً بعد, وهنالك العادات والأساطير والموروث الشعبي الذي لم ينكتب بعد, ثم أن فنون وتقنيات الرواية أصبحت متاحة ومعروفة فليست حكراً على بلد دون الآخر, بل جنس الرواية يسمح بالتجريب والتجديد, وكل هذا يجعل المستقبل أمام الرواية في العالم العربي مضيئاً وليس مظلماً, ونضيف عليه غنى اللغة العربية بالجمل والتعابير السردية الجميلة, وهنالك السوق العربي المفتوح للرواية الجيدة لكي تنتشر سريعاً في كل العالم العربي.

* دور الجوائز العربية في تحفيز الكاتب؟

-لا شك بأن الجوائز العربية قد لعبت دوراً كبيراً في تحفيز الكاتب العربي لأن الفوز بالجائزة يعني الشهرة في العالم العربي كله, وهو قارئ لا يستهان به أبداً, ثم المال الذي يتيح لك الحياة الكريمة وشبه التفرغ للكتابة ثم طباعة أعمالك القادمة والطباعة هي من أكبر العقبات في مسيرة المبدع العربي, ويتيح لك الفوز ترجمة اعمالك إلي اللغات العالمية الحية, والتي تفتح لك الطريق السهل إلي العالمية, وبهذا تدخل تدخل التاريخ الأدبي من أوسع أبوابه ومداخله غير حضور الندوات والمشاركة في المؤتمرات. ومن هنا تأتي إيجابيات الجوائز العربية.

 أخذت الرواية   )زمن القصة( ونحن نعيش في زمن السرعة؟

-هو كما أعتقد نوع من الأفول المؤقت, أو خفوت الصوت, والذي له أسبابه ومسبباته الكثيرة والعديدة. ولعل علو صوت الرواية قد ساعد في ذلك, وخاصة تحفيز الجوائز الكبرى للرواية, ولا توجد في القصة مثل هذه الجوائز حتى في بلاد الغرب وأمريكا. صحيح بأن الكاتب والمبدع الحقيقي لا يكتب من أجل أن ينال تكريماً أو جائزة, ولكن من المؤكد بأن الكتاب الشباب والذي تتطور الكتابة على أيديهم صاروا يبحثون عن الكتابة التي تجلب لهم طريق الشهرة والمال, فكل من عنده بذرة سردية في طريقها للنمو فإنه يوجهها نحو الرواية, حتى ولو كان نفسه السردي هو نفس القصة القصيرة. وقد لا يتشجع كي ينمي موهبته فيها. وهذه مشكلة كبيرة موجودة حتى عند الكتاب الكبار والذين يمكن أن يبدعوا في مجال القصة القصيرة, بجانب كتابتهم للرواية ولكنهم آثروا أن يخصصوا زمنهم ومجهودهم لكتابة الرواية دون القصة القصيرة. والقصة القصيرة لها دروبها وفنياتها ومتعتها في القراءة وفي مواضيعها الخاصة التي لا يمكن للرواية أن تقوم بها يوماً ما.