إدجار آلن بو شاعر قتلته العبقرية بقلم: سيف الدين حسن بابكر

إدجار آلن بو  شاعر قتلته العبقرية  بقلم: سيف الدين حسن بابكر

إدجار آلن بو

شاعر قتلته العبقرية

بقلم: سيف الدين حسن بابكر

 

جورج برنارد شو بكل إسمه وملكاته كتب عن إدجار آلن بو قائلاً: (إدجار آلن بو أرّقَ الشعراء إحساساً وأصدقهم تعبيراً... بل وألطف شعراء الدنيا حساً وأعلاهم فناً، وما أحسبني تعلمت في الأدب شيئاً ذا قيمة إلا من هذا الأستاذ الرائع).

أما المفكر والفيلسوف البريطاني برتراند رسل فقد كتب قائلاً : (ليس الأدب في نظر "بو" سوى محاولة الإنسان لاستعادة قدرته على إدراك هذا العالم من خلال الرؤى والأحلام والأطياف التي تصل به إلى كنه الجمال الأزلي الذي لا يخضع لمعايير الحياة اليومية المتقلبة).

بدأت مأساة إدجار وهو في الثالثة من عمره بعد أن توفيت أمه فقامت أسرة السيد جون آلن بتبنيه خاصة وأن أسرة السيد جون آلن لم تُرزق بأطفال. فتولت تلك الأسرة تربيته ومنحته إسمها حتى أصبح على مشارف الجامعة. وهنا بدأ التنازع بين إدجار ووالده بالتبني السيد جون آلن الذي كان يرى بأن على آلن أن يلتحق بكلية الهندسة بينما آلن كان يصر على دراسة الشعر.

كتب إدجار عن ذلك التنازع قائلاً: "إنه لا يرى السعادة الحقة إلا في الثراء لا شيء غير ذلك. وقد يراها أبي حين ينظر إلى خزانته، ولكني أعرف أنها في خزانة أخرى، في جوف الظلام وفوقها غراب!!

" لا أعرف من أين جاء ... لكنه

دائماً قرب نافذتي

ينظر إليّ كأنما يخترق جسدي بنظراته!!

لا تنطق أيها الغراب

أي قدر يلقيك أبداً في طريق أوهامي

إنني أحبك رغم أنك تحمل لي الهلاك!!

 

ورث إدجار مزاجاً متقلباً من أمه وأبيه انعكس على مسار حياته فأدمن الخمر والقمار. وأحب في صباه الباكر جارته "ألميرا". إلا أنه تركها خلفه بمدينة "ريشموند" وسافر ليلتحق بالجامعة فتزوجت في غيابه.

المبالغ التي كانت تصله من والده كانت لا تفي باحتياجاته فأدمن القمار ظاناً أن ما يكسبه منه سيحل مشاكله المادية إلا أن فأله قد خاب وحاصرته الديون. وكتب في مذكراته: (الموت والمرض والفناء !! كل هذه الأشياء كُتبت على أسرتي، وعن قرب سألحق بأختي.. جنبني يا رب الجنون، جنبني فقدان العقل).

أحب إدجار أم أحد أصدقائه وكانت تكبره بعشرين عاماً وهام بها أيما هيام، ولم تسعفهما الأيام كثيراً إذ مرضت حبيبته بإلتهاب رئوي حاد مما أدى إلى موتها وكأن السماء أدانت تلك العلاقة المحرمة.

ساءت حالة إدجار بعد وفاة تلك الحبيبة وأصبح ملازماً لقبرها! إلا أنه تحت إلحاح أمه بالتبني عاد لمزاولة دراسته الجامعية وقبل ذلك لم ينس أن يعلق قصيدة على قبرها:

(غريباً كان شحوب وجهك!!

غريباً كان أسلوبك في الزينة!!

غريباً وجميل !!

والأغرب أن ينتهي هذا كله، بموت

وأن تغلقي عينيك الجميلتين إلى الأبد

بينما أشباح الأحياء الذين أحبوك

تهيم في ظلام الجبّانة

وتنعي الحب الوحيد الصادق

الحب الوحيد الذي قضى عليه الموت).

 

رضوخاً على رغبة أمه عاد مرة ثانية للجامعة إلا أن إدمانه للخمر والقمار ظل كما هو وتم فصله من الجامعة.

إرتحل إدجار من ريشموند إلى مدينة بوسطن وهناك تبناه صاحب مطبعة صغيرة وطبع له أول مجموعة من أشعاره بعنوان "تيمور لنك وأشعار أخرى". كان المبلغ زهيداً بحيث أنه لم يغطي احتياجات آلن لأكثر من أسبوع، عاش بعدها متشرداً في الطرقات جائعاً وبائساً والبرد يخترق عظامه. اضطر تحت هذا العوز أن يعود إلى ريشموند، إلا أن مواجهة قاسية تمت بينه وبين السيد جون آلن! إنتهت بطرده من منزل العائلة وإلى الأبد – في غياب أمه -.

عاد آلن لبوسطن مرة أخرى وقام بالالتحاق بالجيش حيث لم يمكث فيه أكثر من شهرين تم بعد ذلك الإستغناء عنه لارتكابه العديد من المخالفات المروعة. عاد بعدها لريشموند ليجد أن أمه بالتبني قد ماتت وبالتالي ما عاد هنالك ما يربطه بأبيه بالتبني فعاد مرة أخرى لبوسطن وشارك في مسابقة للقصة القصيرة وكان أن فازت قصته " سقوط منزل آثر" بالجائزة الأولى .

فوز إدجار آلن بو بجائزة القصة القصيرة التي نظمتها مجلة بوسطن دفع ذلك الحدث إدارة المجلة لتسند رئاسة تحرير مجلتها الأدبية لإدجار آلن بو.. وكانت تلك أعظم فترات حياته أدبياً ومادياً حيث استطاع أن يكتب أروع ما كتب من قصص قصيرة مثل: "القطة السوداء، البقة الذهبية، السقوط في الدوامة، الخطاب المسروق".

أبانت أعمال إدجار بقابلية العقل البشري للوقوع في براثن الإجرام، والوصول إلى أقصى درجات العنف والقسوة.

يرى إدجار أن القوة اللاعقلانية غالباً ما تؤدي إلى إلغاء الحدود في النفس البشرية بين الإنسان والوحش الكامن فيه.

جاء في أحد النصوص التي كُتبت عن إدجار ما يلي:ـ

" لن تجد في أعمال "إدجار" كلمة لا ضرورة لها. في الشكل العام لأعماله الأدبية لا توجد كلمة واحدة ليس لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالبناء الذي قرر الفنان أن يقيمه لأعماله".

الشهرة لم تصده عن الشراب بل عاد أكثر شراسة ونهم فتخلى عن رئاسة تحرير المجلة وانزوى من بعد ذلك واعتزل الناس لكنه لم يتوقف عن الكتابة فأصدر أروع ما كتب: "سر ماري روجيه، وقوة الكلمات، وأليجيا".

إرتحل إدجار من بعد ذلك إلى بلتيمور حيث تزوج إبنة خالته "فرجينيا كليم" ذات الثلاثة عشرة عاماً.

لم يمكث مع فرجينيا سوى أربعة أشهر عاد بعدها إلى ريشموند حيث تمكن من نشر تسع قصص في كتاب لقىّ رواجاً كبيراً.

كان سعيداً في بدايات حياته الزوجية إلا أن مفهوم الموت كان يشكّل له هاجساً سلبه سعادته وأربك حياته مع زوجته فرجينيا، وقال لأحد أصدقائه: (إنني أخون فرجينيا مع الموت.. إنني أحب الموت وهو يحبني وأخافه.. والمحزن أنه لا يخافني كما أخافه).

طلّق إدجار الخمر للأفيون وجر فرجينيا معه لذلك المستنقع وصار يصرف كل ما يكسبه من كتابة القصص القصيرة ليلبي رغبة فرجينيا ولعنة الأفيون تطاردهما حتى سقطا في مستنقع الإدمان. أصاب الدرن فرجينيا وكتب إدجار أعظم قصائده المسماة "بالغراب" "Black Raven" وهو جالساً بجوارها مواسياً إلى أن ماتت بين ذراعيه في ديسمبر عام 1845م.

أصبح إدجار هائماً على وجهه كشبح لا كإنسان حتى عثروا عليه فاقداً الوعي على الشاطئ وأسلم الروح في السابع عشر من مايو عام 1846م. ويُقال أن الممرضة عندما سألته عن هويته عمن يكون؟ قال لها: (أنا الشيطان، لا أدري من أي جحيم خرجت ليرأف الرب بروحي). ومات شاعر أمريكا العظيم وعمره لم يناهز الثامنة والثلاثين.

قصيدة الغراب "The Black Raven" تُعتبر ملحمة شعرية تأتي على رأس كل شعراء الإنجليزية أينما كانوا ولا توجد ترجمة لها بالعربية تُرضي قراء العربية لتنقل المعنى وتعكس المبنى ولا شروح تفك مغاليقها وتقربها للفهم.

ملحمة "الغراب" هي قصيدة رمزية غارقة في التشاؤم باحثة عن المُثل التي بشَّر بها إفلاطون خاصة فيما يتصل بما وراء الطبيعة والمفاهيم التي هي خارج الرؤى الأرضية.

 

 

إن "بو" خلق من الغراب مكاناً عبّر فيه عن الحقيقة التي يراها في خياله وكان يصبو إليها وعن العدل الذي ظلت روحه متعطشة له بعيداً عن العالم المادي ومغرياته الحسية.

القصيدة تتوزعها العديد من المسارات أهمها العلاقة بين الإنسان والإله وكذلك العلاقة بين العاطفة والواجب أو القلب والعقل.

إن طرفاً آخراً من عالم آخر يدور في قصيدة "الغراب"، كون هو غير الكون المادي الذي نعيش فيه. فيها تصوير بديع وخيال شفاف يصعب إدراكه وفهمه. واستعصت رموزها على فك طلاسمها وفهمها الفهم الكامل.

مسرح أحداث القصيدة هو عالم الغيبيات كشأن معظم أعمال بو، عالم تعيش فيه الأحلام حيث تتلاقى الأرواح. وموضوع القصيدة هو خيبة أمل في هذا العالم المادي. سعى إلى الهروب منه إلى عالم أكثر طمأنينة عوضا ًعن الأحلام والخيالات.

من المؤكد أن "بو" كتب هذه القصيدة إبان احتضار "فرجينيا" وكان عمره حوالي سبعة وثلاثون عاماً ومات بعد أشهر قلائل من موتها، ذلك الشاعر العملاق التعس حياً والمشهور ميتاً والذي ذبحته عبقريته فارتحل صغيراً إلى عالم الموت الذي عشقه وتغنى بحبه كثيراً وخان فرجينيا بسبب حبه له.

 

 

سيف الدين حسن بابكر

الخرطوم، مارس 2021م

 

 

The Raven – Edgar Allan Poe

 

Once upon a midnight dreary

While I pondered, weak and weary

Over many a quarist and curious volume of forgotten lore

While I nodded, nearly napping, suddenly

there came a tapping,

As of some one gently rapping at

my chamber door

" 'Tis some visitor," I muttered, "tapping at my chamber door- only this and nothing more"

Ah, distinctly I remember it was in the bleak December;

And each separate dying ember wrought its ghost upon the floor.

Eagerly I wished the morrow-

Vainly I had sought to borrow, from my

books surcease of sorrow

sorrow for the lost Lenore 

For the rare and radiant maiden whom the angels named Lenore

Nameless here for evermore.

 

 

الغراب الأسود – إدجار آلن بو

 

ذات مرة في منتصف الليل الكئيب

بينما كنت أفكر بعمق، ضعيفاً ومرهقاً

أفكر بالعديد من الأساطير الساحرة والغريبة التي تم نسيانها

بينما تمايل رأسي، وأنا على وشك أن أغفي

فجأة سمعت صوت دقات

كان شخص ما يدق بلطف، يدق على باب غرفتي

- تمتمت قائلاً: "هل من زائر ما، "يدق على باب غرفتي"

هذا فقط وليس أكثر

آه تذكرت بكل وضوح أننا في شهر ديسمبر البارد

(وكل جمرة على وشك الموت (تشبيه: جمرة سوف تنطفئ)

صنعت شبحاً على الأرض (تشبيه: ظل النيران تبدو كالأشباح)

( بلهفة تمنيت أن يصبح الغد ) أن ينتهي الليل

حاولت أن أقرأ الكتب لكي أتخلص من حزني لكن بلا فائدة

حزني على فقدان لينور.

من أجل الفتاة المتألقة والنادرة التي سمتها الملائكة لينور

لن يذكر اسمها هنا بعد الآن إلى الأبد

(لكي ينساها)