وداعًا*..محمد تاج السر عبدالله* . *بقلم : حاتم السر سكينجو المحامي*
*وداعًا*..محمد تاج السر عبدالله* .
*بقلم : حاتم السر سكينجو المحامي*
فجعت اليوم وأنا أتأهب للاحتفال ببداية العام الهجري الجديد ١٤٤٤ بخبر رحيل الشقيق الصديق محمد تاج السر عبدالله وعشت يومًا حزينًا كئيبًا علي إثر هذا النبأ الأليم لأن الفقيد كان من أقرب الاشقاء وأعز الأصدقاء ويعتبر رحيله خسارة فادحة للوطن والحزب ولأهله وأسرته ومعارفه. فقدت السياسة السودانية والحركة الاتحادية قامة من قامتها، بوفاة المناضل الشقيق محمد تاج السر عبدالله ، بعد صراع مع المرض.
ويعد الفقيد الراحل، أحد رموز الحزب الاتحادي الديمقراطي الذين لهم بصماتهم الواضحة في تاريخ العمل الوطني.
عاصرت الفقيد الكبير في السنوات الأولي والمراحل المبكرة والمهمة والخطيرة من تاريخ المواجهة والمقاومة والمعارضة لانقلاب الانقاذ في سنواته الاولى وقد شهدت ولمست وعايشت وواكبت بنفسي مواقفه البطولية ونضالاته الوطنية وتضحياته الكبيرة وتكتيكاته القديرة التي جعلت منه رمزا كبيرًا من الرموز السياسية السودانية.كان أول عهد لي بالراحل العزيز الشقيق محمد تاج السر مطلع التسعينيات من القرن الماضي يوم تعرفت عليه بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية ووقتها كان في ريعان شبابه وقمة حيويته متميزا بحضوره ولافتًا بابتسامته التي لا تفارق محياه
وتعرفت عليه عن قرب عندما أصبحت جدة إحدي أهم محطات العمل المعارض باختيارها مقرًا شبه منتظم لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني زعيم المعارضة السودانية ورئيس الاتحاديين وهناك وجدت في الفقيد العزيز نموذج الشقيق الصديق واحسست بصدقه في القول واخلاصه في العمل ومعرفته بمتطلبات المرحلة واستيعابه للمهام الوطنية والتكليفات الحزبية .
لم يكن مستغربًا أن يقف الشقيق الراحل محمد تاج السر وينال قصب السبق في الوقوف والمساندة والمؤازرة للزعيم الأكبر مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ويكون له دور مقدر ومحفوظ في نجاح العمل الوطني المعارض ضد الانقاذ وبما أن الشيء من معدنه لا يستغرب فقد كان الفقيد سليل أسرة عريقة وكريمة لها تاريخها ومواقفها المشرفة في تاريخ السودان وفي دعم ومساندة حزب الحركة الوطنية السودانية والانتماء للطريقة الختمية .
عشت قريبًا منه عقدين من الزمان تميزت خلالها مسيرة حياته بالسمعة الطيبة ودماثة الأخلاق ورجاحة العقل وصدق الارادة وقوة العزيمة والعطاء اللا محدود . كان الفقيد من القيادات السياسية النادرة حيث اتصف بالانفتاح في أفكاره والقدرة علي التحليل السياسي والبراعة في قراءة ما بين السطور وكان رجلا حكيما متوازنا يمقت التعصب والتزمت ولا يؤذي أحدًا ولا يحمل حقدا او ضغينة علي أحد وكان طيب النفس يأسر قلب كل من يعرفه ولذلك حصد احترام ومحبة الجميع وهذا ما أهله ليكون رئيسًا لفرع الحزب الاتحادي الديمقراطي في المملكة العربية السعودية وعضوًا بأول مكتب تنفيذي للحزب بالخارج بعد مؤتمر المقطم .
كان الفقيد العزيز يعيش في مدينة جدة ويعرفها معرفة دقيقة لأن والده عليه رحمة الله ورضوانه كان من الرعيل الاول للمغتربين السودانيين وكانت جدة في بداية التسعينيات تعج بجحافل المناضلين والثوار الذين كانوا يخوضون نضالا شرسا ويقودون معارضة قوية ضد الانقاذ ازدادت وتيرتها وتصاعدت وانتظمت بقدوم زعيم المعارضة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني وتحولت عمائر السادة المراغنة بجدة الي مقر ومركز وملاذ للشرفاء المعارضين لنظام الانقاذ ولا أنسي مدي إهتمام وحرص الفقيد العزيز علي استقبال ووداع الوفود التي كانت تتقاطر لزيارة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بجدة والفقيد يقوم بلا كلل أو ملل بحصر الاسماء وتصنيفها توطئة لقيام وتأسيس التنظيم وبمعاونة قيادات الحزب بجدة في ذلك الوقت تمكن من تأسيس واحدة من أفضل اللجان وأقوي التنظيمات وساعدته الظروف بان وجد جدة زاخرة بكوادر وقيادات ورموز أمثال العمدة الاستاذ فرح يوسف والاستاذ السر أبشر والدكتور ابراهيم الماحي واللواء شرطة سيد أحمد الحسين والاستاذ فتحي شيلا والاستاذ هاشم أحمد عبدالله والاستاذ عبدالله كاروري والمهندس عبدالغفار فقيري والاستاذ بابكر عبدالحليم والاستاذ السر الماحي والاستاذ الهادي حسن بكري وحريري وشورة وعطا ومنتصر تاج السر والفاتح تاج السر والسر دقق وفضل بركات وآخرين كثر خانتني الذاكرة ولم تسعفني لذكر اسمائهم رحم الله من رحل منهم وأمد في أعمار من تبقي.
كان الفقيد العزيز محمد تاج السر خازن أسرار هذه الكوكبة من الشرفاء وقائد مسيرة هؤلاء المناضلين وأذكر أنه كان يحتفظ بالكثير من المعلومات والوثائق والارشيف الخاص بالعمل الوطني وبما أنه كان يحظي بعلاقات طيبة مع الجميع فقد نال ثقة وتقدير هؤلاء الرجال فاختاروه بالاجماع قائدا للمسيرة .وكانت أولي إنجازاته مؤتمر مكة المكرمة وقد عشت معه عن قرب أيام التحضير لذلك المؤتمر الجامع الذي جري تنظيمه في موسم الحج مطلع التسعينيات وشاركت فيه قيادات حزبية من داخل وخارج السودان وقدمت فيه جملة من الاوراق والقي فيه الشقيق الشاعر السر عثمان الطيب قصيدة ثورية بعنوان (ريح صرصر لا تبقي ولا تذر) وخاطبه مولانا السيد محمد عثمان الميرغني وصدرت عنه مقترحات ورؤي شكلت اللبنات الأولي لعمل وتحرك المعارضة السودانية .
العزاء لأسرتك الكريمة وزوجتك المكلومة شريكة حياتك وأبنائك البررة والعزاء لشقيقك الفاتح ولأهلك في المتمة وشندي والخرطوم وداخل وخارج السودان والعزاء لسيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني -حفظه الله ورعاه- وسدد على طريق الخير خطاه، اللهم ارزقه بطانة صالحة تعينه على الخير، وتدفع عنه الشر وعوضه فقد محمد .والعزاء لكل الاشقاء الاتحاديين وستبقي يا محمد فينا رغم الموت فارسا خالدًا .رحمة الله تغشاك وطيب الله ثراك وجعل الجنة مثواك وجزاك الله خير الجزاء، رحلت عن الدنيا ولكن لن ترحل من قلوبنا ستظل خالدا فيها ولن ننساك أبداً وعدًا منِّا نم قرير العين، لقد كسرت قلوبنا برحيلك، إن فقدك لعظيم ومصابك لجلل لكننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون"