التداخل السردي واستتباع الأزمنة قراءة تطبيقية في رواية أزمنة الصرماتي

التداخل السردي واستتباع الأزمنة قراءة تطبيقية في رواية أزمنة الصرماتي                                                                                              أبو طالب محمد صدرت رواية أزمنة الصرماتي للكاتب/ الروائي عمر الصائم من دار النسيم للنشر والتوزيع في العام 2019م أسس الكاتب نصه السردي على نمط أشكال فنية متداخلة، بدءاً من البناء الشكلي ومروراً بالمضامين الفكرية، قسم الكاتب البنية الشكلية إلى عناوين بمسميات (بزوغ متأخر، انعطافات ليالٍ لا تنسى، مراودات الأبوة، ما لم يفهمه المسن، المنتمي، ثورات تهدأ، حرائق ما قبل الرحيل)، تبع ذلك تقسيم أخر مرقم من 1-2 وقبل الدخول في التقسيم الثنائي وضع الكاتب مقدمات سردية عامة شملت التقسيمين الخارجي والداخلي، وهي تركيبة سردية متداخلة نظمت مسارات

التداخل السردي واستتباع الأزمنة قراءة  تطبيقية في رواية أزمنة الصرماتي

التداخل السردي واستتباع الأزمنة

قراءة تطبيقية

في رواية أزمنة الصرماتي

                                                                                             أبو طالب محمد

صدرت رواية أزمنة الصرماتي للكاتب/ الروائي عمر الصائم من دار النسيم للنشر والتوزيع في العام 2019م أسس الكاتب نصه السردي على نمط أشكال فنية متداخلة، بدءاً من البناء الشكلي ومروراً بالمضامين الفكرية، قسم الكاتب البنية الشكلية إلى عناوين بمسميات (بزوغ متأخر، انعطافات ليالٍ لا تنسى، مراودات الأبوة، ما لم يفهمه المسن، المنتمي، ثورات تهدأ، حرائق ما قبل الرحيل)، تبع ذلك تقسيم أخر مرقم من 1-2 وقبل الدخول في التقسيم الثنائي وضع الكاتب مقدمات سردية عامة شملت التقسيمين الخارجي والداخلي، وهي تركيبة سردية متداخلة نظمت مسارات الحكي وأعطت شخصياته حرية التجوَّل في فضاءات الأمكنة والأزمنة بطرق مختلفة.

 

التداخل التركيبي (المضامين):

جاءت الرواية حاملة لعدد من المحاور الرئيسة نظمت طرح القضايا الفكرية المعاشة في الراهن الحديث، وهي امتدادات لسياقات تاريخية واجتماعية وسياسية متداخلة ومرتبطة مع بعضها بعضاً، وهي:

-جيل المتعلمين (المثقفين): الذين تعلموا على أيد الإنجليز، يمثل هذا الجيل (عاطف): (يجلسني إلى جواره لأتعلم صنعته في رتق الأحذية، وتلميع المراكيب، وحياكة ما مزقته أقدام النساء، لو لا أن أمي أرغمته على إدخالي المدرسة، لكنت الآن إسكافياً عجوزاً، انتقل من ظل لآخر، حاملاً كومة من الأحذية البالية، سأكون في الطبقة التي تدافع عنها رقية.. منذ أول يوم لي في المدرسة رفضت أبي، رفضت أن أجلس إليه في السوق... زملائي جُلهم من أبناء المشايخ والعُمد وأنا ابن صرماتي لو لا مجانية التعليم ورأفة المفتش الإنجليزي كما تخيلت ما كنت سأجد طريقاً للمدرسة، تعمدت التفوق لأدفن صورة أبي،لا كما يفعل الآخرون، يلهثون وراء التفوق، لرفع رؤوس أبائهم، ربما يفلحون في ذلك، ولكنني أجزم أن رأسه المنكفئة لن ترتفع أبداً ستظل مشدودة إلى أقدام عابري الطريق، هم يتقدمون، وهو جالس ينتظر أحذيتهم المغبرة)).

توضح هذه السردية الدور التاريخي الذي لعبه الإنجليزي في التعليم، لأنهم قصدوا خلق مثقف منفصماً عن بيئته وثقافته، أي مثقف متعالي وأناني يعاني حالات من الانفصام، وفي جميع مسارات السرد (عاطف) الدكتور صاحب المستوصف والرأسمالي الطفيلي عايش أزمنة مجتمعية باعدت بينه وبين محيطه الاجتماعي، ويقول: سألني مفتش التعليم الإنجليزي بعد أن شاهدني في مسرحية:

ماذا يعمل أبوك؟

عاطف: أبي متوفي.

رتب على كتفي وأمر المدير بصرف منحة شهرية لي.

يشير الحوار السردي السابق إلى الدور الذي فعله الإنجليز تجاه المتعلمون بإعطاءهم مرتبات شهرية للطالب وسكن مريح (تكية الخواجات) والهدف منه خلق مثقف منعزلاً عن مجتمعه. ترك هذا الاهتمام في (عاطف) ثقافة الإكراه لأبوه وأمه وأخته وأخوه حسب الله المعتوه، وجعله يهوى التحرشات الجنسية مع ابنة أخته (رقية) التي قدمت من أوروبا وعاشت في فضاء اجتماعي وثقافي مختلفان، لحظة قدومها للوطن التحقت بجامعة الدكتور (عاطف)، وحاول التحرش بها ذات مرة (أبصرت في كارمن ملامح بنات أوروبا اللائي فشلتُ في التواصل معهن إبان ابتعاثي للدراسة). هنا شخّص (عاطف) دور مصطفى سعيد المقلوب- مصطفى سعيد له صولات مع نساء أوروبا، وفشل عاطف في التواصل معهن وأراد أن يحول هذه الثقافة إلى مجتمع في أصله منضبطاً أخلاقياً، ناهيك عن تحرشه بأبنة أخته، تكررت أفعال التحرش في الجامعة مما دفع عدد من الطالبات إلى الإنخراط في التجمعات السلفية وإرتداء الحجاب والانضمام في الجامعات الجهادية.

أصبحت الجامعة مكاناً للاستقطاب الجهادي لعدد من الطالبات ومن ضمنهن (كارمن)، وسافرت معهن إلى البلدان العربية ونظمن صفوفهن في الجماعات المتطرفة بأمر من السلطات الجهادية. دفع (كارمن) لهذا التطرف والانضمام فعل التحرش الذي فعله عاطف سابقاً، إذ فصلنا ممارسات التحرش من سياقها التاريخي، نجد أن أفعاله أخذت أشكالاً مختلفة بين الأقارب، والرواية استطاعت أن تلتقط هذه الثقافة في إطار مجتمعي يلاحظ اليوم، وجميع الطالبات اللائي التحقن بجماعات الجهادين عدن منجبات بما فيهن (كارمن) التي أنجبت طفلاً من زوج إيطالي.

- ثقافة الإكراه: أظهر السرد هذه الثقافة بين عاطف ومحيطه الاجتماعي وتحديداً مع أخيه (حسب الله) المعتوه، وتمثل فعل الإكراه في رضاعته وموته في البحر، لأن عاطف تسبب في وفاته باعتباره أرغم الصبية أن يذهبوا به للبحر، ولأنه يزيد لهم عدد صيد الأسماك. كما ورد على لسان الصبية، شخصية (حسب الله) المعتوه على الرغم من قصر دورها أبرزت معتقد شعبي وهو شخصية لم يطل عمرها رغماً عن إسهامه في رفع المستوى المعيشي، وهو أخذ طابع شخصية أقرب إلى شخصية (الزين) لكن الكاتب اختصر مساحات دوره.

- حادثة عنبر جودة الزراعي (استحضار الذكرى): وردت هذه الذكرى في صيغة حكي أباح به الصرماتي عن ذكرياته لأخيه (حسنين) الذي حدثت وفاته مع مزارعي عنبر جودة، الحادثة التاريخية الشهيرة التي حدثت بعد تكوين أول حكومة وطنية، عندما أضرب المزارعون مطالبين بنصيبهم في بيع الأقطان- جاءت هذه الذكرى أثناء ممارسة الصراماتي لمهنة خياطة الأحذية، أصبحت الذكريات لديه بمثابة طقوس أشبه بالطقوس المصاحبة لفنون الأداء في الثقافة الشعبية. وهناك أيضاً ذكريات تواردت لديه أثناء معالجة الطبيبة لأسنانه، وردت حكايات كثيرة منها زواجه (لبتول) المرأة التي تزوجها من المسيد ويوصفها الراوي بالفجور الجنسي مع الحطابون، وحتى في لحظات استحضاره مرت أمام عينه ذكريات ماضيه التي عرضها في أشكال سلسلة من المواقف رأى أناس بثياب قديمة، وحيوانات باعها واشتراها، ونساء على فرش بلدية وحشود تصلي وتهتف وزوجته (بتول) على صهوة برش، و(بخيتة) على مقعد، و(حسب الله) بملابس مبتلة وعلوية تحمل طفلها، إذن أزمة الصرماتي في النص جعلته رهين لسجن الماضي دون التأقلم مع الحاضر.

- التيار الإسلامي: أنضم عاطف لهذا التيار واستطاع أن يؤسس نوع من العلاقات مع رموزه القيادية أمثال الرئيس وحرمه، ناقش الكاتب في هذا المحور عدد من أنواع الفساد والتلاعب بثورة الشعب، عكس هذا التيار الوضع السياسي الحديث ونهاياته الفاضحة وسقوط رموزه، وهروب قياداته بما فيهم الرأسماليين الطفيليين، وفساد زوجة الرئيس وتمتعها بثروات هائلة، قاد هذا الاتجاه الرواية إلى تسليط الأضواء على الوضع السياسي والاجتماعي الحديثين.

-أزمة الصرماتي (حضور الانثي): ارتبطت حياة الصرماتي بعدد من الزيجات والهدف منها البحث عن ابن يحمل اسمه، لأنه واجهته صدمة في انفصال ابنه (عاطف)، لجأ الصرماتي إلى تعدد الزيجات بحثاً عن مولود يرث حياته بالمزيد من العطاء، تزوج الصرماتي في أخريات أيامة (بعلوية حسين) وعلوية أثرت نمط الحكي عن حياة الجهاديين بحكايتها عن زوجها الذي توفي في أشهرها الأولى، وحصدته الحرب في الجنوب أيام فورة الجهاد، وأن التلفزيون نقل كرامات عن زوجها، ارتبط بها وأنجب منها ابناً سمي على اخيه (حسنين)، تكشفت عبر هذه الحكاية عودة زوجها الجهادي الذي جنوا مستحقات مالية من الدولة كأسرة شهيد، وجنوا من استشاهده الكاذب كشكاً في السوق الشعبي رضخت علوية لطلب زوجها العائد وذهبت معه.

-الجوانب الفولكلورية: احتشدت الرواية بعدد من الجوانب الفولكلورية مثل الثقافة المادية المتمثلة في: حرفة خياطة الأحذية والقرمصيص وعطر الصندل والطلح، وطب التقليدي: المتمثل في نوع الأعشاب التي يتداوى بها الصرماتي من إلتهاب الأنف والحمى مثل: (القرض، الكمون الأسود، والحرجل)، وهناك أيضاً العمارة التقليدية المتمثلة في الراكوبة التي شيدها الصرماتي في طرف الوادي لممارسة مهنته فيها وتوظيف المعتقد الشعبي.

اهتم الكاتب بالجانب الفولكلوري في الرواية قاصداً العودة إلى الجذور الثقافية والتمسك بها مقابل شخصيات مثقفة (عاطف) رفضت هذه الثقافة وظلت معزولة عن واقعها الاجتماعي والثقافي.

  • مسار العودة: خلصت بنائية الرواية إلى عِدة مسارات في العودة شملت:
  • عودة زوج علوية وهو ليس شهيداً كما راج.
  • عودة الطالبات من الجهاد بما فيهن كارمن.
  • عودة عاطف لكنف الأسرة والتخلي عن كل تجمعات سابقة.
  • عودة فريد زوج رقية إلى ثقافته الأم
  • عودة كارمن إلى ثقافتها الأم (إلتحاقها بالجامعة).
  • عودة الصرماتي إلى أسرته.
  • عودة علوية لزوجها العائد.

 

خاتمة:

تحركت الرواية في مسارات أزمنة تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وأبرزت في كل جانب تركيبة سردية مرتبطة مع الأخرى، ويمثل (عاطف) نقطة ارتباط أساسية لهذه الجوانب، يلاحظ أنه في الجانب التاريخي يمثل طبقة المثقفين الذين درسوا في نمط تعليم إنجليزي، وفي الجانب الاجتماعي الثقافي يمثل المثقف المنعزل، وفي الجانب السياسي يمثل الإسلامي المخادع صاحب الثروة الاقتصادية، تمتاز شخصية (عاطف) بحضور أقوى من شخصية (الصرماتي) والأخير ارتبط حضوره في وجهين- تعدد زوجاته وهروبه من الحاضر إلى ذكريات ماضيه- نجد أن الشخصية التي يمكن أن تساهم في بنية السرد شخصية          (حسب الله)، لكن الكاتب اختصر دورها وقيدها بحدود ثقافة الإكراه من قبل (عاطف)، وإسهامها يتمثل في دور المعتقد الشعبي (الكرامات).