أسلوب الخطاب الأدبي والنقدي المعاصر أ.د عبد الغفار الحسن محمد
أسلوب الخطاب الأدبي والنقدي المعاصر
أ.د عبد الغفار الحسن محمد
ثمة إشكالية يعاني منها الخطاب الأدبي والنقدي المعاصر تمثلت - من وجهة نظري- في ابتعاده عن القارئ العادي الذي هو الجمهور الأدبي، فأصبح خطابا متعاليا محشوا بالرموز الغريبة، والمصطلحات المتباينة والمتعددة حتى للمصطلح الواحد. أما لغة الكتابة النقدية فقد أصبحت بأسلوب متبرج مفتون بنفسه يباهي النص الأدبي المنقود في جماليته وأسلوبه، وكأن الناقد يقدم نصه النقدي بديلا عن النص الأدبي.
وحتى يعود للناقد العربي دوره في توصيل رسالة الأديب والفنان إلى مجتمعه، يتطلب ذلك أن يكون الخطاب النقدي خطاباً تراعى فيه خصائص المجتمعات العربية الفطرية والطبيعية والعقدية، حتى يجد هذا الخطاب من يسمعه ومن يفهمه. وأنت إذا قرأت بعضا من الكتب الحداثية والأدب الحداثي، ينتابك شعور قوى بأن هذا الخطاب ليس موجهاً إلى القارئ العربي، وإنما هو محاولة لإرضاء الذات في كونها أنجزت مشروعاً نقدياً أو أدبياً نخبوياً يغازل الغرب ويتشبه بأساليب كتابه، ويستخدم مصطلحاتهم ورموزهم. مثل هذا النوع من الخطاب قد يجعل الأديب أو الناقد مشهوراً أو معروفاً في الغرب، ولكنه سيكون معزولا داخل أسوار هذا الوطن العربي. ولا يتعاطى مع إنتاجه النقدي إلا النخبة فقط من المتخصصين والباحثين ودعاة الحداثة.
أما الأدب العربي الحديث بشتى أنواعه الشعرية والنثرية لم يعد مستهلكاً عند القارئ العربي، ولم يعد شهياً ومتاحاً للقارئ العادي، وإنما أصبح أدبا يسكن في أبراج عاجية دون الوصل إليه أشواك فكرية وفطرية وطبيعية كثيرة، تتزاحم على جنباته المصطلحات الغريبة والرموز الموغلة في البعد عن طبيعتنا وفكرنا العربي. ولا يحس القارئ وهو يقرأ أنه قد توصل إلى شيء من المتعة أو المنفعة إلا أن يتدخل ناقد ما، ويؤول هذه النصوص ويستخرج منها دلالات هي ملك للناقد، وقد لا يحتملها النص الأصلي. فمثل هذا النوع من الخطاب الأدبي والنقدي يفقد الأدب العربي فاعليته في المجتمع العربي.
وأعتقد أن اتجاه الشعوب العربية إلى أدبها القومي والمحلي لم يكن لسبب لغوي خاص باللغة العربية نفسها، ولكنه أدبٌ استطاع أن يتجاوب مع طبيعة قرائه ويلبي حاجاتهم الفنية والنفسية بأسلوب قريب ومحبب إليهم.
وهذا يفسر أيضا ابتعاد الذوق المعاصر من الأساليب التقليدية التي لم تعد قادرة على إشباع حاجات القارئ المعاصر وذوقه وطرق تفكيره، وابتعاده عن الأساليب العتيقة الموروثة، مما يجعل مهمة الأديب عسيرة وهي أن يكون خطابه ملبيا لأشواق وأذواق المتلقي العربي المعاصر، وهذا يحتاج لمرونة في اصطناع الأسلوب الأدبي السهل والجميل والسليم لغويا والبعيد عن الرموز والإيحاءات التي لا تلبي حاجاته النفسية والفكرية والروحية.
إذن فالاستمرار في ذلك النوع المتعالي من الخطاب الأدبي والنقدي قد يفقد الأدب العربي والنقد العربي أيضاً أرضيتهما التي ينبتان عليها.
وهذه دعوة للكتاب والأدباء لمخاطبة جمهورهم والاعتراف بشراكته وسلطته في إنتاج النص الأدبي؛ لأنه هو الذي يقرأ. فالكاتب بطبيعة الحال لم يكتب لنفسه، ولكنه يكتب لقارئ محتمل هذا القارئ المحتمل هو الذي يشترك مع الأديب في الهموم والقضايا والأشواق ويواجه التحديات والمشكلات نفسها التي يواجهها الأديب، وليس قارئا سيأتي من وراء البحار ليثني على أدبه ويقدره.