فنجان جبنة من شرقه

فنجان جبنة من شرقه نفيسة زين العابدين - شيكاغو رغم شغفي بالحضارة واللغة النوبية، الا أنني ذبت عشقا في حب قبائل البجا وبحثت عن تراثهم كثيرا وعرفت عنهم ما ليس يوجد على أوراق الكتب وأروقة الانترنت. ولعل الفضل في ذلك يعود الى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تعرفت  الى صديقة تعشق تدوين تراثها، في محياها شمس الشرق بكل ألقها وعنفوانها، تشاركني شغفي في احياء التراث الثقافي السوداني في المطلق. 

فنجان جبنة من شرقه

فنجان جبنة من شرقه


نفيسة زين العابدين - شيكاغو

رغم شغفي بالحضارة واللغة النوبية، الا أنني ذبت عشقا في حب قبائل البجا وبحثت عن تراثهم كثيرا وعرفت عنهم ما ليس يوجد على أوراق الكتب وأروقة الانترنت. ولعل الفضل في ذلك يعود الى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تعرفت  الى صديقة تعشق تدوين تراثها، في محياها شمس الشرق بكل ألقها وعنفوانها، تشاركني شغفي في احياء التراث الثقافي السوداني في المطلق. 
عن هوية قبائل البجا وفروعهم من العبابدة والبشاريين والحلنقة والبني عامر والأمرار، نجد أنه نسبة لتيجان الشعر المميزة التي تزين رؤوسهم، قيل إنه وجدت حفريات على صخور تعود الي حقبة المصريين القدماء، تحوي هذه الحفريات صفات البجا الجسمانية مما جعل كثير من المؤرخين يعتقدون أن لغة وملامح البجا تدل على أن أصلهم ينتمي لقدماء المصريين الذين عاشوا في الصحراء بين نهر النيل والبحر الأحمر منذ 25000 ق.م.  ويذهب المؤرخون أيضا أنه قد تم تزاوج مجموعات من قبائل البجا المختلفة مع الكوشيين من ذوي البشرة الفاتحة والداكنة على مر العصور البائدة. 
 اللغة التي يتحدث لهجاتها البجا هي اللغة الكوشية وكلها لهجات مفهومة بينهم بشكل متبادل، وكغيرهم من القبائل التي لها لغتها الخاصة نجد في عصرنا هذا قل من لا يتحدث العربية منهم، كما ندر أيضا من يتحدث البداويت والتجري، والأخيرة تعتبر هي اللغة الرسمية لدى قبائل البجا والأمرار والبشاريين  والبني عامر.
مما استوقفني كثيرا وجعلني أفكر جديا في انتاج فيلم وثائقي يظهر للعالم ذلك السحر والخصوصية والتنوع الذي يميز قبائل السودان - التي درج السواد الاعظم من السودانيين أنفسهم على تجاهلها وربط القبلية بالعنصرية والجهوية وتناسوا التنوع الذي يضفي ثراءا غير مكرر- هو تقاليد وطقوس الزواج عند البجا.
 الموسيقي المحلية والرقص بالعصي والسيوف عنصر رئيس فيما يخص تقاليد حفلات الزواج عندهم ويميزها.  نجد أنهم أيضا يحرصون  على عدم الاختلاط بين الجنسين، إذ يحتفل العريس مع أهله ومعارفه من الذكور، وتحتفل العروس مع أهلها ومعارفها من الاناث. أيضا في حفل الزواج الخاص بالعريس، يرتدي الجميع زيا موحدا مكونا من جلباب وسروال ابيض و"سديري" غامق اللون مع عمامة أو شال أبيض، ونجد أن العريس يحمل سيفا مزينا بزينة ذات ألوان زاهية، مرتديا نفس الملابس التي يرتديها ضيوفه، مختلفا عنهم في لون العمامة الملونة التي يزينها هلال من الذهب الخالص.
من الطقوس المهمة أيضا، والتي أدهشتني عند البجا، ما يسمي بالسُنكاب، وكنت قد قرأت عنه في مدونة الزيتونة للمدونة ابنة الشرق، الصديقة التي تحدثت عنها في مقدمتي، هاجر رجب، التي وضحت أن السُنكاب كل مكون فيه يحمل دلالة معينة، وهو عباره عن سعف من جريد شجر الدوم ويعني الذرية، وعصا خشبية من شجر العشر وتعني الرجل، وحبال من شعر الماعز باللونين الابيض والاسود وتعني "السعية".
تجميع السُنكاب وصنعه لا يتم اعتباطا وبيد أيا كان، بل تقوم بتجهيزه ذوات الخبرة من نساء القبيلة اللائي يمتن بصلة قربي للعريس، تقول هاجر، أنه بعد الانتهاء من تجهيز السُنكاب يبدأ المديح والاهازيج من نسوة متخصصات (أشراف,هنسيلاب) يتوجهن في موكب مهيب  الى بيت أهل العروس  يزغردن ويغنين ويمدحن باللغة البجاوية  وهن يحملن السُنكاب، و تتقدمهن ثلاث نسوة  يتم اختيارهن بعناية من قبل  أهل العريس. هؤلاء النسوة يضعن على رؤوسهن ثلاث من الثياب الجديدة والتي هي هدايا من أم العريس،  (فوطتين وفردة) والثالث ثوب ابيض (بنغالى). و على حاملات السُنكاب أن يضعن في أفواههن سعفات من الجريد لا يحركنها، وعليهن التزام الصمت وعدم الكلام بتاتا الي أن تأتيهن والدة العروس بماء مخلوط بالسكر أو أي نوع من أنواع العصائر. توضح هاجر أن المعني خلف ذلك هو اظهار الصبر والحكمة، وإنهن لا يخرج من أفواههن شائن القول.
بعد أن يتم الزواج يُعلق السُنكاب أحدهما في بيت العروسين والآخر في بيت أهل العريس، ويبقي معلقا حتى ولادة الطفل الأول، ثم بعد ذلك ينزلونه ويعطونه للسعية من الماعز والضأن أو الجمال كي تتغذي عليه.