في ذكرى العميد طه حسين.
في ذكرى العميد طه
حسين."١٨٨٩_١٩٧٣م"
*عامر محمد أحمد ...
مرت في"٢٨ اكتوبر الماضي" ذكرى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.. خمسون عاماً على غياب عميد الإستنارة، والتنوير وتثوير الحياة العقلية. حين خرج إلى الدنيا "طه حسين" في العام ١٨٨٩م، العام الذي ولد فيه "عباس العقاد، وهتلر ،وشارلي شابلن" وهي تواريخ ميلاد يؤكدها الراحل" أنيس منصور " في صفحات تدوينه، حيوات من يرى فيهم العبقرية والتفرد. وذاك العام في السودان كان الشعب تحت سياط حكم" توليتاري" يمكن تقسيمه على مراحل تاريخه الآفل والحزين والبشع، بين دعوة أخذت بالدين إلى باب الوطنية دون أن يكون لهم العلم بمفهوم الوطن وضمانة الوصل بين الناس في نهجهم ولهجهم، فإذا بقائد ما رأوه ثورة يغيب بحال من الحال، أو بيد لم تكتشف بعد. وكما قال القائل بالسم أو بغيره .. كان العام عام "جوع" هنا واستعمار هناك، فإذا بوادي النيل شمالأً وجنوباً يستغيث من الجهل، والمرض، وجثوم استعمار صفيق ودولة قبيحة في أرض الوطن العربي تبدأ دائماً بالتقسيم اجتماعياً، وثقافياً، وعرقياً فإذا وجدت المجتمع متماسكاً خلقت له من رحم الغيب أزمة لاعلاج لها إلا بالبتر...مساحة قراءة العميد "طه حسين" يجب ان تصطحب معها الواقع المازوم لحظه مولده، والدولة الهشة المنتهكة، لحظة فقدانه بصره وهو فقدان أبدله الله به "بصيرة" وقلب واثق وعلم تنزل في معجزة إلهية على قوم يحيط البؤس والتباؤس بهم أحاطة السوار بالمعصم ..كان الفتى في بحثه عن طريق يتلمس كل يوم موسيقاه دون رؤيته على أرض الواقع، ولكن يجب عليه التعامل معه، وهي مسيرة طويلة، والناظر في صفحاتها تبهره قوة العزيمة والصبر، وكيف أن هذا المبصر والمستبصر سيمضي في طريق الآلام نحو هدفه دون التفات لصائح أو صائحة في مسيرة فيها من العقبات الاجتماعية مايصيب المرء بالخوار والتراجع، حيث الجهل المقيم، ومؤسسات التعليم ترفض التجديد وسلطة استعمار وقصر حاكم في مراحل حياة العميد الطويلة كان لكل حاكم صولته وجولته .. وقد يسأل سائل وبلادنا في حرب الدولة ضد "جنجويد الشتات" أقزام المعرفة ومصاصو دماء الأبرياء، قد يسأل السائل: مافائدة كتابة عن الدكتور طه حسين وهو سؤال في محل إعراب الحرب عن بشاعتها، وقد يتضمن ايضاً عن موقع "طه حسين "داخل إطار العقل العربي المحتار بين دعاة التطبيع وقادة تجريف العقل وسلبه، أي سرقته حاضراً وماضياً ومستقبلاً لصالح الكيان، المسخ المزروع في خاصرة أمة الضاد ولكن هناك من حاك قميص التسفل في سفالة عن تطبيع من ليس هو بالطبيعي!! ..الشعب العربي في محنة كبيرة وهو يرى مأزقه في مقابل نزق وحشوية أقوال "التطبعجية وهم صنو دعمجية الحقل الثقافي السوداني حيث تسقط لهاة البعض، وهو يلهث لرضاء الكفيل وممارسة التسفيل الممنهج، والحقد البربري على أي علاقة شعبية عربية تمتد آلاف السنين نماذج البشاعة والسفالة "مدعي الفكر زوراً وبهتاناً ".النور حمد " وهو أعجوبة من أعاجيب الزمن، ومصاب بوسواس قهري عنيف اسمه مصر وعلاقة وادي النيل "انت يا ابن العم مش عجبتك ضيافة الخطوط الجوية الإثيوبية وحسانها ومواجع "التنورات المفتوحة"، فكتبت كتاباً عن" مارد الهضبة "، فإذا بالمارد تختبره حرب "التقراي" وتصفعك صفعة تعيدك إلى التسفيل"
سَفَلَ فِي العِلْمِ : كَانَ قَلِيلَ الحَظِّ فِيهِ
سَفَلَ في الشيءِ: نَزَلَ من أَعلاهُ إلى أَسفلِه..
..صورة العميد طه حسين تقع موقع الصدارة من الحياة العقلية الإسلامية، ولها وجود راسخ في كل مناحى الفكر والتنوير والتقدم العلمي في الجامعات والمعاهد، والحياة العامة..لم يكن طه حسين غير باحث عن الحق والحقيقة، لذلك قابلته العقبات وكان يتخطاها بروح المقاتل الشرس والواثق من نفسه..وكانت معاركه ضد الجهل والتجهيل، وخنق الحرية الفكرية.
* وأقبل الأعمى بصيراً..
يقول الكاتب نجاح عمر في كتابه "أيام ومعارك طه حسين" أقبل اليوم المشهود ..فأخبروا الصبى بعد درس الفقه أنه سيذهب إلى الامتحان في حفظ القرآن توطئة لانتسابه للأزهر ..وسعى إلى مكان الأمتحان في زاوية "العميان" خائفاً أشد الخوف مضطرباً أشد الاضطراب ولكنه لم يكن يدنو من الممتحنين حتى ذهب عنه الوجل، فجأة وأمتلأ قلبه حسرة وألماً وثارت في نفسه خواطر لاذعة لم ينسها فقد انتظر ان يفرغ الممتحنان من الطالب الذي كان امامهما إذا هو يسمع أحد الممتحنين يدعوه بهذه الجملة التي وقعت من أذنه ومن قلبه أسوا وقع "أقبل يا أعمى "..
*المبصر..
يقول الدكتور طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" " ولست أدرى كيف نصور مانستحقه من اللٌوم ومانستاهله من المذمة والعيب حين أقارن بين شعبنا المصري وبين شعوب شرقية أخرى كانت لها حياة تخالف الحياة الأوروبية من جميع الوجوه وعقليات تباين العقلية الأوروبية من جميع الانحاء. كيف نصور مانستحقه من اللٌوم، حين نذكر الشعب الياباني من شعوب الشرق الأقصى قد كان يخالف في حياته المادية والعقلية أشد مخالفة وأقواها شعوب أوروبا، فماهي إلا أن أحسن ألا سبيل له إلى أن يعيش كريماً حتى يشبه الأوروبيين في كل شئ ويزاحمهم في ميادينهم ويجاريهم في سيرتهم، فماهي إلا أن هم حتى فعل وما هي إلا أن اراد حتى وقف إلى ما أراد وإذا هو شعب مهيب تشفق منه أوروبا أشد الاشفاق وتصانعه أشد المصانعة وتمنحه ماهو أهل له من الإكبار والإجلال والأحترام .. مستقبل الثقافة، ص ٤٠". والسؤال هل كان العميد يدعو إلى التبعية إذ أن هناك خلط وتخليط، في الأمر يصل بالبعض إلى تشويه مسيرة العميد .. يقول الدكتور عبدالسلام المسدي في كتابه "نحو أفق ثقافي جديد ". منذ البداية يقرر طه حسين كانت شعوب كثيرة من الأرض تعيش حرة مستقلة، فلم تغن عنها الحرية شيئا، ولم يجد عليها الاستقلال نفعا، ولم تعصمها الحرية والاستقلال من أن تعتدي عليها شعوب أخري تستمع بالحرية والاستقلال، ولكنها لاتكتفي بهما ولاتراهما غايتها القصوى، وإنما تضيف إليها شيئا آخر أو أشياء أخري، تضيف إليهما الحضارة التي تقوم على الثقافة والعلم، والقوة التي تنشأ عن الثقافة والعلم والثروة التي تنتجها الثقافة والعلم. ولولا أن مصر قصرت طائعة أو كارهة في ذات الثقافة والعلم لما فقدت حريتها، ولما أضاعت استقلالها، ولما احتاجت إلى هذا الجهاد العنيف الشريف لتسترد الحرية وتستعيد الاستقلال، وما مصر في حديث طه حسين إلا النموذج الأوفى الذي يعنيه في ذاك السياق التاريخي المخصوص، ولكن التشخيص الحضاري يومئذ إن هو صح في شأن مصر فإنه يصح في شأن الأقطار العربية الأخرى أحق وأولي_ نحو أفق ثقافي جديد"، وهذه الفقرة تضع رائد التنوير في مكانه اللائق وفي قلب معركة التغيير والحرية، ويؤكد الكاتب نجاح عمر "عندما نتعرض لمعارك طه حسين نستطيع أن نلمح بسهولة تلك المساحة الواسعة التي تمثلها قضية البحث الحر والفكر الحر ونستطيع أن نقول إن هذه القضية بالذات كانت السبب المباشر في كل معاركه" وسؤال معارك العميد لازال مفتوحاً ..ويقول الدكتور المسدي في سنة 1949م أصدر صاحبنا "مرآه الضمير الحديث" بعد أن كان نشر فصوله في مجلة الهلال. وإذ باللازمة تظل لازمةشر مايتعرض له أصحاب السلطان أن يهابهم الناس خوفا ورهبا، وخير مايتاح لأصحاب أن يهابهم الناس حبا وإكبارا وطمعا فيما عندهم من الخير ورغبة فيما يجدون عندهم من البر والمعروف ويفيض صاحبنا متغنيا بالحرية، حاضا عليها، مستنكرا تنشئة الشباب على ماسواها، مناديا في الأثناء إن الفن حرية لارق وجاعلاً الرقي الحضاري وقفا على الحرية. ثم مستدلاً ًبأسهاب ابداعي جميل على أن مدار الحرية متوقف على نبذ العنف المولد للخوف، وإشاعة الأمن الحافز على الكرامة والعزة والإباء، لأن الحرية لاتستكمل خصائصها إلا حين تظهر متحضرة مترفة مجلوة من كدر الغرائز، ووضر الطبائع الغلاظ، ويضيف الدكتور المسدي "وهاهو يقدم لنا نموذج الفرد العربي المنتظر ;فالإنسان الحر الكريم هو الذي يستطيع أن يقول بقلبه وضميره وعقله ولسانه، يقولها لكل مايدعوه أو يغريه أو يرغبه فيما لايلائمه، من عمل أو قول أو سيرة، أو تأثر أو تأثير، يقولها حين تدعوه المائدة إلى أن يأكل أكثر مما ينبغي.. ويقولها حين يدعوه الجمال إلى فتنة الحسن، ويقولها حين تدعوه القوة إلى الطغيان والبطش والظلم، ويقولها حين يدعوه الضعف إلى الاستكانة والاذعان والذل، ويقولها حين يدعوه السلطان والجاه إلى الأثرة والاستئثار والمحاباة. ويقولها حين يدعوه التفوق و الإمتياز إلى الاستكبار والغرور" ويمضي الدكتور المسدي في قراءة عميد الأدب "ولن تفتر همة طه حسين في تصوير حتمية الحرية الفكرية شرطا جوهريا للرقي الحضاري."
* صورة..
يقول الدكتور طه حسين " وأنا من أشد الناس زهداً في الوهم وانصرافاً عن الصور الكاذبة التي لاتصور شيئاً ، وأنا مقتنع بأن الله وحده هو القادر على أن يخلق شيئاً من لا شيئ. فأما الناس فانهم لايستطيعون ذلك ولايقدرون عليه، فأنا من أجل هذا مؤمن بأن مصر الجديدة لن تبتكر ابتكاراً، ولن تخترع اختراعاً، ولن تقوم إلا على مصر القديمة الخالدة، وبأن مستقبل الثقافة في مصر لن يكون إلا امتداداً صالحاً راقياً لحاضرها المتواضع . ومن أجل هذا لا أحب أن نفكر في مستقبل الثقافة في مصر إلا على ضوء ماضيها البعيد،وحاضرها القريب، لأننا لانريد ولانستطيع أن نقطع مابيننا وبين ماضينا وحاضرنا من صلة، وبمقدار مانقيم حياتنا المستقبلية على حياتنا الماضية والحاضرة نجنب أنفسنا كثيراً من الأخطار التي تنشأ عن الشطط وسوء التقدير والاستسلام للأوهام والاسترسال مع الاحلام في مقولة للدكتور لويس عوض على لسان العميد بأن الدكتور طه حسين قد زار الملك فؤاد الأول عقب تعيينه في منصب يختص بتخصصه وكانت مفاجأة بأن تحدث الملك فؤاد الأول حول أهمية التعليم وأهمية مواصلة الخريج الجامعي القراءة والاطلاع وأن لايكتفي بالشهادة، وكان الملك فؤاد الأول بشهادة معاصرية مثقفاً ومستنيراً ثم مرت السنين واقسم الدكتور طه حسين أمام الملك فاروق قسم الوزير للمعارف وباغته فاروق وساله عن يساريته واصحابه "الشيوعيون" يقول لويس عوض ..قال طه حسين:هذا هو الفرق بين الوالد المستنير والابن الجاهل.."