الناقد السوداني مجذوب عيدروس

الناقد السوداني مجذوب عيدروس

النصوص المفتوحة عصية على النقد التقليدي

حوار  - محمد نجيب محمد علي
.................
يعتبر الناقد مجذوب عيدروس، أحد أهم الأصوات النقدية في الساحة الثقافية السودانية، وله مشاركات عديدة في ملتقيات النقاد العرب، ويشغل الآن منصب الأمين العام لرابطة الكتاب السودانيين، بجانب أمانة جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي. ويعمل رئيساً لتحرير مجلة الخرطوم الثقافية، وله العديد من الإصدارات في مجال البحوث والدراسات في مجال الإبداع، التقيته في حوار حول العديد من قضايا الشأن الثقافي السوداني:

* كيف تقرأ المشهد الثقافي من خلال مقولة (أن بيروت كانت تطبع والقاهرة تكتب والخرطوم تقرأ)؟

* - لم يتأمل الناس في هذا القول الذي يضع عدداً كبيراً من الأقطار العربية في خانة المستهلك للثقافة، أما إنتاجها من شأن القاهرة أما طباعتها فاختصاص بيروت- وفي العراق كان أيضاً يمرر القول (بغداد تقرأ) ولكن بغداد والخرطوم وغيرهما من مدن المشرق والمغرب لها كتابها ومطابعها النشر لعبت القاهرة وبيروت دوراً لا ينكر وقد كانت من أفضل منارات الثقافة العربية- القاهرة أيضاً كانت تطبع ومازالت، بيروت تكتب وتطبع في آن واحد.. حركة الطباعة والنشر والتوزيع تعوق وصول الإنتاج الثقافي، مثلاً للسودان إسهام في الخروج من الشعر التقليدي إلى ما يعرف بالشعر الحديث، والذي يصطلح على تسميته (بشعر التفعيلة) وهذا المصطلح اقترحه الناقد السوداني أ.د. عز الدين
الأمين علي . على صفحات مجلة الفجر في الثلاثينات كانت تجارب محمد أحمد محجوب (ادم الصغير وقصائد أخرى في الخروج على النمط التقليدي، وكانت تجارب أخرى في الأربعينات للعلامة عبدالله الطيب_ رغم محافظته وتمسكه فيما بعد بالمنهج التقليدي للقصيدة العربيةنقداً وشعراً وكذلك تجارب بابكر أحمد موسى ومحمد المهدي المجذوب إلخ..
والسودان يعرف الطباعة والنشر منذ وقت مبكر والرواية السودانية تشهد ازدهاراً أسميته من قبل بالانفجار الروائي حيث صدرت أعمال روائية في العقدين الأخيرين تفوق كل ما نشر قبلهما.

* ماذا عن ارتباط النقد بالأيديولوجيا؟

* - هذا القول يقترن عندي بشيء من قصر النظر، حينما يجئ الناقد إلى العمل الأدبي والفني، إنما يجئ إليه بكل مكوناته وخبراته الجمالية والحياتية.. ومن يهتم بتلميع صورة هذا الشاعر أو الكاتب أو الفنان لأغراض سياسية إيديولوجيا، يسئ إلى موضوعه كناقد ينبغي أن يكون موضوعياً في قراءته وفي أحكامه.. الأعمال الإبداعية لا تخضع لتلك النظرة التي تنبني على تعصب عرقي أو لغوي أو فكري. والنصوص المعاصرة الآن هي في حالة تغير، فالمعايير التي كانت تستخدم في الماضي أصبح من الصعب أن نتعامل مع هذه النصوص المفتوحة، وتعدد القراءات أصبح يتجاوز الإطار الجاهز والقوالب الجامدة التي حصرت بعض النقاد في قراءات لا تضيف شيئاً للعمل الإبداعي ولا تشبع نهم القارئ للمعرفة.. وهذا العصر أصبح يحاول أن يتجاوز الإيديولوجيات والقوالب.

* كيف تنظر إلى تعدد الكيانات الثقافية في السودان، هنالك من يرجع الأمر إلى الصراع السياسي؟

* - الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض واتحادات الأدباء في عهد مايو (69-85) نشأت تحت مظلة الدولة وتنظيمها السياسي، في العام 1986 كنت أحد مؤسسي اتحاد الكتاب السودانيين وجاءت الإنقاذ فتوقف نشاط الاتحاد وصودرت داره وفي عام 2005 أسسنا رابطة الكتاب السودانيين، وفي نفس الفترة تدخلت الدولة من خلال مشروع الخرطوم عاصمة الثقافة العربية الذي يمثل إحدى الفرص الكبيرة المهدرة لتكوين الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين الذي احتكر تمثيل السودان وعندما تغيرت قياداته في الانتخابات خرجت القيادة لتكون الاتحاد القومي ولتستمر في تمثيل السودان، والحل يكمن في أن تسود الديمقراطية في كافة الكيانات: والديمقراطية هي المفتاح لخلق تنظيم موحد، وأعتقد أن وجود مجلس تنسيق بين هذه الكيانات ضرورة ملحة بعد تخلصها من الارتهان للسياسي.

ماذا عن الكتابات السردية الجديدة؟

- اجتاز الروائيون حاجز ما أشيع من أن الطيب صالح سقف الرواية السودانية وقد فات على البعض الذين خاضوا في هذا الجدل أن الطيب نفسه قد ظهر في مناخ كان فيه نجيب محفوظ نجماً مفرداً في سماء الرواية العربية ولم يمنع وجود نجيب محفوظ ظهور الطيب صالح، الطاهر وطار، عبدالرحمن منيف، حنا مينة وغيرهم.
وقد أشرقت في المشهد الروائي الآن بعضهم من جيل الستينات: عيسى الحلو وإبراهيم إسحاق ثم محاولات بعض كتاب القصة القصيرة الذين اتجهوا إلى الرواية: مبارك الصادق، أحمد الفضل وأحمد مصطفي الحاج وقد ساهمت المسابقات في ظهور أسماء جديدة وترسيخ بعض الأسماء المعروفة: منصور الصويم، أحمد أبو حازم، حامد بدوي وعمر الفاروق.. وأصوات نسوية: زينب بليل، ليلي صلاح، سارة الجاك ورانيا مأمون، أميمة عبدالله وملكة الفاضل غيرهن.
تحاول هذه الكتابات السردية أن تعبر عن أوضاع جديدة شديدة التعقيد تشهدها هذه البقاع المضطربة من العالم.

* رغماً عن الكم الهائل من الصحف التي تصدر في الخرطوم، إلا أننا نلاحظ غياب الملفات الثقافية فيها، لماذا؟
* - الجميع يتحدثون عن أهمية الصحافة الثقافية، ولكنهم عند الفعل يقيمون العوائق والمتاريس أمامها ولدى بعض رؤساء التحرير الذين يتم فرضهم لاعتبارات غير مهنية رؤى غير مهنية للعمل الثقافي في الصحف، إسقاط الملف الثقافي أو تحجيمه أو حرفه عن مساره الطبيعي يمثل اعتداء على حركة الثقافة، وتغييباً للدور التثقيفي والتنويري الذي تلعبه الملفات الثقافية.