خارج المتاهة / محمد عتيق* **"قحت" وتقويم الأداء… **الانتخابات "الحرة النزيهة.. *مفاهيم ومفاهيم*

خارج المتاهة / محمد عتيق* **

*خارج المتاهة / محمد عتيق*
**"قحت" وتقويم الأداء…
**الانتخابات "الحرة النزيهة..
*مفاهيم ومفاهيم*
————————————
  عندما طالب بعض الكتاب والسياسيين أن تقوم قوى الحرية والتغيير بتقويم أدائها في حكومة الثورة لم يقصدوا أن تجتمع مكونات (قحت) ويُقدم ممثلوها في الحكومة (مجلسي السيادة والوزراء) النقد والتقييم اللازمين لسنوات حكمهم ، لم يقصدوا ذلك ؛ أولاً لسبب يتعلق بالتقويم نفسه : كيف يكون ؟ وما هي محتوياته ؟ لأجل أن يكون التقويم صائباً ويؤدي إلى نتائج وطنية مفيدة يجب أن تقوم به كوادر فكرية وسياسية من غير الَّذين مثَّلوا بعض الأحزاب في الحكومة ليأتي خالياً من شبهات التبرير أو الإنكار لأن المطلوب ليست المحاسبة بالإبعاد عن التكوينات الحكومية المقبلة، لا عقوبات في الأمر ، وإنما وضع أسس جديدة للتكوين ولصياغة برامج محددة تكون أهدافاً للفترة الانتقالية ومواثيقَ ملزمة للجميع .. 
ثم ما هو مقياسنا في التقويم ؟ وهنا مربط الفرس كما يقولون لأن المقياس لا يعني سوى الأهداف ، أهداف الفترة الانتقالية ، البرنامج الذي وددنا تطبيقه وتنفيذه  لننقل البلاد والعباد من مرحلة إلى مرحلة ؛ من مرحلة الاستبداد والفساد والتديُّن المظهري الكاذب ، والثقافة القائمة على كل ذلك سلوكاً في المجتمع ، إلى مرحلة العلم والتحرُّر وبناء السلام مع النفس ومع العالم وإعادة هيكلة/تأسيس المؤسسات العدلية والأَمنيَّة والعسكرية …الخ..الخ .. قوى الحرية والتغيير لم تضع ابتداءاً برنامجاً تفصيلياً تعمل على إنجازه في الفترة الانتقالية وليكون مقياساً عند التقويم ، قُرباً أو بُعداً عنه (إلّا من أمر البرنامج الاقتصادي الذي ركله رئيس وزراء الثورة د. عبدالله حمدوك) .. 
هذا يعني ، وفي المقام الأول، أن تلتقي القيادات العليا لأحزاب قوى الحرية والتغيير لصياغة برنامج للفترة الانتقالية على ضوء ميثاق إعلان الحرية والتغيير ، واستطراداً نقول أنه البرنامج الذي يمكن أن يكون أساساً للمشروع الوطني .. 

    الانتخابات كلمة عذبة في أفواه الناس لأنها الدلالة الأولى والأساسية للحكم المدني الديمقراطي ، كلمة ساحرة تنزلق سريعاً في الأفئدة مطلباً مُلحَّاً اشتاقه الشعب طويلاً ، فيذهب الناس ومعهم بعض السياسيين والقيادات في ترديدها بتلقائيةٍ وببغائية .. لكنها - أي الانتخابات - من الأنشطة السياسية التي تكلف أموالاً طائلة ، والمال ألآن في السودان لا يملكه إلّا أفراد النظام الساقط ومؤسساتهم المختلفة سواء المباشرة أو من خلال تلك التي تتبع للقوات المسلحة .. التحالف العسكري الذي قام بانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، وفي بحثه عن مشروعية أو مبرر للحكم، يشترط وجود توافق بين الأحزاب ليسلِّمهم السلطة (وهو شرط هلامي للتعجيز) أو قيام إنتخابات عامة لتكون السلطة لمن يختاره الشعب!! هل يعني هذا أنّ تحالف البرهان/حميدتي فعلاً يريد إقامة الركن الديمقراطي الهام "الانتخابات"؟ ، أم هي حيلة لهدف آخر ؟ .. نعم ، الدعوة لإنتخابات (حرة ونزيهة) - كما يُرَدِّدُون - هي حيلة ، أولاً : للتأكيد على أنهم هم قيادة الثورة (ثورة ديسمبر) وأنهم الأوصياء على هذا الشعب .. ثانياً : وبالحديث عن مشاركة الجميع دون إقصاء لأحد في الانتخابات إنما يُمَهِّدون لعودة الإسلامويين ، قيادتهم من وراء حجاب ، ذوي المال، وحلفاءهم إلى الحكم عن طريق الخيار الديمقراطي الحر ، (الانتخابات الحرة النزيهة) التي لا يتنازع حولها  أحد.. ثالثاً : في ظل حكم الإسلامويين "الديمقراطي" سيجدون مهربهم وحمايتهم من المساءلة القانونية عن جرائمهم في دارفور وفي فض الاعتصام (٣يونيو٢٠١٩).. 
      أمّا الانتخابات الحقيقية كاستحقاق ديمقراطي في حالتنا الراهنة فإن لها برامج وواجبات يجب تنفيذها بالشرعية الثورية ، لتنتهي بعقد"مؤتمر قومي دستوري" يقرر فيه السودانيون - فيما يقررون - كيفية حكم البلاد ، ويضعون لها دستوراً ثم قانوناً للانتخابات تجري بموجبه إيذاناً ببدء الحكم الديمقراطي وشرعيته ..
الحديث هنا عن "برامج وواجبات يتم تنفيذها بالشرعية الثورية" لا يُعبِّر عن أية نزعةٍ تسلُّطيَّة وإنما انسجاماً مع ثورة ديسمبر ٢٠١٨ : أهدافها ومطالبها .. في السودان نقف على موروث ضخم من الفساد والتسيُّب والاستبداد وزوال/عدم الدولة كمفاهيم وكمؤسسات .. أيام التيه والضياع طالت وتمدَّدَت بين عامي ١٩٨٩ و ٢٠١٩ وحتى الآن ، تراكمت خلالها جرائم إقتصادية وحقوقية جسيمة تحتاج لسنواتٍ وسنوات من الإصلاح والتعبيد الصحيح لمرحلة البناء والنهوض ، نحتاج لوضع لبنات متينة على طريقٍ طويل لاقتلاع ثقافة "الانقاذ" في الكذب والهمبتة والتضليل بإسم الدين وكمية ضخمة من الرذائل ، نحتاج صياغة مناهج في التعليم وفي الطبابة تكون دليلاً لصحة الناس وبناء أجيالهم الجديدة القادمة ، وإصلاحاتٍ إقتصادية تلمس معاش الشعب وهمومه اليومية … هي جملة الأهداف التي تفجرت الثورة لتحقيقها، والتي لا بد منها لنصل إلى (هدف الأهداف) : الانتخابات .. هي الثورة التي سمحت للإسلامويين وحلفاءهم أن يتحدثوا علناً عن "الإقصاء" الذي مارسوه هم ثلاثين عاماً وقاومه الشعب بصمت إلى حين انفجاره في ديسمبر ٢٠١٨ ، حديثهم وبروزهم العلني بعد أن كانوا قد اختبأوا في اجحارٍ خرجوا منها عندما لمسوا ضعفاً بيِّناً في صفوف(قحت) وحكومتها ..
 24.07.2022