الفعل الثقافي العربي منفصل عن واقعه

الفعل الثقافي العربي منفصل عن واقعه الشاعر والناقد المغربي ادريس زايدي الشعر يتشكل عند لحظة الاشراق لا ربيع بدون مطر ثقافي حقيقي حوار – محمد نجيب محمد على – عامر محمدأحمد

الفعل الثقافي العربي منفصل عن واقعه

الشاعر والناقد المغربي ادريس زايدي

الفعل الثقافي العربي منفصل عن واقعه

الشعر يتشكل عند لحظة الاشراق

لا ربيع بدون مطر ثقافي حقيقي

حوار – محمد نجيب محمد على – عامر محمدأحمد

ظل سؤال الشعر والنقد مسيطرا على المشهد الثقافي العربي منذ سنوات بعيدة تمتد مثل امتداد الازمات التي تعترض سؤال النهضة العربية الشاملة والتي تحيط بالسؤال وتضع الاجابة الحقيقية لكل الاسئلة المطروحة والشاعر والناقد المغربي ادريس زايدي يحمل هذا الهم الثقافي ويقرأ في تفاصيله باحثا ومنقبا في سؤال الشعر والنقد والسرد برؤية العالم المدقق والفاحص للتراث الحداثة وتأثيراتهما على المشهد وما بعد الحداثة كرؤية كونية تظهر على المشهد وتحيط به ايضا ومن زوايا نظر لها الف اجابة واجابة حقيقية عن سؤال الشعر والنقد والكتابة من المحيط الى الخليج وما بين الخرطوم والرباط سافرت الاسئلة واتت الاجوبة تحمل المحبة والعلم ولم تغفل عن ما طرح, ادريس زايدي متخصص في الأدب العربي واصدر عدة كتب منها " وجع النخيل {شعر}، ملامح النقد المغربي الحديث" ودراسات في الشعر والنقد والسرد.

× هل يعتبر الشعر مرآة للمجتمع ، يقرأ تفاصيل الحياة، ويؤثر في المشهد العام السياسي والثقافي والاجتماعي؟

- من باب المغامرة القول بأن الشعر يقود المشهد السياسي والثقافي الاجتماعي العربي، لأنه في عصرنا لم تعد ملامح الفعل الإبداعي تؤثر إلا بالقدر الذي نجد السبق السياسي في قراءة الإبداع ،بمعنى استثماره لتوجيهه نحو محطات الفعل السياسي السلبي ،والتي أصبحت تشكل ظاهرة العصر السياسي البئيس من المحيط إلى الخليج .

.

 

× أين موقع الشعر العربي في الراهن؟

- لم يعد الشعر غير وجه هذا البؤس والانكسار الوجداني . بحيث تحول الإنسان العربي إلى شاهد على جلد ذاته أمام الآلة السياسية التي لم تتجاوز فكرة النخب وتهميش الشعوب . وهو إحساس خلق علاقة جديدة مع الإبداع الشعري ،علاقة تختصر الأزمة في الذات ،فحولتها إلى أزمة في جسد الوطن العربي كله.

× أزمة مجتمع أم شعر؟

-تبقى عملية الفعل الشعري على هامش الفعل المباشر ،وهو بحال من الأحوال تصوير لثقافة المجتمع في زمن لا يعرف نهضة القراءة . فقط نلاحظ خلق انزياحات على مستوى اللغة كرمزية لا تقوى على استنهاض العقول الفاعلة ، كأشعار أحمد مطر ومحمود درويش وغيرهما . ونحن في حاجة إلى إعادة صياغة فعل القول الشعري لقيادة المثقف السياسي إلى التخلي عن السياسي لصالح الثقافي،مادامت الثقافة هي الغطاء الأرحب الذي يحدد أبعاد الفكر السياسي الخلاق.

× تحاصر الرواية الشعر في مربعات صغيرة ترتبط باللغة والموسيقىالداخلية كيف تقرأ مصادرة السرديات للشعر .

- ربما كثر الكلام عن الإبداع الروائي في علاقته بالشعر. وكثر اعتبار الرواية فن هذا العصر بامتياز. لكن أن يقع اتهام أحدهما للآخر غير صحيح. فلكل جنس أدبي مميزاته ،فكما لا يمكن للجمال الشعري أن يكون بغير اللغة الجميلة فالرواية لا يمكن أن تتخلص من الحكاية والسرد والشخوص والأفضية ..تمايز طبيعي للحفاظ على النوع .والقول بمصادرة السرديات للشعرهو دليل على قوة الشعر الذي أمسى طابع كثير من الكتابات الروائية المعاصرة، ويوضح ذلك عدد من الأطاريح والرسالات الجامعية والبحوث التي أنجزت بعناوين من قبيل (شعرية الرواية) أو (الشعرية في رواية..)

× الشعر المغربي لعب دورا كبيرا في الحداثة الشعرية العربية ثم تراجع لماذا خفض صوته عربيا.

-لا ننسى أن فكرة ''يوم عالمي للشعر'' هي فكرة من اقتراح شعراء مغاربة  وطورها بيت الشعر بالمغرب . وتبناها العالم من خلال مؤسسة اليونسكو التي أرست تقليدها عالميا بكلمة اليوم العالمي للشعر التي تصوغها كل سنة. كما أن ترجمة كثيرا من الشعر المغربي جعلت ثقافة الشعر رسالة عابرة للحضارات ، وكنموذج على ذلك نجب محمد بنيس الذي ترجم للغات متعددة وكذلك عبد اللطيف اللعبي....علاوة على الأسفار الثقافية  التي أصبحت تتكاثر سنة بعد سنة ، وفي هذا دليل على أن الشعر المغربي لم يتراجع من حيث روح الشعرأمام الغوغاء الإعلامي المشوش على حقيقة وجوهر ونقاء الإنتاج الشعري.

× هل لازال الشعر المغربي متقدما في نظرته للاصالة وحفاظه على التقليدية ام أصابه ما أصاب الشعر؟

-أعتقد أن الشعر المغربي لايزال يحتفظ بأصالته الحداثية والتقليدية معا ،مع سعة انتشار قصيدة النثر ، وهذا  يدل على توسع الكتابة بشكل عام وتنوعها ، لانتشار دور الطباعة والنشر وسهولةالتواصلعبر الوسائط الاجتماعية. وإذا كان الشعر المغربي قد لعب دورا مهما في تطوير مسار تاريخ الشعر العربي عموما ، فذلك راجع للحركة النقدية الكبيرة في مرحلة عصيبة ، كان من نتائجها ظهور كتابات عدة منذ مرحلة السبعينيات في مؤلفات أو على أعمدة الجرائد والمجلات ، تسائل النقد في آلياته .

× ما هي مساهمة الكتاب والنقاد المغاربة في حركة الشعر والنقد العربي؟

-ومن الكتابات نجد : نجيب العوفي "الوضع النقدي العربي يعكس قلقا في الوعي العربي" و"درجة الوعي في الكتابة" و" تجربتنا النقدية بين المصادرة والتشجيع" و" المنهج الجدلي: حدود متحركة ولانهائية " ونجد إدريس الناقوري " دفاعا عن المنهج الاجتماعي"و  "المصطلح المشترك"وحسن المنيعي" أزمة المنهج النقدي العربي (النقدالعربي كنموذج)" ، والبشيرالوادنوني" من اجل نقد منهجي متطور " و " الاستلاب الأيديولوجي في الرواية المغربية" وعبدالكريم غلاب" واقعية المضمون النضالي" ومحمد زفزاف"من أجلن قدأدبي صحيح"... وكتابات أخرى عميقة الرؤية لمحمد برادة ، ومحمد بنيس وحميد لحميداني وغيرهم... وأعتقد أن هذا التراكم النقدي قد حصن الإبداع الشعري في المغرب ، وأعطاه نوعا من الحضور في الساحة الثقافية العربية من مثل أشعار محمد بنيس ومحمد السرغيني وأحمد المجاطي وعبد الكريم الطبال والخمار الكنوني ...

× في زمن الأيديولوجي العربي كان الشعر الصوت الأعلى والأكثر تأثيرا في المشهد هل ما يزال الشعر هو المعبر الأول عن الأيديولوجي الفكري .

-أعتقد أن الإيديولوجيا كمرجعية للسلوكات الثقافية لم يخل منها عصر، منذ القدم . لكن مع تطور الفكر أجبر الإيديولوجيا على إعادة التفكير في نفسها ، فهي تطور نفسها بالقدر الذي يخدم مصالح فئة معينة . من هنا لم تعد الإيديولوجيا لسانا مباشرا للجماعة التي تعتنقها . بل تعقدت في زمن لم يعد الإفصاح عنها دليلا عليها في الشعر إلا كوجدان فردي يستمد قوته من الشعور بهيمنة ما . أي أن الإيديولوجيا كفكر فلسفي احتوته الإيديولوجية بالمفهوم السياسي ، والسياسة نخبوية تمارس تذويب المثقف كما الشاعر. فلا يتكلم الشاعر إلا ليصنع إيديولوجيته اللغوية الخاصة ، ترميزا يطرب الشعوب العربية الميالة إلى لحظات الفرجة ، كما نشاهده  في واقع وطننا العربي.

× الكتابة للنخيل من زاوية المكان  والعنوان، ماذا أردت أن تقول في ديوانك للنخيل والناس والأرض ؟

-أن تكتب عن النخيل أو تختاره عنوانا لديوان شعري ، فليس ذلك يعني غير التعلق بشجرة النخيل رمزا للشموخ والصبر ، النخيل الذي يحترف النمو في الصحارى والأراضي القاحلة . وما حضوره في الشعر العربي بمختلف استعمالاته إلا دليل على وقعه في الوجدان العربي من أوجه متعدده ، وذكره في القرآن الكريم يحمل دلالة التخليص لمريم من جوعها ، بل لحلاوة رطبه . واستعمالي له غالبا ما يتبدى لي كتاريخ يمارس سلطته علينا ، منذ شعراء الجاهلية إلى الأندلس فالسياب وغيرهم ممن قرأنا لهم . وقد لا أعبر أكثر من قارئي عن استعمال لفظ النخيل، ما دام الشعر يتشكل في لحظات الاشراقات.
× النقد العربي لم يستطع مجاراة انفجار الكتابة السردية العربية؟

-سؤال على كثير من الأهمية . وأعتقد أن هذه هي الأزمة التي تحدث عنها الكثير. والبحث عن السبب لا يمكن أن يخرج عن الفعل الثقافي العربي ، المنفصل عن واقعه . هي تهمة قد لا يستسيغها كثير من النقاد ، لكن السؤال يحمل جوابه ، بأن الثقافة العربية شقية بوعيها الزائف ، - تدور حول نفسها ، تجتر انهزاميتها وشقاوتها – تقف ضد سيرورة التاريخ وتدفع به نحو المجهول .

 

× كيف السبيل لاعادة سؤال النهضة الثقافية من جديد؟

-يقيني أن الثورة الثقافية تقضي بالسير جنبا إلى جنب ، كل من النقد والإبداع . وهذا ما لم تتجند له القوى الثقافية التي تحمل سلطة القرار، بعيدا عن الإملاءات التي تحاصر تطوير الحركة الثقافية كمكون أساس للتنمية . هكذا يصعب المراهنة على مجتمعات لا تقرأ الثقافة إلى في شكل متحفي أو فولكلوري. ولعل الانفجار التكنولوجي  ساهم في تحرير الإنسان ، فوقع تراكم إبداعي تجاوز خطوات النقد الوئيدة ، وربما المنعدمة قياسا مع ما ينشر ورقيا وافتراضيا .فصعبت المجاراة . ويبقى التراكم والتفاعل بين الذين يكتبون السمة الأساس ، بل الضرورية في زمن اقتصر فيه النقد على القراءات الإخوانية التي تصنع ثقافة نخبة لا يمكن الاستكانة إلى رؤيتهم للمستقبل الثقافي العربي ، والذي يتجاهل هذا السيل الجارف من الإبداعات التي لا تقل تعبيرا عن شيء ما،وللنقد الجاد أن يعود إليه ...


× هل يعانى النقد العربي من أزمة المصطلح ؟

  قد لا نتحدث عن المصطلح بدون قرنه بالمنهج . فهو الذي يعطيه مدلوله ضمن نسقية كلية . وليس أزمة المصطلح غير استيعاب للظاهرة الإبداعية التي تجعل من المصطلح تاما وكاملا من حيث تاريخه وبيئته وتبيئته . فالنقد العربي لم يستوف درسه للنقد القديم ، حتى ارتمى في حداثة نقدية غير مسعفة، أنتجها سياق يستند لمرجعيات ثقافية وفلسفية . وقد لعب الاستعمار الغربي للبلاد العربي دوره في توجيه النقد نحوه. ومن منطلق الحداثة ترجمت كتب ونصوص لنقاد غربيين ، تهافت عليها كثير ممن وُكِل إليهم ريادة الثقافة.

×هل كان الفشل في قراءة المصطلح الغربي؟

-بحسن النية لم ينل تطبيقاتهم كثيرا من الدقة العلمية ، فاختلف المصطلح بين الغرب العربي والمشرق العربي ، واحتمى كل ناقد بطريقته في المقاربات النقدية ، وفي أحيان كثيرة يعلن تصرفه في المنهج وتعريف المصطلح ، بدعوى إخضاعه للبيئة الثقافية . وإن حسُن قليلُه ، فكثيرُه لم يستطع أن يؤسس رؤية نقدية رصينة ، إلا ما كان ممن تشربوا ثقافة الغرب قبل نقده ، فتيسر لهم العمل النقدي الجيد .
×ما مدى تأثير الثقافة واللغة الفرنسية على النقد المغاربي في موازاة النقد المشرقي؟

-صحيح حين نتحدث عن النقد ، يتبادر للذهن التقارب الجغرافي بين المغرب وأوروبا ، وهذا التقارب تمخض عنه تأثر بالنقد الأروبي بالموازاة مع المشرق . ففي الوقت الذي لم يكن الإبداع المغربي يصل المشرق ، كان المشرق في منآى عن البحث عنه ، لولا العمل الذي قام به عبد الله كنون وأرخه في كتابه " النبوغ المغربي" وفي ذلك إشارة إلى رد فعل غير معلن رسميا ، في فترة قل فيه التواصل . وكان في اعتقادنا أن التوجه نحو الشمال هو المعبر نحو لمّ رؤية ثقافية . فكان أن عمل المثقف المغربي على الاطلاع والترجمة  للشكلانيين الروس ، وكتابات رولان بارط ، ولوسيان كولدمان وجورج لوكاتش وغيرهم ، مما شكل نواة التحول في النقد المغربي ، خاصة في الجامعة المغربية . ولم يكن هذا التأثر لينسي المغرب الاهتمام بالثقافة العربية القديمة التي تحملت الجامعة المغربية قسطا من المسؤولية في تبليغها للطالب ، موازاة مع تدريس المناهج النقدية الغربية .

× لماذا اختلفت الرؤية المغاربية النقدية عن المشرق العربي في كثير من المباحث؟

-صحيح أن النقدالأدبي المغاربي يؤمن بفكرة أن الثقافة لا وطن لها ، ويؤمن بالاختلاف والتثاقف. فرغم شعوره بالاضطراب ، فذلك لا يعود لأزمته هو وإنما للواقع ، لأزمة المجتمعات، التي تعيش اضطرابا في بناها الفكرية ، وأن الثقافة العربية مغاربيا أومشارقا ، لم تقدر على توحيد رؤيتها في صناعة فكرة التفاعل مع الغرب. وليست الثقافة الفرنسية سوى نموذج من المؤثرات التي تم التفاعل معها لظروف مشجعة أكثر من غيرها . وتبقى المسألة الثقافية مشروطة بتسهيل التواصل بين البلدان العربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .

× الفرانكفونية ودورها سلبا وايجابا في ثقافة المغرب العربي .

-حين تكون الفرنكفونية اختيارا لا إجبارا يصح السؤال . وأن تتعلم لغة أو ثقافة غيرك هو تأمين من شر قوم  . لكن حين تغدو الفرنكفونية لغة سياسة تدبر أمر الثقافة والإبداع ، فذاك أمر آخر.

× الربيع العربي تحول من التغيير الى التعبير عن الجراح بالصمت والدموع ومشاهدة القتل اليومية من تسبب في إجهاض ربيع الشعوب .

  لقد ولدت الجراح ربيعا لم يزهر غير الجراح . وربما ما يعرفه العالم العربي الآن من فرقة وتمزق ، سيقدم درسا للشعوب . حيث لا ربيع بدون مطر ثقافي حقيق ، وجدير بأن يُكوّن رؤية للمستقبل . فكل ثورة دون حصانة ثقافية لا تؤتي أكلها . بل لا تُنْجب غير يُتْمٍ يتجدد، فيموت الثائر متوسدا دمعاته وجراحه.

× الكتابة الجديدة في الشعر والرواية والقصة هناك من يراها متقدمة وبنت عصرها، ومن يراها في اغلبها ضعيفة ولاترقى للنشر في كتب ؟ 

-لا أعتقد في أن الكتابة ضعيفة مهما كانت . فهي على الأقل تحقق نوعا من الوصل بين الكاتب والقارئ. بل القراءة كتابة كما الكتابة قراءة بتعبير رولان بارط  . ونحن أحوج الشعوب إلى أن نكتب . ففي الكتابة يتولد المعنى ، يتجدد الحلم ، يسافر الكاتب في اللغة وعبر اللغة ، يكتشف عوالم جديدة ... إنها تجدد مستمر . ولعل الكتابة الجديدة لا تقل أهمية من حيث التعبير عن عوالم الذات ، في زمن تشابكت فيه أصناف من الحياة . لقد قرأت في الأيام الأخيرة  روايات " فلين : جذور الصفصاف " لجمال الدين علي،  من السودان ، و" إشراق العشق " لزياد حميدان ،من فلسطين ، و" شجرات وخرائط "لحسن إمامي، من المغرب

×هل استطاعت الكتابة الجديدة التعبير عن الواقع العربي المعاش؟

-فوجدت أن الكتابة المعاصرة بخير. هذا من حيث تناول الموضوعات والتعبير عن الرؤية لجراحات الذات وانشطارها بين الخصوصية والكونية ، وكذا بناء المحتوى وطبيعة تناوله . فهي روايات لا تختلف عن الروايات العربية المهمة، ناهيك عن الرواية الغربية الحديثة . لكن مع تسويق المعرفة، فإننا نعيش أزمة هذا السؤال .