شيء عن النقد المغربي

. شيء عن النقد المغربي ادريس زايدي.. المغرب إن الحديث عن النقد المغربي هو حديث ذو شجون. وأن تتبع المسار التاريخي يكتنفه كثير من الغموض، إذا سلمنا ببداياته الأولى مع مطلع القرن العشرين والمراحل الأولى التي قطعها قبل الستينيات التي يكاد يجمع الباحثون في النقد الأدبي على أنها البداية الحقيقية للنقد المغربي

شيء عن النقد المغربي

.                شيء عن النقد المغربي


ادريس زايدي.. المغرب

 

 

 

  إن الحديث عن النقد المغربي هو حديث ذو شجون. وأن تتبع المسار التاريخي يكتنفه كثير من الغموض، إذا سلمنا ببداياته الأولى مع مطلع القرن العشرين والمراحل الأولى التي قطعها قبل الستينيات التي يكاد يجمع الباحثون في النقد الأدبي على أنها البداية الحقيقية للنقد المغربي .
  هي حركة نقدية نسلم بوجودها، رغم ما اعتورها من بطء، يكاد يخفيها. وهو الأمر الذي يمكن إرجاعه لعوامل كثيرة، أهمها عامل الاستعمار الذي فرض المواجهة الإبداعية إلى جانب المواجهة السياسية، حتى غدا التفكير في النقد ينعدم لولا ما كان يستحسن مثلا في القصيدة ذات المنزع الوطني، والحض على الجهاد والمقاومة. وكان هذا الشعور من وراء القول الشعري غالبا، وذلك لقربه من الشعور الجمعي بمسؤولية المقاومة.
    ولمثل الواقع القلق أن يهتم بالإبداع لا بنقده. وليس الإبداع غير ضرب من الكلام   الإبداعي المرتبط بالحالة النفسية والوجدانية، التي تنطبع فيها رقة الكلمة، وروعة التصوير. هو إحساس يكاد ينفي الرؤية النقدية إلا ما كان انطباعا في مسامرة ليلية أو مساجلة في حلقة حميمية. وهذا الفضاء العام لم يكن يعقد المقارنة بما كان يصل من إبداع من المشرق أو الغرب رغم نزره. وهو ما جعل الإبداع المغربي في حلقة تكاد تكون مغلقة، لولا بعض المجلات التي اخترقت المجال لوجود المطبعة التي كان دورها غير متيسر للعامة، ولا يسعفه  الواقع، واقع تحت مجهر المقاومة التي تخضع الإبداع لخلفياتها .وهذا سيجعل من التواطؤ الضمني بين المبدعين أمرا يكاد يكون أساسا فكريا عاما، بحيث يرى المبدع أن قول الشعر أهمُّ من نقده ، أو على الأقل تأجيل له.
      وحين يجمع النقاد على أن عقد الستينيات هو البداية الفعلية للنقد المغربي، فإن ذلك يعود للإحساس بمسؤولية النقد والناقد. ما دام النقد عملية تتماهى مع العلم والمعرفة عموما. وهذا لم يتيسر إلا بعد التخلص من الاستعمار والانفتاح على الثقافات الأخرى الفلسفية والمعرفية منها. والتي ساعدت الجامعات فيما بعد في امتلاك آليات الفكر والنقد.
     و لقد كان على النقد الجاد أن ينتظر حصول التراكم المعرفي والفلسفي من جهة، وتراكم الإبداع في المغرب من جهة أخرى. ستسهم فيه الحركات الفكرية والسياسية في مغرب ما بعد الاستقلال، حركات كانت من وراء تأسيس اتجاهات فكرية، انطبعت بخلفياتها الثقافية الدينية والسياسية، بحيث أمسى كل فريق يدافع عن توجهه: من سلفية إصلاحية، ومن ليبرالية مصلحية، ومن يسارية مندفعة. يقود كل فريق تشبعه بما كان يصل من الشرق والغرب على السواء. وفضيلة هذا التدافع هو الحث على البحث عن سبيل لتأسيس رؤية نحو المستقبل. وفي هذا الخضم لعب الاطلاع والترجمة والإبداع يشكل الحركة الثقافية المغربية للمرحلة.  
  في هذا الإطار كان تدريس الأدب. تدريس لم يتخلص من طريقة التقليد لما ألف في الأدب العربي كضرورة مرحلية. فقد وجد الأدب العربي المشرقي له أنصاره في المغرب، في الوقت الذي لم يحقق الأدب المغربي تراكما يسمح بولوج المدرسة والجامعة. أو بعبارة أخرى كان أدب المشرق النموذج الذي راهنت الجامعات والمدارس على تدريسه ، إذ لم تتوطد بعد علاقة الثقة بما كان يكتب في المغرب . ولولا أن عرَّف عبد الله كنون بالأدب المغربي في المشرق لبقي مجهولا عند المشارقة. وإذا كان حال الإبداع المغربي بهذه الصورة، فليس الحديث عن النقد الأدبي أحسن منه حالا .
      ولعل واقع تدريس الأدب لم يتخلص من انطباعيته، وأعني الشعر الذي حضي بالاهتمام في التدريس . حتى أن الذين اهتموا بنقد الشعر هم الشعراء أنفسهم دون أن يستطيعوا تصريف ما يكتبون خارج المؤسسات التعليمية. أما الرواية والقصة، فحتى حدود عقد الستينيات لم يكن إنتاجهما قد تجاوز عددا يثير الاهتمام، على خلاف الشعر،مع شعراء ركبوا مغامرة الخطاب الشعري كعبد الله راجع وأحمد المجاطي وغيرهما.
  في ظل هذه المحاولات الأولى لنقد الشعر في المغرب نما الإحساس بمسؤولية الناقد. وهو إحساس سيحمل الناقد السبعيني على تجاوز الانطباعية المدرسية، بحثا عن آليات نقدية جديدة تسمح بالكشف عن أغوار النص الشعري ، وعن بنياته. فراح الناقد يبحث عن المعرفة كسبيل لامتلاك القدرة على تعرية الكتابة الشعرية. وأولها الأدوات المنهجية . حيث راح يفتش عن الخلفيات الفلسفية لمناهج التحليل في مضانها، تحذوه الرغبة في تجاوز التحليلات المدرسية التوصيفية البسيطة. وسيُفرض على الناقد مواجهة جديدة مع النص من حيث استقلال بنيته، أو من حيث انعكاسه للواقع التاريخي الذي نشأ فيه. وقد انضاف لهذا الهم  مواجهة الرؤية التقليدية للأدب. كما كانت فكرة الواقعية والالتزام في العقد السبعيني خلفية للكتابة النقدية كما الشعرية. ونتج عن ذلك  مواجهات حادة ، انعكست على الحقل الأدبي المغربي فيما بعد،
    وأمام هذه التجاذبات شعر الشعراء بابتعاد النقد عن مهمته  لصالح  المرجعيات السياسية التي أفقدت الأدب خصوصيته، يقول  محمد بنيس :"كانت التحولات الشعرية في المغرب الحديث مهووسة "بالتحولات السياسية منذ العشرينات إلى السبعينات، فيما تركها الحديث السياسي تابعة سواء على مستوى الحديث النقدي، أو على مستوى النشر بمختلف دلالاته." . ويرى نجيب العوفي أن من جيل الستينات محمد برادة هو "رائدا للمشروع النقدي الجديد في المغرب"  
وهذا يعني أن النقد المغربي الحديث هو وليدُ السبعينات. يقول نجيب العوفي في هذا الشأن: "هل كان هناك نقد في الستينات وما قبلها؟  هل وجد عندنا نقاد متخصصون، مدارس نقدية، تيارات نقدية، سجالات نقدية على نحو ما كان في مصر الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، إن الجواب البديهي لهذه التساؤلات ليس إلا النفي. ما كان عندنا في الستينات وما قبلها لا يعدو أن يكون مقالات وتدبيجات وصفية وانطباعية تفيض من حين لآخر عَفوَ الخاطر، إن دلت على شيء، فعلى الكسل الفكري وغياب المنهج. ومن ثم قلتُ من قبل إن المشروع النقدي الجديد الذي يحاول تأسيسه الجيلُ من النقاد ينطلق من الفراغ" ..وليس الجيل الجديد غير عبد القادر الشاوي وإدريس الناقوري ونجيب العوفي، وإبراهيم الخطيب ، الذين حملوا لواء النقد الذي دشنه كل من محمد السرغيني وحسن المنيعي واليابوري منذ عقد الستينيات .
ففي هذا الصراع بين الثقافي والسياسي ، نشأ النقد المغربي المعاصر ، وتطور في مناهجه وخلفياته ، حتى أننا نكاد نؤكد على أن البداية الحقيقية للنقد المغربي كانت هي نهاية السبعينيات، نظرا لانفتاح الساحة النقدية المغربية  على مجموعة من مناهج التحليل، أبرزها البنيوية مع نهاية السبعينيات وخلال عقد الثمانينيات ، لكنها لم تتخلص من البعد الواقعي الذي دفع أغلب المناصرين لها  إلى تبني البنيوية التكوينية فيما بعد. ونفس الشيء يمكن قوله عن تحول أصحاب البنيوية الشكلانية إلى السميائيات التداولية التي تستهدف النظر إلى المقام التواصلي وطرفي التواصل. وهو ما سيفتح باب النقد على تبني مناهج أخرى كنظرية التلقي وغيرها ...
  * جزء من مقال يمس مقاربات في كتب نقدية.