خارج المتاهة / محمد عتيق
خارج المتاهة / محمد عتيق الولايات/الاقاليم وحكامها الجدد ——————————— أعلنت الدولة أسماء الحكام المدنيين على ولايات البلاد فاندلع اللغط : استنكاراً ، رفضاً للمشاركة بأسماء معينة ، احتجاجاً على طريقة الاقتسام
خارج المتاهة / محمد عتيق
الولايات/الاقاليم وحكامها الجدد
———————————
أعلنت الدولة أسماء الحكام المدنيين على ولايات البلاد فاندلع اللغط : استنكاراً ، رفضاً للمشاركة بأسماء معينة ، احتجاجاً على طريقة الاقتسام ، والرفض لبعض الأسماء لأسباب قبلية وعنصرية أو جنسية (جندرية) .. إلى آخره .. المهمات التي تنتظر الولاة ، لا علاقة لها بالقبيلة التي ينحدر منها الواحد منهم ولا بانتمائه الحزبي أو بجنسه رجلاً كان أو امرأة ، فإذا كانت أمور الأمن والمعاش والصحة هي من صلب هموم هؤلاء الولاة فإن هذا الانقسام واللغط الدائر هو تجسيد لبعض مقاصد النظام الساقط من توزيع المواطنين في تقسيمات ولائية صغيرة على أسس قبلية وعنصرية تتيح له السيطرة عليهم وعلى الوطن مما يجعل من محاربة ذلك هدفاً مقدماً ؛ إذ من أين يأتي الأمن ويتيسر المعاش وتتوافر الصحة والكرامة دون مواجهة علمية ووطنية محكمة لتلك الأسس المدمرة ؟؟
بعودة سريعة إلى الوراء : كان النظام الساقط يائساً من الجنوب السوداني (بل قل : وراغباً في فصله) ، ومن انعكاسات ذلك اليأس أنه وافق دون تردد على أن يعود الجنوب إلى مديرياته الكبيرة الثلاث بدلاً عن الولايات العديدة ، إلا أنه رفض ذلك في بقية السودان ، رفض عملي حتى لو وافق نظرياً في بعض المناطق مثل دارفور ، ففي مفاوضات أبوجا (٢٠٠٦) ورد حديث عن ولايات دارفور الثلاث (آنذاك) كوحدة اقليمية، وفي نفس ذلك العام نظمت الحكومة مؤتمراً حول دارفور في مدينة الفاشر لم يشارك فيه سوى "المؤتمر الوطني" المحلول واتباعه ، ورغم ذلك جاء في التوصية الرئيسية أن دارفور اقليم موحد وفي نفس الوقت ؛ الإبقاء على الولايات الثلاث (آنذاك) عادت لاحقاً كما كانت سابقاً إلى ٥ ولايات ..
النخبة "الاسلاموية"، وكما كانت ترفض مبدأ مشاركتها في السلطة (بالمعنى الحقيقي للمشاركة) كانت كذلك ترفض المطالبة بإقليم واحد في السودان الشمالي رغم الموافقة عليه في حالة جنوب السودان ، كانوا يرفضون الاقليم الموحد خوفاً من المساس بقداسة نيفاشا (آنذاك) ولأنه كان سيقضي على سيطرة الشمال على المركز والولايات ، فذلك المطلب يعني قيام أقاليم كبيرة في كافة بقاع السودان (كردفان ، الجزيرة ، الشرق ، الشمال ...الخ).. وكان ذلك الرفض مؤسساً على أنه يمكنهم السيطرة الأمنية على الولاية الصغيرة بسهولة وفرض الجبايات العديدة عليها عكس الاقليم الكبير الذي تصعب السيطرة الأمنية عليه ولأنه سيستطيع الضغط على المركز وفرض إرادته عليه ، ولذلك كانوا يرفضون وحدة الاقليم الكبير في الشمال ولكنهم وافقوا عليه في الجنوب لأنهم كانوا يائسين منه كما أسلفت وراغبين في ذهابه عبر نيفاشا والاستفتاء على تقرير المصير ..
وعمل النظام الساقط لاحقاً على إجراء المزيد من التقسيم في اقليمي دارفور وكردفان خاصةً وأن المزيد من الولايات الصغيرة الكثيرة ، إضافةً إلى سهولة السيطرة الأمنية عليها وفرض المزيد من الجبايات ، كانت تعني المزيد من "البرلمانات" و "مجالس الوزراء"و..إلى آخره ، الشيء الذي يعمل على توسيع القاعدة الاجتماعية المؤيدة للنظام من خلال الارتباط المصلحي بالوظائف الدستورية والحكومية ؛ مصادر النهب وبؤر الفساد ..
كان النظام الاسلاموي الساقط معادياً (بمعنى الكلمة) لحرية الوطن والمواطن على كافة الاصعدة المادية والمعنوية والقانونية ، لذلك من البديهي أن تكون الثورة الكاملة العميقة هي النقيض الحقيقي له ، والرد القادر على اقتلاعه من جذوره إلى الأبد ..
لجنة تفكيك التمكين و..وإلى آخر الاسم الطويل ، في المركز وفروعها في الأقاليم - ورغم الملاحظات - يرتكز نشاطها وكما هو واضح من اسمها على تحرير الوطن من الهيمنة الاسلاموية المادية الناتجة عن النهب وسياسات التمكين في وظائف الدولة المفصلية ونشاطاتها الاقتصادية ... غير أن هنالك أسلحة ضارية تفتك بالنسيج الاجتماعي وبمقومات الوحدة الوطنية في بلادنا ، من أهمها هذه التجزئة للأقاليم التي ورثناها عن نظام الساقطين ، تفكيكها جزء أساسي من مهام التفكيك العديدة ، انه تفكيك الولايات الصغيرة الكثيرة بإعادة نسجها في كيان الأقاليم الكبيرة القديمة التي قام البريطانيون بتقسيمها وتأسيسها وفق دراسات دقيقة اقتصادياً وإداريًا وسياسياً ، وحافظت عليها كافة الانظمة الوطنية اللاحقة الديمقراطية والعسكرية ..
هذه العودة إلى الأقاليم الست القديمة ، ومعها مناهج التعليم والتربية الوطنية التي ستنشأ عليها الأجيال هي الصمام الحقيقي لوحدة البلاد وشعبه .. استعادة الوحدة للأقاليم إدارياً وسياسياً هدف هام ووسيلة أساسية من وسائل تفكيك قبضة النظام الساقط : قبضة الاحتراب القبلي والفتنة العنصرية ، انه هدف يحتاج من الحكام المدنيين الجدد أن يجعلوه في قائمة أولوياتهم تفكيراً وتخطيطاً جماعياً ، أن يكون بنداً ثابتاً في لقاءاتهم الجماعية ومؤتمراتهم..