فرح يختفي في المرآة أو رحلة الصلب المتكررة محمد العربي.. تونس
فرح يختفي في المرآة
أو رحلة الصلب المتكررة
محمد العربي.. تونس
صدر مؤخرا ديوان "فرح يختفي في المرآة " عن دار الفردوس للنشر والتوزيع بدعم من من صندوق التشجيع عن الابداع الأدبي والفني بتونس.
هذا الكتاب الذي يضم 105 صفحة للشاعر التونسي رضوان العجرودي والذي عرفت صاحبه منذ سنوات شغوفا بالسينما والمسرح والصورة عموما لتتحرك حساسيته وماكينته الفنية نحو اللغة ولنكتشف أننا أمام عمل شعري لا يخلو من الطرافة والجدة وتمكُنٍ من التقنيات التي تعمل بها قصيدة النثر معبرا فيه عن رؤيته الوجودية للعالم على حسب قراءة الشاعر التونسي محمد الناصر المولهي في مقال له بجريدة العرب بعنوان فرح يختفي في المرآة" قصائد من شوك.
في البداية
وجدنا في هذا الديوان أيضا رسومات داخلية لماجد الهمامي هي عبارة عن تفاعل الرسوم مع القصائد.
كما يستهله صاحبه بتصدير من الكتاب المقدس " فخرج يسوع وهو حامل إكليل الشوك وثوب الأرجوان فقال لهم بيلا طس " هو ذا الانسان "
و في هذا التصدير إحالة ضمنية عن رحلة الشاعر الشاقة في الوجود رحلة الشوك والصلب والمعاناة منذ الطفولة إلى الآن.
هذ ه الإحالة أو هذا الاشتباك والتماهي مع يسوع الذي يستدعيه الكاتب منذ التصدير يقودنا منذ العتبات الأولى إلى تجربة الشاعر في العالم . إذ أننا ومنذ العنوان "فرح يختفي في المرآة" يحملنا العجرودي مباشرة الى تخيل العوالم التي سيقودنا إليها والمنطقة التي يقودنا نحوها وهي منطقة الخذلان والخيبة حين يختفي فرحنا وتختفي حياتنا بالكامل في المرآة..
في تشكل العوالم الشعرية
تتضح سمات هذه التجربة بأول نص في الديوان الذي يبدأ بالولادة العسيرة والقاسية.
حين تبدأ بذرة الفرح بالتشكل متقاطعة مع قسوة الوجود وعلامات الرحلة الشاقة
والتي يترجمها بنصه الأول في الديوان حكاية لا تعرفها أمي
"وضعتني أمي في "قاجو" أصفر
تحت شجرة لوز
كان الحصاد
قطعت حبل سرتي بأسنانها
كنت أقصر من سنبلة،أما الان فأنا أطول من شجرة
اللوز تلك.
ويواصل الشاعر رحلة السير متوحدا في العالم
" أتمرن في الوديان والغابات
أطوّع أطرافي للركض بل انقطاع
لدي كيس مملوء بالصدى
ذخيرة للعواء المجروح
وتتواصل النصوص في الديوان على شكل منولوغ طويل يشكل عوالم مختلفة من حياة الشاعر تتداخل فيها أسئلة نفسية واجتماعية وسياسية وشعرية كما لا تخلو من تيمات الحب والحرب والوحدة والخيبة والخذلان.
هذه التيمات التي تتسم بها الشعرية العربية المعاصرة لكن ما يميزها هو أسلوب الشاعر في كتابة فرحه الذي يختفي في المرآة حين يروي لنا سيرة حياته في تفاصيل ينهض بها السرد ويتلقفها الشعر بروح الطفل الذي نام تحت قمر تطاوين مصغيا إلى حكايات النبع ليستيقظ في مكعبات الاسمنت حيث يموت العالم ببطء وتستيقظ أسئلة الشاعر
هل ما حدث كان فيلما أو مسرحية أو قصيدة أم هي حياته بصخورها وندوبها وطعناتها..
كل فرح يختفي في مرآة لكن ما يبقى هي سيرة الشاعر وقصائده التي لا يمكن أن تمحي والتي يكتبها العجرودي وثيقة وبرهانا ودليلا صارخا على رحلة الصلب المتكرر في عالم ياهوذي بامتياز.
لينهي نصه الأخير من ديوانه
يمررون لي الكلام في كأس مكسورة
يقرؤون لي سلاما ونخبا
وأنا أطير عاليا مثل كيس بلاستيكي
محمد العربي شاعر وكاتب تونسي