الأديب ومفوض الشرطة (2-2)

الأديب ومفوض الشرطة (2-2) عامر محمد أحمد حسين. يقول "جورج بالوشي هورفات" في أول مؤتمر عقده اتحاد الكتاب السوفييت وصف ستالين "الأدباء بأنهم المهندسين

الأديب ومفوض الشرطة (2-2)

الأديب ومفوض الشرطة (2-2)
عامر محمد أحمد حسين.

 

 

 


يقول "جورج بالوشي هورفات" في أول مؤتمر عقده اتحاد الكتاب السوفييت وصف ستالين "الأدباء بأنهم المهندسين، الذين يوجهون بناء الروح البشرية وقال جدانوف ان مهندسي الروح البشرية هؤلاء باستطاعتهم أن يكيفوا عقلية القاريء ويبنوا فيها روح الاشتراكية عن طريق الواقعية الاشتراكية فقط وقال: "ان أدبنا السوفياتي لا يخشى من أن يتهم بالتحيز نعم انه متحيز ففي عصر النضال الطبقي لا يوجد ولا يمكن أن يوجد أدب غير طبقي وغير متحيز وغير سياسي" وقال: كارل رادوك" في المؤتمر الأول: "اذا صعب على كاتب أن يتخلى عن أعز ظلال الرأي الفردي, فعليه أن يدرس, اختبارات الثورة السوفياتية سيجد أنه اذا أراد أن يكافح الاستعمار فعليه أن يسير في صفوف الجماهير, ولكنه اذا وضع ما يسمى بآرائه في معارضة الجماهير فعندئذ يتضح أن تلك ليست آراءه الخاصة ولكنها آراء بعض الجماعات البورجوازية المعادية للبروليتاريا" وبعد وقت قصير حكم على "رادوك" بالسجن "10 سنوات" كعدو للبروليتاريا وأيقن الكتاب السوفياتون أن عليهم أن يتخلصوا عن الآراء الفردية وان الاسلوب الفردي الخاص قد صار شيئاً فشيئاً أمراً خطيراً, وبات على مؤلفي الروايات أن يصفوا موظفي الحزب والعمال والفلاحين لا كما هم في الواقع, بل كما يجب أن يكونوا وقفاً لما يريده الحزب, وصار يتوجب على "البطل الايجابي" في كل رواية أو قصة أو مسرحية أن يكون شيوعياً كاملاً بينما البطل "السلبي" يمثل خلاصة لجميع الآثام والشرور البورجوازية.

 

 

 


السعادة
وحسب رغبة ستالين أثناء العمل على تطبيق النظام الجماعي في الزراعة بالقوة تمت تصفية مالا يقال عن عشرة ملايين من الفلاحين وإبعاد الآلاف منهم الى معسكرات العمل الجبري. وفي تلك الفترة بالذات نشرت المئات من الروايات في تمجيد الكفاح من أجل تطبيق الجماعية الزراعية،  وكانت كل رواية تصف قرية معينة،  والنضال الذي دار فيها بين الفلاحين الرجعيين المتمسكين بمزارعهم،  والفلاحين التقدميين الذين دخلوا صفوف الحزب ورغبوا في تطبيق الزراعة الجماعية, وبعد أن تؤسس المزرعة "بالاقناع" كانت توجد بعض الصعوبات, كما أن شح الأمطار والفيضان،  والجفاف،  يتهدد الحصاد, كما أن التهرب وأعمال التخريب تسبب الأضرار. وفي نهاية الرواية وتحت قيادة "بطل ايجابي" يبرز فلاح تقدمي،  أو رئيس المزرعة الجماعية, وأكثر الأحيان سكرتير الحزب،  وينتهي عندئذ النضال بالانتصار فتبدأ المزرعة تتمتع بالسعادة والغني،  ثم يقدم رجال الشرطة السرية، ويلقون القبض على "المخربين السفلة وأعداء الشعب الأوغاد".
دكتاتور الأدب الروسي
في عام 1936م, عندما بوشر بعملية التطهير الكبرى, كان "فادييف" رئيساً وسكرتيراً عاماً لاتحاد الكتاب واستمر في منصبه هذا حتى عام 1944م ثم عاد اليه بين 1946, و1954م وكان أكثر ذلك الوقت رئيساً وسكرتيراً للجنة الآداب الحزبية ورئيساً للجنة جائزة "ستالين" وبعبارة أخرى كان ديكتاتوراً على الأدب السوفياتي. ويضيف "هورفات" "أما العالم الحر فقد عرفه من تصرفه الفريد من نوعه أثناء مؤتمر السلام الدولي عام 1948م عندما اندفع في هجوم شرس على الأدب الغربي, فتحدث عن تدهور الأدب البريطاني،  وإنكساف شمس المثقفين البريطانيين، وقال عن الثقافة الأمريكية, أنها تفوح برائحة الفناء والفساد. وقال فادييف "الرئيس والسكرتير العام لاتحاد الكتاب الروس" "لو كانت الثعالب تستطيع أن تضرب على الآلة الكاتبة،  أو تستعمل أقلام الحبر لأمكنها أن تكتب مثل ما كتب. ت.س إليوت وأوجين أونيل, ودروس باسوس, وجان بول سارتر, واندريه مالرو. وفي عام 1946م وصف "فادييف" باسترناك بأنه يمثل الفردية الغربية عن روح المجتمع السوفياتي, ووصف جدانوف "آنا اخماتوفا" بأنها "ساقطة" و"راهبة امتزج فيها الفجور بالصلاة".
كتل الأكاذيب
يقول مؤلف كتاب "الأديب ومفوض الشرطة" جورج بالوشي هورفات "عقب موت ستالين استمرت لفترة مرحلة مؤقتة "للانفراج" وأخذ الكتاب  والأدباء السوفيات, يكتبون بجرأة مضطردة كل مالم يجرأوا على كتابته في عهد ستالين, وبلغ ذلك الذروة عندما وقف "خرتشوف" وألقى خطابه عن جرائم "ستالين" عام 1956م فهاجم في اجتماع لاتحاد الكتاب والأدباء السوفيات, الروائي الكبير ميخائيل شولوخوف, ادارة الحزب لشؤون الأدب, بمنتهى الوضوح فقال "ان اتحاد الكتاب السوفياتيين يضم أعضاء مجموعهم 3772 عضواً مسلحين بالأقلام ويتمتعون بمهارة أدبية على درجات متفاوتة ولكن إياكم أن تدعموا هذا العدد يرعبكم أو يسركم, فإن القسم الأكبر منهم يتألف من "أرواح ميتة" وليس لديهم شيء يكتبون عنه, فإن اتحاد الكتاب تحول من منظمة خلاقة كما يجب أن يكون الى جهاز اداري, ومع ان السكرتارية, كانت بكل نشاط توالي عقد الاجتماعات, فلم تكن هنالك كتب. كما ظهر أن "فادييف" السكرتير العام كان يتعشق السلطة. ترى ألم يكن بالامكان أن يقال لفادييف قبل وقت طويل "ان اتحاد الكتاب ليس كتيبة عسكرية وليس ثكنة تأديبية تخضع لإرادته المطلقة" وفي أيار/مايو 1956م انتحر فادييف واحتفل رسمياً بمأتمه, وتألف حرس الشرف من خرتشوف ومولوتوف, وبولغانين" ويمضي "هورفات" في شرح الستالينية الأدبية "في روسيا وارمينيا والمجر ولاتفيا وتشيكوسلوفاكيا وفي كل مكان آخر ناضل الشعراء ضد الحقيقة المرة ومن هؤلاء الشاعرة السوفياتية "مرغريتا البجير" التي نشرت قصيدة بعنوان "الحقيقة" "ان صديقي في أيام الشباب قد أهين بقسوة من أعدائه. فيا أعز الناس الى قلبي, أنا أعلم أنك لن تنسى الأحزان والاذلال والتعذيب, لقد قلنا يجب أن يكون هناك شيء في كل ذلك. لقد رفعنا أيدينا مقترعين للزور والبهتان.
الشيطان وحده
"استمر الأخذ والرد بين الكتاب السوفيات ومفوضي الشرطة السياسيين طوال عام 1958م وكان مفوضو الشرطة مصممين تصميماً قاطعاً على إعادة دكتاتورية الحزب على الأدب. ولكنهم لم يلقوا في ذلك نجاحاً. وفي البيانات التي كان يصدرها مفوضو الشرطة السياسيون أصبحت كلمات التسامح والانسانية والحرية والفردية تعابير محتقرة. أما موقف الحزب تجاه الأدب في عهد زعامة خرتشوف, فقد دلت عليه بوضوح قضية "باسترتاك" عام 1958م عندما منحت روايته "الدكتور زيفاجو" جائزة نوبل للآداب, سافر "سوركوف" سكرتير الاتحاد الأول الى "ميلانو" على جناح السرعة ليحاول منع نشر الكتاب وبعد أن أخفق في مسعاه اتجهت النية الى طبع الكتاب في روسيا أيضاً. وهدد مفوضو الشرطة السياسيون "باسترتاك" بجميع أنواع العقاب اذا لم يسترد كتابه من الناشر الايطالي. كما ذكره كبير مفوضي الشرطة للأدب في حديث مسجل بصوت،  يوريس بلنياك, الذي أعدم رمياً بالرصاص, وحوالي أواخر عام 1958م وبداية عام 1959م عقدت اتحادات الكتاب في مختلف الجمهوريات السوفياتية سلسلة من المؤتمرات واصل فيها مفوضو الشرطة نضالهم ضد التجديد في الأدب وأوضحوا لمؤتمر الكتاب في كانون الأول عام 1958م ان تزييف الحقائق بالباسها الثوب الذي يتفق مع الأغراض السياسية كل ذلك يعتبر من الخطايا المغفورة, وعندما افتتح المؤتمر الثالث لجميع اتحادات الكتاب في 18 ايار/ 1958م كان خروتشوف حاضراً مع جمع من أعضاء الحزب وفي خطابه الطويل جداً قال خروتشوف للكتاب "ان ملائكة المصالحة تحلق في الفضاء, ووعد الكتاب المجددين الذين هزموا بأنه لن يجري اضطهادهم وملاحقتهم بعد الآن بشرط أن يعلنوا خضوعهم. ومع ذلك فإن نظام اتحاد الكتاب عدل ليشمل البند الآتي:
"ان الاتحاد يثير حرباً صامدة عنيدة ضد كل الانحرافات الايديولوجية،  وفوق كل شيء ضد التجديد. وفي الوقت ذاته يقاتل بصلابة ضد الغطرسة والمذهبية والخشونة".

يقول هورفات "جاء في قرار اللجنة المركزية للحزب في شهر حزيران -يونيه 1957"وإن القضية التى أدت إلى نقاش واختلاف بيننا وبين بعض الكتاب تتلخص في في توضيح بعض القضايا السياسية والايديولوجية، مثل علاقتهم بالحزب الشيوعي وسياسته وعلاقاتهم بديكتاتورية البروليتارية ونظرتهم إلى الحرية " وكان السبب في غضبة الحزب على الأدباء أمثال هذه القصيدة النارية لجارومير هوريس، شباط 1957 :
كانت معركة الصحافي بالكتابة تقليدا حسنا
أما اليوم فهو ينال وساما لأنه موظف حسن السيرة
أما الكتابة -ماذا أقول؟ -لقد بات اثرا برجوازيا
منذ القدم والبرابرة المتوحشون يغزون البلاد
بين حين وآخر
وينهب السارقون هيكل الشعب
ويحولونه إلى وكر لتجارتهم
والحكام دائما معصومون
فيتحولون آخر الأمر إلى طغاة
تعشش الجريمة في قصورهم
وتغفو الأكاذيب على كراسيهم المريحة
يريدون الشعب أن ينام
فيقودوه كما تقاد الأنعام
ولكن الشعب ذاكرة لاتنسى الجراح
وإن بدت روحه صامتة
لتزعق ابواقهم مابدا لها الزعيق
ولتخرج الأكاذيب والخداع من أفواههم
فسينتزع الشعب نفسه من أنياب الكارثة
ويدع الحرية مكللة بالمجد والفخار "
*الحرية هى مؤامرة غربية
يقول هورفات"وفي بلغاريا يقف أحد الممثلين على خشبة المسرح قبل كل عرض لرواية  (الخوف ) لتودور جينوف ويلقي الأبيات الآتية :
قدني أيها الحزب، قدسني،
فأنا على استعداد للتضحية بكل شئ
أبعث بي إلى الخارج، إذا اردت،
فمن اقاصي الأرض، أجيب  النداء،
إننى أبنك أيها الحزب
فإذا اردت، لك أن تجعلني وزيرا،
لأزين كل بيت بأكلبل الزهور،
اعطني، أعطني فقط منصبا وعرشا
فأعيد لك فضلك مضاعفا، مئات المرات"