كتاب(العقل الرعوي) للنور حمد(3) *عامر محمد أحمد حسين.
كتاب(العقل الرعوي) للنور حمد(3)
*عامر محمد أحمد حسين.
يقول الدكتور (النور حمد )في كتابه(العقل الرعوي-في إستعصاء الإمساك بأسباب التقدم) "خلاصة القول إن انقلابا قيميا بسبب سيطرة ثقافة الأعراب البدو الوافدين ،الذين أتوا بقشرة إسلام سطحية دعموا بدعوتها إلى الجهاد ،النزعة العدوانية التي هي طبيعة أصيلة في ثقافتهم ،لاتنفصل عن نمط العيش في البادية،فلم يمر على زحف الأعراب الوافدين على سهول السودان الفسيحة،سوى قرنين أو يزيد قليلا ،حتى سيطروا على مقاليد الأمور في كامل منطقة النيل الوسطى في السودان هذا الانقلاب هو ما أنزل قيما متقدمة متوارثة ،لشعب مستقر لأكثر من خمسة آلاف عام،هي عمر الحقبتين الكوشية والمسيحية ،إلى ماتحت السطح،ورفع مكانها على السطح ثقافة بدوية رعوية تتغطى بقشرة إسلامية رقيقة هذه الثقافة الوافدة هي ما أصبح يقف لاحقا حاجزا بين البلاد وسكانها ،وبين فرص الإمساك بأسباب التقدم والتحديث حتى حين وفدت الحداثة مع الغزو الخديوي المصري ،ومع الاستعمار الانجليزي ،فعدم القدرة على الإمساك بأسباب الحداثة هي العلة الكبرى التي تحاول هذه الأطروحة عرضها ،ولفت النظر إليها---ص71"..مايلفت النظر في هذا النص من كتاب( العقل الرعوي)،هذا القفز بالتتابع ،وبساطة الطرح ، والإصرار على تقويل التأريخ مقولات هي أقرب إلى الخيال والتخييل على لسان الراوي العليم (النور حمد).والسؤال ماهي القيم التي انقلب عليها الأعراب البدو الوافدين بمزاج ،وكانوا هؤلاء الأعراب قد أتوا بقشرة إسلام سطحية.وبعد ان حملوا مع الدواب(قشرة إسلامهم) دعموا بدعوتها إلى الجهاد (النزعة العدوانية)..وقبل اكتشاف نزعتهم العدوانية من جانب السكان( المتخيلون) اكتشف (النور) في سرده القصصي (النزعة العدوانية طبيعة أصيلة في --ثقافة الأعراب الوافدين على سهول السودان الفسيحة لاتنفصل عن نمط العيش في البادية"..في كتابه(الاستشراق--المفاهيم الغربية للشرق) يقول: (المفكر العربي الراحل الدكتور إدوارد سعيد)"وهكذا فإن كرومر، يقدم لنا في الفصل الرابع والثلاثين من كتابه مصر الحديثة،الذي يقع في مجلدين ويعتبر السجل الجليل خبرته ومنجزاته،ضربا من الشرعة الشخصية المعتمدة للحكمة الاستشراقية قائلا:
قال لي السير ألفريد ليال ذات يوم:"الدقة يبغضها العقل الشرقي ،وعلى كل انجليزي يقيم في الهند أن يذكر ذلك دائما"والافتقار إلى الدقة ،وهي الصفة التي يسهل إنحطاطها فتتحول إلى الكذب،هو في الواقع الخصيصة الرئيسية للعقل الشرقي" ويقول النور حمد--فلم يمر على زحف الأعراب الوافدين على سهول السودان الفسيحة سوى قرنين أويزيد حتى سيطروا على مقاليد الأمور في كامل منطقة النيل الوسطى في السودان" --يضيف المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد" وأوصاف كرومر تستند بطبيعة الحال إلى الملاحظة المباشرة إلى حد ما ،ولكنه أحيانا مايشير إلى الثقات من المستشرقين المعتمدين في تأييد آرائه(مثل إرنست رينان وقسطنطين دي فولتي بصفة خاصة) -وهو لايشك مطلقا في أن أية معرفة بالشرقي سوف تؤكد آراءه وتنتهي بأدانة الشرقي" والنور حمد،لايشك مطلقا فإن مايزعمه سوف يؤكد مقولاته غير ذات السند المعرفي وتنتهي بأدانة(أعراب الشمال والنيل الأوسط والشرق والغرب والجنوب الجديد ) لذلك تجده يهبط هبوطا ناعما من انسانية (بعانخي) إلى ترشيح البشير في انتخابات 2020--والدليل: دعموا بقشرة الإسلام سطحية دعوة إلى الجهاد النزعة العدوانية -- والخطاب في قراءة أولية ، يشير الى دعاة الإسلام السياسي --وكذلك الخطاب يشير بطرف خفي إلى إدانة غالبية سكان السوداان والدليل:فلم يمر على زحف( الأعراب الوافدين) على سهول السودان سوى (قرنين) حتى سيطروا على مقاليد الامور" ،وهذا التزوير لايليق بأكاديمي،وبحساب السنين مابين دخول عبدالله ابن ابي السرح وسقوط سوبا مايقارب (900) عام ،ولك أن تتخيل متى كانت (الهجرات العربية) التي لعبت دورا في الدخول إلى الإسلام وعلاقات جنوب وادي النيل بالتجارة مع عرب الجزيرة العربية ماقبل الأسلام ومابعده ..يقول النور حمد::"هذه الثقافة الوافدة هي ما أصبح يقف لاحقا جاجزا بين البلاد وسكانها--وبين فرص الإمساك بأسباب التقدم والتحديث" ومجانبة القائل للحقيقة واضحة جلية ،ولاتحتاج إلى عدسات قراءة إذ أنه يترك دولة مابعد الأستعمار وأزمة الدولة الوطنية ،وماتعانيه من أنظمة حكم مستبدة وهيمنة استعمارية وغياب الوعي بأهمية الأندماج الوطني ويذهب النور حمد،إلى الحائط القصير ويتهم الثقافة الراكزة والمختارة من شعب متحضر، وعريق، عنوانا له بين الأمم ،بمالبس فيها في (عدوانية وتطرف)..يشير المفكر السوري الدكتور برهان غليون في كتابه( المحنة العربية الدولة ضد الأمة)إلى"إن أصل نشوء الدولة التحديثية هو ماتفرضه التحولات العالمية التقنية والاجتماعية وتقسيم العمل وتبدل التوازنات الجيو ستراتيجية ،من حركات موازية على مستوى المجتمعات السياسية القائمة،من أجل إعادة تكوين التوازنات الطبقية والاجتماعية من وجهة نظر النظام الحديث وتحت تأثيراته الداخلية والخارجية .وفي البلدان المتأخرة
. يعني هذا،كما ذكرنا، الرد على الحاجات الهائلة في الاندماج الوطني،أي في الممارسة المادية والمعنوية الحديثة والمشاركة في الحضارة التقنية "
--الجائحة..
يقول الدكتور النور حمد ،وتحت عنوان(جائحة الخديوية) "أما الجائحة الثالثة فهي الغزو الخديوي المصري التركي ،الذي أدخل في السودان المؤسسة السنية الرسمية التابعة للحاكم. وقد تسبب الفقه المدرسي الخديوي في انقلاب ،المزاج الديني ،فتراجع التصوف الذي أوشك أن يسود حياة السودانيين ،في الحقبة السنارية ،وتقدم الفهم الفقهي ،ومعه توظيف الدين لخدمة أغراص الحاكم.وهذا هو الداء الذي لم تشف منه البلاد حتى يومنا هذا"
أولا: أضاف الدكتور (النور حمد) ،كلمة التركي في توصيفه لحقبة التركية السابقة إذ كان يكتب الغزو الخديوي المصري أو الاستعمار المصري..والصحيح هو حكم المغامر محمد علي باشا الألباني وأسرته لوادي النيل (مصر من 1805--23/يوليو1952 .و(السودان 1821--1885) ..وكانت مصر تحت حكمه وأسرته فعليا ،وتحت الحكم العثماني (رمزيا)..وهذ.اثابت مثبت ولايحتاج إلى جدال.
ثانيا:المذهب في السودان هو المذهب( المالكي) السائد والمعبر عن قيم مجتمع منفتح وغير متشدد وأساسه التصوف ،ولم يكن يوما (شافعي)أو (حنفيا) كما كان ولازال في مصر منذ سقوط الدولة الفاطمية..الدولة العثمانية أحتضنت التصوف لقرون..والسؤال ماهي سمات(الفقه المدرسي الخديوي الذي أدخل السودان في المؤسسة الدينية السنية الرسمية؟-ومن هو الحاكم بأسم محمد علي باشا الذي حكم بأسم هذه المؤسسة وأدخل الناس من خلال الأوامر السلطانية في مؤسسة (سنية) تابعة له ؟.أختار أهل السودان المذهب المالكي قبل (قرون) من مولد الغازي الألباني محمد علي باشا. والناظر إلى مفهوم المدرسة او الفقه المدرسي في خطاب النور حمد، يجد أنه يستعير من أرض أخرى المصطلح ومفهومه.والصحيح أن السودان لم يشهد في تأريخه البعيد والقريب من فرض بقوة السلطان مذهبه وأطاعه الناس حبا وكرامة. وتجربة( الدولة المهدية )خير مثال وماشهدته من رفض وصراعات ونزاعات دموية..ويشير المفكر العراقي الراحل الدكتور فالح عبدالجبار في كتابه(العمامة والأفندي -سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني)." تقف (المدرسة) التي ظهرت في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر ،بين مؤسستين متضادتين ،تمثلت الأولى في المسجد الكلاسيكي وتمثلت الثانية ،التي جاءت بعدها ،في المدرسة الدنيوية (العلمانية) .وثمة أستمرارية وظيفية تغطي ثلاثتها جميعا .فلقد كانت كلها ،وماتزال مراكز لإنتاج المعرفة ونقلها .ومع ذلك فإن عوالم بكاملها تفصل بين الثلاثة.على أمتداد قرون كان تلقي المعرفة(التعلم) ونقل المعرفة(التعليم) يتمان بشكل مستقل في داخل المساجد .فلقد كان المسجد فضاء موحدا لعبادة المسلمين بصرف النظر عن الطائفة أو المذهب .لكن المسجد ،بصفته فضاء للدراسة ،كان مسرحا للانقسامات والتناحرات مابين الطوائف والمذاهب وفي مدارس (علم الكلام) بل حتى بين مدارس النحو.فقبل ظهور (المدرسة) في أواخر القرن التاسع والعاشر كان هنالك حوالي خمسمئة مذهب متنافس.وكانت المساجد تؤسس أصلا على يد أفراد يحتفظون بصلاحية تحديد المنهج الدراسي غير الرسمي(علم الكلام) ،والفقه الإسلامي،والعلوم الإسلامية الأخرى والمدرسة المذهبية (مهما كان شكل الطائفة وبفعل الالتزامات القانونية ل(الوقف) فإن المسجد:.أصبح متحررا من سيطرة مؤسسه .فلقد كان يقال بأن وقف المسجد كان (وقف تحرير)..بهذا المعنى إن المساجد ملك الله في حين أن (المدرسة) كانت تحت سيطرة مؤسسها--لقد أحدثت المدرسة تحولا بنيويا (قانونيا ونصيا وأجتماعيا) في مؤسسة التعليم الإسلامية .فلأول مرة وضعت العملية التعليمية بحكم الفقه الشرعي(مفهوم الوقف) تحت السيطرة الصارمة لمؤسس المدرسة..اما المنهج الدراسي ل(المدرسة) فقد بات مقتصرا على مدرسة مذهبية واحدة--كتاب العمامة والأفندي"..والسؤال ماهو الفقه المدرسي الخديوي--حسب توصيف النور حمد--الذي ساهم في انقلاب المزاج الديني السوداني في فترة سيطرة الألباني محمد علي باشا وأسرته على حكم السودان- وفرضوا الفقه السلطاني الألباني السلجوقي العثماني، وكان على ذلك اعتماد (الخلاوي السودانية والكتاتيب) وعكوفها على كتب مذهب الغازي محمد علي باشا( الفقهي المدرسي) المساهم ،في تعكير المزاج السوداني وابتعاده عن (الروحانية الكوشية) والسؤال كان مذهب محمد علي باشا (مالكيا ).. وفي كتابه(مهزلة العقل البشري-محاولة جديدة في نقد المنطق القديم لاتخلو من سفسطة) يقول المفكر وعالم الاجتماع العراقي الراحل الدكتور علي الوردي:"إن الباحث الاجتماعي الحديث ينظر في التاريخ نظرة أخرى،فهو محايد يدرس وقائع السلاطين الفاتحين .كما يدرس وقائع الشعوب المفتوحة فلايدين جانبا ويبرئ جانبا ،الكل في نظره سواء.فإذا جاز للسلاطين أن يفتحوا الأمصار ،جاز للشعوب أن تشكو منهم وتتمرد عليهم.إن السيطرة والتمرد وجهان متلازمان من أوجه التاريخ الاجتماعي،وليس من الممكن فصل أحدهما عن الآخر،ولولا وجودهما جنبا إلى جنب لما ظهرت في التاريخ تلك النبضات الحية"
-نواصل..