مسامرات حظر التجوال
مسامرات حظر التجوال رجل اسمه نيكولا عثمان أحمد حسن. اوائل التسعينات كان الإمداد الكهربائي شحيحا، عقب ليل مطير في يوليو 1992م كنت أجلس وحيدا تحت شجرة النيم التي تتوسط الحوش الواسع، بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، أقرأ بعض الصحف التي جاءتني من الصديق عبد القادر المقيم في العاصمة الكينية نيروبي
مسامرات حظر التجوال
رجل اسمه نيكولا
عثمان أحمد حسن.
اوائل التسعينات كان الإمداد الكهربائي شحيحا، عقب ليل مطير في يوليو 1992م كنت أجلس وحيدا تحت شجرة النيم التي تتوسط الحوش الواسع، بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، أقرأ بعض الصحف التي جاءتني من الصديق عبد القادر المقيم في العاصمة الكينية نيروبي، صحف كينية و يوغندية و تنزانية و بريطانية، كلها باللغة الإنجليزية.
جاء رجل وسلم علي، سأل عن أحد زملائي فاجبته أنه قد خرج منذ وقت، أبدى الرجل إمتعاضه، طيبت خاطره، جلس و شربنا الشاي معا. تناول بعض الصحف وقرأ قليلا ثم وجه لي سؤالا مباغتا، إنت ما بتعرفني؟ قلت لا. السؤال أثار في نفسي شيئا، طيلة جلوسه كنت أحسبه زائرا لزميل، أعدت النظر في وجهه، سواده فاحم لامع، يرتدي بنطلون جينز و قميص مما نسميه تي شيرت ازرق اللون و حذاء رياضي ماركة أديداس، لو لا تقدير عمره الأربعيني لحسبته من لاعبي كرة القدم، فجسده رياضي بلا نحول ولا ترهل يخفي عيونه بعوينات سوداء، لا تستطيع الحكم على تعبير وجهه هل هو عابس ام مبتسم، قطع خيط أفكاري بجملة نفذت لرأسي كالسهم، قال: أنا العميد نيكولا.
كررت الترحيب به و مما قلت أني أعرفه من خلال الورق و لكن لم أحظ بلقائه، تبسط معي في الحديث و طلب بعض الصحف الإنجليزية و لحسن الحظ كان لدي كمية سابقة، أخذها شاكرا. حين غادر صحبته وودعته حتى باب الحوش. وصف لي بيته في الديوم ودعاني لزيارته.
التقيته بضع مرات وفي كل مرة يبدي نحوي مودة ظاهرة رغم فارق العمر و الرتبة، وقتها كنت ملازما حديث التخرج، قبل عيد الكريسماس بيومين زرته ومعي هدية عيد الميلاد. تقبلها بين الفرح و الدهشة. أصبح مكتبي محطته متى جاء من مقر عمله في جوبا، يجالسني و نتبسط في الحديث، صرنا أصدقاء حقيقة. أزوره في بيته بلا موعد فهو يسكن الديوم الشرقية، و زارني في بيتي أكثر من مرة.
العميد نيكولا حالة فريدة، لم يتسنى لكثير من الناس معرفتها و من سمعها لا يصدقها.
هو يوغندي من مواليد محافظة كتقم شمال يوغندا.
ينتمي لقبيلة الأشولي، درس المرحلة الثانوية للجلوس لشهادة لندن في قولو شمال يوغندا، في ذلك الوقت كان الجلوس لشهادة لندن بالنسبة لليوغندين يتم في نيروبي، تلك كانت معضلة بالنسبة له، نيروبي بعيدة جدا و ليس له فيها معارف، تقدم بالتماس للسماح له بالجلوس للإمتحان من جوبا، لقربها و لوجود الأشولي في السودان، شاءت المقادير و تم قبول التماسه. جاء و جلس للامتحان من جوبا، فضل البقاء في جوبا و انتظار النتيجة بدلا من السفر و العودة، و جد عملا في سوق المدينة و اندمج مع شبابها، جاءت نتيجة الإمتحان و كان ناجحا، تم فتح باب التقديم للجامعة، و في ذات الوقت تم فتح باب التقديم لكلية الشرطة التي يشترط لها تزكية الإدارة الأهلية و قد حظي بتزكية سلطان الأشولي و تم قبوله في كلية الشرطة، تدرب و تخرج و عمل في سلك الشرطة السودانية. تدرج حتى رتبة العميد حين التقيته، ترقى لرتبة اللواء وتقاعد، تم تعيينه عضوا بالمجلس الوطني، توفي لرحمة الله و ضمه ثرى السودان.
كان صبورا حكيما مسالما يعيش بيين الناس كأنه نسمة في عز الصيف.