جهاز مسعودة

جهاز مسعودة عائشة حداد.. الجزائر « أقف مقابل القرية ، وبيوتها الصغيرة تبدو راكعة أمام الجبل .أفرح أن الديك بدأ في الصياح والشمس بدأت ترشق أهدابها بالتساوي

جهاز مسعودة

جهاز مسعودة

عائشة حداد.. الجزائر

 


« أقف مقابل القرية ، وبيوتها
 الصغيرة تبدو راكعة أمام الجبل .أفرح أن الديك بدأ في الصياح والشمس بدأت ترشق أهدابها بالتساوي .حينها سوف تنهضين متثاقلة تخرجين إلى الزريبة تحلبين المعزة التي بدأ ضرعها يشح. تعودين إلى غرفة الجلوس أمام الكانون المتوهج تستمتعين بدفئه تحتكرين المكان.. . .
- كانت هذه صباحات مسعودة بنت الجبال.توقفت عن الخروج للرعي منذ أن تكلم أحد الجيران عن نية خطبتها لإبنه المغترب.
- أما أنا فحاضر أعيش على وقع نبض وخطى مسعودة.تألمني يدي وأنا أراها تجلب الماء من البئر والحبل يشد على معصمها وكفها الصغير في كل مرة.
تصلني رائحة القهوة والكسرة المطهوة للتو.
- اليوم هو يوم السوق الأسبوعي تجمع الأم ماجادت به الدجاجات من بيض ويجهز الوالد نفسه للخروج يكثر من ارتداء الملابس ينهيها ببرنوسه المخملي البني وعمامته البيضاء تاج فوق رأسه .
وشنب كثيف لامع.سوف يبيع البيض ويشتري القليل من القهوة والسكر فقط.فكل شيء هنا يزرع .
والحياة مقتصرة على الضروريات فقط.
يخرج الأب وجهة السوق غربا بخطى متسارعة يتمطى يتمتم وهو يبتعد.
ويتبعه الإبن الأصغر في الخروج جهة الشرق بقامة قصيرة وحذاء أكبر منه.يسوق بضع خرفان ومعزة. يهرول يقفز يصرخ أمام قطيعه .يتحسس زاد غذائه في الزوادة.
تبادر مسعودة في رش فناء البيت وكنس الزريبة .تناديها أمها من الغرفة العلوية الشبيهة بالمخزن.
إنه يوم عظيم أن يسمح لها بدخول هذه الغرفة.
تفتح الأم صندوقا خشبيا كبيرا فيه قطع قماش ملونة لامعة زاهية ألوانها.ومرآة مرصعة ومشط عاجي ، وحلي فضة ؛ تصحو المرأة الصغيرة داخل مسعودة تتلمس خصلات شعرها المفروك  ، بابتسامة علت على وجهها واحمرت وجنتاها.
تخبرها أمها أن هذه الأشياء لها وهي تجمعها منذ أول صرخة لها معلنة على ميلاد أنثى.
ينقضي النهار ومسعودة تسرح كثيرا في ما رأته وتمنت لمسه ووضعه على جسدها الغض.
يعود الأب مرهقا فالمشوار بعيد.
- تأخر الإبن كثيرا فالشمس مالت للمغيب.
تكثر الأم من الدخول والخروج تعض شفتيها تقبض على فستانها من الحيرة تحدث نفسها : استر يا رب استر.
تلمح إبنها من بعيد يجر عصاه باكيا تتبعه الخراف تسأله عن بعد وقبل أن يصل :أين المعزة؟؟
فيخبرها : أكلها الذئب.
حينها يخرج الأب بشتائم لم تسمع من قبل .:وأين كنت؟! من أين لنا الحليب والزبدة؟!
أما مسعودة فتشعر بغبطة كبيرة تمنت لو أن الذئب أكل الحبل المعلقة في البئر أيضا كي ترتاح.
يحمل الأب عصاه وينهال على جسد الصغير ضربا. توقفه الأم متوسلة وبصوت جنائزي تقول: غدا نبيع جهاز مسعودة .ونشتري معزة. » »