فروغ فرغزاد... في ذكرى مولدها

فروغ فرغزاد... في ذكرى مولدها مختارات... علي سيد احمد. "إذا كان الحب حبّاً.. فإن الزمن كلمة حمقاء". - ولدت فروغ فرخزاد في ٢٩ ديسمبر ١٩٣٧ في عائلة عسكرية بمحافظة طفرشو الإيرانية وتوفيت في ١٣ فبراير ١٩٦٧م اثر حادث سير لم تكمل دراستها وتزوجت في سن السادسة عشر

فروغ فرغزاد... في ذكرى مولدها

فروغ فرغزاد... في ذكرى مولدها

 

مختارات... علي سيد احمد.

 

 

 

"إذا كان الحب حبّاً.. فإن الزمن كلمة حمقاء".

- ولدت فروغ فرخزاد في ٢٩ ديسمبر ١٩٣٧ في عائلة عسكرية بمحافظة طفرشو الإيرانية وتوفيت في ١٣ فبراير ١٩٦٧م اثر حادث سير لم تكمل دراستها وتزوجت في سن السادسة عشر وانتقلت صحبة زوجها إلى الأهواز أين أنجبت ابنها الوحيد ثم طلبت الطلاق بعد عامين من الزواج وحصل طليقها على حضانة الابن وانتقلت هي إلى طهران لمواصلة مسيرتها الأدبية.

- أحسّ أني خسرت عمري كله، كان عليَّ أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاماً، لعلّ السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة، فالحب، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد، لم يربّني أحد فكرياً وروحياً. كل مالدي هو مني، وكل مالم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي.عراقيل الحياة منعتني من الوصول.. أريد أن‏ أبدأ.

- سيئاتي لم تكن لسوء في صميمي، لكن بسبب إحساسي اللا متناهي بعمل الخير.

- أشعر تحت جلدي بانقباض وغثيان.. أريد تمزيق كل شيء.. أريد أن أتقوقع في ذاتي ما أمكنني. أريد الانطواء في أعماق الأرض، فهناك حبي، هناك عندما تخضر البذور وتتواشج الجذور يلتقي التفسخ والانبعاث، وجود ما قبل الولادة وما بعد الولادة، كأنما جسدي شكل مؤقت سرعان ما سيزول. أريد الوصول إلى‏ الأصل، أرغب في تعليق قلبي على الأغصان مثل‏ فاكهة طازجة.

 

 

 

- سعيت دائماً لأكون بوابة موصدة لئلا يطلع أحد على حياتي الباطنية الموحشة، لئلا يعرف أحد حياتي... سعيت إلى أن أكون آدمية.. ولكن كان في داخلي على الدوام كائن حي.

- قد ندحرج إحساسنا بأقدامنا.. لكننا لا نستطيع أن نرفضه أبداً.‏

- لا أعرف الوصول.. لكني أعتقد أن هناك هدفاً ولابدّ، هدف ينساب من وجودي كله إليه، آه.. لو أموت وأبعث ثانية لأرى الدنيا شكلاً آخر.‏

- العالم ليس ظلماً بكليته، والناس، الناس المتعبون ينسون أنفسهم دائماً فلا يسيج أحد منهم بيته.‏

- الإدمان على عادات الحياة المضحكة، والإذعان للمحدودية والعوائق، كلها أعمال مخالفة للطبيعة.‏

- إن حرماناتي، وإن تكنْ قد منحتني الحزن، فهي على العكس من ذلك أيضاً أعطتني هذه الميزة:‏
لقد أنجتني من فخاخ التهتك المخادع في العلاقات المحتملة. فالحرمانات تقرب العلاقة إلى مركز الاضطرابات والتحولات الأصلية.‏

- لا أريد أن أشبع، أريد الوصول إلى فضيلة الشبع.‏

- سيئاتي...؟ أية سيئات لي سوى خجلي وعجز حسناتي عن الإفصاح، سوى أنين حسناتي الأسيرة في هذه الدنيا المليئة بالجدران على مد البصر، جداراً تلو جدار، التقشف بالشمس، وقحط الفرص، والخوف والاختناق والاحتقار.

- أمس الأول، في الغرفة اللصيقة بغرفتي (في الفندق) انتحرت امرأة، قبيل الصبح انفجر صوت صراخ ظننته عواء كلب، خرجت لأستمع، الآخرون خرجوا أيضاً.... وأخيراً كسروا الباب.. كانت المرأة قد أصبحت رمادية، كانت قبيحة قصيرة، فقيرة، ترقد على سريرها فاقدة وعيها.‏
يبدو أنها قد ضُربت أولاً، وقام ضاربوها بسحبها من الطابق الرابع إلى الطابق الأول. كانت قبل انتحارها ميتة تقريباً، والآن ماتت تماماً. من حقيبتها المفتوحة وسط الغرفة ومن بين ثيابها تبرز أشياء مضحكة، وعجيبة: حمالات صدر لا عدد لها، ألبسة داخلية قذرة، جوارب ممزقة، أوراق ملونة ودمى ملفوفة بالأوراق الملونة، كتب قصصية للأطفال، أقراص مختلفة، صورة المسيح وعين اصطناعية.‏
لا أعرف، لقد جاء هذا الموت بلا شفقة. تمنيت أن أذهب وراءها إلى المستشفى. لكني أمام كل الناس الذين تعاملوا مع جسدها الرمادي بهذا القدر من الفظاظة، لم أتجرأ على إظهار رأفتي ومواساتي نحوها.

- سعيدة أنا، لأن شعري صار أبيض، وجبيني تغضن، وانعقدت بين حاجبي تجعيدتان كبيرتان رسختا على بشرتي. سعادتي أني لم أعد حالمة. قريباً سأبلغ الثانية والثلاثين، صحيح أن الـ(٣٢) عاماً هي حياتي التي تركتها خلفي وأتممتها. لكن ما يشفع لي أنني وجدت فيها نفسي.‏

 

 

 

- فمي مضطرب، وقلبي منقبض. تعبت من كوني متفرجة. ما إن أعود إلى البيت وأتوحد مع نفسي أحس أني قضيت يومي كله بالتشرد والضياع بين أشياء ليست مني، أشياء زائلة.

- في رسالة بعثتها الشاعرة‏ حين كانت في أحد المهرجانات السينمائية‏:

حين أرجع إلى البيت.. مثل طفل يتيم..‏
دائماً أفكر بزهرات عباد الشمس..
كم بلغ طولها؟
اكتب لي. عندما تزهر اكتب لي بسرعة...
مستلقية أرى البحر من هنا..
على البحر مراكب..
ونهاية البحر مجهولة.. إلى أين؟
لو استطعت أن أكون جزءاً من هذه اللا نهاية..
عندها أقدر أن أكون حيثما أكون.

- قلبي يريد لي أن أنتهي هكذا.. أو أستمر هكذا. دائماً تأتيني قوة من الأرض وتجذبني. التحليق صعوداً أو التقدم إلى الأمام كلاهما أمران لا يعنياني. فقلبي لا يريد سوى الهبوط مع كل الأشياء التي أعشقها، أهبط مع أشيائي الحبيبة وأذوب في هيئة كلية غير قابلة للتبدل. اعتقادي أن لا طريق سوى هذا يجعلنا نفلت من الفناء، من التحول والضياع، من العدم والعبثية.‏

- وفي رسالة منها بعد تكريمها الكبير في مهرجان‏ ـ بيزارو ـ للتأليف السينمائي.:

بين هؤلاء الناس المختلفين، كم أنا وحيدة، أحياناً تتمزق أنفاسي حزناً... إحساس خارج دائرة الوجود وجريانه يخنقني... ليتني ولدتُ في مكان آخر، مكان قريب من مركز الحركات والارتعاشات الحية.‏
واأسفاه... أكان علي أن أتلف عمري وقدرتي كلها، فقط وفقط، من أجل حبي للأرض واعتناقي لذكرياتي في الحظيرة المترعة بالموت والاحتقار والعبث. هذا ما فعلته حتى الآن. أقارن ذلك التدفق الحي الذكي... أية قدرة يتقدم بها إلى الأمام ليوقظ الاشتياق إلى الإبداع والخلق.‏
رأسي ممتلئ ظلاماً ويأساً. وأتمنى الموت. أموت ولا أضع قدمي في مؤسسة فارابي (مؤسسة سينمائية إيرانية لا زالت موجودة)، ولا أرى مجلة (......) ذات الرسالة الساقطة، والتي لا تساوي خمسة ريالات.

- قصيدة النافذةُ من أشهر وأعذب قصائدها:

نافذةٌ واحدةٌ
نافذةٌ واحدةٌ للرؤيا
نافذةٌ واحدةٌ للاستماعِ
نافذةٌ واحدةٌ أشبهٌ بفوّهةِ بئرٍ
في نهايتها تصلُ إلى قلبِ الأرضِ
وتفتحُ أمامَ زرقةٍ واسعةٍ ومكرّرةٍ بلونٍ أزرقَ
نافذةٌ واحدةٌ تملأُ تلكَ اليديْنِ الصغيرتيْنِ
الوحيدتيْنِ..
مِنْ عطرِ النجومِ الكريمةِ
ونستطيعُ مِنْ هناكَ أنْ ندعوَ الشمسَ
إلى غربةِ هذِهِ الورودِ الصناعيّةِ
نافذةٌ واحدةٌ تكفيني
أنا آتيةٌ مِنْ مدينةِ الدمى
مِنْ تحتِ ظلالِ الأشجارِ الورقيّةِ
مِنْ بستانٍ في كتابٍ مصوّرٍ
مِنْ مواسمِ التجاربِ الجافٌةِ
والعقيمةِ مِنَ الصداقةِ والحبِّ
في أزقّةِ البراءةِ المتربةِ
من نموّ سنواتِ الحروفِ الأبجدّيةِ المصفرةِ
مِنْ وراءِ طاولاتِ تلكَ المدرسةِ المسلولةِ
مِنْ تلكَ اللحظةِ التي استطاعَ بها الأطفالُ..
أنْ يكتبوا علي اللوحِ مفردةَ.. (الصخرةُ)
والزرازيرُ –بعجلٍ- طارتْ مِنَ الشجرةِ الكهلةِ
أنا آتيةٌ مِنْ بينِ جذورِ النباتاتِ الآكلةِ اللحومَ
عقلي لا يزالُ ممتلئًا بصوتِ وحشةٍ
تلكَ الفراشةُ التي صُلبتْ بدبّوسٍ في الدفاترِ
عندما كانتْ ثقتي مصلوبةً بخيطِ العدلِ الرفيعِ
وفي المدينةِ كانوا يمزّقونَ أضواءَ قلبي قطعةً قطعةً
ويغلقونَ عيونَ طفولةِ العشقِ..
بمنديلِ القانونِ الأسودِ
ومِنْ أعلى جبينِ أمنيتي كانَ يفورُ الدمُ
حينَ كانتْ حياتي.. لا شيءَ سوى دقّاتِ ساعةٍ
جداريّةٍ
فهمتُ..
يجبُ
يجبُ
يجبُ
أنْ أعشقَ بجنونٍ
نافذةٌ واحدةٌ تكفيني
نافذةٌ واحدةٌ للحظةِ اليقظةِ والنظرةِ والصمتِ
الآنَ.. نبتةُ الجوزِ كبرتْ
للحدِّ الذي تستطيعُ أنْ تفسّرَ للجدارِ..
طراوةَ أوراقِها اليانعةِ
اسألِ المرآةَ عنِ اسمِ منقذِكَ
هل الأرضُ التي ترتجفُ تحتَ قدميْكَ..
أكثرُ وحدةً منْكَ؟
الأنبياءُ جاءوا بنبوءة الدمارِ إلى قرنِنا
هذِهِ الانفجاراتُ المستمرَةُ..
هذِهِ السحبُ المسمومةُ..
هلْ هيَ صدى هذِهِ الآياتِ المقدّسةِ؟؟
أيُّها الصديقُ..
أيُّها الأخُ الذي دمي ودمُكَ واحد
عندَ وصولِكَ إلي القمرِ..
اكتبْ هناكَ قتلَ العامِ للورودِ
-دائمًا- الأحلامُ تنتحرُ وتموتُ مِنِ ارتفاعِ
السذاجةِ
أشمُّ البرسيمَ الذي ينمو على قبرِ المفاهيمِ القديمةِ
المرأةُ التي دُفنتْ بكفنِ الانتظارِ والعصمةِ
كانتْ زهرةَ شبابي
هلْ سأتسلّقُ مرّةً أخرى سلالَم الاستطلاع..
حتّى ألقي التحيّةَ على الربِّ الحنونِ الذي يتمشّى
فوقَ سطحِ البيتِ؟
أشعرُ أن الوقتَ قدْ مضى
أشعرُ أن (اللحظةَ) نصيبي مِنْ أوراقِ التاريخِ
أشعرُ أن الطاولةَ مسافةٌ كاذبةٌ بينَ جديلتي ويدَيْ
هذا الغريبِ الحزينِ
قلْ لي شيئًا..
الذي يمنحُكَ حنانَ جسدِهِ..
ماذا يريدُ منْكَ سوى الشعورِ بالحياةِ لمرةٍ واحدةٍ؟
قلْ لي شيئًا..
أنا في مأمنِ النافذةِ..
لي ارتباطٌ معَ الشمسِ.

- إذا لم يصل الإنسان إلى أناه الحرة المنعزلة الطليقة من الأنوات الآسرة فلن يصل إلى شيء إذا لم تضع وجودك كله بتمامه وكماله لاختيار هذه القدرة.. فلن توفّق في إبداع حياتك....، الفن أقوى أنواع الحب.... إنه يجعل الإنسان يصل إلى تمام حضوره... فعلينا أن نستسلم له.‏

 

 

 

- يا للدنيا العجيبة. أنا ليس لي شأن بأحد أصلاً.عدم تدخلي في شؤون الناس، وانهمامي بنفسي، هو بالضبط ما يجعل الناس يراقبونني بفضول...لا أعرف كيف أتعامل معهم. أنا إنسانة خجولة. لدي معضلة كبيرة في فتح حوار مع الآخرين.
خصوصاً مع من لا أعرفهم.. ما علينا.. رأيت لوحة لليوناردو دافنشي في المعرض الدولي، لم أكن رأيتها من قبل في سفرتي السابقة إلى لندن، إنها رائعة، كل شيء ذاب في الأزرق الفاتح، إنها مثل الإنسان + أول الفجر، قلبي أراد أن أركع وأصلي، هذا هو الدين. في لحظات الحب فقط،أشعر بوجود الدين في أعماقي.

- آه … رباه … ماذا أقول
إنني متعبة معذبة من جسدي هذا
أقف كل ليلة على أعتاب عظمتك
في انتظار جسد آخر

- هل كان ذنب الكاتبة أنّها أنثى، أنثى مثل جميع النساء، لا تختلف عنهن في شيء من الأنوثة والجمال تختلف عنهن فقط في الجرأة التي طرقت بها أبواب الممنوعات، هل ذنب الكاتبة أنّ لها جسدا بمثابة اللعنة في مجتمعاتنا المغلقة، جسد يحكم عليها قبل أن تبدأ في كتابة أيّ حرف؟
أسئلة نطرحها بشدّة خاصة وأنّ مجتمعاتنا مازالت تلاحق النساء، تراقبهن في الغرف الصغيرة والشوارع الكبيرة وتحكم عليهن بالموت ماديا أو معنويا تحاسب نواياهن وترفض أفكارهن .. فروغ فرخزاد الشاعرة الإيرانية كانت إحدى اللواتي حكم عليهن بالنفي، بالإحتقار والإبعاد ..
مات جسد فروغ وتحلل تحت التراب ومازال حرفها شامخا وخالدا، وقبرها زاهيا ومحلّ زيارة من قرّاء الشعر الحقيقي، لقد تفوقت وانتصرت على الحاقدين على أدبها هؤلاء الذين حاولوا طمس وجودها والانتقاص منها في حياتها.
مرّت ٥٢ سنة على وفاة الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد، ومازالت الكثيرات إلى اليوم تستلهم من سيرتها ومن قصائدها معاني الحرية والنضال ضد المجتمعات الذكورية ، هي الشاعرة المتمرّدة والمرأة المارقة على قوانين الذكورة، والنسوية التي فتحت أبواب الجدال حول أدبها وأفكارها التي لم تتناسب مع الفترة التي عاشت فيها.

- كتبت لابنها الوحيد قصيدة ” قصيدة لك “، يمكن أن نقرأ من خلالها أحزان فروغ الكبرى التي تراكمت في أعماقها رغم صغر سنّها.
“كنت تلك المفجوعة المقترنة بالفضيحة والعار
الهازئة من الكلام اللاذع
قلت فلأكن صدى كينونتي
لكنني واأسفاه امرأة كنت
عندما تقع نظرات عينيك البريئتين
على هذا الكتاب
المبعثر الذي لا بداية له
سوف ترى التمرد المتجذر للعصور مزدهرًا في كل صوت وأغنية”

- جربت فروغ فرخزاد كل أنواع الاحتقار الاجتماعي لكونها مطلقة أولا وشاعرة وامرأة متحررة ثانيا، ولكنّها تمسكت بحريتها إلى آخر لحظة في حياتها، يطلق البعض لقب “الفيمينست” على فروغ ولكنّها لم تكن نسوية بالمعنى التقليدي، فهي لم تستلهم من أدبيات الحركة النسوية بل كانت نسوية على مقاس تجربتها الخاصة التي دفعتها إلى التمرّد على قوانين المجتمع الذكوري.
في هذا السياق تقول ” إنّ عالمي مثلا يختلف تماماً عن عالم (حافظ الشيرازيّ) أو (سعدي) حتّى يختلف عن عالم أبي، طريقة تلقي الشاعر والقارئ في فهم مفاهيم عدّة كالعشق والشجاعة والمعتقدات تختلف عن الأمس”. لقد حاولت فروغ التوغل في أقاصي أعماقها وأن تفتح كلّ نوافد روحها لتكتب عن معناة النساء الشرقيات عن العشق وعن الحرية بطريقة لا تشبه إلا نفسها، لقد حركها الجموح والشبق وحبّ الحياة في أن تكتب وتعيش.

- سأبذر كفى في حديقة الذكرى ،
و أنمو……
اعرف جيدا إنّي سأنمو ،
حتى تضع العصافير الملوّنة الصغيرة بيضها
في راحتي الملطّخة بالكتابة.
سأرتدي توأم كرزتين ،
قرطين تتدلى على جيدي ,
وتزهو بزهرات الأضاليا أظافري

- عانت الشاعرة من تجربة طلاقها ومن انقطاع العلاقة مع والدها التي حاولت استعادتها عن طريق شقيقها المقيم بميونخ، تضمنت بعض الرسائل بينها وبين والدها عتابها ومضيها قدما في طريقها وقناعتها التامة بما تفعل.
يروم قلبي أن يكتب لكم عن حياتي برمتها، عن كل الأحاسيس والآلام والتعاسة، لكنني لا أستطيع كتابة ذلك. فحينما نستعرض المنظومتين الفكريتين المختلفتين والفضاءين الاجتماعيين المغايرين والمحكومين بظروف مختلفة، كيف يمكن حينها أن نخلق حس التفاهم المشترك.
عاشت فروغ فرخزاد تجربة حبّ فاشلة مع المخرج والكاتب ” إبراهيم كولستان” وقد ساعدته في تنفيذ بعض أعماله السينمائية كما أنّها أنجرت عدد من الأفلام القصيرة من أشهرها “المنزل المظلم ” سنة 1962 ، ورغم حبّها المفرط للحياة والشعر والسينما فإن فروغ قد حاولت الإنتحار مرتين ولكنّها فشلت.
يعود أسباب انتحارها الفاشل إلى نوبات الاكتئاب التي عانت منها في ظل حياتها شائكة وصعبة وفي مجتمع محافظ لا يؤمن بحرية المرأة ولكنّها تجرأت عليه في أدبها وأيضا في سلوكها الخاص ” السفر والإرتباط بقصة حبّ دون زواج والكتابة الجريئة” ، فالمتأمل في أغلب صور فرخزاد سيجدها تدخن السجائر أو الغليون وهو أمر مستهجن في ثقافة بلادها وقد عانت أيضا من الوصم الأخلاقي الذي تعرضت إليه كثيرا ولكنّها ناضلت بشجاعة بالغة من أجل قناعاتها وأفكارها.

- هو اقتادني الى مزرعة الورود الحمر
في الظلمة علق على جدائلي المضطربة وردة حمراء
ثم ضاجعني على وريقة وردة حمراء.
ايتها الحمائم الكسيحة
ايتها الاشجار اليائسة المقفرة التجارب
ايتها النوافذ العمياء
تحت قلبي،
بين حنايا خصري
ثمة وردة حمراء تنمو
حمراء كبيرق سامق يوم قيامة
اه، حبلى انا حبلى،
حبلى

- لم يمنع صاحبة المسيرة القصيرة (٣٣ سنة) في الحياة من أن تكون أهمّ شاعرات إيران في الشعر الحديث نشرت في حياتها أربع مجموعات شعرية ” الأسيرة”، “عصيان”، “الجدار” و”ميلاد آخر ” ومجموعة أخيرة تمّ نشرها بعد موتها بعنوان “لنؤمن ببداية فصل البرد”.

- ترجمت أعمالها إلى لغات كثيرة وكتب حول تجربتها الشعرية عشرات الكتب، ومازالت إلى اليوم موضع دراسة رغم مضيّ أكثر من نصف قرن على وفاتها، ويعتبر قبرها مزارا لعشاقها الذي تحوّل إلى حديقة أزهار وقصائد عرفانا بجميل الشاعرة التي ظلمت طويلا في حياتها ولكنّها انتصرت بعد موتها لتظلّ لسنوات طويلة تتربع على عرش الشعر الإيراني.

فروغ فرخزاد.. شعلة إيرانية للتمرد والعناق

- لقد كانت امرأة مُطلَّقَة، تكتب شعرًا صريحًا من منظور أنثوي بلا خجل، بجانب عملها السياسي وموقفها المناهض للسلطة، فأصبحت ولا تزال رمزا للثقافة المضادة.
كانت علاقة فروغ مضطربة بكل من حولها تقريبًا. أرهقها التمرد أكثر مما فعل مع المحيطين بها. طليقها الذي تزوجته وعمرها 16 عامًا، وابنها، ووالدها وأخوها الأقرب إليها "فريدون". كما لو أن وجودها كان مُتعبًا للوجود بأكمله، فكان عليها الاعتذار وتبرير موقفها طوال الوقت في رسائلها وفي قصائدها، وفي النثر القليل الذي كتبته بعيدا عن الشعر.
ففي رسائلها لوالدها الضابط السابق بالجيش الإيراني، تعتذر فروغ بشدة عن تأخرها في الرد على خطابه، ويبدو أنها تلقت تأنيبًا شديدًا؛ فهي تسعى بقوة لإثبات "أن من تحبهم من صميم قلبها لا تنساهم أبدا"، كما تقول له في رسالة أخرى "كنت أرغب في الكتابة لكم عن كل حياتي ومشاعري ومشاكلي، ولم أكن قادرة ومازلت عاجزة عن ذلك، إذ كيف يمكننا الوصول إلى تفاهم مشترك بيننا؛ عندما تكون قواعد أفكارنا وعقائدنا قد تشكلت في زمنيين ومجتمعين مختلفين من ناحية الشروط والمعطيات؟.. ألمي العظيم أنكم لا تعرفونني أبدا ولم ترغبوا يوما في ذلك، وربما لا زلتم عندما تفكرون بي؛ تعتبرونني مجرد امرأة فارغة الرأس حشت قراءة الروايات الغرامية والقصص التي نشرتها مجلة طهران مصور (طهران المصورة) رأسها بالأفكار الحمقاء. ليتني كنت هكذا، لكان باستطاعتي آنذاك أن أكون سعيدة".

- تنبأت الشاعرة الإيرانية -التي ستظل شابة لرحيلها قبل أن تتم الثالثة والثلاثين- بأنها سترحل صغيرة. قالت فروغ لأخيها الشاعر والموسيقي فريدون في رسالة؛ "على أي حال أول من سيموت في عائلتنا هي أنا، ومن بعدي يأتي دورك، أنا واثقة من هذا".

- ولثقل الحزن واليقين بقرب الموت؛ اقترنت أشعار فروغ فرخزاد بهما، وحملتهما (الحزن والموت) راية عصيان ضد الحياة، وخاصة في دواوينها الأخيرة.

- عندما أخرج عباس كيارستمي فيلمًا حمل عنوان قصيدة لها "سوف تحملنا الرياح" The wind will carry us؛ كان فيلمًا عن الموت وانتظاره، تسير أحداثه في قرية جبلية صغيرة، يحضر إليها شاب مجهول ويمكث في أحد بيوتها الصغيرة في انتظار موت السيدة ملك التي تجاوزت المائة عام بكثير، حتى أن أهل القرية توقفوا عن عد سنوات عمرها. الشاب ينتظر موتها يوما بعد يوم، بينما أهل القرية جميعهم يعملون على راحتها ويدعون لها باسترداد الصحة. الموت مقابل الحياة؛ حتى لو كانت حياة فقيرة استهلكت سنواتها ومضت ذروتها.

- في رسائل العتاب التي تبادلتها مع أخيها فريدون، الشاعر والفنان الذي كان يعيش في ألمانيا، كانت ترسل له النقود وتعتذر عن قلتها لأنها فقيرة، ولا يوجد أحد لتستند إليه في أيام فقرها الشديد. تشكو من الوحدة والتعاسة وتعنت الناشرين في نشر دواوينها ودفع مستحقاتها المالية، وترجوه ألا يلومها لعدم الكتابة بانتظام. كانت تحبه وتُدلِّله بـ"حماري الصغير"، وتؤمن بموهبته الشعرية. كما انتظرت منه أن يمد إليها يد العون، كونه أقرب أخوتها إليها، وأكثرهم إحساسا بمعاناتها، ولأنه كذلك يكتب الشعر ويدرك مخاطره. لكن يبدو أن هذا العون لم يأت أبدا.

- كان لفروغ ولد وحيد؛ كاميار "كامي كما كانت تدعوه"، أَُخذ منها بعد الطلاق دون رغبة منها، بعدما اتهمت بتعدد علاقاتها العاطفية. لكنها لم تحاول استعادته، لقد وهبت حياتها كلها للفن وضحت بكل شيء من أجل حريتها وقلمها. تقول عنه "أنا مقطوعة الصلة عن حياتي السابقة - عندما أرى كامي في الشارع، حيث يصل طوله اليوم إلى أكتافي، يبدأ بدني بالارتعاش وقلبي بالانفجار، ولكنني لا أريده لا أريده. ما الفائدة من هذه الروابط والعلاقات؟"

- مدينتي أنا وأنت يا طفلي
منذ أمد وهي بيت للشيطان
سيأتي يوم وعيناك – بحسرة - ..
ستنزلقان على هذه الأغنية الموجعة
تبحثان عني بين كلماتها
وتقول مع نفسك.. هل كانت أمي هكذا؟

- لكنها حملت مشاعر الأمومة بداخلها أينما ذهبت. فهي تهتم بأخيها وترسل له الأموال، وتقدم له نصائح تساعده في حياته الاجتماعية والزوجية، وتخبره برأيها في شعره وتشجعه على الكتابة والبقاء في ألمانيا وعدم العودة لطهران حيث الوسط الأدبي "متعفن ومناخه لا يشجع على النشر والتطور". كما تبنت طفلاً عانى والداه من مرض الجذام، وأخذته يعيش في منزل والديها. وكانت ترسل الرسائل لوالديه بانتظام لتطمئنهما عليه، وأخرجت فيلم "البيت أسود" عن مرضى الجذام ومعاناتهم.

 

 

 

- في طيات أشعارها؛ يسير اليأس والحب والتمرد جنبا إلى جنب. وكأن أحدهم هو من يدفعنا نحو الآخر ثم ينفرنا منه، علاقة طردية وعكسية في آن، فتقول في قصيدة "الخصام":

- تركت جسدك في هذا العالم
فغايتي ليست جسدك
لو أنني ركضت لأجلك
فقط لأنني أعشق العشق لا الوصال بك
حتى ظلام ليلي الحالك
الحلم بالعشق أجمل من طيفك

- وهي واحدة من قصائد قليلة، تمردت فيها على العاشق الذي تناجيه طوال كتابتها السابقة. إنها ترفع راية الخصام وتقولها بوضوح إن العشق هو المعشوق النهائي، أمّا شخص المحبوب؛ فما هو إلا وسيلة تصلها لغايتها. لكنها تعود، في قصائد أخرى وتعلن عن حبها الهائل، لكنه حب خائف أحيانا، ولا يكتمل أبدا. بعد انطلاقها في الحب لحد الابتذال في قصائدها الأولى. تقول في قصيدة "الخوف":

- من غصن شجرة العزلة
في سرير العشب الطري
بقيت أنا وشعلة العناق
أخشى من هذا النسيم أن يعانقني
أخشى أن تفوح من جسدي بين الأغراب رائحة العشب الطازج

- بدءًا من ديوانها الثالث "العصيان"، يمكننا أن نلمس تجربة شعرية حقيقية قادتها فروغ بحساسية وحيرة وتساؤلات وجودية فريدة، حتى أنها وجهت أسئلتها للإله مباشرة، وضغطت في تساؤلاتها وكأنها تريد إجابة فورية. ربما لهذا رغبت في موت مبكر، لأنها ضاقت من تساؤلات لا تجد لها إجابة هنا، كما رغبت في جسد آخر في زمن آخر. ربما كل هذا الضيق لتستطيع الحياة مرة أخرى وقد نحَّت الحيرة جانبا، وكرَّست وجودها لـ"الوصول". تقول فروغ "لا أعرف ما الوصول، إلا أنه بلا شك هدف يتجه كل وجودي نحوه".
أتمنى أن أنتهي أو استمر هكذا. لا يهمني الصعود أو التقدم. أرغب فقط في النزول، الانحدار مع كل الأشياء التي أحبها، لأحل في كل [شيء] غير قابل للتبدل.

- في رسائلها لحبيبها ابراهيم كلستان، كتبت الكثير من هواجسها وأفكارها. كان هو الوحيد الذي لم تضطر إلى الاعتذار إليه عن أي شيء، أو تبرير نفسها له. كانت تطلق يديها وتكتب له دون اكتراث لسمعتها التي تلطخت بأسباب عديدة، وعلى رأسها علاقتها به.

- قالت له في أحد الخطابات؛ "عندما كنت عائدة إلى المنزل كما الأطفال اليتامى، كنت أفكر بزهوري.. زهور عباد الشمس. إلى أي حد نَمَت؟ اكتب لي. عندما تتفتح الزهور بادر بالكتابة لي. من مكاني الذي أنام فيه أستطيع أن أرى البحر.. القوارب على سطح الماء ولا أحد يعلم أين نهاية البحر. لو كنت أستطيع أن أكون جزءًا من هذه اللانهاية، لاستطعت أن أكون حيثما شئت.. أتمنى أن أنتهي أو استمر هكذا. لا يهمني الصعود أو التقدم. أرغب فقط في النزول، الانحدار مع كل الأشياء التي أحبها، لأحل في كل غير قابل للتبدل. يبدو لي أن هذا هو المهرب الوحيد من الفناء والتدهور والضياع والاندثار".

- تعود أهمية فروغ وشهرتها العالمية لتجاهلها القيم المحافظة في عصرها، وهذا يعني الكثير. لقد كانت امرأة مُطلَّقَة، تكتب شعرًا صريحًا من منظور أنثوي بلا خجل، بجانب عملها السياسي وموقفها المناهض للسلطة، فأصبحت ولا تزال رمزا للثقافة المضادة. وقد كسبت معجبين ومنتقدين على نفس القدر من الحماسة. تقول في قصيدة "سألقي التحية على الشمس":

- أخذني إلى بستان الورود الحمراء
وعلق على جدائلي المضطربة ورودا حمراء
وفي النهاية نام معي فوق ورقة من الورد الأحمر
أيها الحمام المشلول
أيتها الاشجار الساذجة اليائسة
أيتها النوافذ العمياء
تحت قلبي وفي أسفل ظهري الآن تنمو وردة حمراء
حمراء
كعلم في يوم المعاد
اه.. أنا حبلى.. حبلي حبلى

- يقول المخرج الايراني مهدي جامي "في ثقافة أي بلد؛ هناك رموز ثقافية، مثل شكسبير في بريطانيا. فرخزاد كانت كذلك بالنسبة لإيران المعاصرة، فهي من شكلت الهوية الحديثة للشعر الإيراني. كانت تكتب بطريقة بسيطة وحميمة. لم تكن تتصنع لا في شخصيتها، ولا في شعرها... كانت آخر شخص يقول الحقيقة في بلادنا".

- عاشت فروغ فرخزاد حياة بسيطة، للحد الذي جعلها تسافر أوروبا لأول مرة على متن طائرة بضائع، واستنكرت بشدة كل المظاهر الفارغة التي يتمسك بها البشر بلا قيمة حقيقة. كتبت الشعر وخاضت مختلف المجالات الفنية مثل التمثيل في أفلام ومسرحيات، والإخراج السينمائي والوثائقي. كما كتبت القصة القصيرة وعملت في الإنتاج والاعلانات والدوبلاج. تُرجِمَت أشعارها إلى العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والكردية والنيبالية والروسية والتركية والأردية والأوزبكية. حاولت الانتحار مرتين ودخلت إلى مصحة نفسية للعلاج من الاكتئاب أكثر من مرة. كما اعتقلت مرات عديدة إثر اشتراكها في نشاطات سياسية ديمقراطية.
عندما رحلت كانت مكتملة ومتوازنة بشكل كبير. لم ترحل قبل أوانها، كما يشير البعض، رغم إنها لم تكمل عامها الثالث والثلاثين.

- بنظرة سريعة على قصائدها نجدها في الدواوين الأولى "الأسيرة" و"الجدار" كأنها مراهقة في حالة عشق مع الحب ذاته. تتلون حالتها المزاجية ما بين الحب واليأس ولوعة الانتظار. وتنضج المراهِقة وترى الحياة من جوانب أخري، وتدرك قيمة التمرد في ديوان "العصيان"، وتوجه تساؤلاتها وحيرتها للإله ذاته، وترفع راية الثورة وتشفق على كل من عصى وتطلب له الرحمة. وتسير ببطء في رحلة كالفردوس المفقود لميلتون، لتحكي ثنائية الإنسان والشيطان، وتوهتهما في دروب الإله المختلفة.

- كيف يمكننا أن نأمر ذلك الذي يذهب الآن
بصبر..
وثقل..
وضياع..
أن يقف
كيف يمكننا أن تقول لذلك الرجل
أنه ليس على قيد الحياة..
وهو لم يكن حيا أبدا

- يضم ديوانها الأخير الذي نشر بعد موتها "فلنؤمن بطليعة الموسم البارد" قصائد كأنها كُتبت من العالم الآخر، من تحت التراب، كأنها لم تنس أن تكتب الرسائل التي سترسلها لنا من هناك لتؤكد على رحيلها ووجودها داخل الأرض الطرية وشعورها الدائم بالبرد "كأنها لم تدفأ أبدا". لكنها رغم ذلك لم تتوان عن إلزام الموت بالوقوف، أو على الأقل فكرت في هذا.

- أنا بعد موتي
لم أجرؤ يوما على النظر في المرآة
ومت بالقدر الذي لا أستطيع فيه أن أثبت موتي لأحد.

جميع النصوص الواردة ل #فروغ_فرخزاد
المصادر:
(١) نصوص نثرية - ترجمة: #خليلعليحيدر – دار العين
(٢) الأعمال الشعرية الكاملة - ترجمة: #مريم_العطار - دار المدى
(٣) فروغ فرخزاد صاحبة السيرة السيئة.#خولة_الفرشيشي
(٤) مختارات من رسائل الشاعرة- #فروغ_فرخزاد
إلى صديقها القاص الإيراني #إبراهيم_كلستاني

#فروغ_فرخزاد
٢٩ ديسمبر ١٩٣٤م
١٣ فبراير ١٩٦٧م